باري ر. بوسن (BARRY R. POSEN)
ترجمة وعرض : د. حسين أحمد السرحان
الرئيس الأمريكي ومستشاروه يدركون على الأرجح أنهم باتجاه منحدر خطر ولكنهم يأملون بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” سيهزم ويتم القضاء عليه بوجود قوات عراقية متعددة الطوائف مع استخدام دعم محدود وانتقائي من القوة الجوية الأمريكية. ولكن إذا لم يتم بناء هذه القوة الأمنية الجديدة – والتجربة تشير
إلى عدم إمكانية ذلك – فإن الولايات المتحدة ستواجه خيارين: يمكن لها – أي الولايات المتحدة – أن تتبع الطريق الذي يؤدي بها مرة أخرى إلى المشاركة المباشرة في القتال التقليدي في العراق، وتحقيق الاستقرار. أو أن يعترف الرئيس أوباما بأن الحديث عن الهزيمة الحتمية لتنظيم “الدولة الإسلامية” في نهاية المطاف هو مجرد حديث لا أكثر. وبدلاً من ذلك، فإن الولايات المتحدة تذهب باتجاه التسوية لغرض الاحتواء، والذي يمكن أن يتحقق بكلف منخفضة ويرافقه بريق هافت للولايات المتحدة.
يستهل الكاتب مقاله بقول للرئيس باراك أوباما، نصه: “إن جهود الولايات المتحدة في تدريب القوات العراقية لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” لم تعانِ من ضعف القدرات التدريبية فحسب، بل تعاني من قلة عدد المتدربين أيضاً”. ولذلك يرى الكاتب أنه تبعا لذلك – وبعد أيام- أمر الرئيس أوباما بنشر 450 مدربا عسكريا أمريكيا إضافيا في العراق. ويرافق تلك الإضافة تغيير دقيق في الخطاب.
ويؤكد أن مهمة هذه القوات الإضافية لاتقتصر على التدريب فحسب، بل تتعداها إلى تقديم المشورة، وتساعد على التخطيط وتقدم مختلف أشكال الدعم. وباختصار، إن هذه القوات ستشارك عن قرب بتنظيم وقيادة العمليات الدفاعية والهجومية التي يقودها الجيش العراقي ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”، وهذا يُظهر أنها الخطوة الأولى للانحدار إلى مستنقع يمكن أن يورط الجيش الأمريكي في العراق لسنوات كثيرة قادمة.
غالبا ما يكرر القادة الأمريكان أن الهدف العام من تلك الجهود الأمريكية في نهاية المطاف هو هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وإذا كانوا جادين، نأمل أن ينتقلوا من الدفاع إلى الهجوم قريبا، ثم إن التدابير التي تم اتخاذها حتى الآن غير واضحة وغير كافية، ومن غير المرجح أن تقود الخطوات الأخيرة إلى قلب الموازين. ويكاد يكون الجيش العراقي موجودا، إذ يبدو أن الضباط والجنود يصابون بالارتباك في أحسن الأحوال، والذعر في أسوأ الأحوال. قليل من الجنود العرب السنة بقوا في وحدات الجيش النظامية، ما يجعلها غير صالحة في المهام الأمنية في المناطق السنية. في حين يستمر هيجان تنظيم “الدولة الإسلامية” وتعاظم قوته، إذ في أواسط شهر أيار الماضي، استحوذ التنظيم على مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار.
وعلى أمل أن يكون هناك تحول حقيقي في حركات المد والجزر بين مقاتلي التنظيم ومقاتلي القوات الأمنية، نصبت الولايات المتحدة نفسها كقائد افتراضي للحملات العسكرية لإخراج التنظيم من الرمادي وباقي مدن محافظة الأنبار ومن مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق التي سيطر عليها التنظيم قبل عام. وهذا الدوران لدى القيادات العسكرية والسياسية الأمريكية سيقودهم – أقرب من أي وقت مضى – إلى القتال المباشر. وإذا بدأت هذه الاستعدادات بالتزامن مع وجود القيادة الأمريكية للحملات العسكرية، فإنها يجب أن تنتهي بنصر للولايات المتحدة الأمريكية. وإذا فشلت في خلع تنظيم “الدولة الإسلامية” من هذه المناطق، فستكون في دائرة الحرج السياسي داخليا وخارجيا. وسوف يُثير منتقدو سياسة الإدارة الأمريكية بأن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها، وسيستخدم السياسيون الشيعة ذلك كبرهان بأن تكون إيران هي الحليف الأكثر مصداقية للعراق، وسيحتفل قادة تنظيم “الدولة الإسلامية” بانتصارهم على الولايات المتحدة.
ومن الواضح، هناك حوافز قوية للولايات المتحدة لإضافة قوة قتالية كافية إلى حملاتها العسكرية لتأمين تحقيق الانتصار. كما أن خطة القوات الأمريكية والموارد والقيادة الأمريكية لهذه الحملات ستملي عليهم فعل أشياء أخرى. فخلال المدة ما بين عامي 2010-2011 أظهر الجيش العراقي كفاءتهللمرة الأخيرة – فقد أشر ذلك انخفاض عدد الضحايا فيه وانخفاض عدد المدنيين القتلى في أنحاء البلاد أيضا – إذ كان عدد من المستشارين الأمريكان مع جميع وحدات الجيش العراقي، كما ساندت التشكيلات العسكرية القتالية الأمريكية معظم وحدات الجيش العراقي، وعليه فإن القوات الأمريكية لا تحتاج فقط لتوفير الدعم الجوي – كما يفعلون الآن – بل تحتاج إلى توفير طائرات هليكوبتر هجومية ودفاعية أيضا.
