ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
تشرين الثاني/2015
الاحداث الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس ليس كتلك الاحداث التي تضرب منطقة الشرق الأوسط بشكل يومي ومتكرر مثل العراق وسوريا وليبيا وكثير من الدول العربية والإقليمية، فكل دول العالم استنكرت الفعل الإجرامي الذي تبناه تنظيم “داعش”، واغلب دول العالم توشحت بالعلم الفرنسي تضامناً مع فرنسا بما فيها العراق الذي أعتاد على ما يبدو على تلك العمليات الإرهابية. إلا أن ما يثير الاستغراب في تلك الاحداث هو التنظيم العالي، والدقة الاستخباراتية في التنظيم، الأمر الذي دفع الكثير من الباحثين والمختصين في العالم الى أن يوجهوا اصابع الاتهام في تدبير العمل الإرهابي إلى ما اسموه بعمل الكبار أي إلى تنظيم القاعدة، على غرار احداث 11/ايلول/ سبتمبر/2001، واحداث مدريد2004. أيضاً بسبب ذلك، الكثير من المختصين أن شككوا في قدرة تنظيم داعش على هكذا عمل دون جهد استخباراتي دقيق، إلا أنه في الاخير تنظيم “داعش” تبنى العمل الإرهابي الذي ضرب العاصمة الفرنسية باريس، ولو بعد حين، أي أن تنظيم داعش تأخر في تبني العملية على العكس من تفجير بيروت عندما استهدف برج “البراجنة”، الذي تبناها بشكل مباشر، وهذا ما يعطي مؤشر بأن هناك أكثر من جهة مشتركة في تنفيذ تلك الاحداث.
وإذا ما اخذنا تداعيات تلك الاحداث السياسية والعسكرية والأمنية سواء الإقليمية في منطقة الشرق الاوسط أم تداعياتها على المستوى الأوربي والأمريكي، سنجدها إيجابية في جوانبها السياسية والعسكرية والأمنية ضد تنظيم “داعش” لتشديد الخناق على التنظيم المتطرف من خلال الحملة العسكرية الجوية للتحالف الدولي، وربما ستكون هناك اجراءات وتحالفات جديدة وحملات عسكرية موجهة ضد التنظيم بشكل اكبر واعنف مما سبق، إلا أن تداعيات الاحداث المستقبلية السلبية ستكون بتزايد التطرف المسيحي، لاسيما من قبل اليمين المتطرف ضد المسلمين في القارة الأوربية بشكل عام، وفرنسا بشكل خاص، وربما يستغل اليمين المتطرف تلك الاحداث لصالحه في شن حروب عسكرية وتحالفات أوروبية ضد تنظيم داعش في دول عربية واسلامية على غرار احداث 11/ ايلول/ سبتمبر/2001 في الولايات المتحدة، التي استغلها اليمين الأمريكي المتطرف لشن الحرب على افغانستان والعراق، ومن ثم ازدياد حالات التطرف في المنطقة، في ظل تزايد حالات عدم الاستقرار السياسي لكثير من دولها، كذلك الحال بالنسبة للمهاجرين المسلمين والعرب في أوروبا الذين ستزداد ضدهم حالات التشدد وربما رفض اللجوء وطردهم من أوروبا، لا سيما بعد ثبوت تورط اكثر من شخص مهاجر في تنفيذ العمليات الانتحارية في باريس وتزايد حالات الرفض والتشنج ضدهم من قبل شعوب أوروبا.
إلا أن المهم في الموضوع هو إذا ما استمرت فرنسا وأمريكا فضلاً على روسيا بهكذا ضربات جوية بشكل مكثف ومؤثر في سوريا والعراق لمدة اطول فسيكون لذلك نتائج ايجابية في قهر داعش ودحره بشكل كبير، مما يساعد القوات العراقية والسورية في استعادة كثير من الاراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف في سوريا والعراق. وهذا بالتأكيد سيتطلب تحالف فرنسي أمريكي متين لمهاجمة داعش بشكل أكبر، وهذا ما صرح به “بن رودس” نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بقوله “الولايات المتحدة ستتعاون مع فرنسا لتكثيف الغارات ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق”.
