الباحثة: جيسيكا لويس
الناشر: مركز دراسات الحرب
تموز/يوليو 2014
ترجمة: م.م. حسين باسم عبد الأمير
مقدمة تعريفية بالمعهد والكاتبة والدراسة
معهد دراسات الحرب: هو مؤسسة بحثية تأسست في العام 2007، من قبل كيمبر ليكاغان. وهومعهد وصفه البعض، أنه يمثل “الصقور في واشنطن”، ممن يفضلون “السياسة الخارجية العدوانية”.
الكاتبة جيسيكا لويس:
هي مديرة برنامج الأبحاث في معهد دراسات الحرب، وتحمل شهادة البكالوريوس في الاستراتيجية والتاريخ الدولي والعلاقات الدولية من جامعة ويست بوينت، وشهادة الماجستير في الاستخبارات الاستراتيجية من الجامعة الأمريكية العسكرية. انضمت إلى فريق عمل معهد دراسات الحرب بعد أن قضت ثمان سنوات من الخدمة كضابط استخبارات في الجيش الأمريكي. وقد اشتملت مسيرتها المهنية العسكرية على (34) شهرا قضتها فيما بين العراق وأفغانستان، حيث قدمت الدعم الاستخباراتي للأوامر الميدانية التكتيكية والتنفيذية. كما وقد نالت مرتين ميدالية النجمة البرونزية؛ لتأثيرها الهام على مجرى العمليات، وهي المحلل الرئيس في معهد دراسات الحرب لملف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.
http://www.understandingwar.org/sites/default/files/Lewis-Center%20of%20gravity.pdf
أستهلت الباحثة دراستها المُثيرة بالأشارة الى تحول “الخلافة الإسلامية ” التي تحكم الآن أجزاء من العراق وسوريا الى أحد أهم التهديدات للأمن القومي الأمريكي، حيث أفاد نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بريت ماكجورك أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب في 23/يوليو/2014، في أن الخلافة الإسلامية، والتي تدعى أيضاً الدولة الإسلامية، بأنها “أسوأ من القاعدة“. وأضاف، إنها “لم تعد مجرد منظمة إرهابية. إنها اليوم جيش متكامل“، فالدولة الإسلامية تمثل “القاعدة في عقيدتها، وطموحها، وبشكل متزايد، في تهديدها لمصالح الولايات المتحدة.”
ثم تستطرد الكاتبة مُعربة عن سرورها عند الاستماع لكبار المسؤولين الأميركيين وهم يعترفون بهذه التطورات وما تشكله من تهديد جدي، غير ان امتعاضها يكمن في عدم أقتراح أحد ما علنا استراتيجية جادة لمواجهة ذلك الخطر. إن الصعوبة في صياغة مثل هذه الاستراتيجية لا تكمن فقط في كونها أمرا بغيضا لمن يفكر في تجديد النشاط العسكري الأمريكي في العراق، على الرغم من أن القلق يلعب دورا في تقزيم الخطاب الإستراتيجي حول العراق. إن الهزيمة الشاملة للدولة الإسلامية هو السبيل الوحيد لتخفيف التهديد، وفي الوقت ذاته، فإن تدهور العراق وسوريا – وهو احتمال وارد فعلا – سيزيد كثيرا من فرص الدولة الاسلامية للنجاح. بعد سنوات من الاكتفاء بمشاهدة الحرب السورية، فإنه من المدمر اعتبار العراق سوف يصبح على نفس الحال، وإنه من الضروري النظر في كيفية بروز دولة إسلامية دائمة في الشرق الأوسط، تتشكل في أعقاب هذه الدول الحديثة، وماهي تداعياتها على الأمن القومي الأميركي.
لقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” عن تشكيل نظام الحكم الديني العابر للحدود القومية، والمسمى، الخلافة الإسلامية، كبديل عن الدول القومية الحديثة في اليوم الأول من رمضان، 29/ يونيو/2014. إن تصور ورؤية “داعش” لما بعد الدولة مريعة، تشترك فيها مع المنظمات الجهادية العالمية مثل تنظيم القاعدة. إن “داعش” تتقدم نحو هذا المستقبل، عبر العمل على محو الدولة القومية الحديثة، بدءا من العراق وسوريا؛ فقد احتفل تنظيم “داعش” احتفالا بارزا عند تجريف الحدود بين العراق وسوريا بعد سقوط الموصل، وهو ما يرمز إلى نهاية عصر سايكس بيكو والحدود الاستعمارية. بعض المحللين الغربيين يتساءلون عما إذا كان القضاء على مرحلة ما بعد الاستعمار والحدود “المصطنعة” هو في حد ذاته تهديد للغرب. إنها مشكلة عندما يجري تغيير هذه الحدود بهذه الطريقة العنيفة، والتي تنطوي على القتل والتطهير العرقي والطائفي بشكل هائل، إذ يكون الكيان القائم بها هو في الواقع، يسعى لتدمير نظام الدولة القومية الحديثة بالكامل. إنها مشكلة عندما يحاول هذا الكيان نشر الحرب الطائفية في الشرق الأوسط إلى حد التصعيد الوحشي، وهي مشكلة عندما يوفر كيان الدولة الإسلامية الجديدة منارا وملاذا للجهاديين في جميع أنحاء العالم.
لقد أصبح “داعش” أكثر من مجرد منظمة إرهابية. ولم تعد الحرب ضده مجرد حرب الأفكار ضد جماعة متطرفة منتشرة في شبكات متفرقة، والاكتفاء برسائل استراتيجية، مع خصم ذي قدرة تقنية محدودة في الانخراط في هجمات إرهابية. إن اعتماد استراتيجية في مكافحة الإرهاب تقوم على استئصال القيادات الفردية من المنظمة ستفشل على الأرجح، فالمؤسسات العسكرية والسياسية “لداعش” جعلته متينا، وإن قيادة “داعش” تملك هذه الصكوك من الناحية الاستراتيجية. إن قتال “داعش” الآن هو في الواقع محاربة جيش، وعند إحراز القيادة السياسية لـ”داعش” انتصارات مستقلة عن طريق بناء مؤسسات كتلك الموجودة في الدولة. ففي الواقع، فإن هزيمة الدولة الإسلامية سوف تصبح معقدة جدا، ووضع استراتيجية للقيام بذلك سوف يكون صعبا جدا. يجب أن يبدأ هذا الجهد مع الفحص الدقيق لمصادر قوة “داعش” ونواياه ونقاط ضعفه، عندها فقط يمكن أن تظهر استراتيجية متماسكة ومقنعة. ستُركز هذه الدراسة على تقييم “داعش” في الطريقة التي تدعم هذا الهدف، والذي سنقوم بنشره ضمن أربعة أجزاء.
الجزء الأول
إن القوة الأساس لـ”داعش” تعتمد على القدرة المجتمعة في شن الحرب وبناء قدرات الدولة. مفهوم “الدولة” والأفكار المصاحبة للحكم، هي ذات أهمية حاسمة بالنسبة لـ”داعش”، على الرغم من إنها تسعى لتدمير نظام الدولة الحديثة، بدلا من الانضمام إليها. وعلى الرغم من إنها تشير إلى نفسها كدولة، إلا إنها لا تنظر إلى نفسها من خلال عدسة نظام دولي يتيح لها الانضمام إلى باقي الدول كواحدة من بين كثيرين، وبدلا من ذلك، أعلنت “داعش” أن جميع الدول – فيما سواها – غير شرعية. ومع إعلان الخلافة، فقد أضفت “داعش” على نفسها الشرعية كحركة وفكرة قادرة على الحكم، وليس فقط متمكنة من القتال؛ ولذلك تسعى لأداء وظائف حكومية معينة داخل مساحة سيطرتها المادية تدعمها بالإضافة إلى الدفاع عنها عبر جيشها. “داعش” لديها مؤسسات وموارد وقيادة لتحقيق هذه الرؤية. إن تنظيم “داعش” العسكري صلب، وتمكن من تحقيق مكاسب مادية، كما إن التنظيم السياسي لـ “داعش” قد تم تشكيله إلى حد كبير، وإن “داعش” يستفيد من ربط الإستراتيجيات العسكرية السياسية معا؛ لتأمين وبناء وتوسيع سيطرة هذه الخلافة.
