فريدرك و. كاكن (Frederick W. Kagan)
ترجمة وعرض : د. حسين أحمد السرحان
إن الولايات المتحدة لم تقدم المساعدة الكافية للعراق وحكومته متمثلة برئيس الوزراء حيدر العبادي لجعله في وضع مناسب ومعقول حتى
لا يطلب المساعدة أو الدعم الإيراني. الدعم الإضافي المقترح أعلاه يجب أن يأتي مع الطلب. والوحدات العراقية يمكن أن يكون لها مجموعة من المستشارين في ذات الوقت. وإذا أراد العراقيون تزويدهم بإمكانات كبيرة ومتطورة فيمكن للقوات الأمريكية أن تجلبها لهم، ولكن عليهم أن يخرجوا الإيرانيين خارج تلك الوحدات العسكرية، وهذا هو السبب للاعتقاد بأن العراقيين سينظرون في هذا الأمر إذا وضعت الولايات المتحدة المساعدات الكافية على الطاولة. ونظرا إلى المخاطر الناجمة عن الوضع الحالي، فإن الأمر يقتضي المحاولة.
بداية يؤكد الكاتب على أن مقولة “ليس هناك حل عسكري للمشكلة” أصبحت ثابتة في الاستراتيجية الأمريكية والخطاب السياسي ولاسيما عندما يتعلق الأمر بتنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”). مشكلة تنظيم “داعش” تفوق تهديده العسكري ويتطلب حلا ليس عسكريا بشكل كامل، وذلك الحل يجب أن يتضمن عنصر القوة العسكرية، والسبب في ذلك بسيط وهو: إن هذه حرب.
والملاحظ أن هذه الحرب معقدة وظاهرة متعددة الأوجه تتضمن جوانب دبلوماسية وسياسية واقتصادية واجتماعية وأشياء أخرى كثيرة. والقول بإمكانية أن ينجح طرف في الحرب بدون الاستخدام الفاعل للقوة العسكرية هو شيء مختلف تماما.
الأسئلة هنا هي: من سيقاتل؟ ماذا يحتاجون للنجاح والانتصار؟ ماهو الدور الذي يمكن أن تؤديه الولايات المتحدة؟ كيف تنسجم الاستراتيجية العسكرية الفاعلة مع استراتيجية الحكومة والتحالف الدولي؟
العراق لديه حكومة، وقوات جيش وشرطة فعالة (إذا هاجمت بقوة)، ولديها حشد شعبي؛ لذا ليس من الضروري ولا من الحكمة بالنسبة للولايات المتحدة إرسال أعداد كبيرة من القوات المقاتلة إلى العراق للقتال، ولا أحد يقترح ذلك. ويبدو أن الاستراتيجية الأمريكية في العراق يجب أن تركز بالتأكيد على تمكين ومساعدة القوات الأمنية الشرعية التابعة للحكومة الشرعية في العراق لهزيمة تنظيم “داعش” وإعادة سيادة الدولة العراقية.
ويتم توجيه استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية على هذا النهج بشكل صحيح، والاقتراحات التي تتضمن وجوب تخلي الولايات المتحدة عن بغداد وتقديم دعم مستقل لكل من إقليم كردستان أو القبائل العربية السنية بالطريقة التي يمكن أن تقود إلى تكوين إقليم “سنيستان” هي اقتراحات خاطئة ومظلله لأسباب سأوضحها لاحقا. ولكن الاستراتيجية لا توفر ولا تقدم الدعم الكمي النوعي المطوب للنجاح، ليس لمجرد أنها تعاني من قلة الموارد – رغم صحة ذلك – ولكن أيضا لإساءة فهم طبيعة المساعدة التي يجب أن تمنحها الولايات المتحدة للعراقيين لتحقيق النجاح.
تطور تنظيم “داعش” وأصبح جيشا هجينا ومتطورا للغاية – كما أوضح ذلك المحللون في معهد دراسات الحرب – يعتمد المناورات ولديه تشكيلات آلية تشترك في الميدان وفي الوقت نفسه تتفرق تشكيلاته ويعتمد القتال في المدن وينصب الكمائن فضلا عن أسلوبه في الإرهاب المباشر. وأجرى التنظيم حملة اغتيالات ضد أفراد في المجتمع العربي السني، إذ كان التنظيم يشك بتشكيل أبناء المناطق السنية أساسا للتمرد ضده على غرار “صحوة الأنبار” منذ سنوات عدة ضد تنظيم القاعدة.
