الكاتب: مايكل اوهانلون
مراجعة وعرض: ميثاق مناحي العيساوي
لم تكن استراتيجية أوباما الأساسية في العراق عقيمة تماماً، لكن خطوات تنفيذها كانت بطيئة جدا وتفتقر للأدوات الضرورية التي تجعلها قادرة على دحر تنظيم
“داعش”. نحن بحاجة إلى مزيد من العمل، يتجاوز (الخطوات التدريجية) في إرسال القوات وتكثيف الإعداد والجهود في العراق بشكلٍ مضاعف إن لم يكن بثلاثة أضعاف في الأشهر القليلة القادمة.
كانت استراتيجية الرئيس أوباما خلال العام المنصرم صائبة أكثر من كونها خاطئة. فبعد السقوط المأساوي لمدينة الموصل والمناطق المهمة الأخرى التي يسيطر عليها السنة في الشمال الغربي من العراق في ربيع عام ٢٠١٤، استخدم أوباما القوة الجوية لمساعدة الأكراد على صد هجمات تنظيم “داعش” ضدهم، كما ساعدت على هندسة عملية الانتقال السياسي التي تم من خلالها إزاحة رئيس الوزراء نوري المالكي واستبداله برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وتم تقديم أعداد متواضعة من المدربين للمساعدة على إعادة بناء الجيش العراقي بعد حالة التفكك وفقدان الثقة التي تعرض لها، وقد اتخذت جميع هذه الخطوات في الاتجاه الصحيح والتي كان أولها استخدام القوة الجوية في حالة الطوارئ للحد من انتصارات أخرى لتنظيم “داعش”، ثم التحول السياسي الضروري الذي يعد أمرا مهما لكسب دعم السنة والأكراد للحكومة العراقية المركزية، وأخيرا الحاجة إلى التدريب العسكري الذي يمكن من خلاله البدء بإصلاح الدمار الذي خلفه نوري المالكي خلال سنوات حكمه للقوات المسلحة العراقية.
لكن منذ الشتاء الماضي، تخبطت استراتيجية الولايات المتحدة تجاه العراق، بدءا بتنبوء قائد العمليات في القيادة المركزية الأمريكية العليا “لويد اوستن” بأنه سيتم استعادة الموصل خلال ربيع هذا العام، فقد كان ينم عن تفاؤل مفرط. والنجاح الذي تحقق في ربيع هذا العام في تكريت، يعود إلى الدور الذي لعبته الفصائل الشيعية, والذي فاق في تأثيره السقوط الحالي لمدينة الرمادي في محافظة الأنبار. وفوق هذا كله لم تظهر أي إشارات على الضعف في صفوف تنظيم “داعش” إذا ما تم مقارنة ذلك مع سوريا التي يفترض أن تكون هي الحلقة الأضعف في جبهتي الصراع الأساسي للتنظيم، حيث يتوجب على الأمريكان والحلفاء القيام بدورهم في الهجوم عليه وهزيمته.
إن خطة إرسال عدة مئات من الخبراء الأمريكان فضلا عن الـ ٣٠٠٠ الموجودين أصلا في العراق لإنشاء مراكز تدريب رئيسة في محافظة الأنبار، تعد خبراً ساراً مرحبا به ، كما كان مفهوم بأن الرئيس أوباما معارض لحرب العراق وحَذِر من قضية إرسال قوات أمريكية مرة أخرى إلى حرب تتطلب القيام بدور ليس سهلا، مما يعني التأني في إرسال قوات لمساعدة العراقيين، كذلك كان هناك ترحيب بالبيان الذي أعلنه الجنرال” مارتن ديمبسي” قائد هيئة أركان الجيوش الأمريكية الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة ربما توسع جهودها بشكل أكبر خلال الأسابيع والأشهر القادمة في هذا المجال.
على أية حال، وعلى الرغم من أن استراتيجية أوباما التي تبدو معقولة من الناحية المنطقية وعلى مسارٍ واحد، فأنا أقرّ بأنها مُقيّدة تماماً.
يجب على أوباما أن يستمر باتباع النقاط الأساسية لخطته، لكن في الوقت نفسه، عليه أن يعمل على تكثيف الوجود الأميركي بما يقارب الثلاثة أضعاف فيما يتعلق بعدد الجنود – جاعلا العدد مماثلا لبعثة قواتنا الحالية في أفغانستان, حيث يتواجد (10.000) جندي أميركي يقومون بدعم ومساندة القوات المسلحة الأفغانية التي تقوم بـ ٩٠ – ٩٥ % من العمليات القتالية في حربها مع القاعدة في أفغانستان. توجد هنالك ثلاثة مخاطر رئيسة إزاء المخاوف المفرطة للسيد أوباما وسياسة التدرج أو (الخطوات المتأنية) التي يتبعها في استراتيجيته الآن في العراق.
