الكاتب: فرانك ار. جنتر
ترجمة وعرض : د. حسين أحمد السرحان
هناك الكثير من الكلام الفارغ من المعنى حول دوافع الحكومة العراقية بالاستمرار في دفع الرواتب والمعاشات الأخرى إلى المواطنين في المناطق
التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، والتي تسمح للتنظيم في زيادة موجوداته المالية عبر استقطاع جزء من تلك الرواتب والمعاشات. والأسباب المعتادة هي أن استمرار المدفوعات تعكس الرغبة الإنسانية للحد من المصاعب التي يواجهها الموظفون الحكوميون والمتقاعدون في تلك المناطق، أو أن الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة تأمل الحصول على دعم سياسي في المستقبل من السكان – وهم معظمهم من السنة – في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم. ولكن الدافع الرئيس لدفع تلك الرواتب والمعاشات هو الفساد.
يستهل الكاتب مقاله بالقول: إن تنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق وبلاد الشام (ISIL) “دولة” مفترسة إرهابية إلى مالا نهاية. وقد استطاع التنظيم أن يحصل على أموال كبيرة وموارد أخرى في مدة قصيرة عبر السرقة أو الاختلاس أو الابتراز، ومع ذلك لايمكنه استدامة تلك الموارد ودعمها. وكنتيجة لذلك، يجب على التنظيم إما التوسع بسرعة أو الذهاب باتجاه الموت البطيء. ويمكن للجهود المنسقة للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” أن تسرع في فقدان هذه الإيرادات وإضعاف التنظيم بشكل كبير.
وطبقا لما أعلن من قبل فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (شباط 2015)، ومركز مكافحة الإرهاب (كانون الأول 2014)، ومجموعة واسعة من وكالات الأنباء بما فيهم الاقتصاديين (4 حزيران 2015)، ومجلة وول ستريت (23 آذار 2015) بأن تنظيم “داعش” حصل على أموال وموارد أخرى كبيرة من مصادر متنوعة.
وللاطلاع على الملخص التقريبي لإيرادات تنظيم “داعش” خلال عام 2014 ينظر الجدول أدناه. إلا أن هذه البيانات لاتشمل جميع المصادر، فهناك مصادر أخرى لإيرادات التنظيم تتضمن المبالغ التي يجري جلبها من قبل المقاتلين الأجانب والدعم المالي المتزايد من وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، وكذلك التبرعات من مؤسسات ربحية غير حكومية… الخ.
ت | مصدر الإيراد | المبلغ التقريبي (دولار أمريكي) |
1 | الاستحواذ على أصول نقدية من البنوك المملوكة للدولة | 500 – 800 مليون |
2 | الاستحواذ على المحاصيل الزراعية | 10-50 مليون |
3 | الضرائب التي يفرضها التنظيم على النشاطات التجارية | 20-70 مليون |
4 | استقطاعات من رواتب موظفي الحكومة | 100-300 مليون |
5 | الاتجار بالنفط | 100 مليون |
6 | عمليات الخطف للحصول على الفدية | 25-45 مليون |
7 | الاتّجار بالبشر | غير معروف |
8 | الرسوم الكمركية على البضائع | 10-50 مليون |
9 | تهريب القطع الأثرية | غير معروف |
10 | قيمة الأسلحة والمعدات والإمدادات العسكرية التي استولى عليها التنظيم من قوات الأمن العراقية | 20-50 مليار |
وعلى الرغم من أن تنظيم “داعش” يحصل على إيرادات من تشكيلة متنوعة من المصادر، إلا أن خاصية تلك المصادر غير مستدامة. إن استراتيجية هزيمة تنظيم “داعش” ستتطلب التنسيق الجوهري على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية وربما الثقافية، وجزء من هذه الاستراتيجية يجب أن يكون محاولة لتقليل إيرادات التنظيم.
وبهذا الإطار يؤكد الكاتب أن وزارة الخزانة الأمريكية قادت جهود ناجحة في القضاء على التدفقات المالية الخارجية لسلف تنظيم “داعش” في العراق وهو تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن التكتيك ذاته سيكون ذا فائدة محدودة في هزيمة التنظيم، إذ إن نسبة صغيرة من إيراداته يحصل عليها من مصادر دولية. المطلوب هو هجوم منسق على كل مصدر من مصادر إيرادات “داعش”. وبعد مناقشة نقاط القوة والضعف في كل مصدر محتمل للعوائد، سيكون بالإمكان مناقشة أساليب تقليل أو القضاء على كل مصدر من تلك المصادر.