يقوم التنظيم بعملياته بين السكان بغض النظر عن عددهم، وحصل على الدعم الشعبي والتسامح معه، مستفيدا من المظالم السنية ومن أساليبه الإرهابية والقمعية التي يتبعها ضد طائفه كبيرة من العرب السنة الذي لايتفقون مع منظروه وسياساته العالمية.
إن الحكومة العراقية ستقوم بمعالجة المظالم أكثر مما قامت به سابقا كما أكد ذلك الجنرال ديمبسي ووزير الدفاع كارتر في شهادتهما أمام الكونغرس. ولكن الجيش العراقي المدعوم من قبل التحالف الدولي سيهزم تنظيم “داعش” في أرض المعركة كما سيقضي على أدواته القمعية التي استخدمها في مناطق واسعة لإتمام سيطرته عليها، وهذه المهام العسكرية والأمنية تتطلب أولوية حتى يتم الانتهاء منها.
إن مهمة تدمير القوات الآلية لتنظيم “داعش” يجب أن تكون المهمة المباشرة بالنسبة للقوات الأمريكية التي صممت لتستهدف أعداء أكثر تطورا. فمن الصعب فهم قدرة تشكيلات تنظيم “داعش” على التحرك في المناطق التي تغطيها غارات طائرات التحالف الدولي، وهذه هي المشكلة التي ينبغي معالجتها في أسرع وقت ممكن.
ينبع التحدي أمام قيادة تنظيم “داعش” من داخل المراكز الحضرية والسكانية وهي أكثر تعقيدا، كما كانت دائما. ولكن اذا بدت الاستراتيجية الحالية بأنها مقيدة لفعالية القوة الجوية ضد أرتال سيارات “داعش” خارج منطقة المعركة، فإن التركيز ينصبّ على توفير القوة الجوية لهذه المعركة الأكثر تعقيدا، وبالتأكيد فإن القوة الجوية تساعد كثيرا في هزيمة مقاتلي التنظيم المتواجدين في المدن.
جعل القوة الجوية فعالة في هذه الحالة يحتاج إلى تخفيف القيود على خطر سقوط ضحايا بين المدنيين. وببساطة من غير الممكن أن تعمل القوة الجوية بشكل فاعل في معارك المدن دون توقع أن تتسبب ببعض الأضرار الجانبية. كما يتطلب ذلك توسيع وجود الجنود الأمريكان على الأرض ليتمكنوا من التحكم بأنظمة المراقبة الجوية، وذلك يقود إلى جعل أنشطة القوة الجوية أكثر فاعلية والتخفيف من بعض المخاطر الجانبية من الضحايا المدنيين في المناطق الحضرية.
ولكن القوات الأمنية العراقية تحتاج إلى ما هو أكثر من الدعم الجوي. هذه القوات أفرغت من مهنيتها في زمن رئيس الورزاء السابق نوري المالكي؛ ولذلك هُزمت في المراحل الأولى من هجوم تنظيم “داعش”، وعانت من هجمات وحشية عدة منذ ذلك الحين وأحاطت بها النكسات بشكل متواصل، لذا فالقوات العراقية تحتاج إلى شريك على الأرض. ويجب أن يتواجد المدربين الأميركيين مع الوحدات العراقية، كما أوضحت ذلك ماكس بوت وغيرها. فهؤلاء المدربون سيقاتلون مع الوحدات العراقية لأنهم إذا لم ينضموا إلى عمليات القتال فإنها تفقد مصداقيتها وتفوت الفرصة على تقديم المساعدة إلى الوحدات العراقية عندما تشتد الحاجة. ويجب أن يكونوا أيضا قادرين على تقديم القدرات الأمريكية المتطورة، بما في ذلك المدفعية وطائرات الهليكوبتر، وأن يقدموا الدعم الناري الفوري والسريع إلى القوات العراقية في القتال، وكذالك الحـــــال نفسه مع المدفعية، يجب أن تتواصل لتكون فاعلة حتى في الأحوال الجوية السيئة.
