مؤسسة ستراتفورد الاستخبارية الأمريكية
14 / آب / 2015
ترجمة وتحليل: مؤيد جبار حسن
يُستهل المقال بالتركيز على المظاهرات التي اندلعت في جميع أنحاء العراق وأظهرت عدم قدرة الحكومة على توفير الكهرباء وغيرها
من الخدمات العامة، وقد اتسعت الاحتجاجات إلى السخط العام على الفساد الحكومي المستشري. وردّ المرجع السيستاني – الشخصية الشيعية الأقوى في البلاد – داعيا الحكومة لمعالجة مطالب المحتجين. وبعد ذلك بيومين، قدم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للمشرعين برنامجا معقدا من الإصلاحات، حتى توعد بالاستقالة إذا لم يتم إحراز تقدم كبير في حل المشكلة قريبا. ثم في 11 / آب صوت البرلمان بالأغلبية – 297 من أصل 328 عضوا – على برنامج الإصلاحات التي قدمها الرئيس العبادي.
دَعْم البرلمان العراقي للإصلاحات يعد تجسيدا مروعا للوحدة السياسية في البلاد، حيث أصبح العنف الطائفي وانعدام الثقة قاعدة. أهمية اقتراحات العبادي تتجلى في القضاء على المحاصصة الطائفية التي حددت السياسة العراقية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد عام 2003. البرنامج الذي وضعه العبادي خلق شعورا من التفاؤل لتغيير حقيقي في العراق، ولكن المصالح الطائفية المتجذرة في البلاد قد تمنع الإصلاحات التي يجري تنفيذها، أو ستؤدي إلى غرق العراق في صراع طائفي أعمق.
على نطاق واسع، يتكون العراق من ثلاث مجموعات متميزة: الأغلبية الشيعية العربية، وهي تسيطر على بغداد والمناطق الجنوبية الغنية بالنفط. فيما تقع الأقلية السنية العربية في المناطق الوسطى والشمالية الغربية ذات الموارد الفقيرة نسبيا من البلاد. والأقلية الكردية، على الرغم من أن إقليمهم غير ساحلي، إلا أنه يتحكم بالشمال الشرقي وكمية كبيرة من النفط كذلك. هناك أيضا مجموعات صغيرة أخرى من مثل: التركمان والمسيح.
ويسرد المقال كيفية نشوء نظام المحاصصة الطائفية في العراق، والبداية بعد حرب الخليج الأولى. ففي وقت مبكر من عام 1990، أسفرت سلسلة من الاجتماعات بين الأطراف المعارضة لنظام صدام حسين في إنشاء المؤتمر الوطني العراقي. في مؤتمر صلاح الدين في 1992، اتفق ممثلو جماعات المعارضة الرئيسة في العراق على نظام الحصص (غوته) الذي يتناسب مع عدد السكان ليستخدم في تعيين الأعضاء في مجلس المعارضة، وتخصيص حصص للشيعة والأكراد والقوميين العرب والقبائل العراقية والديمقراطيين الليبراليين والآشوريين والمسيحيين والشيوعيين والإسلاميين السنة. الحصص والفصائل والمؤسسات نفسها قد تغيرت مع مرور الوقت، ولكن استخدام نظام الحصص في اختيار التمثيل السياسي استمر.
وعندما ساعدت الولايات المتحدة العراقيين على إعادة بناء حكومتهم بعد الغزو عام 2003، تم تجميع إدارة انتقالية عرفت باسم سلطة التحالف المؤقتة باستخدام نظام حصص مماثلة. الشيعة والأكراد والسنة والآشوريين والتركمان ..، والنساء على النحو المحدد في المجموعات. كان يعتقد أن الحكومة والهوية العراقية هشة للغاية وأنه بدون اتباع نظام الحصص ستتقسم البلاد إلى ثلاثة أجزاء على الأقل. نجح النظام في إيجاد برلمان منتخب ديمقراطي في العراق في وقت مبكر من عام 2005، ولكن الحكومة عانت من الشقاق والتنافس الطائفي وعدم الفاعلية، وجميعها قادت إلى السخط الشعبي الحالي. رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي تولى الحكم من 2006 – 2014، ألقي عليه اللوم على وجه الخصوص؛ لإذكائه التوترات الطائفية خلال المدة التي قضاها في منصبه، والمساهمة في فشل العراق في أن يندمج في الدولة المركزية.
