د. خالد عليوي العرداوي/ مدير مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
آب/ 2015
في الرابع من آب الجاري دخل حيز التنفيذ إجراء نقل صلاحيات عدد من الوزارات الاتحادية العراقية الى الحكومات المحلية في المحافظات غير المنتظمة بأقليم،
عملا بنصوص القانون رقم 21 لسنة 2008 والمعدل بقانون رقم 15 لسنة 2010 والقانون رقم 19 لسنة 2013. والوزارات المعنية بهذا الاجراء هي: المالية، والتربية، والعمل والشؤون الاجتماعية، والصحة، والشباب والرياضة، والاعمار والإسكان، والبلديات والاشغال العامة، والزراعة، كما أن هذه القوانين تشرح بالتفصيل تنظيم عمل الحكومات المحلية وكيفية تشكيل هيئاتها التنفيذية والتشريعية.
البعد الدستوري لنقل الصلاحيات
يستند تشريع القوانين المرتبطة بنقل الصلاحيات الى نصوص الدستور العراقي ومنها المادة رقم (1) التي تنص على: ” جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة..” ومن متطلبات بناء الدول الاتحادية توسيع صلاحيات حكوماتها المحلية؛ لتقوم بدورها في خدمة مواطنيها بفاعلية وكفاءة أكثر، والمادة رقم (9) الفقرة ج التي تنص على: ” لا يجوز للقوات المسلحة وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخابات لأشغال مراكز سياسية..” وهذا النص ينسجم مع ما جاء في الفقرة خامسا من المادة الخامسة من قانون رقم 21 المتعلقة بشروط عضوية مجلس المحافظة والمجالس المحلية، والمادة 111 التي تنص على: ” النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات” والمادة 112 الفقرة أولا التي تنص على: ” تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز ..” لذا نجد أن الفقرة ثانيا من المادة 11 من التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة بأقليم المشار اليه اعلاه تحدد إيرادات الحكومات المحلية بالقول: ” الإيرادات المتحققة في المحافظة عدا النفط والغاز..”، فضلا على ما جاء في المواد 110 التي تحدد الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية، و 114 التي تحدد الصلاحيات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ، و115 التي جعلت كل مالم يرد فيه نص من الصلاحيات يكون من صلاحيات حكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة تكون الأولوية فيها للأخيرة في حالة الخلاف بينهما (انظر الفقرات رابعا وخامسا وسادسا من المادة الثانية من التعديل الثاني التي توصف عمل الحكومات المحلية)، والمادة 116 التي تنص على: ” يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وادارات محلية” ، والمادة 122 التي تتحدث عن تشكيل المحافظات غير المنتظمة بأقليم بفقراتها الخمس، والمادة 123 التي تنص على: ” يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات أو بالعكس، بموافقة الطرفين..”. إذا اجراء نقل الصلاحيات جاء منسجما مع نصوص الدستور العراقي النافذ، ومع القواعد والأعراف المعمول بها في كل الدول الاتحادية، وهو اجراء مهم تأخر العمل به من قبل الحكومة الاتحادية، يصب في مسار تطوير النظام السياسي في العراق، والمفروض به أن يهدف الى القضاء على الروتين، والمحافظة على المال العام من الفساد والإداري والمالي، وتسهيل وتسريع وتطوير الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
البعد السياسي الايجابي لنقل الصلاحيات
يمكن لنقل الصلاحيات أن يسهم في تحقيق نتائج إيجابية عدة على المستوى السياسي نذكر منها:
1-ترسيخ مقومات النظام الفدرالي في العراق، وتهيئة مستلزمات تحول بعض المحافظات الى أقاليم في مرحلة لاحقة.
2-تخفيف قبضة الحكومة الاتحادية على الحكومات المحلية وتمكين الأخيرة من إدارة شؤونها بكفاءة أفضل.
3-تشجيع المواطن على التفاعل الإيجابي مع السلطات الحكومية المحلية، وتحفيزه على تحديد جهة التقصير الرئيسة في تقديم وتطوير الخدمات الأساسية.
4-ربما يعمل نقل الصلاحيات على تقليل وطئة الصراع السياسي بين القوى الرئيسة داخل المحافظات، وجعل لعبة هذا الصراع محصورة بالمستوى الاتحادي، وتحول الحكومات المحلية بتشكيلاتها التنفيذية والتشريعية الى حكومات إجرائية مهمتها انجاز العمل في خدمة المواطن، بدلا من الانشغال بالحصول على مكاسب وامتيازات مرتبطة بالعمل السياسي على المستوى الاتحادي.
5-تنظيم عمل الحكومات المحلية واشراك المواطن بقوة في تشكيل هذه الحكومات بعيدا عن تدخل المركز.
