فريدريك ويري، أرييل أ. آرام
عرض وتلخيص: ميثاق مناحي العيساوي
إن هذا المقال هو في الأصل دراسة بالعنوان أعلاه. وقد ركز الكاتبان على أنموذجين في هذه الدراسة ألا وهما الأنموذج العراقي والليبي في بناء الحرس الوطني. ونحن بدورنا لخصنا وعرضنا الدراسة بمقالين ركزنا فيهما على الأنموذج العراقي مع الإشارة بشكل بسيط إلى الأنموذج الليبي.
بالطبع، مفهوم الحرس الوطني تواجهه عقبات كثيرة وصعبة، كما تبيّن بوضوح خلال دراسة هذه التجربة في العراق وليبيا. إذ إن هيكلية الحرس تطرح أسئلة كبرى حول قضية تماسك الدولة ككل، وحول عملية المساءلة فيها. فهذه القوى قد تُضعِف الدولة بدل أن تعضدها. لكن، إذا ما بُنِيَت على أُسُس سليمة، فقد تخدم كخطوات أولى مبدئية على الدرب الطويل نحو ترتيبات جديدة لتقاسم السلطة تستند إلى مبدأ الشمولية للجميع والتمثيل المحلي، بدلاً من ممارسة المركز الإقصاء والقمع. وبهذا المعنى، قد تكون هذه القوى أفضل أمل لاستعادة الاستقرار في هذه البلدان الهشّة. لكن في نهاية المطاف، فإن تشكيل الحرس الوطني يجب أن يرتبط بالإصلاحات في ميادين أخرى، إذا ما أُريد لهذه المقاربة أن تنجح. والأولوية القصوى هنا هي الإصلاح داخل قطاع الأمن نفسه، بما في ذلك ترقية ثقافة التعاون بدل التنافس، وتعزيز حلقات القيادة والإشراف الدقيق بين الفصائل وبين أجهزة الأمن النظامية. وثمة أمر ملحّ آخر هو الإصلاح السياسي، الذي يؤثِّر على الطريقة التي تُوزَّع فيها السلطة وتُستوعَب بموجبها الأقليات العرقية – الطائفية والمجموعات الأخرى في تضاعيف الدولة.
منازلة “الدولة الإسلامية”
تبين الإنجازات المفاجئة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في مقاطعتَي الأنبار ونينوى في غرب العراق في صيف 2014، بمدى الهشاشة التي كانت عليها هذه الترتيبات. فالقوات النظامية العراقية أظهرت كم هي ضعيفة التدريب وتفتقد إلى الانضباط، فقد تبعثرت بسرعة ولاذت بالفرار. ووفق بعض الإحصاءات، تبيّن أن 300 ألف من العسكريين المسجّلين في قوائم قوات الأمن العراقية، أي نحو 30-40 في المئة من إجمالي القوات، كانوا وهميين ولم ينخرطوا البتة في الخدمة الفعلية.
حينها، دخلت الفصائل الشيعية غير الدولتية على الخط لملء الفراغ، وأصدر أية الله السيستاني – وهو السلطة الدينية الشيعية العليا في العراق – فتوى تدعو المدنيين العراقيين إلى حمل السلاح دفاعاً عن النفس. وبعدها أعاد جيش المهدي الهاجع تشكيل نفسه بسرعة، وتمركز في ثكنات في بغداد وسامراء القريبة منها. كما أرسلت إيران وحدة قوات خاصة من الحرس الثوري الإيراني – وهي فيلق القدس – للمساعدة على تنظيم وتجهيز وتدريب قوات الأمن العراقية “وقوات الحشد الشعبي”. في آب/أغسطس 2014، بدأت الولايات المتحدة في تقديم الدعم الجوي للقوات العراقية التي تقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية”. وسَعَت واشنطن إلى تحفيز الحكومة العراقية من أجل مد يد التعاون إلى الطائفة السنّية. وعمد الرئيس الأميركي باراك أوباما على وجه التحديد، في بيان أصدره في 10 أيلول/سبتمبر 2014، إلى طرح مسألة الدعم الأميركي لتشكيل حرس وطني، كوسيلة لمساعدة الفئات السنّية العراقية على تحصين حريتهم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
حينها، شبَّه العديد من المعلقين فكرة الحرس الوطني بالحرس الوطني الأميركي، فيما عمد آخرون إلى ربط الحرس الوطني الجديد بتجربة الصحوة السنّية، حيث إن توفير الدعم العسكري والمالي من خلال الحرس الوطني قد يشجِّع فصائل القبائل السنّية على الانقلاب على متطرفي “الدولة الإسلامية”. ووفق التصوّر الذي طُرِح حول الحرس الوطني، ستوضع الفصائل تحت إشراف حكّام مؤقّتين، ويمكن أن تستدعيهم الحكومة المركزية للخدمة كوحدات احتياط معاونة للجيش النظامي. لكن، لا قوات الحشد الشعبي ولا مبادرة الحرس الوطني كانتا تستندان إلى أُسُس قانونية مكينة. والدستور العراقي يحظّر على وجه الخصوص تشكيل فصائل خارج إطار القوات المسلحة (ماعدا قوات البيشمركة الكردية).