أولاً : الإيراد من البنوك، المزارع، والأعمال التجارية: حدثت مرة واحدة وانتهت
تغيرت بواعث أو حوافز الاستيلاء على الأصول المملوكة لتنظيم “الدولة الإسلامية” والمتضمنة: البنوك والمزارع والنشاطات التجارية في الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق أو فرض الضرائب عليها. والآثار المترتبة على تغيير الحوافز هي الأوضح في حالة البنوك المملوكة للدولة والمنهوبة من قبل التنظيم، مثل مصرفي الرافدين والرشيد. لا الحكومة العراقية ولا مؤسساتها ولا السكان المحليون سيذهبون لإيداع مزيد من الأموال في البنوك التي سُرقت من قبل التنظيم، وبالتالي فقد انتهت الفرصة لسرقة المزيد من الموجودات المالية في تلك البنوك. وعلى الرغم من أوجه القصور المعروفة من مصرفي الرافدين والرشيد والبنوك، فالأفراد والشركات في المناطق المحتلة من قبل تنظيم “داعش” يضطرون إلى تخفيض إيرادهم أو دخلهم الذي يمكن أن يخضع للضريبة.
التأثير على الزراعة يكاد لايقل خطرا. أكثر من نصف السكان في محافظة الأنبار التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون على الزراعة. بعد مصادرة التنظيم للمحاصيل الزراعية عام 2014، انخفض النتاج الزراعي بشكل كبير، إذ أصبح المزارعون لايثقون كثيرا بقدرتهم في الحفاظ على بيع المحاصيل التي تنمو أو بيعها. ويتفاقم هذا الوضع بفعل سوء إدارة التنظيم والفساد في تشغيل أنظمة الري المعقدة. وهذه العوامل لاتقلل من كميات المياه المتوفرة لغرض السقي فحسب، ولكنها – والأكثر خطورة – تضعف القدرة على التنبؤ بتدفقات المياه في الأمد المنظور. انعدام الانتاج الزراعي سيضفي آثاراً سلبية عديدة على التنظيم، كما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيضيف مصاعب كبيرة على السكان المحليين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وكذلك سيزيد من تكاليف الحفاظ على مقاتلي التنظيم، كما أن انخفاض إيراد المحاصيل الزراعية قاد إلى زيادة الفقر في المناطق الريفية، وبذلك تغير الحال في تلك المناطق وتحولت من كونها مصدرا للدخل خلال العام 2014 بالنسبة للتنظيم إلى باب لاستنزاف موارده.
الحال ذاته مع النشاطات التجارية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. فالضرائب المرتفعة والتعسفية تجبر الشركات على إخفاء أنشطتها الاقتصادية أو إيقافها تماماً. ففي ظل حكم صدام، كان معظم النشاط الاقتصادي الخاص عبارة عن مشاريع صغيرة وغير مشروعة، لذا عمل المسؤولون عنها على إخفاء أنشطتهم أو رشوة المسؤولين المحليين لغض الطرف عن أنشطتهم تلك. وقد تجددت هذه الأساليب في ظل سيطرة تنظيم “داعش”. ويمكن التوقع بأن عائدات الضرائب سوف تستمر في الانخفاض خلال السنوات القليلة القادمة.
ثانياً: الأتاوات المفروضة على الرواتب: شراكة تنظيم “داعش” والحكومة في الفساد
هناك الكثير من الكلام الفارغ من المعنى حول دوافع الحكومة العراقية بالاستمرار في دفع الرواتب والمعاشات الأخرى إلى المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، والتي تسمح للتنظيم في زيادة موجوداته المالية عبر استقطاع جزء من تلك الرواتب والمعاشات. والأسباب المعتادة، هي أن استمرار المدفوعات تعكس الرغبة الإنسانية للحد من المصاعب التي يواجهها الموظفون الحكوميون والمتقاعدون في تلك المناطق، أو أن الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة تأمل الحصول على دعم سياسي في المستقبل من السكان – وهم معظمهم من السنة – في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم. ولكن الدافع الرئيس لدفع تلك الرواتب والمعاشات هو الفساد.
