الباحث : ميثاق مناحي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
تموز 2015
ما تزال التداعيات السياسية والأمنية لاتفاق الإطار النووي قائمة بعد اتفاق لوزان في 2/4/2015, لتزداد تلك التداعيات بعد الإعلان عن اتفاق فيينا النووي يوم الثلاثاء
14/7/2015, بعد واحدٍ وعشرين شهرًا من المفاوضات الصعبة التي أعقبت التوصل إلى اتفاق الإطار في جنيف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ومن ثم اتفاق الإطار في لوزان الذي شكل القاعدة التفاوضية الرئيسة لاتفاق فيينا, وبعد عدة تمديدات للمهلة حتى الموعد النهائي للاتفاق، أعلنت مجموعة القوى الكبرى 5+1 (الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) عن التوصل إلى اتفاقٍ نهائي مع إيران حول برنامجها النووي. وينص الاتفاق في مبدئه العام على رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل تخليها عن الجوانب العسكرية لبرنامجها النووي. وفي حين رحبت أطراف دولية عديدة بالاتفاق، تحفظت أطراف أخرى، فيما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ “الخطأ التاريخي”. وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الدبلوماسية الإيرانية ودول 5+1 في التوصل لاتفاق تاريخي بين الطرفين ومنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية أو تجاوز العتبة النووية, مقابل رفع العقوبات عن إيران, والحفاظ على برنامجها النووي السلمي المقنن, إلا أن فترة ما بعد الاتفاق النووي هي من ستكشف عن فحوى الاتفاق ومصداقيته, وهي الفترة المبنية على التحقق من سلمية برنامج إيران النووي وليس الثقة كما وصفها الرئيس الأمريكي, حينما وصف الاتفاق النووي مع طهران بأنه “مبني على التحقق وليس على الثقة..”,وهذا ما يدل على أن هناك الكثير من العمل ما بعد اتفاق فيينا, الأمر الذي سينعكس بشكل عام على العلاقات بين واشنطن وطهران, في ظل وجود تحديات داخل البيئة الأمريكية وخارجها في التأكد من نوايا طهران النووية والعسكرية, ومدى التزامها ببنود الاتفاق النووي, هذا من جهة, من جهة ثانية كيف ينعكس ذلك على دور إيران الإقليمي في المنطقة, لا سيما وأن الاتفاق لم يتعرض لدور إيراني الإقليمي؟.
العلاقة بين واشنطن وطهران ما بعد فيينا
بالتأكيد سوف تتغير العلاقة بين طهران وواشنطن بعد الاتفاق النووي, وسيكون هناك فترة نقاهة للطرفين, لا سيما بعد المفاوضات الطويلة, على الرغم من استمرار التداعيات السياسية للاتفاق النووي, وفي الوقت الذي ستعمل فيه إيران على طمأنة الغرب واثبات حسن نواياها في التزامها ببنود الاتفاق النووي وسلمية طهران في برنامجها النووي, ستحاول الإدارة الأمريكية في نفس الوقت التغلب على التحديات الداخلية والخارجية الرسمية وغير الرسمية, واقناع الكونغرس وإسرائيل بجدية الاتفاق, وطمأنة الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط, وهذا ما قام به بالفعل وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر في جولته الشرق أوسطية, والتي أبتدئها من إسرائيل لطمأنه حلفاء واشنطن في المنطقة. بالتأكيد ستستخدم إسرائيل ورقة الكونغرس الأمريكي في محاولة يائسة لرفض الاتفاق النووي؛ لأن الكونغرس سيكون بحاجة إلى 67صوت لرفض الاتفاق, وحتى في حالة جمع تلك الاصوات سيواجه بفيتو رئاسي من قبل الرئيس أوباما؛ لأن الإدارة الأمريكية عازمة على انجاح الاتفاق, وبهذا تحاول إدارة أوباما أن ترمي الكرة في ملعب إيران, وتنظر إلى نتائج الاتفاق من خلال احترام إيران لبنود الاتفاق؛ ولهذا ايضا ستكون الإدارة الإيرانية تحت المراقبة الدولية المشددة, بغض النظر عن دورها