في الحقيقة، إن أي استراتيجية ناجحة سوف تكون معقدة، وتتضمن التحدي، وتستغرق الوقت الطويل؛ فلا بد لها أن تجمع بين حلول للمشاكل السياسية في العراق، مع إجابات على التحديات الشائكة في سوريا، وسوف تضطر إلى التعامل مع “داعش” كظاهرة إقليمية وضمن سياق حركة القاعدة بزعامة عالمية، وسوف تشتمل – بالتأكيد – على الأدوات العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، والعديد غيرها من الأدوات الحكومية.
المنهج التحليلي
استخدم المحللون أطر ومناهج متعددة؛ للتواصل مع المخططين العسكريين حول نقاط القوة والضعف المكونة للعدو عسكريا. أول المناهج، يقوم على استباق أهداف العدو الاستراتيجية استنادا إلى رؤيته السياسية وإستراتيجيته الكبرى. أما المنهج الثاني، فيقوم على تحديد عناصر القوة الاستراتيجية للعدو، والوسائل التي يعتمدها، من خلال تحليل مركز الثقل. والمنهج الثالث، هو ربط هذه الاستنتاجات معا ومراقبة طرق العدو التي يعتمدها من أجل تحقيق غاياته، ومن ثم التوصل إلى فهم استراتيجية العدو في اللعب. إن فهم الغايات والوسائل والحساب الإستراتيجي للعدو، يجهز القائد الإستراتيجي بالمقدرة على تصميم الطرق لمواجهة هذه الاستراتيجية أو التغلب عليها، فمن الممكن أن تكيّف هذه الأطر العسكرية لدعم وتطوير إستراتيجيات الأمن القومي المعنية بمواجهة “داعش”.
الرؤية السياسية لداعش
الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، هي منظمة دينية، هدفها السياسي هو إقامة الخلافة الإسلامية. وفي أعقاب الانتصار العسكري في يونيو عام 2014، في الموصل وغيرها من المدن في العراق وسوريا، أعلن زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي عن تشكيل الخلافة الإسلامية في بداية شهر رمضان المبارك، وظهر علنا كقائد ورجل دولة دينية في مسجد الموصل، وكانت “داعش” قد أعربت بصراحة عن تصميمها إلى إقامة الخلافة والتي نشرتها في مجلتها والتي تصدر باللغة الإنجليزية والمسماة دابق، حيث توضح هذه المجلة الاستراتيجية الكبرى “لداعش” في استنادها على القوة العسكرية لبسط سيطرتها المادية قبل أن يتم بلوغ السلطة السياسية والدينية. إن الجدال الديني المطروح في هذه المجلة هو دقيق وشامل، ويشير إلى أن “داعش” قد أعدت رواياتها، بمساعدة العلماء المسلمين؛ من أجل الصمود الديني في مكافحة الحجج مع مرور الوقت.
وبصرف النظر عن الاختلاف مع رؤية أمير تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري في الطريقة المناسبة لإقامة الخلافة، فإن رؤية “داعش” الأساس تجسد عمليا الفكر الديني لتنظيم القاعدة، فكلا المجموعتان تهدف أولا، إلى إقامة الخلافة، ثم إلى خوض معركة صريحة ضد غير المؤمنين، وفي نهاية المطاف لإعداد العالم لـ”الساعة” المعروفة لدى المسلمين بـ (يوم القيامة)، فإن دابق – عنوان المجلة باللغة الإنجليزية – يشير إلى منطقة في سوريا، حيث يفترض أن تقع المعركة بين المسلمين والامبراطورية الرومانية (الغرب) قبل أن تحدث الكارثة الأخيرة (هرمجدون)، وفقا للحديث.
تحدد “داعش” في مجلتها (دابق) بوضوح، أن منهجيتها تستند على القوة الصلبة. وفيما يلي بعض المقتطفات من صفحة 38 من المجلة:
“إن هذه الهجمات، سوف تجبر قوات المرتدين على الانسحاب جزئيا من الأراضي الريفية، وإعادة تجميع صفوفهم في المناطق الحضرية الرئيسة. سوف تستفيد الجماعة الإسلامية من هذا الوضع، ثم تقوم بزيادة إشاعة الفوضى حتى تصل إلى انهيار كامل لنظام الطاغوت في كافة المناطق، وهذا الوضع يسميه البعض الرجوع إلى “التوحش” ( الفوضى). إن خطوة الدولة الإسلامية القادمة ستكون لملء الفراغ، عن طريق إدارة شؤون الدولة إلى حد تنميتها لتكون دولة متكاملة، ومواصلة التوسع في الأراضي التي ما تزال تحت سيطرة الطاغوت”
ومن ثم، فإن المهام العملية المرتبطة بتحقيق الخلافة الإسلامية، هي الحفاظ والدفاع عن جماعة من المؤمنين في الأرض التي اكتسبت من خلال الغزو العسكري؛ وبذلك فإن الرؤية السياسية للخلافة الإسلامية في تقديرات “داعش” تهدف بشكل رئيس إلى السيطرة على الأراضي، وزرع العلوم الدينية، وإقامة الحكم الوظيفي الذي يؤدي بدوره إلى إضفاء الشرعية على السلطة الدينية.
فالاستراتيجية الكبرى هي السيطرة على الأراضي أولا، ومن ثم إقامة السلطة الدينية ثانيا، وقد تم استلهام هذا النهج من تنظيم القاعدة وزعيمها في العراق أبي مصعب الزرقاوي، والذي يعد سلف الزعيم الحالي أبي بكر البغدادي. إن التقييم آنف الذكر لأهداف “داعش” السياسية تؤيده مجلة دابق، حيث تحدد أهداف الدولة الإسلامية كالآتي:
1- إزالة الحدود السياسية وبشكل نهائي فيما بين العراق وسوريا والمنطقة، من خلال تهيئة الظروف الملائمة لفشل الحكومة وإذكاء الحرب الأهلية الطائفية.
2- إنشاء الخلافة الإسلامية، من خلال التحكم بتضاريس العراق وسوريا، والسيطرة على السكان، والدفاع ضد التهديدات الخارجية.
3- جلب أناس يفكرون في القتال مثلهم؛ من أجل ضمان وقوفهم إلى جانبهم وتدعيم الاستقرار داخل الخلافة الإسلامية.
4- توسيع أراضي الخلافة، والاتصال بالمجتمع أو الأمة الإسلامية الأوسع.
الخلافة في نظر “داعش” هي الرؤية الكبرى. ففي العدد الثاني من دابق نشرت في 28/يوليو/2014، قاموا بسرد موسع يحتوي على مراجع دينية حول تحرك “داعش” من خلال بلاد الشام، وينتهي إلى “تحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس”، وهو ما يبين أن تصور “داعش” بالنسبة للمرحلة النهائية، هو ضم كلاّ من السعودية وجزيرة العرب وإسرائيل. “داعش” تشير أيضا إلى هجمات في المستقبل ضد الغرب كجولة ثانية بإعلانه أن الجهاديين “سوف يغزون روما … ومن ثم التغلب عليها“. ومع ما تم عرضه عن الاستراتيجية الكبرى لـ”داعش” فقد تبدو هذه الأهداف أبعد من أن تتحقق، ومع ذلك، ففي النظر في سياق مقدرة الجماعة لتصميم أهداف استراتيجية منهجية، قابلة للتعديل؛ فمن المعقول اعتبار أن استراتيجية “داعش” الكبرى هي الاستفادة بفعالية كاملة من قوتها الاستراتيجيةفي سعيها لتحقيق أهدافها على المدى الطويل.