الحكومة العراقية تدفع رواتب لعدد كبير من العاملين الفضائيين ولكنهم نادراً ما يذهبون للعمل، كما أن هؤلاء العاملين الفضائيين يدفعون جزءا من رواتبهم لرؤسائهم في العمل مقابل تجاهل غيابهم عن العمل والبقاء في المنزل أو العمل بوظيفة أخرى. وفي حالات كثيرة، ربما لايكون لهؤلاء العاملين الفضائيين أي وجود في الأصل، مما يسمح لرؤسائهم بالاستيلاء على رواتبهم. وبينما يُخمن بأن أكثر من 25% من العاملين في الحكومة العراقية هم فضائيون، إلا أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين العدد الحقيقي.
وقبل عقد من الزمان، أوصى صندوق النقد الدولي الحكومة العراقية بإجراء التعداد الدقيق لموظفي الحكومة لتحديد الموظفين الفضائيين، إلا أنه وحتى قبل سيطرة تنظيم “داعش” في حزيران 2014، فإن موظفي التعداد هم مرتشون، ومهددون، أو تعرضوا للضرب في الدوائر الحكومية لمنعهم من إعداد قوائم دقيقة بالموظفين، وعليه هناك صعوبات مماثلة في الحصول على إحصاءات دقيقة للمتقاعدين.
لذلك فإن مدفوعات الحكومة العراقية إلى الموظفين والمتقاعدين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” أقل بكثير مما دفعته أو تدفعه الحكومة لأولئك الفضائيين. وبالنسبة للموظفين والمتقاعدين الفضائيين – والذين ليس لهم وجود فعلي ويفترض أن يكونوا متواجدين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” – فإن رواتبهم ومعاشاتهم ربما لاتغادر بغداد أصلاً، وقد يجري تحويلها إلى حسابات مسؤولي الحكومة الفاسدين. وهذا هو الوضع المثالي بالنسبة للمسؤولين الفاسدين، إذ ليس هناك طريقة للتأكد من المدفوعات في المناطق المسيطر عليها من قبل تنظيم “داعش”. وحتى بالنسبة للموظفين والمتقاعدين الموجودين فعلاً، يمكن التوقع بأن المسؤولين في بغداد يأخذون نصيبهم من تلك الرواتب قبل إرسالها. وربما هناك انشقاق: ثلث للمسؤولين الفاسدين في الحكومة، وثلث لتنظيم “داعش”، وثلث للموظفين أو المتقاعدين الفعليين. وفي كلتا الحالتين، فإن مقدار الرواتب للموظفين والمتقاعدين المذكورة والمقدمة إلى الأشخاص في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” مبالغ فيه إلى حد كبير.
لذلك فإن الذرائع أو الحجج السياسية والإنسانية وجدت لتبرر استمرار الحكومة في دفع الرواتب إلى الأشخاص في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، هذا من جانب. وإن مثل هذه المدفوعات تعكس الفساد الكبير في بغداد، فضلا عن استنزاف خزينة الحكومة العراقية التي شهدت ضغوطا كبيرة بفعل انخفاض أسعار النفط وتكاليف الصراع مع تنظيم “داعش”، وتمثل مصدرا كبيرا للدخل بالنسبة للتنظيم، من جانب آخر. وسيكون قرار إيقاف تلك المدفوعات صعبا، ولكن إذا كانت الحكومة العراقية جادة في هزيمة تنظيم “داعش” فعليها أن توقف تلك المدفوعات فورا.
ثالثاً: الاتجار بالنفط وتهريبه
يؤكد الكاتب على أن هناك من يُشير إلى أن تنظيم داعش “دولة نفطية جديدة”، ويحصل التنظيم على عوائد من تهريب النفط إلى جيرانه، ويعمل على تكريره لبيعه في الأقاليم التي يسيطر عليها. ومصادره النفطية ابتداءا في المناطق التي سيطر عليها في سوريا، والمناطق التي يسيطر عليها في العراق، والتي تحتوي قليلا من النفط.
في الحقيقة، حقق العراق مستويات قياسية في إنتاج النفط وتصديره منذ سيطرة التنظيم على بعض أراضيه الشمالية والغربية، إلا أن قيمة مايتم تهريبه ارتفعت بمقدار يتراوح بين (1- 3) مليون دولار أمريكي في اليوم لصالح التنظيم في عام 2014. إن انهيار أسعار النفط العالمية منذ تشرين الثاني 2014 ولغاية الآن خفضت أسعار النفط في السوق السوداء. فبدلا من أن يحصل التنظيم على ما يتراوح بين (40-50 دولارا) للبرميل الواحد خلال عام 2014، فهو يحصل على ما يتراوح بين (20-30 دولارا) خلال النصف الأول من عام 2015. وبسبب فقدان الإمدادات التقليدية، فإن أسعار الوقود المرتفعة توفر فرصة للحصول على عائدات كبيرة، إذ يمكن للمصافي في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” أن تزيد من نوعية وكمية الوقود المكرر.