ومع ذلك، بدا في البداية أن فكرة الحرس الوطني قادرة على الإقلاع، إذ أعرب رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي عن دعمه للفكرة، وجرى طرح مسودة قانون في هذا الشأن في البرلمان العراقي في تشرين الأول/أكتوبر 2014. كما أجرى مسؤولون حكوميون أميركيون وعراقيون محادثات مع شيوخ القبائل السنّية الرئيسة في غرب العراق وبرز 2000 متطوع في مقاطعة الأنبار وفي مدينة كركوك الشمالية، وتطوّع رجال القبائل لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” بإشراف أنور العاصي شيخ قبائل العُبيد. علاوة على ذلك، التقى مسؤولون أميركيون مباشرة مع شيوخ القبائل في الأنبار، بما في ذلك أحمد أبو ريشة الذي قاد شقيقه حركة الصحوة إلى حين اغتياله في العام 2007.
لكن، سرعان ما تبدّد هذا الزخم، الذي انطلق في البداية مع طرح مبادرة الحرس الوطني المُقترحة، هباءً منثوراً. فواجهت المبادرة مقاومة حادة داخل معسكر العبادي، وجرت عرقلة تعيين مرشحي العبادي في مواقع حسّاسة مثل وزارتَي الدفاع والداخلية. كما أن مشروع قانون الحرس الوطني وَهَن وفَقَدَ حيويته في البرلمان. وفي خاتمة المطاف، شغل منصب وزير الدفاع سياسي سنّي مخضرم لكن ليس له سوى تأثير ضئيل على المقاطعات الحاسمة التي أقام فيها تنظيم “الدولة الإسلامية” موطئ قدم له. وشغلت شخصية مرتبطة بالمجلس الأعلى الإسلامي منصب وزارة الداخلية، الأمر الذي عزّز الروابط بين الحكومة وقوات الحشد الشعبي.
أما السنّة فقد أطلوا على الحرس الوطني بوصفه أداة للمطالبة بحكم ذاتي فعّال وبمشاركة أوسع في تقاسم السلطة، مقارنين ذلك بما حصلوا عليه من الولايات المتحدة في العام 2006. واشترطت بعض القبائل السنّية في الأنبار أن تترافق مشاركتها في الحرس الوطني مع إخراج قوات الأمن العراقية من المحافظة. وكما كان متوقّعاً، شكّكت الحكومة بنوايا السنّة، وبدت مُحترِسةً من تشكيل قوة قد تُصبح طرفاً موازناً للحكومة المركزية، أو حتى تتحالف مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ثم أطلّت الاعتبارات الجيوسياسية برأسها لتفاقم من مثل هذه المخاوف. ففي حين أصبحت الحكومة المركزية العراقية معتمدة أكثر فأكثر على إيران ، خاصة في ما يتعلق ببناء قوات الحشد الشعبي في ظل غياب الدعم العسكري من قبل الولايات المتحدة وتنصلها عن تفعيل الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن، خطّطت الولايات المتحدة للاستعانة بدول عربية سنّية، مثل الأردن والسعودية ودولة الإمارات العربية، لتوفير التدريب والدعم للحرس الوطني، وهذا ما زاد من إمكانية تحوُّل هذا الأخير إلى وكيل للولايات المتحدة والدول العربية السنّية داخل حلبة السياسات المحلية العراقية. علاوة على ذلك، عد العديد من العراقيين أن الحرس الوطني هو خطوة أخرى في اتجاه تفتيت العراق ككلّ. وعلى سبيل المثال، حين علم قادة الأقلية التركمانية بأن ثمة إمكانية لتشكيل فصائل سنّية، اندفعوا بصخب للمطالبة بتشكيل وحدات فصائل خاصة بهم.