استراتيجية “داعش” الكبرى
وضعت داعش “مراحل الجهاد” في العدد الأول من مجلة “دابق”، حيث لخصت المراحل الاستراتيجية الكبرى لداعش، أوالاستفادة القصوى من جميع عناصر القوة الاستراتيجية؛ لتحقيق “الهدف السياسي للحرب”. إن الأهداف السياسية لداعشالمذكورة في العدد السابق، تتوافق مع مراحل الجهاد التي تم وصفها في “مجلة دابق” التي تُصدرها “داعش”، وتوفر نظرة ثاقبة حول تشكيل الاستراتيجية الكبرى لداعش، والأهداف هي :
1- السعي لإزالة الحدود السياسية للدولة، وخلق الظروف الباعثة على الحرب الأهلية التي وصفتها بأنها تعني زعزعة استقرار “الطاغوت أو الوثنية”. وهذا يبرز تناسق منهج “داعش”، مع منهج القاعدة في العراق، حيث أشادت دابق بفضل الزرقاوي الذي حقق – إلى حد كبير – هذا المطلب قبل بلوغ الموسم الحالي للحرب.
2- إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام، بوصفها إمارة إسلامية تعبر عن مرحلة من التمكن والتوحد.
3- جلب أشخاص يفكرون بنفس تفكيرهم؛ من أجل القتال والعيش معا في إمارة تنطبق مع مرحلة الهجرة، والتي توصف بأنها المرحلة الأولى.
4- وقد أعربت “داعش” عن نوايا توسعية ورؤية توضح كيف سيكون التفاعل مع بقية العالم الإسلامي بإعلان الخلافة، الذي تصفه “داعش” على الصعيد المرحلي بأنه هدف نهائي.
هذه الاستراتيجية الكبرى تقوم أساسا على السعي من أجل التفوق العسكري؛ لانتزاع السيطرة على الأراضي والمدن من الدول الحديثة، ومن ثم تدعم “داعش” في السيطرة من خلال توحيد الحكم، وممارسة فن الحكم؛ بغية تشكيل الأساس العملي للمجتمع قبل إنشاء السلطة الدينية فيه. هذه المنهجية تمثل “داعش” وتميّزها عن تنظيم القاعدة والمنظمات الجهادية العالمية الأخرى التي تؤمن بأن السلطة الدينية والقبول الاجتماعي يجب أن يسبق السيطرة المادية. ومن ثم، فإن الرؤية السياسية للخلافة الإسلامية التي أنشأتها “داعش” تعتمد على استراتيجية النجاح العسكري في نهاية المطاف. وفي الممارسة العملية، فإنه يعتمد أيضا على السيطرة الاجتماعية في أعقاب النصر العسكري. لقد انتهجت “داعش” الرقابة الاجتماعية إلى حد كبير عن طريق الإكراه، وتشجيع هجرة أولئك المؤمنين بنفس الفكر الجهادي، وتوفير حوافز مالية وخدمية لتهدئة المدنيين، وتشريد آخرين، وتنفيذ الاغتيالات لردع المقاومة، وعليه، فإن الرقابة الاجتماعية، هي شرط حاسم لداعش لتعزيز المكاسب، وليس عنصرا أساسيا في إستراتيجيتها الكبرى.
ترتكز الاستراتيجية الكبرى لداعش، على القدرة العسكرية والنظام لتحقيق السيطرة السياسية. الخلافة الإسلامية تمتلك قوة عسكرية، ومع هذه القوة، فقد طبقت “داعش” الإستراتيجيات العسكرية التي تسعى إلى تدمير الدول الحديثة بدءًا من العراق وسوريا، وإنشاء قاعدة جديدة. علاوة على ذلك، فإن “داعش” تسعى لترجمة المكاسب العسكرية إلى مكاسب سياسية، من خلال إنشاء الحكم والرقابة الاجتماعية، وهو ما يعني أخيرا، السيطرة السياسية. وعليه، فإن القدرة المزدوجة المتمثلة بالقوة العسكرية والسيطرة السياسية، هي المصدر الرئيس للقوة الاستراتيجية لداعش.
إن جيش “داعش” لديه قدرات تكتيكية وعملياتية جديرة بالذكر للقيام بموجات من السيارات المفخخة، والهجمات البرية، والهجمات الانتحارية، وهجمات عسكرية مجتمعة. إن “داعش” يطبق هذه التكتيكات؛ لتحقيق الأهداف العملياتية والاستراتيجية، مثل الاستيلاء على الموصل، مما يدل على تصميم حملة ماكرة تتمتع بقيادة استراتيجية. بالمعنى الحرفي، فإن “داعش” تطور قدراتها العسكرية، من خلال الحصول على المعدات العسكرية والتضاريس المحصنة، حيث تنشئ قواعد في العراق وسوريا. القلق بشأن القدرات المتنامية تصاعد في الآونة الأخيرة، حيث أضافت “داعش” لترسانتها مواد كيميائية سامة، بما في ذلك اليورانيوم غير المخصب، بعد الاستيلاء على الموصل ومجمع المثنى قرب بغداد. ومما يزيد من قوة “داعش” القتالية أيضا، هو إطلاق سراح السجناء وزيادة خزينتها عبر الغزو الحضري، والاستيلاء على الثروة، بما فيها البنوك، والبنى التحتية الحيوية الأخرى، وهو ما أعطى لداعش القدرة على تجنيد المزيد من المقاتلين، من خلال إبراز رسالة استراتيجية تستعرض النصر العسكري وأيضاً إرغام بعض القبائل على الاستسلام لهم بالإكراه. ووفقاً لداعش، فإن الانتصارات العسكرية، والرؤية السياسية، المتمثلة بالخلافة الإسلامية، تمنح “داعش” الشرعية ضد الدول والأنظمة والجيوش الرسمية التي لا يمكنها الدفاع عن أراضيها ضد “داعش”.
منذ الهجوم الحضري في معاقل السنة في العراق الذي بدأ في يونيو حزيران عام 2014، وتوسع في سوريا، أطلقت “داعش” حملة في وسائل الإعلام المطبوعة باللغة الإنجليزية وبشكل غزير لتشجيع الجهاديين الغربيين على المشاركة. إن “داعش” تحاول تصوير الحياة في الخلافة الإسلامية مثالية، مستقرة، ومزدهرة؛ من أجل جذب المهنيين المهرة وكذلك المقاتلين والشخصيات الدينية. وبهذا تطلق “داعش” رسالة استراتيجية تعبر عن رؤيتها لما بعد الحرب وهو إقامة خلافة إسلامية مزدهرة، والتي تعدها جوهر استراتيجيتها الكبرى في إقامة دولة دينية داخل قلعة عسكرية تشارك في الحرب على حدودها.
الاستراتيجية العسكرية لدى “داعش”
منذ أن شنت “داعش” هجوما على مدينة الموصل وفرضت سيطرتها عليها في 10 يونيو/حزيران، عام 2014، قادت “داعش” حملة عسكرية حضرية واسعة في العراق، تشمل مدن ومحافظات أخرى، مثل: كركوك، وصلاح الدين، وديالى، والأنبار. وقد امتدت حملة “داعش” العسكرية لتشمل مدن سورية كبرى، مثل: دير الزور، والتضاريس الرئيسة على طول الحدود السورية التركية، بما في ذلك عين العرب. إن قيام “داعش” بتوسيع مناطق سيطرتها، ومناطق الهجوم، ودعم مناطقها في عمق العراق وسوريا يصوغ توقعات للحملة التي ما تزال قائمة. وسوف تسعى “داعش” إلى صيانة السلامة المادية لخلافتها، عبر السيطرة على المراكز الحضرية التي تقع خارج حدود سيطرتها العسكرية الحالية. من أجل السيطرة على هذه التضاريس بشكل دائم، فإن “داعش” تسعى بشكل طموح لتدمير كل من العراق وسوريا كدول قائمة ومنع عودتهما، حيث يدعم هذا الهدف الاستراتيجي، استراتيجية “داعش” الكبرى في إقامة وتوسيع الخلافة الإسلامية بالقوة. إن “داعش” تقوم بتشكيل استراتيجية عسكرية لتدمير الدولة القومية الحديثة، جنبا إلى جنب مع استراتيجية عسكرية لتوسيع السيطرة على الأراضي، وترجمة الانتصارات العسكرية إلى انتصارات سياسية من خلال الرسائل الاستراتيجية وفن الحكم. وعلى الأرجح فإن استراتيجية “داعش” العسكرية في العراق وسوريا سوف تسعى لتحقيق الأهداف الآتية:
1- سوف تسعى “داعش” إلى بسط سيطرتها على التضاريس في المناطق الحضرية في المعاقل السنية في العراق؛ وذلك لتربطها بقوتها المادية الأساسية في سوريا، لتشكيل أراضي الخلافة الإسلامية.