لقد قيل الكثير حول محاولة تنظيم “داعش” الاستيلاء على مصفى بيجي، وأن ذلك سيساعده على زيادة كميات الوقود المكرر للبيع. ولكن يذكر الكاتب بمقال له نُشر في (مجلة وول ستريت Wall Street Journal في 3 تموز 2014) بأن احتلال مصفى بيجي ربما يمثل نصرا إعلاميا للتنظيم ولكنه هزيمة اقتصادية له بذات الوقت. ونتيجة عقود من ضعف الصيانة وتأجيلها وسوء الإدارة، فإن المصفاة غير فعالة للغاية، وأنتجت كميات كبيرة من الوقود الثقيل المسبب للتآكل. فضلا عن ذلك، فإن التنظيم يفتقر إلى مصادر للنفط الخام لتغذية المصفاة، فضلا على هروب العديد من العمال المهرة الضروريين لتشغيل المصفاة. وكنتيجة لذلك، قد يكون تهريب النفط والنفط المكرر إلى الخارج أقل كلفة بالنسبة للتنظيم من محاولة إعادة تشغيل مصفاة بيجي.
وبالفعل انخفضت أرباح تنظيم “داعش” من الاتجار بالنفط كثيرا مقارنة بالعام الماضي. ويرجح أن يعود الانخفاض المتزايد في عوائد تهريب النفط إلى عوامل عدة، منها:
– الأول: قرار منظمة أوبك الأخير في الاستمرار بإنتاج كميات كبيرة من النفط سيساهم في الأقل خلال عام آخر في انخفاض أسعاره، وبالتالي يخفض من أرباح تنظيم “داعش” من تهريب النفط. وفي الواقع، وفي ضوء استمرار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والتباطؤ الاقتصادي لبلدان البرازيل وروسيا الاتحادية والهند والصين، فقد يستمر انخفاض أسعار النفط لعقد من الزمان أو أكثر إلى أن تعود الأسعار إلى تلك المستويات التي تمتع بها “داعش” عام 2014.
– الثاني: إن الدول المجاورة وخصوصاً تركيا تضيق الخناق على تهريب النفط من المناطق التي يسيطر عليها “داعش”، وأحد دوافع الحكومة التركية في ذلك هو منع انتشار عدوى التنظيم بين افراد شعبها.
– الثالث: استهدفت طائرات الولايات المتحدة وباقي دول التحالف وسائل النقل لكل من النفط الخام والنفط المكرر، كما أنها ساهمت في تقليل مكاسب تنظيم “داعش” من تهريب النفط وبيعه للمستهلكين المحليين.
رابعاً: الخطف والاتجار بالبشر
من بين أكثر المصادر الحقيرة لعوائد تنظيم “داعش” هو الاختطاف على نطاق واسع للحصول على الفدية وبيع البشر، أو اتخاذهم كرقيق جنس لمقاتلي التنظيم. وفي البداية كان التنظيم يحصل على أموال من خطف أشخاص بكميات كبيرة ولكن يبدو أن هذه الإيرادات قد انخفضت بشكل حاد مع تجنب الأجانب في الوقت الحاضر السفر أو العمل في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وأما محليا، فإن التهديد بالخطف أو الخطف للحصول على فدية أو لبيع المخطوفين ساهم بشكل كبير في فرار العديد من السكان المحليين من المناطق التي يسيطر عيها تنظيم “داعش”. ولأن هؤلاء المهاجرين يمتلكون مهارات وأصول لها قيمة اقتصادية، فإن مغادرتهم تضعف من قوة التنظيم ودولته المفترضة.