ويمكن لقوات التحالف والقوات الأمريكية منح قدرات أخرى لتُستخدم ضد تنظيم “داعش”. ويمكن لوحدات المهمات الخاصة (Special Mission Units (SMUs)) أو ينبغي عليها القيام بعمليات متكررة ضد قادة التنظيم، وتقديم الدعم لعمليات قوات الأمن العراقية الهجومية والدفاعية. وأثبتت وحدات المهمات لخاصة SMUs قدرتها على عرقلة عمليات العدو مرارا وتكرارا في كل من أفغانستان والعراق بتكلفة منخفضة جدا وخسائر قليلة بين أفرادها. ومن شأن الوجود الأمريكي الواسع على الأرض أن يسمح للقوات الأمريكية بتعزيز الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وتسهيل جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لدعم عمليات وحدات المهام الخاصة وأيضا لتجنب المفاجأت. إن العدد الكبير من المستشارين الأمريكان في المقرات العسكرية العراقية وعلى جميع المستويات يمكن أن يسهل الاتصالات والتخطيط وتحليل المعلومات الاستخبارية، والعديد من الوظائف الأخرى الداعمة الأساسية للحرب. لن أحاول هنا تقديم تفاصيل عن متطلبات القوة المحددة لهذا النوع من العمليات، إلا أن الملاحظ أن مجموع القوة الشاملة اللازمة تقارب 20000 (عشرون ألف جندي أمريكي).
هناك ثلاثة اعتراضات لمثل هذا الانتشار: الأول: قد تفشل الجهود ويقود ذلك إلى جر الولايات المتحدة إلى مستنقع خطر. الثاني: إن هذا الانتشار سيجعل القوات الأمريكية تقاتل إلى جانب بعض الفصائل الموالية لإيران. الثالث: إن ذلك سيدفع الإيرانيين لمهاجمة القوات الأمريكية في العراق.
الوضع في العراق محفوف بالمخاطر بما يكفي لجعل الخطر يحيط بأي مسار للعمل تقريبا. وإذا قام الرئيس بنشر قوات على النحو المقترح أعلاه مع المهام والصلاحيات المخولة لها فقط ليراها تفشل في مهامها فإنه سيواجه خيار مفاده: تغيير الاستراتيجية والموارد المخصصة لقتال تنظيم “داعش” أو القبول بالمخاطر الكبيرة الدائمة للتنظيم.
وقد أكد ستيفن والت (Stephen Walt) في الآونة الأخيرة بقبول وجود تنظيم “داعش” بدلا من التورط والدخول بتصعيد كبير معه. واستند برأيه هذا إلى سلسلة من التهويلات حول تهديدات التنظيم للغرب (فضلا عن ميله نحو المساواة بين أفعال التنظيم في الإبادة الجماعية – على سبيل المثال – وبريطانيا سابقا).
وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن تنظيم “داعش” يمكنه أن يعبئ عددا قليلا من الناس نسبيا، ولا يمكنه إرسالهم إلى الغرب لدعم عمليات إرهابية واسعة النطاق. ولكن التنظيم استطاع أن يحشد أو يعبئ الآف المقاتلين الأجانب في العمليات التي ما تزال متواصلة وسريعة. والقول باحتواء التنظيم يغفل المشكلة الأساسية في الواقع، إذ سينتج عنه تجاهل حقيقة أن الاحتواء في هذه الحالة يعني استمرار الحرب الطائفية الشرسة، وهذا الأمر بالتحديد سيقود إلى مزيد من التعبئة والتطرف لعناصر أخرى من البلدان الإسلامية حول العالم، وسيسمح للحرب أن تستمر إلى أجل غير مسمى، وستشكل مستوى غير مقبول من المخاطر بالنسبة للأميركيين في داخل الولايات المتحدة، وبالتالي من الصعب جدا قبول حالة الواقع القائم لجدوى احتواء التنظيم.
ومن الصعوبة أيضا تقبل توصية السياسات التي تقبل بالمخاطر الجسيمة لتنظيم “داعش”، والتي تمكنه من الاستمرار بنفسه. وإذا وصلت الأمور إلى هذه المرحلة، فإنه ليس هناك سوى التدخل الأمريكي المباشر والكبير لمنع حدوث ذلك. وفي الواقع، حري بالولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لتجنب حدوث ذلك، ومن يسعى لذلك عليه أن يقدم دعما أكثر قوة إلى القوات العراقية في الميدان، وهذا الخيار – إلى حد بعيد – هو أفضل خيار للولايات المتحدة.