2- ستقوم “داعش” بالسيطرة على البنية التحتية الحيوية التي تزيد من الثروة والنفوذ الدولي للخلافة الإسلامية.
3- أن تخلق منطقة حظر حدودي عبر المحافظات المختلطة عرقيا وطائفيا، والتي تشتمل على كردستان العراق، وديالى، وبغداد، وبابل؛ من أجل فصل جسد الخلافة الإسلامية عن إيران.
4- تدمير القدرات الهجومية لقوات الأمن العراقية والنظام السوري.
5- تدمير العراق، عن طريق حرمان العاصمة بغداد من قدرة الدفاع عنها بوصفها مقرا للحكومة، ومدينة شيعية. والتأكد من أن الحكومة السورية لن تسترد شرعيتها.
6- سوف تسعى “داعش” إلى توسيع رقعتها الجغرافية، بما يمكنها من نشر خلافتها الإسلامية، عن طريق الاستيلاء على المدن النائية في سوريا والعراق، مثل الرطبة، والشاعر، وهو ما يعني – في نهاية المطاف – إنشاء خطوط إضافية للاتصال الخارجي.
7- توسيع رقعة الخلافة الإسلامية في مناطق شمال ووسط سوريا المحتلة حاليا من قبل المعارضة السورية وجبهة النصرة، والقضاء على هذه التشكيلات المقاومة.
تحليل مركز الثقل لدى “داعش”
إن الغرض من دراسة الرؤية السياسية والاستراتيجية الكبرى وأيضاً الاستراتيجية العسكرية لـ”داعش”؛ هو من أجل التمكن من تأطير استراتيجية مضادة. تتطلب الاستراتيجية المضادة معرفة مصادر قوة العدو التي تتيح له العمل بشكل مستمر ضمن حساباته الاستراتيجية. وإن العناصر الحرجة من القوة الاستراتيجية التي تمتلكها “داعش” يمكن تحديدها من خلال تحليل استراتيجيتها العسكرية. ويتم التعبير عن عناصر القوة الاستراتيجية مبدئيا من خلال دراسة مركز ثقل العدو. ومركز الثقل هو المفهوم الاستراتيجي الذي قدمه كارل فون كلاوزفيتز؛ لوصف المصدر الرئيس لقوة العدو. إن تحديد مراكز ثقل العدو ظهرت في الحرفية العسكرية من خلال الفقرة التالية من دراسة كارل فون كلاوزفيتز الموسومة “في الحرب“، والتي اشتهر بها كلاوزفيتز وجعلت منه المرجع الذي لا ثاني له في تفسير مفهوم مركز الثقل، حيث يقول:
“ان مركز الثقل يتطور، وهو ملتقى كل الطاقة والحركة، حيث كل شيء يتعلق به ويتوقف عليه. إنه النقطة التي يجب أن نوجّه إليها كل طاقاتنا واهتمامنا.”
وقد جرى توسيع نطاق دراسات مركز الثقل في سياق التخطيط والعقيدة العسكرية الأمريكية لتشمل “القدرات الحرجة، المتطلبات الحرجة، ونقاط الضعف الحرجة”، كتعبيرات إضافية للقوة الاستراتيجية لتقييم العدو عسكريا.
القدرات الحرجةفي جوهرها هي وسائل العدو. المتطلبات الحرجةهي معوقاته. أما نقاط الضعف الحرجةفهي النواقص والعيوب الموجودة لديه. إن عوامل التخطيط الكونكريتية في تماسكها هذه، يجب أن تُترجم مباشرة على استراتيجية العدو، ومعها يمكن تحقيق الآثار المهمة على خط المعركة ومسارها. ومركز الثقل – من ناحية أخرى – يتطلب فهما أوسع لسلوك العدو، ومن ثم، فإنه يتطلب تقييما شاملا لعناصر أخرى من قوة العدو الاستراتيجية، حيث إن استهداف مركز الثقل،يحقق الآثار المدمرة لدى العدو؛ لذا فإن هذه الدراسة تسعى للتعرف على القدرات الحرجة، والمتطلبات الحرجة، ونقاط الضعف الحرجة لدى “داعش” قبل الشروع بتقديم تقييم شامل لمراكز ثقله، والتي قد يكون استهدافها مهماً من أجل تحقيق آثار هائلة على “داعش”. وتسعى هذه الدراسة أيضا إلى معرفة الفرص الهامة التي قد تحاول “داعش” استغلالها؛ من أجل تحديد مجموعة كاملة من الفرص المتاحة للولايات المتحدة كي تصوغ استراتيجية تستهدف هزيمة “داعش”.
الجدول 1: عناصر القوة الاستراتيجية | |
هو مصدر القوة التي توفر للعدو القوة المادية أو المعنوية، وتتيح له حرية العمل. | مركز الثقل |
هي الوسائل التي تعد عامل تمكين حاسم بالنسبة لمركز الثقل، والعمل بها ضروري لإنجاز الهدف المحدد أو المفترض. | القدرات الحرجة |
هي ظروف جوهرية، وموارد، ووسائل تجعل القدرات الحرجة في طور التوظيف الكامل. | المتطلبات الحرجة |
جانبا من المتطلبات الحرجة، التي هي غير متوفرة، أو متوفرة بَيْد إنها عرضة لهجوم مباشر أو غير مباشر، من شأنها خلق تأثيرات هائلة أو حاسمة. | نقاط الضعف الحرجة |
إن إجراء تحليل لمركز الثقل لدى “داعش”، يوفر الأساس النظري لتصميم استراتيجية مضادة. استراتيجية سياسية وعسكرية لتدمير “داعش” تقوم على تقدير دقيق لقدراتها الحرجة. استراتيجية سياسية وعسكرية لعرقلة وتعطيل “داعش” تقوم على تقدير المتطلبات الحرجة، ونقاط الضعف الحرجة، والفرص الهامة. استراتيجية لهزيمة “داعش” تقوم على تقدير لمراكز ثقله واستراتيجيته الكبرى. وسوف نركّز في الجزء القادم، على استقراء الاستراتيجية العسكرية لـ”داعش”، والامكانات الضرورية التي تسمح لخصوم “داعش” في تشكيل وصياغة استراتيجية مضادة.
الجدول 2: عناصر القوة الاستراتيجية | |
مهمة تكتيكية، تحدث عندما تفقد قوات العدو – مؤقتا أو بشكل دائم – الوسائل المادية أو إرادة القتال. | هزيمة |
مهمة تكتيكية، من شأنها أن تجعل ماديا قوة العدو القتالية غير فعالة حتى يتم إعادة تشكيلها. | تدمير |
مهمة تكتيكية، يدمج خلالها القائد النيران المباشرة وغير المباشرة، والتضاريس، والعقبات التي تزعزع العدو أو تربك وتيرة عمله، بما يخلّ بجدوله الزمني، أو تدفع قواته لارتكاب الهجوم قبل الأوان أو بطريقة متفرقة. | عرقلة |
1- القدرات حرجة
القدرات الحرجة هي وسائل أساسية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تعد عامل تمكين حاسم في توظيف مركز الثقل، في حين أن مراكز ثقل “داعش”، والتي سيتم التحقق منها فيما يلي، يجب أولا أن تأخذ بنظر الاعتبار جرد الوسائل الأساسية التي تظهرها “داعش” ضمن استراتيجيتها حتى الآن، حيث أظهرت “داعش” قدرات مهمة في مجالات تصميم الحملة العسكرية وتوليد القوة العسكرية وتصميم الحملة السياسية والحكم المحلي، وإن حرمان “داعش” من واحد أو أكثر من هذه القدرات الهامة (الحرجة) سوف يحطم التآزر بين القوة السياسية والعسكرية “لداعش”.