فيما كان الأمل بإقامة حرس وطني رسمي يخبو ويضمحل في أواخر عام 2014، كانت فصائل الحشد الشعبي تواصل النمو في محاربة تنظيم “داعش”. ومع ذلك، شابت هذه الفصائل بعض المشاكل الرئيسة المتعلقة بالانضباط والتدريب. فخلال الهجوم على تكريت في شهر آذار/مارس 2015، تمتّعت الوحدات المشتركة المُشكّلة من أجهزة الأمن النظامية ومقاتلي الحشد الشعبي بتفوُّق عددي واضح، لكنها مع ذلك تعثَّرت مراراً في مقاتلة عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”. (( لم يكن هناك تعثر في عمليات تحرير صلاح الدين بالمجمل كما يدعي الأمريكان، ما عدا مركز مدينة تكريت عندما تدخلت الولايات المتحدة لتحرير مركز المدينة كي يكتب لها النصر وتحفظ ماء الوجه في ذلك التحرير وتستبعد قوات الأمن العراقية والحشد الشعبي وأبناء العشائر في تلك المحافظة من النصر الذي بات قريباً. فهو ليس تعثرا، وإنما توقف بناءً على طلب الحكومة واعتراض الحشد الشعبي بتدخل الولايات المتحدة لسرقة الانتصار)). ثم إن الاستقلال الذاتي لقوات الحشد الشعبي عقّدت جهود التنسيق بين العراق والولايات المتحدة. فبعض وحدات الحشد اختارت التخلي عن القتال، بدلاً من التعاون مع الخطط الأميركية لتوفير الغطاء الجوي للهجوم. ومن جهتها، أصرّت الولايات المتحدة على التعاطي فقط مع أجهزة الأمن الرسمية العراقية، وليس مع وحدات الحشد الشعبي، في برامج التدريب/التجهيز.
لكن الأكثر أهمية هو أن قوات الحشد الشعبي تورطت في حملة ترهيب وترويع ضد السنّة المُشتبَه بتعاطفهم أو تعاونهم مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وشنّت حملة اعتقالات غير قانونية، وعمليات قتل غير مشروعة ضد الأفراد المتعاونين مع التنظيم. وبسبب العلاقة بين الحكومة المركزية وقوات الحشد الشعبي، فُسَّر ذلك على أنه محاولات متعمدة لترويع السنّة وربما تهجيرهم. (( كل ذلك كان ضمن حملة منظمة من قبل عناصر تنظيم “داعش” ورجال الحركة النقشبندية وبعض السياسيين الطائفيين والإعلام العربي والغربي المأجور وثوار الفنادق لتشويه صورة الحشد الشعبي, لشراسته في القتال, ولكي يُستبعد من تحرير بعض المحافظات السنية مثل محافظتي الأنبار والموصل. وإن قتل الإرهابي عزت الدوري على مقربة من تلك المحافظة، هو دليل على قيادة تلك الحملة المأجورة لتشوية صورة الحشد الشعبي أمام الرأي العام))
بالطبع، الاعتماد على قوات الحشد الشعبي فاقم مشاعر تغرُّب السنّة إزاء الحكومة المركزية، وربما حتى دفعهم أكثر إلى أحضان تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي حين أن قلّة من رجال القبائل السنّة انضمّوا على ما يبدو إلى حملة الحكومة في تكريت، إلا أن الانطباع العام عن وحدات الحشد الشعبي على أنها جمعٌ من الفصائل الشيعية بالتحديد، كان لابدّ أن يتولّد, وقد كان له دور كبير في تحرير صلاح الدين بالاشتراك مع قوات الأمن العراقية وأبناء العشائر.
الدروس المستفادة من تجارب الحرس الوطني الفاشلة
صحيح أن المحللين وصانعي السياسات يركّزون عادةً على حالات النجاح، إلا أن فهم جذور فشل السياسات مهم أيضاً لتحسين النتائج المستقبلية. فعلى المدى الطويل، ما يزال شكلٌ ما آخر من الحرس الوطني يمثّل أفضل أمل لاستعادة الاستقرار في كلٍّ من ليبيا والعراق.