يؤكد الكاتب على أن الطروحات المتبادلة والمتناقضة حول إيران تستحق النظر. وتمكين إيران من السيطرة على العراق سيكون له نتائج كارثية على حد سواء في القتال ضد تنظيم “داعش” ومصالح الولايات المتحدة على نطاق واسع. الحكومة الإيرانية تصف بصراحة مرارا وتكرارا هدف استراتيجيتها في إبعاد الولايات المتحدة من المنطقة بالكامل وإحلال الهيمنة الفارسية – طهران تتحدث عن “قيادتها” – محل السيطرة الأمريكية، وينبغي أن يكون هذا الهدف كافيا للإجابة عن التساؤل حول دعم إيران في العراق.
ويستطرد الكاتب، إذ يقول: يجب على الولايات المتحدة أن تسلط الضوء على الدور الذي تلعبه إيران وحلفاؤها وما زالوا يلعبونه في الصراع الدائر. ورغم الخطاب المتكبر لعموم الدول الإسلامية، فالنظام الإيراني يُعرف بهويته الشيعية القوية، ويدعم بشكل كبير الجماعات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة. هذه الجماعات بدورها تلعب أدوارا مركزية في حث ودفع المجتمعات السنية في العراق وسوريا بأن يواجهوا التهديد الوجودي (الإيراني) واللجوء إلى تنظيم “داعش” والجماعات الإرهابية الأخرى التي تتعهد بحمايتهم. القوات المدعومة من قبل إيران – من جانب آخر- هي داعمة لتنظيم “داعش” لأنه يستغلها كسبب للتحشيد له من جانب المكون السُني. ودعم هذه القوات سوف يجعل من المشكلة أكثر سوءاً وتعقيدا بدلا من حلحلتها.
المشكلة هي أن القوات المدعومة من قبل إيران ينتشرون في جميع أنحاء العراق ومنسجمة مع القوات العراقية التي تقاتل تنظيم “داعش”. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن القوات الأمريكية التي ستشترك في قاعدة التقدم في محافظة الأنبار تُبرز تحديا في كيفية توفير المساعدة الأمريكية إلى قوات الأمن العراقية من دون تمكين إيران في ذات الوقت. وقد يكون النفوذ الإيراني منتشرا الآن لدرجة أنه لا يمكن تخفيضه أو التحقق منه، ولكن هذا الافتراض لم يتم التحقق منه أو اختباره.
ويؤكد الكاتب على أن الولايات المتحدة لم تقدم المساعدة الكافية للعراق وحكومته متمثلة برئيس الوزراء حيدر العبادي لجعله في وضع مناسب ومعقول حتى لا يطلب المساعدة أو الدعم الإيراني. الدعم الإضافي المقترح أعلاه يجب أن يأتي مع الطلب. والوحدات العراقية يمكن أن يكون لها مجموعة من المستشارين في ذات الوقت. وإذا أراد العراقيون تزويدهم بإمكانات كبيرة ومتطورة فيمكن للقوات الأمريكية أن تجلبها لهم، ولكن عليهم أن يخرجوا الإيرانيين خارج تلك الوحدات العسكرية، وهذا هو السبب للاعتقاد بأن العراقيين سينظرون في هذا الأمر إذا وضعت الولايات المتحدة المساعدات الكافية على الطاولة. ونظرا إلى المخاطر الناجمة عن الوضع الحالي، فإن الأمر يقتضي المحاولة.
ويرى الكاتب أن القوات المدعومة من إيران يمكن أن تهاجم القوات الأمريكية في العراق – أو في أي مكان في المنطقة – إذا اختارت طهران معارضة تصعيد النشاطات الأمريكية في العراق. القادة الإيرانيون قد يفعلون ذلك. هم يراقبون إعادة نشر القوات الأميركية في العراق بعين القلق ويصعدون خطابهم حول الدعم الأميركي لتنظيم “داعش”، وعزم الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في العراق لتهديد إيران.