الانقسامات العرقية والطائفية
وهنا يذهب المقال إلى أن البلاد مجزأة بالفعل. فالعراق ما يزال موجودا، وقد نجا من خلال دعم القوى الخارجية وليس نتيجة لتماسكه الخاص.
تنظيم “داعش” يسيطر على أجزاء كبيرة من أرض العرب السنة في العراق، وعلى الرغم من تمكن الميليشيات العراقية الشيعية المدعومة من إيران، وقوات البيشمركة، والقبائل السنية المدعومة من قبل الولايات المتحدة من محاربة المجموعة، إلا أن الطريق ما زال مسدودا في العراق، والجزء السني من البلاد ما يزال منقسما وغير مستقر. أما حكومة إقليم كردستان، فقد حافظت على منطقتها المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال شرق البلاد. وبينما أصبح مقاتلو البيشمركة جزءا أساسيا من الكفاح ضد تنظيم “داعش”، استفاد الأكراد العراقيون من الصراع للاستيلاء على أراض جديدة، أبرزها المدينة الغنية بالنفط “كركوك”، وذلك في حزيران من العام 2014، وأصبحت الحكومة الكردية أيضا أكثر ثقة في التنافس مع بغداد، في تصدير نفطها عبر خط أنابيب كركوك – جيهان من جانب واحد دون المرور على بغداد.
الاحتجاجات والكهرباء
الاضطرابات الشعبية هي السبب المباشر الذي دفع العبادي للإصلاح وكذلك في استحصال موافقة البرلمان المنقسم لاقتراحات رئيس الوزراء. وبدأت الاحتجاجات بسبب العجز في توفير الكهرباء خلال الصيف اللاهب: درجات الحرارة في بغداد هذا الصيف قد ارتفعت فوق 49 درجة مئوية، بالإضافة إلى أن النظافة ونوعية مياه الشرب في البلاد أيضا تثير السخط.
تحوم شبهات الفساد في قطاع الكهرباء العراقي، إذ أنفقت بغداد حوالي 27 مليار دولار من 2003 – 2012 ولكن قدرتها الانتاجية لم تزداد إلا 1000 ميغاواط فقط . وعلى سبيل المقارنة، أنفقت حكومة إقليم كردستان مليار دولار فقط لزيادة قدرتها 2000 ميغاواط، وإن كانت هناك احتجاجات في الأسابيع الأخيرة ضد انقطاع الكهرباء في المناطق الكردية.
في عام 2014، طلبت وزارة الكهرباء العراقية 12 مليار دولار لمعالجة الوضع ولكن لم تتلق سوى 4.7 مليار دولار من الموازنة العامة للدولة. حاليا هناك أكثر من 4000 ميغاواط فرق بين القدرة الإنتاجية المتاحة والطلب الفعلي.
للأسف بالنسبة لبغداد، قطاع الكهرباء مشكلة واحدة من عدة مشاكل. العديد من العراقيين يلقون باللوم على المحاصصة الطائفية في خلق بيئة تتركز فيها الوزارات وبرامج التنمية على الأحزاب والسياسة الطائفية أو الولاء القبلي بدلا من القدرة والكفاءة. إن الإصلاحات التي أدخلها العبادي لن تمنع من انقطاع التيار الكهربائي المتزايد أو رداءة مياه الشرب. الاستثمار والتنمية المستدامة فقط يمكنهما حل هذه المشاكل، ولكن هذه القضايا الصغيرة أصبحت نموذجا مصغرا عن الفساد والكسب غير المشروع الذي يسود النظام السياسي العراقي، واقتراحات العبادي تهدف إلى معالجة هذه القضايا الكبيرة.
من غير الواضح متى خطط العبادي لهذه الأجندة الإصلاحية، وتم تطوير برنامجه نسبيا للاستجابة للاضطرابات بصورة عفوية. وأيا كان الأمر، فمن الواضح أن الاضطرابات الشعبية قد وصلت إلى درجة أن بغداد لم تعد قادرة على تجاهلها. الاحتجاجات التي بدأت في مدينة النفط (البصرة) التي يهيمن عليها الشيعة وامتدت إلى مناطق أخرى في الجنوب، وبلغت ذروتها في تظاهرة ضخمة في ساحة التحرير في بغداد يوم 7 / آب، وشارك فيها عشرات الآلاف. والجدير بالذكر، تضمنت احتجاجات بغداد حضورا للحشد الشعبي، المجموعة التي اعتمدت عليها بغداد لمحاربة تنظيم “داعش”. وبعد دعوة آية الله العظمى علي السيستاني – أحد زعماء الشيعة البارزين في العالم – لرئيس الوزراء العبادي إلى “الضرب بيد من حديد” ضد الفساد، كان من الواضح أن بغداد لا يمكن تجاهل الاحتجاجات.