في ليبيا، تُعَدّ الفصائل المُشكَّلة مناطقياً، والتي لها روابط عضوية مع المجتمعات المحلية والقبائل، حقيقةً لا مفرّ منها. فهذه الفصائل مدمجةٌ في نسيج الاقتصادات المحلية في العديد من البلدات والمناطق، وهي تؤمّن قدراً من الحماية للمجتمعات المحلية. في الوقت نفسه، ما تزال الخطط لإنشاء جيش وطني نظامي حبراً على ورق. وفي هذا السيناريو، قد يكون السبيل الوحيد إلى الأمام هو إيجاد طرق لدمج القوات المتحاربة القائمة والمنظَّمة محلياً في هيكلية قيادةٍ وطنيةٍ تشرف عليها السلطات المُنتَخَبة.
على نحو مماثل، وإن بدت آفاق الحرس الوطني العراقي ضئيلةً في منتصف العام 2015، قد يكون نموذج ما مشابه، السبيلَ الوحيدَ لإحراز تقدّم في العراق. صحيح أن عناصر الحشد الشعبي وأبناء العشائر كان لها دور في إخراج قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” من المحافظات الشمالية، إلا أن قدرتها على الحفاظ على قواتها والسيطرة على تلك المناطق ليست مؤكّدةً البتة. فقوات الحشد الشعبي تبقى بشكل أساسي قوةً غير رسمية من المتطوّعين تعمل بدوام جزئي، وليست جيشاً محترفاً، ومقاتلو هذه القوة يحاربون بعيداً عن ديارهم، فيما يحظون في أفضل الأحوال بدعم لوجستي وتقني محدود. ولذا، سيكون على الحكومة العراقية أن تجد شركاء محليين بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار ضمن المعقل السنّي، إلا إذا أصبحت قوات الحشد الشعبي بشكل من الأشكال جيش احتلال كاملا في المناطق السنّية.
تُظهِر المحاولات الفاشلة لإنشاء قوات حرس وطني بعضاً من التحديات الأمنية الأوسع التي تواجه ليس ليبيا والعراق وحسب، بل أيضاً الدول كافة في العالم العربي، حيث مستقبل الأنظمة السياسية غامض.
أولاً: ضمن الجيش نفسه، غالباً ما ينظر الضباط المحترفون إلى الحرس الوطني – في أفضل الأحوال – على أنه متطفّل هاوٍ، وفي أسوء الأحوال، على أنه منافس مباشر على السلطة والتمويل والنفوذ. وهذه المشاكل تتفاقم عندما يُعد أعضاء الحرس الوطني المحتمَلون أنهم حاربوا ضد الدولة في مرحلة ما.
ثانياً: إن تأسيس الفصائل وحظرها يمكن أن يزعزعا موازين القوى ضمن الدولة الأكبر حجماً. فحالما يُعد أن فصيلاً ما “يمتلك” مجموعة مسلحة، يُحتمَل أن تسعى فصائل أخرى إلى الأمر نفسه كوسيلة لمواجهة أي خطر محتمل.
ثالثاً: يمكن للفصائل عموماً وقوات الحرس الوطني خصوصاً أن تعقّد الارتباطات الثنائية الدولية. فالدول الخارجية غالباً ما تعد الفصائل دمى أو وكلاء في سعيها إلى التدخّل في شؤون جيرانها الداخلية. وقد تفتقر الدول الديمقراطية الخاضعة إلى الإشراف التشريعي لأنشطة المساعدة الأمنية، مثل الولايات المتحدة، إلى السلطة القانونية والبيروقراطية للانخراط والارتباط مع الفصائل شبه الرسمية، على عكس الجيش الرسمي.
ينبغي ألا تُصمَّم المبادرات المستقبلية لإنشاء حرس وطني، كما حصل في ليبيا والعراق، كسلسلةٍ من التدابير المرتجَلة وقصيرة الأمد الآيلة إلى معالجة الاحتياجات التكتيكية المحددة والمباشرة. يجب أن يُنظَر – عوضاً عن ذلك – إلى عملية إنشاء قوات حرس وطني على أنها عنصر من الجهود الأشمل المبذولة لإصلاح قطاع الأمن، وتسريح المقاتلين غير الحكوميين وتجريدهم من السلاح وإعادة دمجهم. ويجب أن يتم التجنيد في الحرس الوطني على المستوى الفردي لا على مستوى الوحدات؛ بغية منع أعضاء الفصائل من مجرّد ارتداء البزات الحكومية، فيما هم يُبقون على ولاءاتهم السابقة وتماسُكهم بصفتهم جهات فاعلة غير حكومية. كما يتعيّن توفير الفرص لعناصر الفصائل لتنتقل إلى العمل المدني أو القطاع الخاص أو لتحصل على مزيد من التعليم.
