الكاتب: أنتوني كوردسمان
ترجمة: هبة عباس
عرض ومراجعة: مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
الحكومة العراقية والولايات المتحدة بحاجة إلى تفسير استراتيجيتهما وأعمالهما بطرق تربط ما يحدث بعمل تحسينات طويلة الأمد في القوات العراقية
والوضع العسكري والوحدة العراقية والحكم. ويجب أن يكون هناك مستوى من التواصل الاستراتيجي الذي يبرر ويفسر على مستوى واسع أن العراق يتعلم من إخفاقاته، وقبل كل شيء يدل على أن العراق يتجه نحو نقطة معينة في الوقت الذي ستحرر فيه مدينة الموصل، ويعالج فيه قضية الوقت والموارد اللازمة.
قد تكون هناك بعض المزايا من إرسال ٤٥٠ مستشارا وموظف دعم إلى العراق، ليرتفع إجمالي عدد القوات الأمريكية إلى ٣٥٥٠، والتركيز على تكوين قوة سنية في الأنبار. وقد تكون هناك بعض المزايا من نشر القوات الأمريكية في قاعدة التقدم الجوية العراقية في محافظة الأنبار، ومزايا أخرى من محاولة دمج الكثير من السنة بشكل مباشر في الشعبة السابعة والثامنة من الجيش العراقي من أجل طرد تنظيم “داعش” من الأنبار. ولكن التدرج البطيء نادرًا ما يكون وسيلة لتصحيح استراتيجية فاشلة أو غير مناسبة ، ومن المؤكد أن هذا النهج ليسوسيلة أو استراتيجية جديدة لمعالجة المشاكل التي لم تعالجها الاستراتيجية الحالية، وأن الإعلان في الأيام القليلة لا يعكس بأي وسيلة وجود استراتيجية جديدة، فهي لا تعالج المشاكل الموجودة في الاستراتيجية الحالية، وبعض المقترحات مشكوك في فاعليتها.
فراغ استراتيجي كبير في كل المستويات
الإعلان الأخير عن إرسال 450 من المستشارين العسكريين إلى العراق لا يعالج العديد من القضايا الاستراتيجية الرئيسة التي فشلت الاستراتيجية الحالية في معالجتها، إذ لم تعالج الوضع المتدهور في سوريا المقسمة على ثلاثة أجزاء (الأراضي التي يسيطر عليها الأسد، و الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، و الأراضي التي يسيطر عليها إسلاميون آخرون من جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة).
ويبدو أن زيادة أعداد المستشارين والتحول إلى الأنبار أمر منفصل عن أي استراتيجية شاملة للتعامل مع قوات الأمن العراقية وإحلال الأمن والاستقرار في المناطق المحررة. ولا يبدو أن هناك أي شروط من حيث إصلاح الجيش العراقي أو تشريعات الحرس الوطني، والتي قد تعطي معنى دائما لتدريب قوات العشائر السُنية، وقد يكون التركيز على الأنبار يصرف الانتباه عن المناطق الآهلة بالسكان وذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة في الموصل.
هذا النهج لا يعالج التدريب غير المجدي لحوالي٥٠٠ متطرف سنويا، عندما يدعم حلفاؤنا المهمين قوات المتمردين غير المنتمين إلى تنظيم “داعش” ، وعندما لا يكون هناك هدف سياسي واضح أو طريق للتعامل مع روسيا وإيران، وعندما ينهار الاقتصاد السوري ، وعندما يصل عدد المهجرين والنازحين من منازلهم وأماكن عملهم داخل البلاد إلى ١١ مليون من أصل ١٩ مليون, كل هذا يشير إلى فشل سياسي واستراتيجي.
ولم يعالج الإعلان القضايا السياسية المتعلقة بالدور الذي تلعبه إيران في العراق وسوريا، أو الحد من تأثيرها المتزايد في كلا البلدين، ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى محاولة إيران الاستعانة بجهود الفصائل الشيعية و المستشارين التابعين لها للحد من جهود الولايات المتحدة للوصول إلى السنة في العراق. وليس ثمة احتمال من أن الولايات المتحدة كتبت النهاية هنا بحيث يصبح العراق يتمتع بدرجة من الاستقلال الكافي للوقوف بوجه إيران أو فعل أي شيء للحد من دور إيران وحزب الله في سوريا، ولم يفعل شيئا لتقوية العلاقات بين الحكومة العراقية وحلفائنا العرب المهمين أو الرئيسيين أو زيادة تقديم المساعدات إلى العراق كمواجهة لإيران.