6-الاستثمار الأمثل لموارد الحكومات المحلية في تحقيق التنمية الشاملة داخل حدودها الإدارية.
تعديلات مقترحة على قانون نقل الصلاحيات في ضوء تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية
يأتي اجراء نقل الصلاحيات في وقت حرج للغاية تشهد فيه معظم محافظات العراق موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية على أداء الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، يطالب معظمها بإقالة الاجهزة التنفيذية والتشريعية لهذه الحكومات، واتهام معظم المسؤولين فيها بالفساد الإداري والمالي والدعوة الى محاسبتهم أمام قضاء عادل ونزيه. ان الانسياق وراء بعض المطالب المتطرفة للمحتجين قد يعني الغاء الدستور العراقي النافذ وحل البرلمان الاتحادي والمجالس المحلية على اختلاف مسمياتها(محافظة، قضاء، ناحية)، وتشكيل حكومة طوارئ اتحادية قد يصل الحال بها الى اعلان الاحكام العرفية، وربما إيقاف عمل الأحزاب والقوى السياسية، وتقليص عدد الوزارات الاتحادية الى الحد الأدنى وما شابه ذلك من مطالب، قد تنتهي بتحويل شكل وطبيعة الحكم في العراق، ويقود الى نتائج غير معلومة ولا مضمونة، أما اذا اخذنا رغبة القطاع العريض من المطالب الشعبية الراغبة بإصلاح النظام السياسي القائم في العراق اليوم، وإعادته الى مساره الصحيح الذي يجعل بوصلته تتحرك باتجاه خدمة المواطن لا خدمة النخبة المتسلطة، فقد يتطلب الامر ادخال بعض التعديلات المهمة على قانون نقل الصلاحيات منها:
1-إضافة تعديل الى المادة الخامسة الفقرة الأولى المرتبطة بتحديد شروط العضوية في المجالس المحلية ، حيث جاء في هذه الفقرة:” ان يكون عراقيا كامل الاهلية اتم الثلاثين من عمره عند الترشيح”، والتعديل المقترح على هذه الفقرة هو إضافة عبارة (وألا يحمل جنسية دولة أخرى)، فقد تسببت مسألة ازدواج الجنسية لدى معظم المسؤولين العراقيين بمشكلة حقيقية في تحديد الدولة التي يدينون بالولاء اليها، كما أن جميع دول العالم تقريبا لا تقبل أن يتولى مسؤوليات مهمة فيها من يحمل جنسية دولة أخرى، وأن لا يقتصر هذا الاجراء على الحكومات المحلية، بل يشمل جميع المفاصل التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة العراقية.
2-تعديل المادة السابعة فقرة (1) التي تنص على “انتخاب المحافظ ونائبيه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس..” والتعديل هو (انتخاب محافظ ونائبين له من أبناء المحافظة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس..)، والهدف من هذا التعديل تخفيف قبضة المركز على حكومة المحافظة من جهة، وابعاد سطوة الأحزاب المتسلطة على المستوى الاتحادي من التحكم بقرار حكومة المحافظة.
3-الغاء مجالس الاقضية والنواحي أينما وردت في القانون؛ لكونه باب من أبواب الترهل الإداري والمالي، كما أن المطالب الشعبية أعلنت صراحة أن هذه المجالس تعد حلقات زائدة لا تنفع المواطن، والغائها يصب في باب تنفيذ إصلاحات حقيقية لإدارة الدولة في العراق، طبعا والالغاء من المفيد أن يقترن بإلغاء الرواتب التقاعدية للأعضاء الحاليين والسابقين في هذه المجالس.
4-تحديد عدد أعضاء مجلس كل محافظة بواقع نائب واحد لكل مائة ألف نسمة ابتداء، وعدم تحديدهم ب 25 عضوا وزيادة عضو واحد لكل مائتين ألف مواطن لما زاد عن خمسمائة ألف مواطن كما جاء في نص المادة الثالثة / أولا/ فقرة 1؛ لأن هذا باب من أبواب الهدر في المال العام.
5-إعادة النظر بحقوق وامتيازات أعضاء مجالس المحافظات، وبما ينسجم مع تحقيق مستلزمات العدالة والتنمية في العراق.