– تصميم الحملة العسكرية
لقد تمكنت “داعش” من تصميم وتنفيذ الحملات العسكرية على المستويات الاستراتيجية والعملياتية، حيث أظهرت “داعش” القدرة على تخطيط وتعديل وتدعيم والشروع في حملات على شكل مراحل. “داعش” قادرة على تخصيص الجهود الرئيسة وتوزيع القوى البشرية والمعدات عبر الجبهات. تم بناء هذه القدرة الحرجة على عدد من الكفاءات الجماعية، بما في ذلك القيادة والسيطرة، والحرب، والمناورة. لقد تمكنت “داعش” من الاستفادة من هذه القدرة للاستيلاء العسكري على المناطق الحضرية في العراق وسوريا، وإجراء هجمات عبر جبهات متعددة بالتتابع، وتحديد موعد المعركة عبر عدة جبهات في آن واحد. وقد تمكنت “داعش” من التغلب أيضا على الإخفاقات التكتيكية مع هذه المرونة التشغيلية والاستراتيجية، وأبرزها فقدان المناطق الحضرية، مثل محافظات إدلب وحلب في سوريا، في كانون الثاني/ 2014. لقد صمم تنظيم “داعش” النجاحات العسكرية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى، بما في ذلك إعلان الخلافة.
– تكوين القوة العسكرية
تمكنت “داعش” من تنمية قواتها القتالية، حيث تمكنت من زيادة تجنيد العناصر عبر كسر السجون وتدفق المقاتلين الأجانب، وعلى نحو متزايد من خلال التوظيف المحلي. واستنادا إلى التقارير الأخيرة من الموصل، فإن الشباب المحليين – وبحسب ما ورد – انضموا “لداعش”، وقد قيل إن “داعش” تقوم بتشكيل قوة الشرطة في الموصل، والتي تشكلت بسبب قدرة “داعش” على دفع الرواتب، في ظل غياب الحكومة العراقية. ومع الشعور بالنصر العسكري، تمكنت “داعش” من الحفاظ على شهرتها وتنمية اقتدارها المالي، وكلاهما يترجم إلى زيادة أساسية للتجنيد.
– تصميم حملة سياسية
إن “داعش” أيضا قادرة على ترجمة الانتصارات العسكرية إلى نجاح سياسي من خلال حملة إعلامية عدائية واستباقية، حيث أصدرت سلسلة مجلات واسعة تنشر باللغة الإنجليزية، تقوم بوصف الحياة لما بعد الحرب داخل الخلافة الإسلامية. وقد تمكنت “داعش” من تصوير نفسها بأنها بطل السنّة في العراق طوال حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة السابقة. هذه الحملة السياسية هي استراتيجية بدلا من أن تكون نفعية. وقد جاء توقيت إعلان الخلافة الإسلامية بالتزامن مع حملة عسكرية تم توقيتها بعناية، وهو ما يدل على انسجام التصاميم السياسية والعسكرية.
– السيطرة على المراكز الحضرية الكبيرة
لقد تمكنت “داعش” من السيطرة على المراكز الحضرية في محافظات الرقة وحلب في سوريا. الأساليب التي استخدمتها “داعش” لإقامة وإدامة هذه السيطرة اشتملت على إنشاء قوة الشرطة الدينية المحلية، وقانون الشريعة والمدارس الدينية، ومشاريع إعادة الإعمار، وتوزيع الأغذية. وقد بدأت “داعش” أيضا في إدارة البعض من هذه الوظائف في العراق، وكان آخرها إنشاء قوة شرطة في الموصل. إن أساليبها قسرية إلى حد كبير، غير إنها نفذت مؤخرا أيضا استراتيجية السيطرة على مراحل بالنسبة للمناطق الحضرية، والتي تنطوي على تشريد سكان المناطق الحضرية من أجل فرض سيطرتها عن طريق اختيار سكانها على نحو فعال. إن رقابة “داعش” الاجتماعية داخل المراكز الحضرية التي تحتضن الآن الخلافة الإسلامية عززت من هجرة المقاتلين، والمهنيين، والأسر، لتستقر ومن ثم تقوم بتجنيدهم. إن تجنيد السكان المهاجرين يقلل من متطلبات “داعش” في السيطرة على السكان الأصليين. وتستند سيطرة “داعش” على المراكز الحضرية أيضا على مقدرتها في الحفاظ على سريان الأنظمة الحضرية، التي تعزز الحصول على مجموعة واسعة من المهارات الفنية من خلال الهجرة أو الإكراه.
2- المتطلبات الحرجة
إن المتطلبات الحرجة تصف الظروف والموارد والوسائل الواجب توافرها للعدو. فلكي تنجح “داعش” في حملتها العسكرية في العراق، يتوجب عليها النجاح العسكري المستمر وتكوين التحالفات ودعم الخدمات القتالية والسلطة الدينية. وإن حرمان “داعش” من أحد هذه المتطلبات الحرجة يعرقل قدرتها في المضي قدما في استراتيجيتها السياسية والعسكرية الحالية ويعيقها.
– إمكانية النصر
يتوقف بقاء “داعش” على استمرار النجاح العسكري، وذلك من خلال ربط إعلان الخلافة الإسلامية بالانتصارات العسكرية. وتعد السيطرة على الأرض مطلبا ضروريا لإقامة السلطة السياسية والدينية، وهذا ما كشفته “داعش” من اعتمادها على ظروف النجاح العسكري المستمر. وتعتقد “داعش” بوجوب الاستمرار في تحقيق الانتصارات العسكرية؛ من أجل التمتع بالشرعية.
– التحالفات
إن “داعش” تقاتل في العراق إلى جانب الحلفاء المحليين، المتمثلين بالمتمردين السنة والبعثيين. وقد أقامت “داعش” هذه التحالفات؛ من أجل التغلب على قوى الأمن الداخلي في العراق وإنشاء منطقة خالية من أمن الدولة. ومن أجل توطيد السيطرة؛ يتحتم على “داعش” استمرار التعاون مع هذه المجموعات. ومن غير الواضح ما إذا كان القوميون السنة والميليشيات القبلية في العراق سوف يتسامحون مع “داعش” على المدى الطويل، أو أن “داعش” سوف لن تسعى إلى انتزاع السيطرة بمفردها في أعقاب التقدم العسكري. نظرا للتعبئة التاريخية من العشائر السنية العراقية (الصحوة) ضد تنظيم القاعدة في العراق، فإن الأهداف الإيديولوجية والقومية لبعض الجماعات قد تتداخل مع الرقابة الاجتماعية “لداعش” على المدى الطويل، وأن “داعش” تقوم بإجراءات احترازية ضد مثل هذه النتائج، من خلال حملة اغتيال وقائية لاستهداف أفراد الصحوة والقادة المؤثرين الذين قد يشجعوا المقاومة.
– دعم الخدمة القتالية
تنتقل “داعش” من العمل العسكري إلى السيطرة السياسية ضمن حيزها المادي. طوال هذه المرحلة الانتقالية، فإن “داعش” تعتمد على المؤسسات العسكرية للحفاظ على جهدها العسكري الهجومي والدفاعي. تتطلب هذه المؤسسات دعما قتاليا، كالاستخبارات، والهندسة، فضلا عن دعم الخدمة القتالية، بما في ذلك الخدمات اللوجستية والإمداد، والموارد البشرية، والمالية. فمن الممكن فحص المهام التكتيكية والعملياتية “لداعش” ومعرفة ما إذا ستكون قادرة على أداء الوظائف العسكرية والحكومية، والتنمية، والتوعية الخاصة بها، وفهم ما تحتاجه من وظائف الدعم من أجل مواصلة مختلف جهودها.
– السلطة الدينية
يتحتم على “داعش” إقامة سلطة دينية؛ من أجل الحفاظ على جوهر طابع الخلافة الإسلامية. إن الأيديولوجية ليست مركز ثقل “داعش”، ولا تمثل القدرة الحرجة لها؛ لأن “داعش” يمكنها المضي قدما في استراتيجيتها الكبرى بالاعتماد على عناصرها العملية حتى عندما يشوب حججها الدينية النقص أو عدم القبول، حيث إن “داعش” لديها وسيلة لبسط سيطرتها المادية على التضاريس وفرض الرقابة الاجتماعية القسرية بغضّ النظر عما إذا كانت تعد ذلك تصرفا مبررا من الناحية الدينية.