على أي حال، السؤال الحقيقي هنا ببساطة: هل الولايات المتحدة مستعدة لإعطاء آية الله خامنئي سلطة الاعتراض على أنشطتها في المنطقة؟
طالما هناك وجود للأمريكان في الشرق الاوسط، فالإيرانيون لديهم المقدرة على مهاجمتهم. الإذعان أو الرضوخ لمبدأ مفاده بأن مثل هذا الخطر يعني أن الولايات المتحدة يجب ألا تتخذ الإجراءات التي ربما تثير طهران، سيجعل الولايات المتحدة الشريك الفعلي في طردهم من المنطقة لتأسيس الهيمنة الإيرانية. فهذا لا يعني – بالطبع – أن على الولايات المتحدة أن تخرج من طريقها إلى استفزاز إيران، إذ لا يمكن خدمة المصالح الأمريكية بفعل الحرب مع إيران في العراق. لكن دعم القوات الأمنية العراقية لهزيمة “داعش” هدف معلن آخر لطهران، لا ينبغي أن يكون كافيا لتحريك هجوم ترعاه إيران على موظفي الولايات المتحدة.
يجادل البعض كثيراً بأنه يجب على الولايات المتحدة التخلي عن بغداد وقوات الأمن العراقية المتهالكة إلى حد كبير والتركيز – بدلا من ذلك – على مساعدة الأكراد و/ أو القبائل السنية مباشرة. هذه الأفكار لها جاذبية سطحية.
بالنسبة للأكراد فهم أعداء أكثر ثباتا وصرامة لتنظيم “داعش”، وأثبتوا بفاعلية في إعاقته وإبعاده بعيدا عن بعض المناطق. القبائل السنية – على الجانب الآخر – انتفضت ضد التنظيم كما حصل ضد تنظيم القاعدة، وتأمل الولايات المتحدة أن يفعلوا ذلك مرة أخرى ضد تنظيم “داعش”.
كما يؤكد الكاتب على أن تحقيق النصر عبر إقليم كردستان وباستخدام القوات الكردية هي مشكلة؛ لسببين على الأقل: الأول: هو أن جغرافية واستراتيجية إقليم كردستان على مقربة من الموصل والمناطق التي يسيطر عليها “داعش” في نينوى وكركوك وديالى، لكنها بعيدة عن الأنبار وصلاح الدين وبغداد, وبالتالي لم تتمكن من الوصول إليها. القوات الكردية إذا سُلحت وعُززت بشكل مناسب ربما تتمكن من تطهير المناطق على طول الحدود المباشرة للمنطقة الكردية ولكن لا يمكنها أن تطهر الملاذات الآمنة للتنظيم في المناطق المختلطة طائفياً والتي يسعى التنظيم فيها إلى التطور، كما أن القيادات الكردية لم تحاول فعل ذلك.
السبب الثاني: المشكلة الثانية للحل الكردي هي اثنية أو عرقية. تتصاعد التوترات بين العرب والأكراد على طول خط التماس العرقي. تنظيم “داعش” يحاول تأجيج تلك التوترات. ولكن توطيد السيطرة الكردية على كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها يؤدي بالكثير من العرب السنة إلى الخوف من أن كردستان سوف تبتلع في نهاية المطاف معظم مدينة الموصل، وجزءا كبيرا من محافظة نينوى، وكركوك، وأجزاء من محافظة ديالى التي تعد عربية.
وهناك سابقة تاريخية واضحة لتقدير هذه المخاوف بأنها ستؤدي إلى العنف العرقي. وفي الواقع، هناك بعض المؤشرات المقلقة بأن الأكراد بالفعل يفعلون ذلك. إن تسليح الأكراد وتسهيل التوسع الكردي في المناطق العربية بذريعة مطاردة تنظيم “داعش” من المحتمل جدا أن يسبب حربا عرقية تنفجر على خلفية الحرب الطائفية الجارية.
أما بالنسبة إلى القبائل السنية، فإن الاعتماد في المقام الأول على القبائل السنية هو إشكالية لأسباب مختلفة. بداية وكما لاحظنا، الإرهابيين يدمرون بشكل انتقائي كل ما يعتقدون بأنه يقود إلى قيام مثل هذه الانتفاضه ضده. ربما التنظيم لم يرعب السكان أو يمنع القادة الآخرين من الظهور ضده، ولكنه عطل بشدة الآليات الاجتماعية التي تجعل من صحوة الأنبار ممكنه. القبائل لم تنظم في الوقت الحالي في إطار قوات مقاتلة فعالة، وتدريب أعداد كبيرة من أبناء العشائر يتطلب وقتا طويلا – إذا أصبحت تلك الأعداد متاحة بوقت سريع – للوصول بهم إلى المستوى اللازم من القدرة القتالية لمساعدة قوات الأمن العراقية، مما يشجيع أبناء المكون السُني للالتحاق في تلك القوة.