الإقليمي, لا سيما أن الاتفاق مع الدول الست لم يشمل دور طهران في المنطقة؛ وأن الاتفاق النووي لم يهدف إلى تغير سلوك طهران في المنطقة, وإنما منعها من الحصول على السلاح النووي, وهذا ما اكد علية اوباما يوم الاربعاء 16/7, بأن هدف الاتفاق منع إيران من الوصول إلى العتبة النووي وليس تغير سلوكها في المنطقة. إلا أن واشنطن ستحاول بالتأكيد أن تعمل مع إيران بشأن الاوضاع في العراق وسوريا واليمن والمنطقة ككل، وستحثها على اعتماد مسار بناء بعد الاتفاق النووي. ولهذا فأن اجواء ما بعد فيينا ستضع إيران تحت المراقبة الدولية, وسيكون مفاتيح نجاح الاتفاق بيد طهران, وبالتأكيد إيران ستعمل بكل ما بوسعها من أجل اثبات نواياها السلمية واحترام بنود الاتفاق؛ لأنها ستجني نتائج ذلك الاتفاق من خلال انفتاحها الخارجي ورفع العقوبات الخانقة الذي اضر باقتصادها كثيراً, واذا ما اكتسبت إيران ثقة الولايات المتحدة والدول الخمس الكبرى بالتأكيد سيكون لها دور اقليمي كبير مدعوم من قبل تلك الدول, ومن المرجح ايضاً أن يكون لها دور كبير في الحرب على تنظيم “داعش”, بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا فأن مرحلة ما بعد الاتفاق ستكون مرحلة تجريبية ومرحلة مراقبة وستكون بمثابة الاختبار الإيران, فاذا نجحت إيران من أثبات حسن نواياها بالتزامها ببنود الاتفاق ستكون هناك مرحلة اكثر تطوراً في العلاقات بين وواشنطن وطهران في المستقبل, إلا أن تلك العلاقة لا يمكن لها أن تصل إلى مرحلة التطبيع, ربما تكون حليف استراتيجي في المنطقة, ورفع الشك, وعدم تبادل التهم, إلا انها لا يمكن أن تصل إلى مستوى التطبيع؛ بسبب العداء التاريخي بين البلدين وشعارات إيران ضد أمريكا, ولا يخفى الدور الإسرائيلي الضاغط على الإدارات الأمريكية القادمة للبيت الابيض ما بعد أوباما, فضلاً عن أن إيران لا يمكن أن تستبدل الحليف الروسي والصيني بالولايات المتحدة الأمريكية, لا سيما بأن الروس والصين هم من ينافسوا الولايات المتحدة في قيادة النظام العالمي وهما مرشحان بقوة لا سيما الصين لمنافسة امريكا في المستقبل, كذلك الحال بالنسبة لأمريكا قد لا تصل علاقاتها بإيران إلى حد التطبيع, وهذا ما اكد علية الرئيس أوباما عندما وجهة خطابة إلى الكونغرس بأن “الاتفاق النووي لا يسعى إلى تطبيع العلاقات مع طهران” مؤكداً بأنهم “سيسعون مع حلفائهم في إسرائيل والأوروبيين للضغط على إيران لحل المشاكل التي تقلقهم ما بعد الانتهاء من ملفها النووي”. إذاً علاقة واشنطن بطهران ما بعد الاتفاق ستكون هادئة وحذرة على الاقل في مراحلها الأولى, بعيدة عن تبادل التهم, وستكون علاقة اثبات حسن النوايا لكلا الطرفين لا سيما طهران؛ لأنها لا يمكنها التفريط بفرصتها التاريخية التي وصلت اليها, ومكنتها من الحفاظ على برنامجها النووي السلمي ولو بشكل جزئي, مقابل رفع كل القيود الدولية والحصار الذي فرض عليها منذ سنوات وأن كان تدريجياً. فهذه بالتأكيد فرصة تاريخية على طهران أن تستثمرها بعيدا عن الضجيج والمهاترات السياسية وبعيدا عن دورها الإقليمي, وأن تتسم القيادة الإيرانية بالحكمة باستبدالها لشعارات “الموت لأمريكا والشيطان الأكبر” بمصطلحات اكثر دبلوماسية لتلطيف الأجواء بين طهران وواشنطن. ولذلك فالدور الملقى على عاتق الإدارة الإيرانية في تلطيف السياسية والدبلوماسية بين وواشنطن وطهران اكثر مما هو ملقى على عاتق الإدارة الأمريكية, واذا ما أرادت طهران أن ترسم سياستها الخارجية ودورها الإقليمي بحنكة سياسية, وأن تكون جزء كبير في حل قضايا الشرق الأوسط عليها أن تتحلى بذلك مما سبق؛ لأن ذلك سيعطيها دور إقليمي أكبر.