الحقيقة، إن “داعش” بدون دين، هي مجرد نظام آخر. إنها تحتاج السلطة الدينية لفرض شروط الدولة، وهو ما يعني بناء وصيانة الدولة، ففي الرقة، تمنح قوة الشرطة الدينية “لداعش” تفويض يدعم السيطرة الاجتماعية. كما تحتاج “داعش” السلطة الدينية؛ من أجل التقاط عناصر الحركة الجهادية العالمية، وهو شرط حاسم للخلافة الإسلامية، وذلك عبر الاتصال بالأمة بمفهومها الأوسع في أعقاب “فتنة”، بين “داعش”، “جبهة النصرة”، و”أيمن الظواهري أمير القاعدة”. إن “داعش” لا يمكنها إضفاء الشرعية على الدولة الدينية التي تريد فرضها على الأمة دون المطالبة بالسلطة الدينية. فبهذه الطريقة، يلعب الدين دورا عمليا في تسهيل فن الحكم بالنسبة لها.
“إن حرمان “داعش” من أحد هذه المتطلبات الحرجة يعرقل قدرتها في المضي قدما في استراتيجيتها السياسية والعسكرية الحالية ويعيقها”
3- نقاط الضعف الحرجة
نقاط الضعف الحرجة تصف المتطلبات الهامة للعدو والتي يعاني من نقصها أو انكشافها، أو العوامل الخارجية التي تضعف بطبيعتها العدو. إن نقاط الضعف الحرجة لدى “داعش” تكمن في كونها ما تزال قوة ناشئة. نطاق عملياتها، وعدم تجانس قياداتها، وعمق مؤسساتها تولد أيضا نقاط الضعف. وتؤكد “داعش” أن نقاط الضعف هذه من شأنها أن تصيب أهدافها المستقبلية ما لم تتمكن من الارتفاع إلى مستوى الصدى العالمي الذي تسعى إلى إنشاءه. إن استغلال هذه الثغرات الأمنية الحرجة تعرقل قدرة “داعش” في المضي قدما في تحقيق الاستراتيجية السياسية والعسكرية الحالية التي تعتمدها.
– النطاق
إن “داعش” عرضة للإفراط في التوسع، وهذا ناجم من متطلب هام وحرج لدعم حملة عسكرية ممتدة عبر عدة جبهات، ومع ذلك، فإن “داعش” أيضا ضعيفة فيما يتعلق بتحشيداتها الخاصة، إذ لديها قوات برية تمتد من الحدود الإيرانية في شمال ديالى إلى الرطبة ومحافظة حمص الشرقية في سوريا. الحيز المادي “لداعش” واسع النطاق، وهذا ما يجعلها غير قادرة على الحفاظ على خطوط اتصالاتها الداخلية قوية. وعلاوة على ذلك، فكلما يتم إطلاق هجمات المكافحة ضدها سوف تتحمل نقاط الضعف الجغرافية لبعض المواقع العسكرية، حيث يتحتم إعادة توزيع القوات وتعزيز الاتصالات. وبدورها قد تقوم باتخاذ خطوات لاستمالة جماعات جديدة من أجل تسريع توليد قوتها وتقليل هذا الضعف. إن قدرة “داعش” على التموّل والتوسع السريعين يمكناها معا من تخفيف هذه الحالة.
– انشقاقات القيادة
لقد تمكنت “داعش” من إعادة تشكيل عدة أجيال من القيادات التي تم بناؤها بشكل قوي وبأعداد كبيرة داخل السجون. إن إعادة تجميع القادة والمقاتلين من العهد السابق يخلق مضاعفا آخر لقوة “داعش”، ويولد لها أيضا نقطة ضعف حرجة. إن “داعش” لديها مؤسسات عسكرية قوية ويمكنها أن تقوم بحملات عسكرية متزامنة عبر جبهات متعددة، لكنها – أي داعش – غير متجانسة أيضا، حيث يتخللها التفاوت الشديد فيما بين طبقة تبادل الخبرات، وخلال هذه الحملة الكبيرة، فإنها عرضة لانقسامات القيادة نتيجة لذلك.
– تدهور التحالفات او الحلفاء
قد يكون من المرجح أن يأتي الوقت الذي يرغب فيه القوميون السنة العراقيون مواجهة “داعش” عسكريا. إن أيديولوجية “داعش” وحشية، والناس عموما لا يحبونها. احتمال قيام السنة بهجوم مضاد ضد “داعش” ما زال قائما؛ لذا فإن “داعش” معرضة للإعاقة والتعطيل في حديقتها الخلفية. إن السكان في محافظة دير الزور في سوريا يستسلمون “لداعش”؛ لأنهم يجدونها متفوقة عسكريا هناك. وحتى تحالفات “داعش” في العراق عرضة للتدهور، وقد يبرز هذا التدهور مع سيطرتها على مناطق جديدة.
– تنافس الأصوات الدينية
ويتحتم على “داعش” أيضا التنافس ضمن كوكبة من الفاعلين السلفيين؛ من أجل إضفاء الشرعية على الخلافة الإسلامية على المستوى الديني. مؤخرا تم رفض خلافة “داعش” من قبل أبي محمد المقدسي، المرشد الديني السابق لأمير تنظيم القاعدة في العراق أبي مصعب الزرقاوي، وهذا أحد مصادر الضعف الديني “لداعش”. وآخرون ممن رفضوا الخلافة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتحدثوا ضد خلافة “داعش” ودعوا علماء المسلمين لتقديم رسالة متماسكة. إن نشوء صراع طويل بين جبهة النصرة وداعش في سوريا أحدث فتنة، ومن ثم نقطة ضعف “لداعش” والمجتمع الجهادي العالمي بأسره.
– تنافس الجيوش الإقليمية
إن أداء قوات الأمن النظامية في العراق وسوريا ضد “داعش” دعا إلى التساؤل فيما إذا كانت جيوش الدول الأخرى في الشرق الأوسط قادرة على الدفاع عن سيادة أراضيها، وعلى الأرجح سيتم اختبار القدرات الدفاعية لكل من الأردن ولبنان في مواجهة هجمات “داعش”. بالإضافة إلى ذلك، لقد أعربت “داعش” بأن نهاية اللعبة ستجري داخل المملكة العربية السعودية وضم المناطق المقدسة، لكن من المهم الأخذ بنظر الاعتبار إمكانية أن تواجه “داعش” قوة عسكرية متفوقة توجه إليها ضربة استباقية، فوجود جيوش إقليمية هائلة، كالتي تملكها إيران وتركيا وحتى دول مجلس التعاون الخليجي، يبرز الضعف الاستراتيجي “لداعش” في السعي لتحقيق استراتيجيتها الكبرى التي تقوم على الغزو العسكري.
“ان استغلال هذه الثغرات الأمنية الحرجة تعرقل قدرة “داعش” في المضي قدما في تحقيق الاستراتيجية السياسية والعسكرية الحالية التي تعتمدها”
مركز ثقل “داعش”
“إن أي مركز ثقل يتطور، وهو ملتقى كل الطاقة والحركة، حيث كل شيء يتعلق به ويتوقف عليه. إنه النقطة التي يجب أن نوجّه إليها كل طاقاتنا واهتمامنا”
لقد قدم “كلاوزفيتز” استراتيجية لاستهداف مركز ثقل العدو مع أقصى قدر ممكن من القوة كوسيلة لتحقيق نصر حاسم. وقد ناقش العديد من العلماء في أن مراكز الثقل لا يلزم أن تكون ملموسة، مما يعقد صياغة استراتيجيات عسكرية مضادة ترتكز على استخدام النار في تدمير العدو. إن “داعش” تملك اثنتين من القدرات هي بمثابة مراكز للثقل: القدرة العسكرية لتدمير الدول الحديثة، والقدرة السياسية للسيطرة متمثلة بالخلافة الإسلامية. وترتكز استراتيجية “داعش” الكبرى على الجمع بينهما، فالقوة الأساسية لداعش تكمن في القدرة على تقديم وظيفة الحرب والدولة. قد يكون من الممكن الفصل فيما بين مركزي الثقل هذين كوسيلة تهدد استراتيجية “داعش” الكبرى.