وفضلا عن الآثار المباشرة، فإن الخطف والاتجار بالبشر من المتوقع أن يكون لها آثار سلبية على سمعة التنظيم. كما أظهرت الصومال، فالدولة أو المنظمة التي تشارك في هكذا نشاطات تفقد شرعيتها، ويُنظر إليها على أنها عصابة من المجرمين أو البلطجية أكثر من كونها دولة جديدة محتملة. وبينما كان تنظيم القاعدة في العراقيعتمد بشكل كبير على تدفقات المقاتلين الأجانب، فإن تنظيم “داعش” أقل اعتمادا على التحويلات المالية الدولية من سلفه (تنظيم القاعدة). وإذا أصبح تنظيم “داعش” يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه منبوذ دوليا، عند ذلك يمكن توقع أن تقوم الدول الأجنبية بإجراءات أكثر قوة لمنع سفر المقاتلين إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وسيتطلب الحد من تدفق عوائد تنظيم “داعش” من الخطف من البلدان حول العالم أن تجري مقايضة (مفاضلة) سياسية صعبة. ونظرا للقسوة المعروفة من قبل التنظيم تجاه سجنائه أو من يختطفهم، فإن هناك دافعا إنسانيا قويا لدفع الفدية. وإذا كان المجتمع الدولي جادًّا بهزيمة تنظيم “داعش”، فيجب عليه إقرار قوانين من شأنها حظر دفع الفدية بشكل رسمي أو غير رسمي للتنظيم، والكلفة الحالية هي قيام التنظيم بتعذيب وقتل الأشخاص الغير قادرين على دفع الفدية المطلوبة. ولكن إذا كان بالإمكان وقف دفع الفدية فلا يحصل هناك تخفيض لعوائد التنظيم فحسب ولكن يحصل أيضا إنقاذ للأرواح في المستقبل، وهو الأهم.
وفيما يتعلق بالاتجار بالبشر- والكثير منه لأغراض الاسترقاق الجنسي – فهناك إجراءات قليلة من شأنها أن تكون فاعلة. ويجب على الحكومة العراقية والمجتمع المدني ضمان مكان آمن ومستوى معيشة مقبول لأولئك الذين يهربون من سيطرة تنظيم “داعش”. وغالباً، ما يتم التعامل مع الفتيات والنساء اللاتي هربن من عمليات الاتجار بالبشر كبضائع تالفة من قبل المجتمع ومن قبل عوائلهن في كل من العراق وسوريا، وهذا ما دعى بعض مؤيدي التنظيم إلى الادعاء بأن التنظيم يعامل هؤلاء النساء والفتيات بشكل أفضل مما يعاملن به في مجتمعاتهن وعوائلهن.
خامساً: التعريفات الجمركية على الحدود وتهريب التحف الفنية: العمل كالمعتاد
يجني تنظيم “داعش” مئات الدولارات عبر فرضه التعرفة الكمركية على مرور الشاحنات المحملة بالسلع والبضائع وكذلك على مرور الأشخاص عبر الحدود في المناطق التي يسيطر عليها. ولكن كما أدركت الحكومة العراقية منذ مدة طويلة، ان العلاقات القبلية والجغرافية العابرة للحدود تحد بشدة من الإيرادات الجمركية. وإذا حاول تنظيم “داعش” رفع نسبة التعرفة الكمركية عن المستويات الحالية المنخفضة، فإن المهربين يدفعون رشوة لحرس الحدود بدلا من دفع التعرفة الكمركية. وإذا رفض حرس الحدود قبول الرشوة فإن المهربين ببساطة سيتحركون 50 ميلا إما عبر الجبال أو عبر الصحراء.
وفيما يتعلق بالرشوة، فإن كل نقطة حدودية هي في حالة منافسة مع النقاط الأخرى، وسوف يجد المهربون في نهاية المطاف الحراس الذين هم على استعداد لغض الطرف عن حركة البضائع مصحوبة بمستندات مزورة، وهذا التهريب يكون أسهل بفعل العلاقات العشائرية أو القبلية عبر الحدود، والأفراد من نفس العشيرة ينقلون البضائع غير المشروعة والأشخاص عبر الحدود السورية والعراقية قرونا عدة. لذا فإن تنظيم “داعش” يواجه مشكلة، فإذا اعتمد على المسؤولين المحليين الذي يعرفون طبيعة المنطقة، فربما يتم فعلا وصول المهربين إليهم. وعلى الجانب الآخر، إذا اعتمد على أشخاص من الخارج، فسيكونوا – على الأرجح – جاهلين بطرق وتقنيات التهريب المحلية.