وقال رودس “ما أوضحناه للفرنسيين هو أننا سنكون معهم كتفا إلى كتف في هذا الرد.. إنهم في حملتنا العسكرية في العراق وسوريا بالفعل. ومن الواضح أنهم يرغبون في تنشيط جهودهم”. واكد الدبلوماسي الأمريكي “نحن على ثقة من أننا سنتمكن بالتعاون مع الفرنسيين في الأيام والأسابيع القادمة من تكثيف ضرباتنا ضد داعش في سوريا والعراق، ولنوضح أنه لا يوجد ملاذ آمن لهؤلاء الإرهابيين”. وقد تكون احدى استراتيجيات التعاون الأمريكي الفرنسي هو أرسال الاسلحة بشكل مباشر لمقاتلين ضد داعش في العراق وسوريا. وهذا ما نوه اليه ايضاً نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في مقابلة أجرتها معه محطة “إن بي سي” الأمريكية على هامش قمة مجموعة العشرين في تركيا، إن إرسال أسلحة مباشرة لمقاتلين على الأرض في سوريا والعراق يحقق نجاحا على ما يبدو في الحرب ضد تنظيم “داعش “. كذلك الحال بالنسبة لبريطانيا سيكون موقفها ضد تنظيم داعش، وستساهم بشكل كبير في الحملة العسكرية ضد التنظيم الإرهابي، إذ أعلن ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا أن بلاده قد تضرب تنظيم “داعش” في سوريا قبل أن تبلغ البرلمان إذا اقتضى الأمر. وصرح كاميرون أنه يرغب في شن ضربات جوية على تنظيم داعش في سوريا لكنه لا يزال بحاجة لإقناع المزيد من النواب البريطانيين بدعم مثل هذا التحرك. وقال لإذاعة “بي.بي.سي”، “لطالما قلت إن من المنطقي أن نفعل ذلك، داعش لا يعترف بحدود بين العراق وسوريا وعلينا أيضا ألا نعترف بها لكننا بحاجة إلى دعم هذا الرأي، أريد نقله إلى البرلمان وإقناع المزيد من الناس”؛ لأن كاميرون خسر تصويتا في البرلمان لتوسيع الضربات الجوية ضد داعش في سوريا. وقد تبنت الدنمارك نفس الموقف البريطاني. إذ طلبت تفويض من البرلمان بأن يعيد طائراتها السبع التي سحبت في سبتمبر/ايلول للصيانة، لكن بتفويض اوسع يشمل العراق وسوريا بعدما كان مقتصراً على العراق فقط، وقد جاء هذا الكلام على لسان وزير خارجيتها كريستيان يانسن عقب هجمات باريس.
إذاً سيكون لهذه الاحداث “احداث باريس” تداعيات ايجابية في ضرب معاقل داعش وتقويضه بشكل كبير في العراق وسوريا، إذا ما تشكل كل هذا التحالف. إلا أن ما تحتاجه المنطقة لاسيما العراق وسوريا هو أن يتم طرد داعش وانهاءه وليس تقويضه أو احتواءه بشكل يجعل المنطقة غير مستقرة ويجعل دول مثل العراق وسوريا دول مضطربة سياسياً وعسكريا وهذا ما ينعكس سلباً على المحيط الإقليمي والدولي، وسيزيد من حالات التطرف والهجرة إلى هذه الدول، في ظل التسهيلات التي يحصل عليها المتطرفون من قبل بعض الدول الإقليمية والدولية في الهجرة ، وهذا الكلام لابد أن يحمل جدية كبيرة بالنسبة لدول المنطقة، لحث دول التحالف على أنهاء داعش وليس احتواءه؛ لأن الإدارة الأمريكية تتكلم عن وضع حدود أو مساعدة دول المنطقة في الحد من انتشار أو تمدد تنظيم “داعش”. وهذا بالتأكيد سيفرز حركات متطرفة اخرى في المنطقة إذا ما بقي التنظيم مسيطراً على بعض المحافظات والمدن العراقية والسورية، وسيزيد من قوة التنظيم وإرادته في ضم اراضي جديدة لدولته المزعومة. لا سيما في ظل التشدد الذي تفرضه أوروبا على المسلمين بشكل عام والمتشددين بشكل خاص، وربما ترحلهم وتطردهم من دولها باتجاه دولهم الأصلية، مما يزيد الطين بله، ويساهم في ازدياد حالات التطرف المصحوبة بحالة انتقامية من الدول الأوربية وحلفائها، وهذا ما تكلم به وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنوف، والذي هدد بغلق المساجد التي ينشر ائمتها الكراهية والتطرف، وتوعّد وزير الداخلية الفرنسي بإغلاق المساجد التي يدعو أئمتها إلى الكراهية والعداء، وذلك في تصريحات عبر تلفزيون “فرنسا 2”. وكان رئيس الوزراء مانيول فالس قال السبت، إنهم سيرحلون فورا الأئمة الأجانب الذين يثيرون الكراهية. وهذا سيجعل المنطقة أمام مشكلة جديدة، وهي ما اسمينها بحالات التطرف المصحوبة بنبرة انتقامية.