أولا: استراتيجيتنا الحالية تضع المستقبل السياسي للعبادي في خطرٍ
يمكن أن يكون رئيس الوزراء العبادي هو الرئيس الأفضل الذي يمكننا تأمله في وضعه الحالي، وقد وصفه القائد السني البارز ونائب رئيس الوزراء السابق رافع العيساوي بـ(الشخص الجيد) في حديث له في معهد بروكنغز منذ مدة قريبة. ويعد هذا النوع من الدعم الذي يمكن للمرء أن يسمعه حتى من الساسة العراقيين الذين يشكّكون بكفاءته أمر حسِن.
وفي غضون ذلك، فإن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يبحث وبعناية عن الطرق والفرص التي يمكن لها تقويض نهج العبادي وحكمه، وربما يطمح إلى استعادة منصبه السابق ثانية، فضلا على المجموعات الشيعية المتعصبة التي تضغط على العبادي لكي يتخذ سياسات أكثر تشددا بحق الكرد وكذلك السنّة.
وحينما يتحول العبادي إلى شخص عاجز ومن ثم يُهزم ليتخلى عن منصبه كرئيس للوزراء، والذي يشكل أصلا القاعدة الأساس والكاملة التي بُنيٓت عليها استراتيجية اوباما العسكرية، فإن ذلك يعني وبوضوح شديد أن هذه القاعدة الأساس سوف تسقط بكل المقاييس.
ثانيا: يجب معرفة أن العبادي لا يملك خيارا للتساهل مع الفصائل الشيعية وتحّمل دورها
أصبحت هذه المجموعات المدعومة من إيران، وعلى نفس المستوى، واقعا وجزءا من حياة العراقيين ولا يمكن تجاهلها، إذ ساعدت على إنقاذ بغداد من السقوط بأيدي تنظيم “داعش” الصيف الماضي، عندما خطط التنظيم لذلك. ومن الناحية الأخرى، فإنها القوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في قتال المجموعات المتطرفة و”داعش” ولا تضاهيها قوة أخرى عدا قوات البيشمركة الكردية.
تأتي المخاطر التي يتحدثون عنها من كون هذه المجموعات ربما تعمل على تأجيج الاحتقان الطائفي وإشعال حرب أهلية في العراق في تصور البعض, وهذا ما ذكره العيساوي في حديثه في معهد بروكنغز وشبهها بـتنظيم “داعش”، لكننا في الواقع نقول أن تجنب مثل هذا الاحتمال السيء يمكن أن يحصل عبر ضم ودمج أفراد هذه المجموعات وبصفة أفراد في تشكيلات الحرس الوطني التي هي الآن مجرد حبر على ورق، وعلى مرّ الوقت سيتحول هؤلاء الأفراد إلى جنود ضمن القوات الحكومية العاملة بأوامر الدولة. ويمكن للعبادي أن يتحكم بالفصائل الشيعية فقط عندما يكون موقعه السياسي قوياً علما أن ملامح المعركة جميعها تشير إلى إمكانية هزيمة “داعش” دون ترددٍ أو رجعة.
ثالثاً: استراتيجية التدرج العسكرية أو (الخطى المتأنية) تعطي العدو الوقت من أجل المناورة
إذا تم تدريب القوات العراقية المدعومة من الأمريكان والحلفاء بخطوات تدريجية بطيئة، فإن تنظيم “داعش” وبلا شك سوف يكسب الوقت الكافي ليتعلم دروساً تكتيكية في وضع المناورة، كتغيير أماكن قياداته الميدانية في المدن التي يسيطر عليها. لكن سياسة “المباغتة وإيقاع الرعب” في التعامل مع مجموعاته سيفقده توازنه عبر العمليات العسكرية التي تعتمد على عنصر المفاجأة، وهذا ما يعتمده التنظيم في حرب المدن الحالية والتي لا يمكن إنكارها. ويفضل الكاتب إرسال المزيد من “القوات الأمريكية للعراق, والمدربين, والخبراء العسكريين الميدانين”. كما ويرى ضرورة نشر بعض الوحدات الخاصة المباشرة – “ويجب أن لا يُعلن عنه” – ذات المهام الصعبة والتي يمكن لها أن ترافق القوات الخاصة العراقية في غارات ومهام قتالية جريئة في حملتها ضد تنظيم “داعش”، كون ذلك يمثل التحضيرات الضرورية للمعركة التي يمكن خوضها والانتصار فيها ربما خلال هذا العام، أو مطلع العام المقبل .
لم تكن استراتيجية أوباما الأساسية في العراق عقيمة تماماً، لكن كانت خطوات تنفيذها بطيئة جدا وتفتقر للأدوات الضرورية التي تجعلها قادرة على دحر تنظيم “داعش”. نحن بحاجة إلى مزيد من العمل، يتجاوز (الخطوات التدريجية) في إرسال القوات وتكثيف الإعداد والجهود في العراق بشكلٍ مضاعف إن لم يكن بثلاثة أضعاف في الأشهر القليلة القادمة.
http://www.brookings.edu/blogs/markaz/posts/2015/06/11-iraq-isil-washington-obama-strategy-risk