دور إيران الإقليمي ما بعد فيينا
تصر الولايات المتحدة على أن الاتفاق النووي مع إيران لا يتضمن تفاهمات معها حول ما تصفه واشنطن بـ “دعم إيران للإرهاب، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان”، وقد أكد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بأن الولايات المتحدة ستدعم حلفاءها في المنطقة، وتحديدًا إسرائيل ودول الخليج العربي، للتصدي لأي تصرفات إيرانية تهدد استقرار المنطقة أو تزعزعه, كذلك تأكيد الرئيس على أن الاتفاق النووي “لا يهدف إلى تغير سلوك طهران في المنطقة وإنما منعها من الحصول على السلاح النووي“. هذا يعنيبأن دور إيران الإقليمي, ودعم حلفائها في المنطقة في سوريا ولبنان مروراً بالعراق واليمن وفلسطين, لم يتأثر في نصوص الاتفاق المبرمة, وإنما سيكون تأثيره من خلال الاتفاق ككل وتفاهمات ما بعد الاتفاق, بين الدول الست ولا سيما واشنطن وبين طهران. وهذا بالتأكيد سيزيد من المخاوف الخليجية حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الدور الإقليمي لإيران, مما يزيد الضغوط على إدارة أوباما في طمأنة حلفائها التقليدين في الخليج, وستمارس إسرائيل أيضاً دورها في الضغط على الكونغرس, إلا أن الإدارة الإيرانية ربما ستكون حكيمة في رسم سياستها الخارجية لكي تبعث رسائل أطمئنانية للجميع بما فيها الدول الإقليمية, “ومن المرجح أن طهران ستسعى في تقديم نفسها ورسم أدوارها، بوصفها جزءاً وشريكاً في الحلول السياسية لأزمات المنطقة، لا بوصفها فريقاً وصانع مشاكل وجزءاً من المشاكل أو سبباً فيها؛ لأن الاتفاق يبقي إيران تحت دائرة الضوء والرقابة، وإيران معنية باستثمار الاتفاق لتعظيم مكاسبها، ومقابل كل تنازل قدمته لجعل الاتفاق ممكناً، ستسعى طهران لتحقيق مكاسب وعوائد كثيرة، سوى على صعيد أوضاعها الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية ، أو على مستوى دورها الإقليمي في المنطقة“. هذا السلوك ربما يؤدي إلى انفتاح إيران على دول الخليج وبعض الدول العربية, لا سيما أن إيران اكدت في مرات عدة لا تمانع من انفتاحها على دول الخليج وحل بعض المشاكل العالقة, فليس من المستبعد أن تشهد علاقات طهران مع بعض الدول العربية، تطوراً ملحوظاً بعد الاتفاق, والتقليل من الاحتقان الطائفي لا سيما أن إيران لا تبحث عن الحليف المذهبي فقط في المنطقة؛ وهذا ما يفسره علاقة إيران مع حماس. إذاً دور إيران الإقليمي ما بعد فيينا سيكون مفتوح على كل الاحتمالات, إلا أن الشيء المؤكد أن إيران ستحاول رسم سياستها الإقليمية بعيداً عن التشنجات وستطرح نفسها جزء من حل مشاكل المنطقة وليس سبباً فيها, بغض النظر عن دعمها لحلفائها, وستحاول إيران أيضاً أن تجد حلاً للأزمة في اليمن بالاتفاق مع واشنطن, كذلك الحال بالنسبة لسوريا, وهذا ما أكد علية أوباما أيضا في كلمته خلال مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض بشأن الاتفاق النوويبأن واشنطن “سوف تعمل مع إيران بشأن الاوضاع في العراق وسوريا واليمن والمنطقة، وستحث ايران على اعتماد مسار بناء بعد الاتفاق النووي“. إذاً كل الخيارات ستكون مفتوحة إمام طهران ما بعد الاتفاق النووي, وعلى طهران أن تستثمر هذه الفرصة التاريخية في بناء علاقاتها مع الدول الإقليمية, والعمل مع الولايات المتحدة لحل مشاكل المنطقة دون خسارة حلفائها. وهذا بالتأكيد سيعطيها ثقل كبير في المنطقة, لا سيما وأن الاتفاق يصب في صالح الدولة الإيرانية ودورها الإقليمي, ” وكما يقول روبرت ساتلوف ” إن هذا الاتفاق هو أكثر بكثير من مجرد اتفاق تقني, فهو عبارة عن ورقة استراتيجية تضع الخارطة لبروز إيران كقوة إقليمية، مع المباركة الكاملة، وحتى الدعم، من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي”. وهذا سيضع طهران أمام فرصة تاريخية كيف يمكن لها أن تستغلها في بناء قوتها الإقليمية؟. وكل ما تقدم يتوقف على جدية طهران في كسب ثقة الدول الست وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في التزامها ببنود الاتفاق النووي ورسم ساستها السلمية في المنطقة. خصوصاً وأن إيران لم تدفع ثمن مقابل ذلك, فالثمن الوحيد الذي تدفعه إيران مقابل هذا المكسب الاستراتيجي الضخم هو تأجيل طموحاتها النووية, وفق اعتقاد ساتلوف.