ويعمل التهريب بشكل واسع النطاق على خفض عوائد التنظيم من التعرفة المفروضة على التجارة عبر الحدود في المناطق التي يسيطر عليها، ولكن هذا يضع جيران التنظيم على أبواب معضلة كبيرة، فإذا كانوا يغضون الطرف عن التهريب عبر حدودهم، فإن هذا يقلل من إيرادات التنظيم، كما ان تأمين الحدود يقلل من المبيعات غير المشروعة للنفط والقطع الأثرية.
ونظرا إلى الاختلاف بين عوائد مبيعات النفط والقطع الأثرية وبين عوائد التعرفة الجمركية الحدودية، فإن الخيار الأفضل هو تأمين الحدود.
وإلى جانب الاتجار بالبشر، هناك مصدر إيراد آخر لتنظيم “داعش” أكثر إثارة للقلق، وهو التجارة الواسعة في الأعمال الفنية والقطع الأثرية المسروقة. هذه التجارة غير المشروعة موجودة منذ عقود في العراق وسوريا وتم تيسيرها عبر مدفوعات للمسؤولين الحكوميين. وبعض هذه القطع او الأشياء ذات الأهمية التأريخية والفنية سُرقت من المتاحف في سوريا والعراق أو من المخازن الحكومية.
وعلى أي حال، فالعديد من هذه القطع تم الحصول عليها مباشرة من المواقع الأثرية في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”. إن حرص التنظيم على العثور بسرعة على الأشياء ذات القيمة العالية سيؤدي في الغالب إلى تلف المواقع، وهذا بدوره يقلل بشكل مستمر من المعرفة التي يمكن الحصول عليها من قبل علماء الآثار في المستقبل.
الجهود الناجحة من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية في تقليل التجارة بالقطع الأثرية المسروقة سيقود إلى زيادة كبيرة في أسعار السوق السوداء للأعمال الفنية الأصيلة، وهذه الزيادة في الأسعار يمكن توقعها في زيادة الحوافز التي تشجع على تهريب القطع الأثرية وزيادة في إنتاج المزيفة منها. وليس من الواضح ما إذا كانت عائدات تنظيم “داعش” من هذه التجارة ستزيد نتيجة لارتفاع الأسعار أو تنخفض نتيجة لانخفاض القيود التجارية وزيادة منافسة المنتجات المزيفة. ومع ذلك فالتخوف واحد، وهو إذا انخفضت أرباح تهريب القطع الأثرية فإن ذلك سوف يؤدي إلى تدمير هذه الكنوز الأثرية مدفوعة جزئيا من وجهة نظر متطرفة من قبل مؤيدي التنظيم بأن هذه التماثيل والأعمال الأثرية محرمة شرعاً. ويجادل البعض في أنه طالما تنظيم “داعش” يسيطر على المواقع الأثرية، فإن هذه القطع ربما تكون أكثر أمناً عندما تكون بحوزة مجموعات خاصة في أوروبا وآسيا مقارنة ببقائها في المتاحف أو المواقع الأثرية في المناطق المسيطر عليها من قبل التنظيم.
سادساً: الأسلحة والمعدات العسكرية التي استولى عليها تنظيم “داعش” من قوات الأمن العراقية
تشير القصص الأخبارية والتقارير الحكومية إلى أن تنظيم “داعش” استحوذ على أسلحة ومعدات عسكرية من القوات الأمنية العراقية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. وخلافا لمصادر الإيرادات التي ذكرت أعلاه، فإن هذه الاسلحة والمعدات ليس من السهل تحويلها إلى دولارات (نقد) كعوائد للتنظيم. ومع ذلك، فإن الاستيلاء على هذه المعدات يقلل من المبلغ الذي يتعين إنفاقه على شرائها في السوق السوداء، وتحويل تلك الأموال لأغراض أخرى.
وبعبارة أخرى، فإن الاستحواذ على هذه الأسلحة والمعدات توفر ميزة هائلة على المدى القصير لتنظيم “داعش” من خلال توفير الموارد اللازمة لمقاتليه، بينما – وفي الوقت نفسه – قوات الأمن العراقية حرمت منها. ومع ذلك، هذه الميزة ربما تكون قصيرة الأمد، إذ تم تدمير كثير من هذه المعدات والأسلحة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم ولم تعد صالحة للعمل.