لا يعالج الإعلان الانقسامات السياسية والعسكرية العميقة والمتزايدة بين العرب السُنة والعرب الشيعة والأكراد. ومن المرجح أن يتم تغذية هذه الانقسامات بشكل مطرد من عائدات العراق النفطية المنخفضة، والضغط الإيراني، واستيلاء الأكراد على الأراضي الجديدة المتنازع عليها في نينوى وحول كركوك. لقد كان واضحًا منذ البداية أنّ النجاح في العراق يتطلب حلًا جذريًا لمشاكله الداخلية – وربما إلى حد بعيد شكل ما من أشكال الفيدرالية – وكذلك نمط حُكم أكثر فعّالية.
يجب على العراق أن يتخذ قراراته بنفسه، ولكن توفير التشجيع القوي، والخطط، والخيارات، والدعم الحقيقي من السفارة الأمريكية في بغداد، هي تغييرات في استراتيجية طال انتظارها، إلى جانب خطة المساعدات الأمريكية التي تركز على مساعدة إصلاح الحكومة العراقية ومناقشة توقعات واحتياجات السُنة والأكراد، معتبرا أن القيادة من الخطوط الخلفية شيء، وعدم القيام بشيء أمر مختلف تمامًا. وهذا صحيح، خاصة عندما لا تكون هناك نهاية واضحة لهذه اللعبة من أجل تحقيق الاستقرار والأمن الدائم في العراق أو سوريا.
معالجة الخدمات الاستشارية الخاطئة وتعزيز التدريب والمساعدة
على مستوى أكثر تفصيلاً، إن إرسال المزيد من المستشارين والذين يجب أن يبقوا في الخطوط الخلفية – والذين من المحتمل أن يكون عددهم حوالي ١١٠ مستشارا و٣٤٠ من الأفراد الذين يعملون في الدعم والحماية فقط – لا يساعد في إحراز أي تقدم.
و يمكن للمراقبين الجويين تقديم المساعدة، ولكن القوات العراقية تحتاج لمستشارين ذوي خبرة قتالية على الساحة، وهم بحاجة للمساعدة في الوصول إلى بغداد مع أصوات يمكنها تجاوز نظام القيادة والدعم الفاسد وغير الفعّال. إنّهم بحاجة إلى نوع من القوات الخاصة أو الفرق القتالية الصغيرة التي يمكن أن تقدم المشورة القتالية الحقيقية وتوفر التجهيز، والتعزيز، والدعم الجوي المقنع. وهم بحاجة إلى وجود قيادة حقيقية يمكن أن تثق بها وحدات العشائر السُنية تعمل كمنطقة عازلة بين السُنة والشيعة، وتساعد المتطوعين السُنة والوحدات والضباط الشيعة في الاندماج بشكل فعّال في وحدات الجيش العراقي. يحدث هذا على الساحة، وليس من الخلف. كما إنّهم بحاجة للتأكد من أنّ السُنة ليسوا مندسين ضمن عناصر الجيش العراقي المنهكة من أجل البحث عن انتصارات سريعة.
المشكلة ليست مجرد إعادة بناء الوحدات القتالية بل تضمين المستشارين من أجل إعادة بناء هيكل القيادة العراقية وتغيير الهيكل المُقسّم والبطيء في القمة الذي ينتظر إشارات من بغداد، ويقوم بجمع الموارد، ويستغرق وقتًا طويلًا للرد، ويحتوي على عناصر ضعيفة وفاسدة، وضمان وصول الإمدادات الأساسية، والتعزيزات، وطلبات الحصول على الدعم، والوقت لتحقيق الانتعاش والإغاثة، والإصرار الواضح بأن الضباط يقودون ولا يهربون، والمساعدة على استعادة وتنفيذ بنية العراق التي تحتاج إلى العمل كقوى فعّالة.
في كثير من الأحيان لا تكمن المشكلة في عدم الرغبة في القتال، بل في فشل تزويد أو دعم المقاتلين، حيث إن ذلك يرهق أفضل الوحدات من خلال إبقائهم في مناطق الاشتباك الأمامية، ويتركهم مع ضباط ضعفاء أو وحدات ضعيفة تقاتل بجانبهم.