تحديات تواجه نقل الصلاحيات
التحدي الأول: جاء في المادة السابعة ، الفقرة الثالثة من قانون نقل الصلاحيات رقم 21 أن من صلاحيات مجلس المحافظة” اصدار التشريعات المحلية والأنظمة والتعليمات لتنظيم الشؤون الإدارية والمالية بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية”، وجاء في الفقرة رابعا من نفس المادة ” رسم السياسة العامة للمحافظة، وتحديد أولوياتها في المجالات كافة وبالتنسيق المتبادل مع الوزارات والجهات المعنية، وفي حالة الخلاف تكون الأولوية لقرار مجلس المحافظة”، وفي الفقرة خامس عشر من نفس المادة جاء النص على ” تحديد أولويات المحافظة في المجالات كافة، ورسم سياستها ووضع الخطط الاستراتيجية لتنميتها بما لا يتعارض مع التنمية الوطنية”. هذه الفقرات وغيرها تجعل مجلس المحافظة مسؤولا عن رسم السياسة العامة للمحافظة، ووضع الخطط الاستراتيجية لها، وإصدار التشريعات اللازمة لتنظيم عملها في كافة المجلات، وان تكون لديه رؤية شاملة لواقع السياسة العامة والتنمية الاقتصادية على المستوى الاتحادي؛ لكي لا يحصل التعارض بين المستويين، فهل اثبتت التجربة قدرة مجالس المحافظات على النهوض بهذه الأعباء؟، الجواب كلا، فهذه المجالس فشلت فيما هو أقل بكثير من هذه المهام، فكيف ستنهض بعبء الصلاحيات الجديدة؟.
التحدي الثاني: ان المديريات ذات العلاقة في المحافظات غير المنتظمة بأقليم سوف تتحمل إضافة الى اعبائها الحالية، أعباء الوزارات الثمانية التي سيتم نقل صلاحياتها، والسؤال هل أن الكوادر العاملة في هذه المديريات جرى تدريبها وتهيئتها لهذه المهام؟ الإجابة هي كلا، فقد كانت هذه المديريات غير كفؤة في عملها، وعاجزة، وباختصار معظمها فاشلة، مما ترتب عليه نهوض الناس ضدها في مظاهرات تطالب باستبدال ومعاقبة المسؤولين فيها، وقد ايدت مطالبهم المرجعية الدينية، واعترفت بها الحكومة الاتحادية، فهل تضيف الى العاجز والفاشل مسؤوليات جديدة وهو لم يتمكن من تحمل مسؤولياته السابقة؟ صراحة الأمر محير ومربك، ويخالف قواميس الإدارة المرعية، ففي كل دول العالم من يمنح المزيد من الصلاحيات هو ذلك الذي اثبت نجاحه في العمل.
التحدي الثالث: من أسباب السير في خطوة نقل الصلاحيات هو تخفيف الروتين الحكومي والقضاء على الفساد الإداري والمالي، والسؤال المهم هنا هو هل أن الفساد الإداري والمالي اليوم في العراق يقتصر على مؤسسات الحكومة الاتحادية أم أن الإدارات المحلية نفسها متورطة في هذا الفساد؟ الجواب هو أن الإدارات المحلية بمجمل مفاصلها متورطة الى حد النخاع في تعقيد الروتين الحكومي والفساد الإداري والمالي، وتسببت بتدهور متزايد ومتصاعد للبنية التحتية في محافظاتها، ووسعت الفجوة بين المواطن والمسؤول، فكيف سيكون أداء هذه الإدارات مع توسيع صلاحياتها في المرحلة القادمة؟
التحدي الرابع: لقد كان الصراع السياسي بين القوى السياسية الرئيسة المشاركة في الحكومة الاتحادية سبب رئيس في ضعف أدائها وتورطها بكل ما هو سلبي في نظر المواطن، وللأسف أن وضع القوى السياسية داخل كل محافظة لم يكن أفضل حالا، فبدلا من انشغالها في البناء والعمل للنهوض بمحافظاتها سمحت للصراع في المركز أن يمتد اليها بشكل عطل أدائها، وأربك العلاقة بين مؤسساتها التنفيذية والتشريعية، والخشية أنه مع تعاظم الصلاحيات تتعاظم المكاسب مما يفتح شهية هذه القوى لمزيد من المكاسب، ويعمق صراعاتها بشكل أكثر حدة، تنعكس نتائجها بصورة نقمة متزايدة تزيد الفجوة بين المواطن والمسؤول.
كلمة أخيرة
لا سبيل الى نجاح اجراء نقل الصلاحيات الا بتجاوز الثغرات التي تجعله متوافقا مع مطالب الشعب، وكذلك تجاوز التحديات التي تفشل وتعيق تطبيقه، وأن نجاح الحكومات المحلية في تحمل مسؤولياتها الجديدة يقتضي تحرر المسؤولين والقوى السياسية فيها من الانانية والطمع والجهل والضعف، وايمانها بقيمة المصلحة العامة، والعلم، والنزاهة، والكفاءة، والتكامل في العمل، والرؤية الواضحة للمستقبل، وبدون هذه المعايير سيتحول نقل الصلاحيات الى وبال لا تحمد عقباه على الحكومات المحلية بكل مفاصلها.