النمو أو الانخفاض في عوائد التنظيم
تنظيم “داعش” يجد نفسه في وضع مماثل لأولئك في مزارع الرقيق قبل الحرب الأهلية في أمريكا الجنوبية. فزيادة محصول التبغ بكميات كبيرة نتج عنه أرباح كبيرة، ولكن وخلال بضع سنوات تراجعت خصوبة التربة وانهار الإنتاج، لذلك كان أصحاب المزارع يحركون عبيدهم باستمرار إلى أراض جديدة حيث يزدهر الإنتاج في البداية ومن ثم تتراجع خصوبة الأرض وينهار الإنتاج وهكذا تتكرر العملية. وبالمثل تنظيم “داعش” يجني كثيرا من عوائده بوسائل غير مستدامة. فعوائده من غزو المدن والمناطق تكون كبيرة في البداية ولكنها بعد ذلك تتراجع. والايرادات غير المستدامة هي نقطة الضعف الحرجة لتنظيم “داعش”.
ويمكن توقع أن التنظيم سيرد على الخسارة المتوقعه للإيرادات، ويمكن أن يعمل على تصعيد عمليات الابتزاز في المناطق التي يسيطر عليها، ويقبل مستوى عاليا من العداء تجاه السكان المحليين للحصول على دفعة قصيرة الأجل من العوائد. وإذا استمر الوضع المالي بالتدهور، فإن التنظيم سوف يقتطع جزءا من مرتبات المقاتلين الأجانب المرتزقة الذين أتوا بدافع الأجر وليس الآيديولوجية، وهذا الرد سيكون بمثابة نعمة منقوصة لتك الدول التي تعارض تنظيم “داعش”.
إن فقدان المقاتلين الأجانب سيضعف تنظيم “داعش” ولكن ربما يتحرك هؤلاء المقاتلين إلى صراعات أخرى. المحتمل، أن قيادات تنظيم “داعش” ستحاول الحصول على ماهو أكثر من المستويات المنخفضة الحالية للأموال من مصادر أجنبية. ومع ذلك، فإن الزيادة الكبيرة في التمويل الأجنبي لتنظيم “داعش” غير مرجح لسببين: الأول: هناك عدد قليل من الدول داخل أو خارج منطقة الشرق الأوسط تؤيد أو تفضل آيديولوجية تنظيم “داعش” وهم قادرون على توريد أموال كبيرة. الثاني: منذ عام 2001، وضع التحالف الدولي بقيادة وزارة الخزانة الأمريكية قدرات متطورة على نحو متزايد لتحديد مصدر الأموال المتجهة إلى الجماعات الإرهابية.
وقد ينفذ تنظيم “داعش” غارات خارج أراضيه الحالية لا بهدف الاستيلاء على المدن أو البلدات بشكل نهائي وإنما لتنفيذ عملية “السحق والاستيلاء” وسرقة كل شيء من الأجانب بما في ذلك إمكانية الحصول على فدية ومن ثم العودة إلى الأراضي التي يسيطر عليها. وتأكيد هذا الاحتمال هي العنصر الأكثر أهمية لاستراتيجية إنهاء عوائد التنظيم.
ويجب على قوات الأمن العراقية – بدعم من التحالف الدولي – أن توقف أي توسع جغرافي للتنظيم ليس لمنع مأساة أنسانية فحسب، بل أيضا لإحباط عمليات سرقة البنوك، والمزارع والنشاطات التجارية. ولن يُختزل الصراع إذا تمكنت القوات الأمنية العراقية من استعادة منطقة مدمرة بالفعل في جزء من العراق بينما يعمل مقاتلو التنظيم على إخضاع بلدة في أماكن أخرى. إن كسب إيرادات من البلدة الأخيرة لصالح التنظيم سيكون أكبر مما يحصل عليه التنظيم نفسه من البلدة السابقة التي دُمرت بالفعل. الدولة البدائية (تنظيم الدولة الإسلامية) إما أن تنمو أو تموت، ومنع هذا النمو على التنظيم يعرضه للخنق.
http://www.fpri.org/articles/2015/06/isil-revenues-grow-or-die
*تستند هذه الدراسة على المناقشات مع: جلين غودارد، القائد العام لقيادة الشؤون المدنية في الجيش الأمريكي. أنتوني أوبراين، الأستاذ الفخري بجامعة ليهاي. جيمس سافاج، أستاذ في جامعة فيرجينيا ومؤلف كتاب (إعادة بناء المؤسسات العراقية الخاصة بالموازنة). ومهند الحمدي، أستاذ مساعد في جامعة ولاية كنساس. ومع ذلك، فإن الآراء التي وردت هي آراء الكاتب.