فضلاً عن ذلك، ينبغي أن يترافق إنشاءُ الحرس الوطني مع الجهود المبذولة ضمن صفوف الجيش والآيلة إلى مراجعة سلاسل القيادة التي تربط الحرس والجيوش النظامية ومختلف هيئات الشرطة والأمن الأخرى، تحت إشراف مدني وفي إطار المهمة العامة لجهاز الأمن ككلّ ومسؤولياته. ويمكن أن تبدأ هذه الجهود بإجراءات وتوجيهات رسمية، إلا أنه يجب توسيعها لتشمل تغيير العادات وثقافات انعدام الثقة المتجذّرة بين الجيش والمدنيين، والتي تُعَدّ ميراثَ عقودٍ من الحكم السلطوي.
كذلك لابد لأي مبادرة متعلّقة بالحرس الوطني أن تترافق مع مفاوضات تهدف إلى اتفاق سياسي شامل يتضمّن تقاسم السلطة والتوصّل إلى تسويات. ونجاح الحرس الوطني لا يعتمد – في نهاية المطاف – على فعاليته التكتيكية على المدى القصير وحسب، بل أيضاً على درجة التأييد المحلي، الذي يمكن أن يُشجَّع من خلال تعزيز الدمج والتبادل. كما يمكن أن تساعد التعديلات الدستورية في توطيد العلاقة المتبادلة وتعزيز الثقة بين حكومة مركزية وقوات فصائل دون وطنية. ونظراً إلى الروابط المناطقية لمعظم الفصائل، تؤدّي قوات الحرس الوطني دوراً أساسياً في أي خطوة نحو الفيدرالية ونقل السلطة. لكن في نهاية المطاف، هذه التدابير القانونية والدستورية يجب أن تترافق مع خطوات غير رسمية تضمن ولاء مقاتلي الفصائل للدولة والتزام الحكومة المركزية بالاستقلالية المحلية.
أما الحكومات الغربية فيمكن أن تساهم في هذه التدابير بعددٍ من الطرق. الطريقة الأكثر وضوحاً هي من خلال برامج التدريب والتجهيز. فالولايات المتحدة استندت إلى حدّ بعيد إلى خبرتها الخاصة في دمج الحرس الوطني ضمن جيشها النظامي كنموذج لإنشاء قوات حرس وطنية أخرى. لكن بلداناً أخرى تمتلك هيكليات أخرى لقوات فصائل بدوام جزئي، قد تشكّل أمثلةً أفضل تحتذي بها الدول العربية. ونظراً إلى الصلات الأوسع القائمة بين قوات الحرس الوطني وبين إصلاح قطاع الأمن والانفتاح السياسي، يجب أن تُحدَّد أيُّ مساعدة تُقدِّمها جهات خارجية لحرس وطني تحديداً دقيقاً لتفادي قلب الموازين في المفاوضات الدقيقة بين أصحاب السلطة المناطقيين والحكومة المركزية.
يمكن للقوى الغربية أن تساعد أيضاً في تمتين مكانة قوات الحرس الوطني من خلال العمل على تخفيف التهديدات الأمنية الإقليمية وكبحها. وبما أن العديد من الحكومات تبدي قلقها إزاء احتمال أن تتحوّل قوات الحرس الوطني إلى وكلاء للقوى الأجنبية وتُستخدَم لزعزعة الدولة داخلياً، فإن إيجاد وسائل لتخفيف هذه التهديدات الخارجية يمكن أن يساهم في جعل الحرس الوطني مستساغاً أكثر.
الواقع ،إن قوات الحرس الوطني هي مؤسسات سياسية وليست مجرّد أدوات عسكرية. فهذه القوات يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى على الاستقرار والتماسك السياسيَّين. وهي ليست ترياقاً للتحدّي الخاص ببناء دول فعّالة، لكنها يمكن أن تؤدّي دوراً مهماً في معالجة المخاوف الأمنية والمضي قدماً نحو تقاسم للسلطة أكثر فعالية.
رابط الدراسة: http://carnegie-mec.org/2015/05/07/ar-60013/i8af