– الجيش
إن جيش “داعش” هو مركز الثقل التقليدي، وهو مؤسسة تتكون من عدة طبقات تعبر عن القدرة التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، بالإضافة إلى خبرة قياداتها. لقد قدمت “داعش” استراتيجية عسكرية في العراق متماسكة إلى حد ما وحملة متقدمة بالمقارنة مع أي قوة أخرى من الفصائل الجهادية التي انخرطت في المواجهات العنيفة. هذه القدرة الاستراتيجية ممتدة أيضا في سوريا، وتتضح قوتها أكثر في الهجوم للسيطرة على حقول النفط والتضاريس الحضرية في محافظة دير الزور. إن حملة “داعش” العسكرية متعددة الجبهات بما يولد قوة للخلافة الإسلامية. الجيش نفسه، أدى العديد من نقاط القوة التطبيقية، فهو مركز الثقل. وقد أنشأ جيش “الخلافة الإسلامية” الظروف في كل من العراق وسوريا؛ بغية تحقيق انتصارات تدعم الأهداف السياسية.
– السيطرة السياسية
تستمد “داعش” قوتها من مركز الثقل الثاني. إن مركز الثقل الثاني يتجلى في فن الحكم للخلافة الإسلامية. الخلافة الإسلامية التي أعلنتها “داعش” ليست مجرد فكرة، بل هي نظام للحكم الديني الذي يجلس فوق المدن الرئيسة ويدير إطارا يحكم مجتمعا حضريا دينيا. أبو بكر البغدادي، والمدعو الخليفة إبراهيم، يقوم بتجسيد الخلافة الإسلامية، ولكن الدولة الإسلامية التي أنشأتها “داعش”، هي كيان سياسي يتألف من أكثر من ذلك بكثير. الدولة الإسلامية عمليا هي مؤسسات وظيفية وحكم وقوانين ومنفذون، ومواطنون. الدولة تنتج نوعا مختلفا من القوة مما يفعله جيش “داعش”. الدولة تَعِد الناس بالحياة فيما بعد الحرب وإقامة الحكم الصحيح. إن تقدير قدرة “داعش” على الحكم يستمد أساسا من نموذج “داعش” حول الحياة التي جسدتها في حلب والرقة، والتي تبدو بمثابة عملية طلاق للحياة الواقعية. هذه الدولة ليست فقط مكانا للشهداء لكي يأتون ويموتون، حيث إن “داعش” تقوم بتشكيل شكل جديد من أشكال فن الحكم الديني، وإن نظام “داعش” في السيطرة السياسية هو مركز الثقل الثاني.
نصائح
يجب تدمير قوة “داعش” العسكرية والحفاظ على حدود الدول الحديثة في الشرق الأوسط ضد التقدم الوقح للمجموعة الجهادية العالمية. إن “داعش” تشكل تهديدا لجميع الدول الحديثة في هذا السبيل؛ ولذلك فمن الأهمية بمكان أن تجد طريقة لهزيمة “داعش”. وضع أهداف محدودة لعرقلة، أو احتواء “داعش”، ليست كافية لمواجهة التهديد الحالي الذي يتغلب بالفعل على حدود الدولة ويسيطر على البنية التحتية الحيوية التي هي مهمة بالنسبة للدول المجاورة أيضاً. استراتيجية لهزيمة “داعش” يجب أن تترجم إلى نقاش حول مراكز ثقله، والتي يمكن اقتراحها في واحدة من ثلاث طرق: دحر جيش “داعش”، حرمان “داعش” من السيطرة السياسية، أو كسر التآزر بين هذين القطبين الأساسيين.
1- تدمير مركز الثقل العسكري لـ “داعش”
من الممكن وضع أكثر من طريق بنظر الاعتبار لتدمير مركز الثقل العسكري “لداعش”، ومع ذلك، فقد علمنا التاريخ، أن تدمير جيش “داعش” قد لا يؤدي إلى الهزيمة الشاملة للتنظيم، وهو ما يتسق مع فكرة أن “داعش” تمتلك أكثر من مركز للثقل. لقد تم تدمير القوة القتالية لتنظيم القاعدة في العراق سابقا في عام 2008، وعلى الرغم من هذا، فقد أعادت القاعدة تنظيم نفسها في العراق في عام 2011، إذ لطالما حافظت القاعدة على بعض القيادات والقوة القتالية بشكل غير قليل. ومع ذلك، فهناك طرق لتصميم استراتيجية عسكرية مضادة لدعم حملة شاملة من الجهد تعجل في هزيمة “داعش” إن تم تفعيل هذه التقييمات التي عرضت في هذه الدراسة.
2- استهداف القدرات العسكرية لـ”داعش”
“داعش” لديها القدرة الهامة في تصميم الحملات العسكرية التي تتفوق على تلك الجيوش المتناحرة في العراق وسوريا، ولكن بالإمكان صياغة استراتيجيات عسكرية يمكن أن تكون أقوى وأكثر مهارة. فمن الممكن تصميم حملات عسكرية تكتيكية وعملياتية تقلب فرصة “داعش” في السعي باتجاه نصر عسكري وشيك. تقزيم رسائل “داعش” الاستراتيجية عن طريق دحض دعايتها وإثبات ضعف تنظيمها، قد يحقق آثارا منظورة في عرقلتها. إن تدمير جيش “داعش” في الرقة والموصل ضرورة مهمة لتدميره بشكل عام. ومن المرجح لذلك أن ينتج أضرارا جانبية كثيفة، وبالتالي فهي عالية المخاطر وترقى إلى تفاقم حرب طائفية أو أهلية في العراق، وأي شيء أقل من هذه الأهداف العسكرية سوف لن يكون ذا تأثير أكثر من عرقلة “داعش”.
3- استهداف المتطلبات الحرجة لـ”داعش”
إن استهداف الخدمة القتالية لـ”داعش” قليلة المخاطر نسبيا، ومع ذلك، فقد تطورت “داعش” في هذا الشأن، ومن غير المحتمل تحقيق آثار تخريبية استراتيجية دون تكثيف الجهد. فمن الممكن استهداف خطوط الاتصال الداخلية والخارجية والمواقع الثابتة التي تستخدمها “داعش” عبر ضربات جوية تدعمها الاستخبارات، ولكن هذا النهج، يهدف إلى عرقلة أو تفكيك الشبكات الإرهابية ويضعها في حالة فرار، فهو في أحسن الأحوال جهد دعم فقط. من ناحية أخرى، فإن كسر تحالفات “داعش” التكتيكية، قد يولد تهديدا بحرب العصابات داخل منطقة الخلافة الإسلامية، وهذا بدوره يعرقل “داعش” استراتيجيا. إن تشجيع مثل هذه الحركة المقاومة بين أهل السنة في العراق وسوريا في هذا الوقت يتطلب اتخاذ تدابير سياسية تتوازى مع تخفيض الظروف التي تؤدي إلى تفاقم المزيد من حرب أهلية أو طائفية. ومن الممكن أيضا تعيين أهداف تكتيكية من شأنها أن تعرض سلامة أراضي الخلافة الإسلامية للخطر قبل أن تكون “داعش” قادرة على تشكيلها بالكامل، وذلك عن طريق تعزيز دفاعات مصفاة نفط بيجي والرمادي، على سبيل المثال.
4- استهداف نقاط الضعف الحرجة لـ”داعش”
مع استخدام إمكانيات الجيوش الخارجية في الأوضاع الأمنية لكل من العراق وسوريا، فإن “داعش” عرضة للتمدد المفرط بعد ذلك، إلا أنه من الممكن فرض طوق على نطاق حملتها العسكرية، وفضح قدرتها في التعزيز وإعادة التوزيع إلى أقصى حد، غير أن “داعش” لديها عمق استراتيجي، وبالرغم من ذلك، فهو ليس عمقا ثابتا. تعتمد “داعش” أيضا على عمليات قوية ومتكررة، والتي هي محط اعتراض كبير. فمن الممكن استهداف مواقع “داعش” الثابتة وعملياتها المتكررة. هذا الجهد يضغط على “داعش” في رفع حملتها العسكرية لتصل إلى ذروتها، ومن ثم تحقيق الأهداف الاستراتيجية في التغلب على المزايا السياسية التي تتمتع بها “داعش” جرّاء الانتصارات العسكرية المتتالية.