تتطلب استعادة السيطرة على مدن الرمادي والموصل القتال في المناطق الحضرية (قتال المدن)، وهذا قتال خطر. ولتحقيق النصر في هذه المدن، سيكون من الضروري أن تنضم القوات الأمريكية إلى القوات العراقية لتوجيه الدعم الجوي من الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة كذلك.
ونظرا لطبيعة الفوضى والقتال في المناطق الحضرية، والتماسك المشكوك فيه بين وحدات الجيش العراقي، وبالنظر إلى إمكانية أن تتخذ أحداث القتال في المناطق الحضرية تحولا إلى الأسوأ، فإن قوة الرد السريع لسحب هذه القوات الأمريكية خارج حلبة الصراع ستكون بناءً على استدعاء. وأخيرا، إذا توقفت القوات البرية العراقية أمام هذا النوع من المعارك – في الوقت الذي أثبت مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” قدرتهم في حرب المدن – فإن قوات الولايات المتحدة سترغب بأن يكون لها احتياطي تكتيكي أكثر قدرة، وتكون على استعداد لدخول المعركة.
وهذا يعني أن القوات الأمريكية ستكون صاحبة الفضل الأكبر، فربما لواء قتالي أمريكي واحد مكون من 10000جندي مع الدعم المتوفر له، يساند أربعة أو خمسة ألوية عراقية حتى لو استدعت الخطة القتالية بأن يكون القتال من منزل إلى منزل أو من بناية إلى بناية. عندما قاتلت الولايات المتحدة بشكل منفرد في المناطق الحضرية في محافظة الأنبار وفي الفلوجة عام 2004، فإن قوات المارينز عانت كثيرا بسبب تكبدها خسائر كثيرة من القتلى والجرحى. والمعركة الأخيرة في تكريت وفرت بعض الطمأنينة: فبالرغم من كلفتها المدمرة للغاية، وعدد كبير من القتلى من كلا الطرفين، إلا أنها كانت أيضا غير حاسمة، إذ انهزم كثير من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”. ومن المرجح أن تكون معارك استعادة الأنبار والموصل – والمدينتان كبيرتان كلتاهما – أكثر صعوبة.
وحتى لو أكدت القوات الأمريكية إمكانية استعادة الرمادي والموصل لتكون تحت سيطرة الحكومة العراقية، إلا أن ذلك عملا شاقا وصعبا. إن هذه المهمة سوف تتحول إلى عامل توحيد واستقرار لأنصار التنظيم، إذ إن بعض المواطنين في تلك المناطق (الأنبار والموصل) يدعمون تنظيم “الدولة الاسلامية”، وهم يفضلون بأن يبقوا في الأرض لمواصلة القتال إلى جانب التنظيم، بينما لا يرحب البعض الآخر بعودة سيطرة الحكومة العراقية. وقد تكون هنك حاجة لما يقارب من 100000 جندي وشرطي لتأمين المناطق الغربية من العراق ذات الأغلبية السنية. إن قوات الأمن والجيش المهيمن عليها من قبل الشيعة غير فعالة في هذه المناطق.
لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل تكلفة فشل الجيش العراقي والشرطة في تحقيق الاستقرار في المناطق السنية. وهذا من شأنه أن يخلق مزيدا من المجندين الجهاديين، وسترتبط الولايات المتحدة بتكتيكات الدولة البوليسية، وهذا سيقود إلى نتائج عكسية لمشروع تحرير المناطق السنية والتكاليف المرتبطة به، وسيترتب عليه نتائج محرجة سياسيا في الداخل والخارج. وتأمل واشنطن تدريب القوات السنية لاستعادة النظام والحفاظ عليه، إلا انها بدأت من لا شيء تقريبا. ولضمان حفظ النظام، لابد من إيقاف نفور المزيد من أبناء السنة. وسوف تحتاج جهود تحقيق الاستقرار إلى مشاركة بعض القوات الأمريكية، لتقديم المشورة ومراقبة القوات العراقية، وتوفير المعلومات الاستخبارية اللازمة لقمع المتمردين، وتقديم الدعم الجوي الذي يضمن النجاح التكتيكي على الأرض من دون أضرار جانبية. وهذه القوات ستحتاج إلى أن تبقى على الأرض في المستقبل المنظور. وبذلك لا يتفاجأ أحد بأن تلك القوات الأمريكية التي أرسلت لطرد مقاتلي “الدولة الإسلامية” ستبقى لمدة معينة لمنع عودتهم.
الرئيس الأمريكي ومستشاروه يدركون على الأرجح أنهم باتجاه منحدر خطر، ولكنهم يأملون بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” سيهزم ويتم القضاء عليه بوجود قوات عراقية متعددة الطوائف، مع استخدام دعم محدود وانتقائي من القوة الجوية الأمريكية. ولكن، إذا لم يتم بناء هذه القوة الأمنية الجديدة – والتجربة تشير إلى عدم إمكانية ذلك – فإن الولايات المتحدة ستواجه خيارين: يمكن للولايات المتحدة أن تتبع الطريق الذي يؤدي بها مرة أخرى إلى المشاركة المباشرة في القتال التقليدي في العراق، وتحقيق الاستقرار. أو أن يعترف الرئيس أوباما بأن الحديث عن الهزيمة الحتمية لتنظيم “الدولة الإسلامية” في نهاية المطاف هو مجرد حديث لا أكثر. وبدلاً من ذلك، فإن الولايات المتحدة تذهب باتجاه التسوية لغرض الاحتواء، والذي يمكن أن يتحقق بكلف منخفضة ويرافقه بريق هافت للولايات المتحدة.
http://foreignpolicy.com/2015/06/16/prelude-to-a-quagmire-obama-iraq-isis/