أ.م.د حيدر حسين آل طعمة
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
10 آب 2015
فوّت العراق فرصة الاستفادة من هبوط أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية عام 2009 في إصلاح الاقتصاد والمالية العامة من خلال التأسيس لمنهج اقتصادي جديد
يتمحور حول تنويع الإيرادات وترشيق الهيكل الحكومي المترهل والعمل على استثمار الفوائض النفطية في صناديق استثمار تعمل كمصد مالي أثناء الصدمات النفطية التي تواجه البلد باستمرار، لكن هل استفاد العراق من التجربة؟ وهل تعامل صنّاع القرار الاقتصادي بحرفية ورشد مع الهبوط المذهل الذي طال أسعار النفط منذ نهاية العام 2014؟.
تحاول حكومة الدكتور حيدر العبادي منذ توليها رئاسة الوزراء العام الماضي إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية نوعية، إلا أن المخرجات كان خجولة، مما يؤشر مدى تعقد المشهد السياسي واختراق المافيات السياسية لمعظم مفاصل الدولة وصراع الفرقاء من أجل تحقيق مكاسب فئوية وحزبية على حساب المواطن. مع ذلك، يوفر التفويض الذي منحته المرجعية وسدده الشعب مظلة عريضة لرئيس الوزراء توفر له فرصة استثنائية في إحداث إصلاح سياسي واقتصادي جاد بجدية الوضع المأساوي الذي يمر به البلد ومقارعة مافيات الأحزاب السياسية والفاسدين. لذا على السيد العبادي أن تكون قراراته السياسية انعكاسا للضرورات الاقتصادية، وبالتأكيد لن تتحقق النتائج المرجوّة في الجولة الأولى من الإصلاح، على اعتبار أن عددا كبيرا من الأزمات التي يعاني منها البلد (مثل أزمة الكهرباء وانتشار البطالة وتفاقم معدلات الفقر)، هي أزمات هيكلية، وترتبط بشكل وثيق بالبنية التحتية والموروث السياسي للحكومات السابقة، وهي بحاجة إلى سنوات من العمل الدؤوب والإرادة الوطنية، إلا أن هناك عددا كبيرا من الإصلاحات الفورية التي يمكن أن تؤتي أكلها بمدة قياسية، لتكون منصة للانطلاق نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة، ويمكن إيجازها في المحاور الآتية:
المحور الأول:ترشيق الإنفاق الحكومي التشغيلي (الجاري) عبر دمج عدد من الوزارات وخفض مخصصات الرئاسات الثلاثة وتقليص جيش الحمايات وإيقاف الامتيازات الاستثنائية وإلغاء رواتب التقاعد المذهلة والحد من الإيفادات غير الضرورية وتقليص حجم العاملين في الدبلوماسية العراقية في الخارج وضغط نفقات المجالس المحلية من حيث العدد والامتيازات وخفض أعداد المستشارين في كافة مفاصل الدولة.
المحور الثاني:مكافحة الفساد المالي والإداري في العراق بإجراءات غير تقليدية وبمساعدات مؤسسات جديدة؛ كون المفسدين تكيفوا مع المؤسسات التقليدية، ويمكن ذلك من خلال الاستعانة بمكاتب محاسبة أجنبية تعتمد الطرق الحديثة في التدقيق ولا ترتبط بأي جهة سياسية.
المحور الثالث:إبعاد المناصب الاقتصادية العليا في البلد من المحاصصة والمحسوبية ومن أبرزها البنك المركزي العراقي ووزارة المالية ووزارة التخطيط والهيئة العليا للاستثمار، وإن لم يكن بالإمكان ذلك على مستوى الوزراء فلا بأس أن يكون ذلك على مستوى المستشارين والمدراء العاميين.
المحور الرابع:عدم المساس بالإنفاق الاستثماري العام ليس فقط لكونه محرك التنمية الاقتصادية في البلد، وإنما لارتباطه الوثيق بمختلف الفعاليات الاقتصادية والأسواق من نحو أسواق العمل وأسواق المواد الإنشائية وأسواق الصناعات الصغيرة، مع توخي الدقة والحذر في منح العقود الاستثمارية واعتماد مبدأ الكلفة / العائد في اختيار المشاريع المطلوبة.
المحور الخامس:تنويع مصادر الإيرادات الحكومية عبر تفعيل فرض مبالغ رمزية على السائحين الأجانب وإعادة هيكلة المصانع والشركات التابعة للقطاع العام وإصلاح النظام الضريبي ومحاولة التركيز على الأوعية الضريبية الغزيرة (الطبقات الغنية)؛ كونها تدر إيرادا أكثر ولا تمس الطبقات العريضة من الشعب، وذلك عبر فرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء وضرائب جمركية عالية على السيارات الفارهة والسلع الفاخرة التي لا تستهلكها سوى طبقة الأغنياء والسياسيين.
المحور السادس:تشجيع القطاع الخاص عبر برامج حقيقة من نحو منح قروض ميسّرة وتسهيلات في منح الأراضي وخفض مناسب في الضريبة على الأعمال والقيام بشراء المنتج المحلي من لدن الحكومة بدلا من المنتج الأجنبي .. الخ
المحور السابع:التنسيق الكامل مع مؤسسات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من أجل دعم وإسناد عمل كافة الوزارات من خلال التعاون المشترك؛ لإضفاء الجانب العلمي في إدارة مؤسسات الدولة ورفدها بأحدث ما وصل إليه العلم والتكنلوجيا.
ختاما، لابدّ من الإشارة إلى أن هذه الإجراءات عامة وموجزة، والأزمة الاقتصادية في العراق بحاجة إلى حزم متكاملة من السياسات الاقتصادية، وإلى تكاتف كافة الكتل والأحزاب من أجل تمرير برامج الإصلاح تحت قبة البرلمان العراقي، وأن البدء بمحاولة تنفيذ هذه الإجراءات في هذا الوقت الحرج كفيلٌ بامتصاص نقمة الشعب من جهة، والتأسيس لمرحلة جديدة من التنمية والبناء المادي والبشري من جهة أخرى.