5- منع “داعش” من إقامة حكم سياسي دائم
لا يمكن إنكار أن “داعش” صغيرة جدا ليكون لها عاصمة دائمة. كما وفي ذات الوقت، لا يمكن إنكار سيطرة “داعش” السياسية على مراكز حضرية كبيرة مثل الموصل والرقة. وبالنتيجة، فإن الوسيلة الأكثر مباشرة في تقويض دولة “داعش” تكون عبر تدمير مؤسسات الدولة التي تسعى لبنائها، ومع ذلك، فهذه المؤسسات تقع داخل المدن الكبيرة مثل الموصل والرقة، والتي تسيطر عليها “داعش” بالفعل. إن تدمير جهود “داعش” في بناء الدولة في هذه المجالات قد لا يكون هدفا استراتيجيا مقبولا إذا ما كان ينطوي على تدمير المدن نفسها، أو إيذاء السكان المتبقين داخلها. قد يكون من الممكن تقويض فرصة “داعش” في الاستفادة من حملة الرسائل الاستراتيجية التي تبثها للعالم الخارجي عبر بذلها للجهود الهادفة لبناء دولة، ولكن هذا الجهد هو بمثابة الدعم، وليس بديلا للجهد الرئيس المتمثل بمنع تشكيل دائم لخلافة “داعش”.
قد يكون من الممكن استغلال نقاط الضعف السياسية “لداعش”، مثل ظهور الانشقاقات في القيادة أثناء تكوين الدولة، والمعارضة الشعبية العامة ضد وحشية حكم “داعش”. الفرصة الأكبر في تقويض تشكيل دولة “داعش” هي عبر تشجيع تعبئة حركة مقاومة سنية. إذا لم تتمكن “داعش” من طرد أو السيطرة على السكان داخل الخلافة الإسلامية، سوف لن تتمكن من الزعم بأن حكمها سليم. حاليا يجري تخفيض هذا التهديد المادي “لداعش”، ومع ذلك، فإذا امتلكت قوة عسكرية متفوقة ضد كل قوة مقاومة محتملة في معاقل السنة في العراق وسوريا. مع هذا الحال، قد تكون القوة العسكرية ضرورية لتطوير استراتيجيات سياسية تقوض مركز ثقل “داعش” الثاني ممثلا بالسلطة السياسية. فقد يكون من الممكن التركيز على عدم الشرعية الدينية “لداعش”، ولكن هذا الأمر على الأرجح سيكون قليل الجدوى والفائدة، حيث إن “داعش” قادرة على فرض سلطتها الدينية بسبب القدرة العسكرية والسيطرة السياسية. هذه هي القدرات التي يجب معالجتها. خلافة “داعش” هي ما يجب التغلب عليه.
6- كسر التآزر بين مراكز الثقل العسكرية والسياسية لـ”داعش”
استهداف مركز ثقل واحد فقط لـ”داعش” ممكن، ولكن لا ينصح به، وبدلا من ذلك، فمن الممكن فصل مركزي ثقل “داعش” والاستفادة من مباعدة استراتيجية “داعش” العسكرية عن استراتيجيتها السياسية، فمن الممكن إصابة عناصر قوة “داعش” بتأني وعرقلتها وفصل التآزر فيما بينها، كما قد يكون من الممكن استخدام مكافحة الرسائل، وهذا ليس تقويضا لشرعية “داعش” الدينية فحسب، وإنما إصابة الدولة الإسلامية ومنهجيتها لتبدو هشة وغير قادرة على البقاء والنمو والحياة. الأهم من ذلك، فمن الممكن إصابة عقول “داعش” المدبرة، السياسية والعسكرية. في الحقيقة، فإن هذه فرصة هامة لتطوير استراتيجية مكافحة ضد “داعش” من شأنها أن تفعل أكثر من مجرد العرقلة أو استهداف مراكز ثقل “داعش” السياسية أو العسكرية الغير فعالة.
الاختلاف الرئيس المحتمل بين وجهات نظر قادة “داعش” السياسيين والعسكريين، هو ما يمكن استغلاله وتوقيت الأحداث السياسية الفارقة، فعلى سبيل المثال، أعلنت “داعش” تشكيل الخلافة الإسلامية مباشرة بعد الانتصارات العسكرية الرئيسة، ولكن أيضا في منتصف حملة عسكرية ما تزال جارية. فالتنظيم العسكري قد يواجه إشكالية تطوير النظام السياسي طالما أن الحرب ما تزال مستمرة. ومن جهة أخرى، قد يواجه التنظيم السياسي إشكالية الطبيعة المتغيرة للحرب، والتي من شأنها أن توقف المزيد من التقدم السياسي. فقد يكون من الممكن تطوير وسيلة يمكن من خلالها سحب استراتيجيات “داعش” العسكرية والسياسية في اتجاهات مختلفة عبر قذف التحديات لها، والتي تستغل الخلافات الأساسية الناشئة من التفاعل فيما بينهما.
الخاتمة
تعمل “داعش” في المجالين: العسكري والسياسي لتحقيق هدفها المتمثل بتشكيل الخلافة الإسلامية. إن صياغة استراتيجية مضادة تستهدف هزيمة “داعش” يجب أن تكون متطورة للغاية، فمن الضروري أن نقترب من موضوع صياغة الاستراتيجية مع تقدير سليم لأساس قوة “داعش”، ونهاية اللعبة معها، فضلا على فهم الاستراتيجيات المطبقة في العراق وسوريا حتى الآن. دون هذا الفهم، قد يكون من الممكن تفويت ما سيحدث فعلا إذا ما أساءت الولايات المتحدة استخدام وسائلها السياسية والعسكرية في مواجهة المشكلة الحالية.
في الوقت نفسه، تبرز الأهمية وبشكل خطير للأخذ بنظر الاعتبار أن قرار اتخاذ أي إجراء ضد خلافة “داعش” قد يؤدي إلى تشكيلها الدائم. وإذا سمح لـ”داعش” بالبقاء، سوف لن يكون العراق وسوريا كما عرفناهما في السابق وسوف لن يتعافيا أبدا. إن احتمال بروز ممثل ما بعد الدولة الذي يستطيع تدمير الدول الأخرى من خلال القوة العسكرية وتقويض نظام الدولة الحديثة، هو خطر على كل الدول الحديثة، بما في ذلك الولايات المتحدة. ومن المهم أيضا، الأخذ بنظر الاعتبار الملاذات الآمنة للجماعات الجهادية العالمية التي توفرها الخلافة المسيطر عليها من قبل “داعش”، والتي تسعى إلى إنهاء اللعبة، وهو ما يتطلب من الغرب تدميرها.
حرمان “داعش” من الفرص، عبر اعتماد استراتيجيات المكافحة السياسية، هو هدف سياسي مهم، ومع ذلك، فإن هزيمة جيش “داعش”، يتطلب أن تكون بعض القوات البرية قادرة على التفوق على مصادر قوة “داعش”؛ لاستهداف أوجه القصور فيه ومن ثم التغلب على “داعش” في المعركة. إن كل الاستراتيجيات تعتمد على بناء جهد موحد بين الشيعة والسنة والأكراد العراقيين في التغلب على الانقسامات العرقية والطائفية. ومن ثم، فإن سلسلة من الاستراتيجيات السياسية والعسكرية تتطلب تحقيق التوازن في الدعم بين الدولة العراقية، والمهمشين العراقيين، وتعبئة السنة والأكراد في العراق.
إن تهديد “داعش” ينمو خارج نطاق التصرف الأمريكي المحتمل. الجماعات الجهادية الأخرى قد تحاكي منهجية “داعش” خارج الشرق الأوسط إذا ثبت نجاحه.