شكل الإصلاح
الإصلاحات التي اقترحها العبادي تعمد أن تكون واسعة، وهي تشمل كل شيء، بدءًا من تقليص عدد الحراس الشخصيين لمسؤولي الدولة إلى إصلاحات مالية تهدف للحد من التهرب الضريبي. ومع ذلك، تهدف أهم الإصلاحات للحد – إن لم يكن القضاء – من نظام المحاصصة الطائفية، الذي سبقت الإشارة إلى كيفية وضعه من قبل السياسيين العراقيين. كما ذهبت الإصلاحات أبعد من ذلك، إذ عمدت إلى إلغاء مناصب ثلاثة نواب للرئيس وغيرها، وكلها مخصصة على أساس طائفي.
فنواب الرئيس الثلاثة يمثلون مختلف الطوائف: رئيس الوزراء السابق نوري المالكي شيعي، وقد شغل منصب رئيس الوزراء للحقبة من 2006 – 2014. أياد علاوي، وهو بعثي سابق وشيعي يمثل الكتلة التي يهيمن عليها السنة. وأسامة النجيفي، القيادي السني البارز.
إن الإصلاحات المقترحة تلغي المراكز الثلاثة جميعها. المالكي الذي تضاءلت سطوته السياسية بشكل سريع منذ تخلى عنه الشركاء السياسيون والكتل الشيعية لدعم وصول العبادي للسلطة في عام 2014، قد خرج لدعم الإصلاحات المقترحة على الرغم من أنها ستقضي على موقعه. لكن من الخطأ أن نفترض أن المالكي بكل بساطة تماشى مع الإصلاحات دون محاولة لتأمين سلطته، ولكن التأييد الشعبي الكاسح للإصلاحات يعني أن المالكي سيقوم بتحركاته خارج المكتب التنفيذي السابق له. أما ردة فعل النائبين الآخرين فتبدو أقل وضوحا. يقال أن النجيفي أعرب عن دعمه للإصلاحات جنبا إلى جنب مع رئيس البرلمان وهو سني، ومع ذلك أظهر شريط فيديو على إحدى القنوات الفضائية أنه يصف الإصلاحات المقترحة بـ”غير الدستورية”، وأنها “من جانب واحد”.
كذلك فإن إلغاء مناصب نواب الرئيس جنبا إلى جنب مع عدد قليل من المكاتب الأخرى، أراد بها العبادي تغيير الحكومة العراقية عن طريق إزالة المسؤولين والسياسيين والبيروقراطيين الذين تم تعيينهم بسبب أحزابهم أو الولاء الطائفي بدلا من الكفاءة المهنية. تعيين أناس مستقلين سياسيا سيكون الخطوة الأولى في تحقيق الاستقرار في مؤسسات الحكم في العراق، مما يجعل من تلك الدوائر أداة لتحسين أحوال البلاد ككل بدلا من أن تكون جوائز للفوز بمعارك طائفية، حيث التغلب على قوة جماعة معارضة هو أكثر أهمية من الحكم السليم. المشكلة هي أن نفس الآليات التي أدت إلى تنفيذ نظام المحاصصة الطائفية ما تزال موجودة، إن لم تزداد.
في الواقع، إن واحدا من الأسباب التي أدت إلى نمو تنظيم “داعش” في العراق هو شكوك أهل السنة وإحباطهم من سياسات المالكي الطائفية. أهل السنة هم أقلية ويشعرون بالقلق إزاء تهميشهم من قبل الحكومة المركزية العراقية، ويمكن أن يؤدي إزالة صوت السنة من الحكومة المركزية والإدارة إلى تأجيج التوترات أكثر من ذلك.