أما بالنسبة لتداعيات احداث باريس على نظام بشار الأسد، فربما تبقيه لفترة اطول في السلطة؛ لكون العمل الدولي والإقليمي سيركز على ضرب تنظيم “داعش” ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وكذلك ربما تنعكس تلك الاحداث على مؤتمر فيينا الخاص بسوريا، إذ سيتوقف ملياً عند احداث باريس وعلاقتها بالإرهاب الذي يضرب سوريا، ودور النظام السوري في المرحلة القادمة. وقد تكون احدى سلبيات تداعيات احداث باريس على منطقة الشرق الأوسط، يتمثل بتشكيل جيش عربي سني تركي- خليجي من اجل محاربة تنظيم “داعش” على الأرض على حد تعبير صحيفة الغارديان، وهذا بالتأكيد سيزيد من حالة الانقسام الطائفي في المنطقة؛ لأن إيران وحلفائها ستعد ذلك تهديد لها، وربما سيواجه هذا الجيش بفصائل مسلحة تقاتل التنظيم في سوريا والعراق موالية لإيران.
أما بالنسبة للسياسة الخارجية الفرنسية، فأن سياسة فرنسا الخارجية الشرق اوسطية بعد احداث13 نوفمبر ربما تفضي إلى تعديل جوهري، وقد تكون السعودية أكبر الخاسرين ازاء هذا التغيير أو التعديل وفق رأي بعض المختصين؛ بسبب القرابة الفكرية بين المملكة والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة وبسبب البيئة الفكرية الحاضنة لتلك الجماعات. وربما هذا سيفضي إلى مقاربة فرنسية إيرانية، لاسيما بعد التقارب الأوروبي والأمريكي مع إيران بعد الاتفاق النووي.
وعليه فأن اعلان فرنسا لحالة الطوارئ، وانزال القوات إلى الشوارع، واتخاذ إجراءات احترازية والتهديد بطرد المتشددين، والتشديد على المهاجرين، كما هو شأن الدول الأوربية الاخرى التي اتخذت نفس الإجراءات، هي حلول ترقيعية؛ لأن الحلول الامنية والعسكرية وحدها لن تحصن العواصم الغربية من هجمات مماثلة، ولا بد من وضع استراتيجية متكاملة لمعالجة الاسباب التي ادت الى ظهور تنظيم “داعش”، واكتسابه هذه القدرات الضخمة التي يملكها في التجنيد والتنفيذ، فضلاً عن ضرورة ايجاد مخرج سياسي سليم للأزمة السورية؛ لأن فشل الغرب في بناء استراتيجية متماسكة لإنهاء الحرب الطائفية في سوريا أحدث شرخاً في المنطقة، وعمل على انتشار الإرهاب إلى أوروبا. ولهذا فأنه بدون إيجاد حلول واستراتيجية واضحة ومتكاملة في المنطقة وبرؤية جامعة بين الإرادة الإقليمية والدولية في انهاء تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى ومعاقبة الانظمة التي تعد حواضن فكرية لتلك الجماعات أو الانظمة المتعاملة مع تنظيم “داعش”، وحث الدول العربية والإقليمية على توسيع المشاركة السياسية في الداخل والانفتاح الخارجي البناء والتنمية السياسية، لا يمكن أن تقويض التطرف والإرهاب؛ لأن التشبث بالعمل العسكري فقط ضد تنظيم داعش، يشبه دق الماء بمطرقة أو قتل الفايروس برصاصة.
وفي ظل هذه الظروف قد تكون الفرصة سانحة للحكومة العراقية في استغلال مثل هكذا حوادث لجلب الرأي العام الدولي معها من أجل محاربة التنظيم في العراق بشكل جدي؛ لأن الخطر يهدد الجميع وليس منطقة الشرق الاوسط فقط. وقد تكون محافظة الموصل الهدف القادم للتحالف الدولي لتحريرها من سيطرت داعش، وهذا ما جاء بصحيفة الغارديان البريطانية تحت عنوان ” عملية استهداف معقل التنظيم في الموصل والتي طال انتظارها أضحت قريبة”. وبالتالي على صانع القرار العراقي أن تكون له القدرة والمهارة الكافية في توظيف تلك الاحداث لصالح القضية العراقية.