مثل هذه الجهود من شأنها أن تقوض بشدة احتمالات التوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمة. محاولة العمل مع بغداد، والقبائل السنية، والأكراد لتسوية الخلافات وعنونة المظالم في إطار دولة عراقية سيكون – بالتأكيد – صعبا. وحتى لو تم التوصل إلى الحل العسكري المناسب للمشكلة العسكرية، فإن محاولة وضع اتفاقية سلام بين إقليم كردستان المستقل والإقليم السني المستقل – قيد التشكيل – والمكون الشيعي ستكون أكثر صعوبة.
ليس هناك اتفاق بين الأكراد والعرب حول ماهية الحدود التي ستفصل بينهما، ومطالبات الأكراد المتضاربة ستجعل أي اتفاق من هذا القبيل مستبعد جدا. وهذه الصعوبة كافية لإدارة هذه المشكلة في إطار عراقي موحد، الأمر الذي يجعل قضية الحدود أقل أهمية إلى حد كبير إذا كان لابد من أن تكون هناك دولتين مستقلتين. والتفاوض لإنشاء دولة كردستان المستقلة سترتبط بدبلوماسية إقليمية معقدة جدا، ويمكن أن يقود ذلك إلى نفور تركيا الشريك الأساس في المعركة ضد تنظيم “داعش” في سوريا.
سكان المنطقة العربية السنية في العراق – ليس مثل الأكراد – لم يكن لديهم فكرة أو مفهوم للدولة العربية السنية المستقلة، ولا أحد يعتقد أو يفكر بجدية حول كيف ستبدو حدود هذه الدولة. ومحاولة المساعدة في تشكيل إقليم سنيستان وفي ذات الوقت دعم استقلال كردستان، سيقود على الفور إلى صراع على الحدود في محافظة نينوى، وسيقود ذلك بالتأكيد إلى صرف النظر أو إبعاد الاهتمام عن أية جهود لقتال تنظيم “داعش”. كما أن السُنة العراقيين ليسوا متماسكين كما هو حال الأكراد؛ لذا من غير المرجح أن ينبثق إقليم سنيستان منفردا، أو حتى إقليم فيدرالي سني في داخل العراق. وإذا حصل ذلك، فمن المرجح أن نرى عدة دول سنية تحاول الظهور تقاتل بعضها البعض من جهة، وتقاتل الشيعة والأكراد على السلطة والموارد والحدود من جهة أخرى.
وبالتأكيد تواجه الولايات المتحدة مشكلة إضافية، وهي أن تنظيم “داعش” يسيطر حاليا على أغلب مناطق العرب السنة، بينما أبناء العشائر السنية – حتى مع دعم قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي – غير قادرين على استعادتها من سيطرة التنظيم. وفكرة أن أبناء العشائر وحدهم من دون القوات الأمنية العراقية – وبينما يتقاتلون فيما بينهم ويقاتلون جيرانهم من أجل التفوق السياسي – يمكنهم طرد تنظيم “داعش”، هي فكره غير قابلة للتصديق.
وإذا اختار العراقيون على طول الوقت تقسيم دولتهم سلميا سواء ضمن نموذج فيدرالي أم إلى دول مستقلة، فإن الولايات المتحدة لا تعارضهم.
وأخيرا، يؤكد الكاتب رؤيته بأن دعم قوات الأمن العراقية الحالية بمساعدة عسكرية جدية وبقدرات متطورة، والتي يمكن أن توفرها الولايات المتحدة، هو خيار غير جذاب إلى حد كبير بالنسبة إلى الخيارات التي تواجهنا في مكافحة تنظيم “داعش” في العراق. المخاطر كبيرة، والكلف لربما مرتفعة ولكن البديل عن ذلك هو قبول الهزيمة الاستراتيجية التي من شأنها أن تزيد بشكل كبير من الخطر على الولايات المتحدة والدول الأوربية، فضلا عن تأجيج الحرب الإقليمية المستمرة.
وهنا يوصي الكاتب بتجنب هذا البديل والسير باتجاه دعم القوات الأمنية العراقية بقدرات عسكرية متنوعة تستطيع من خلالها هزيمة تنظيم “داعش”.