أين العراق من هذا؟
بالتأكيد سيكون للاتفاق النووي تأثير كبير على العراق سلباً وإيجاباً, لكون العراق دولة إقليمية وجارة مع إيران, وأيضاً هو جزء من المنظومة الإقليمية والعالمية, فما يحدث في العالم وفي المنطقة يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر وبشكل سلبي أو إيجابي وربما الاثنين معاً, فضلاً عن العلاقة القوية التي تربط ” العراق وإيران”؛ ولهذا فأن تأثير الاتفاق النووي سيكون له تأثير إيجابي وسلبي على الدولة العراقية, وسيكون له تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية؛ ولهذا أيضاً يجب على الحكومة العراقية, وصانع القرار العراقي أن يقوم بوضع خطة لدراسة الاتفاق وتداعياته السياسية والاقتصادية, وكيف يمكن الاستفادة من هذا الاتفاق على الصعيدين الداخلي والخارجي, كذلك الحال بالنسبة لوزارة الخارجية العراقية أن تعرف كيف توظف هذا الاتفاق في بناء علاقاتها الخارجية وكيفية الاستفادة منه. ولهذا يمكن للعراق أن يستفاد من الاتفاق سياسياً وأمنياً في الدرجة الأولى, فسياسياً وأمنياً يمكن للعراق أن يستفاد من الاتفاق بزيادة الدعم الإيراني الرسمي للحكومة العراقية, لاسيما أن الاتفاق سيؤدي إلى الحد من حالة التقاطع في المنطقة التي سادت خلال السنوات الماضية، وخصوصاً حالة القطعية بين دول الخليج وإيران, بالإضافة الى انه سينعكس بشكل ايجابي على استقرار العراق وأمنه؛ لأن العراق تضرر سلبا نتيجة التقاطعات بين ايران والدول الكبرى وبين إيران ودول الخليج أيضاً. كذلك سيزيل الاتفاق حالة الاحتقان بين وواشنطن وطهران؛ لكون الاخير كثيراً ما ادخلت الحكومة العراقية في حرج بسبب العلاقة المتينة بين الدولتين, ودعمها المتواصل للفصائل الشيعية, وهذا لا يعني بأن واشنطن ستدعم دور إيران في العراق, ودعمها للفصائل الشيعية, إلا انها ستحاول حث طهران على الدعم الحكومي الرسمي, ومساعدتها في حربها ضد التنظيمات الإرهابية وتنظيم “داعش”؛ لأن الاتفاق سيساعد على فتح افاق ايجابية , وسيجد حالة من التعاون للتصدي الى الخطر الذي يهدد المنطقة واستقرارها”. اقتصادياً ربما ستكون آثار الاتفاق سلبية اكثر منه إيجابية؛ لأن الاتفاق سيرفع كل القيود المفروضة على النفط الإيراني وبيعه في الاسواق العالمية, وهذا بدوره سيرفع من انتاج النفط الإيراني بشكل غير مسبوق, مما يسبب تخمة نفطية في الاسواق العالمية وتدهور اسعار النفط, فمن المرجح أن يهبط سعر النفط بعد الاتفاق إلى 35دولار,في الوقت الذي تتقاضى فيه شركات جولات التراخيص من العراق بحدود ٢٠ دولار أو اقل بقليل ككلفة لإنتاج البرميل الواحد، بغض النظر عن سعر بيعه في الاسواق العالمية مما يجعل العراق في مواجهة ازمة مالية كبيرة.وهذا بالتأكيد سيضر بالاقتصاد العراقي المتدهور. فضلاً عن المنتجات الإيرانية التي تدخل للسوق العراقي, والتي تسبب تعطيل للصناعات الوطنية.