وينطبق نفس الشيء على الأكراد. فعلى الرغم من تصريح رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني مؤكدا دعمه للإصلاحات من خلال بيان صدر عن رئاسة الإقليم ، حذر أعضاء آخرون من حزب بارزاني نفسه من حرب أهلية وأزمات إن لم يتم توزيع الوظائف وفقا للخطوط الطائفية المتفق عليها. دعم الإصلاح المجرد من حيث المبدأ شيء، وتقديم الدعم له إذا تم تعيين شيعي في منصب كان في وقت سابق للسنة أو الأكراد شيء آخر. لكن من السهل نسبيا لزعيم شيعي مثل العبادي أو المالكي التخلص من نظام المحاصصة، فهم يشكلون الأغلبية بعد كل شيء.
ويضع المقال تكهنات حول أهداف العبادي الحقيقية: هل هذه لعبة جريئة منه تهدف إلى تهميش منافسيه الشيعة وتسلم المزيد من السلطة على شؤون الدولة؟ أم أن العبادي عراقي وطني يعترف بأن نظام الحصص كان حلا للانقسامات الطائفية في العراق إلا أنه فاقم تلك الانقسامات، وهدفه منع تزوير الهوية العراقية، وحكومة مركزية قوية يمكن أن تصمد أمام مهمة معقدة لإعادة بناء العراق بعد سنوات من الحرب والدكتاتورية؟. هذه التكهنات غير ملموسة. حتى إذا كان تحرك العبادي نبيلا، وأنه يأمل في اتخاذ خطوة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي الحديث للعراق – في اتجاه أن تصبح المهارة والقدرة بدلا من الانتماء الطائفي والقبلي هي الأكثر أهمية – فهو مقيد للغاية لكي يحقق النجاح.
لكن هناك مؤشرات إيجابية: إن الاحتجاجات كانت في معظمها غير عنيفة حتى بمشاركة الميليشيات الشيعية، وأبدى سماسرة السلطة الرئيسة في الحكومة العراقية، بما في ذلك الشيعة والسنة والأكراد البارزون، تأييدهم لها، وحصلت الإصلاحات على إجماع البرلمان.
ولكن هذه هي إشارات ناشئة. فالسنة والأكراد والشيعة يجب أن يكونوا على قناعة بأن دعم مثل هذه الإصلاحات هي في مصلحتهم، كما أن دعم الإصلاح المجرد من حيث المبدأ الذي يحظى بدعم الجماهير شيء، ورؤية الطبقات الحاكمة تنفذها شيء آخر تماما.
القوى الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران، لها مصلحة في ضمان أن يحافظ العراق على تماسكه، وسيعملون بجد لضمان سيادة العراق. هذا، جنبا إلى جنب مع المهارات السياسية وحسن النية، التي قد تكون كافية لبدء مرحلة جديدة من التطور في مجال السياسة العراقية، أو على الأقل تأجيل الصراع السياسي الذي لا مفر منه في العراق. لكن خطوة العبادي مناورة عالية المخاطر، وإذا كان قد بالغ في تقدير إمكاناته، فيمكن لتمزقات العراق أن تبدو أكثر وضوحا.
تحليل:
يـُظهر المقال بوضوح الموقف أو اللا موقف الأمريكي من المظاهرات العارمة التي اجتاحت العراق ونالت مباركة المرجعية. فواشنطن تريد عراقا على مقاساتها الخاصة، حيث لا يكون مستقلا تماما عنها ولا تابعا ذليلا لأي دولة من دول الجوار. ويعد المقال هدف العبادي الإصلاحي الرئيس هو إنهاء نظام المحاصصة، والذي يُدّعى أن المعارضين العراقيين لنظام صدام حسين هم من وضعوا لبنته الأولى في مؤتمر صلاح الدين عام 1992.
ويركز المقال على الصعوبات التي قد تواجه رئيس الوزراء في مسعاه الإصلاحي وأبرزها: السياسيون الكبار من الطوائف الثلاث (الشيعة والسنة والأكراد)، الذين سيفقدون مناصبهم وامتيازاتهم، وهنا تكمن خطورة الأمر. إن إفشال توجه العبادي الإصلاحي قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، فالمناورة التي انخرط فيها يجب أن يكون بحجمها، وإن لم يكن كذلك سينحدر العراق إلى الفوضى، وفي أحسن الظروف إلى التقسيم والتمزق.
https://www.stratfor.com/user/login?destination=analysis/attempts-unification-could-divide-ira