تعزيز أو دعم المهام الجوية غير المؤكدة (الغامضة)
قبل كل شيء، ليس من الواضح أن المشكلة – في وقت ردة الفعل – لها علاقة بموقع قاعدة الطيران في العراق، بل أن المشاكل الرئيسة تكمن في الثقة بطلبات العراق، والتأخير والشكوك بالقيادات العراقية، والروابط بين وحدات الجيش العراقي والفصائل الشيعية، والحدود التي تفرضها قواعد الاشتباك الأمريكية، والصعوبات في ضرب أهداف المشاة الخفيفة في المناطق المأهولة بالسكان.
ولم تعالج حتى الآن الحاجة إلى تغيير قواعد الاشتباك للتركيز بشكل أقل على سقوط ضحايا من المدنيين، والأضرار الجانبية للضربات، والتركيز بشكل أكبر على التكلفة التراكمية للعمل وفقا للوقت المحدد، وقدرات القوات على استغلال تلك القواعد، واستمرار فقدان معركة الاتصالات الاستراتيجية لتفسير استخدام القوة الجوية.
لا يمكن قول أي شيء بشأن قيام حملة مكثفة وتغيير قواعد الاشتباك حتى لا يتمكن تنظيم “داعش” من الاختفاء وراء الدروع البشرية وربط العمليات الجوية بالاتصالات الاستراتيجية لتفسير وتبرير تلك الأعمال ومواجهة دعاية التنظيم. ليست هناك استراتيجية واضحة للاستهداف والعمليات في سوريا أو جهود الحد من استخدام الأسد للقوة الجوية، وليست هناك استراتيجية واضحة لاستخدام القوة الجوية في العراق والتي ترتبط بالهجوم بمنهجية على قيادة تنظيم “داعش”.
ولا توجد لحد الآن مقاييس ذات مغزى لتأثير الضربات الجوية، وليست هناك تفسيرات محددة بشأن استخدام القوة الجوية، وحقيقة إن الغارات الجوية دمرت ٧٧ دبابة أمر ليس له أهمية استراتيجية، كما أن ادّعاء قتل ١٠ آلاف أو حتى ١٢ ألف من مقاتلي تنظيم “داعش” ليس له تأثير كبير عندما تكون التقديرات الإجمالية لقوة التنظيم في كثير من الأحيان أقل من ٥٠-٦٥ ألف مقاتل وتقديرات المقاتلين الأجانب تتراوح من ٢٠-٣٠ ألف مقاتل.
من غير الواضح أيضا طريقة أداء القوات الجوية العراقية والمتحالفة، و ما هي الاستراتيجية المناسبة لبناء القوة الجوية و طائرات الهليكوبتر الهجومية. كما ولم يوضح الإعلان عن مبيعات الأسلحة الاستراتيجيات العامة لأمريكا والعراق في المشتريات وبناء القوة. ولم يكن هناك ملخص رسمي عن كمية المعدات التي فقدتها القوات العراقية أو التي تم الاستيلاء عليها أو كمية تدفق المعدات البديلة واستراتيجية الولايات المتحدة و شروط البيع والدعم.
اتصالات استراتيجية وانتصارات غامضة و هزائم محققة
في النهاية، الحكومة العراقية والولايات المتحدة بحاجة إلى تفسير استراتيجيتهما وأعمالهما بطرق تربط ما يحدث بعمل تحسينات طويلة الأمد في القوات العراقية والوضع العسكري والوحدة العراقية والحكم. ويجب أن يكون هناك مستوى من التواصل الاستراتيجي الذي يفسر على مستوى واسع ويوضح أن العراق يتعلم من إخفاقاته، وقبل كل شيء يدل على إن العراق يتجه نحو نقطة معينة في الوقت الذي ستحرر فيه مدينةالموصل، ويعالج قضية الوقت والموارد اللازمة.
الولايات المتحدة بحاجة إلى إقناع حلفائها بامتلاكها استراتيجية للعراق وسوريا غير استراتيجية التدرج، تحتاج إلى إظهار أن واشنطن لا تميل نحو إيران ولا تدعم الأسد أو أنها لا تهتم بالقضايا الإنسانية الأساسية بل تحتاج إلى نوع من النتائج المناسبة على أرض الواقع، كما تحتاج حملة الاتصالات الاستراتيجية إلى أن تكون متلائمة مع العراق، فضلا على الجمهور العربي والتركي الحليف. وحتى الآن رسائلنا ضحلة متعثرة مجرد ردود فعل للمشاكل السياسية أو الهزائم، وإن أفضل الاتصالات الاستراتيجية هي التي تمتلك أفضل استراتيجية، وهذا لا يبرر فشل الولايات المتحدة حتى الآن.
http://csis.org/publication/obamas-plus-iraq-incrementalism-not-strategy