ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
كانون الأول/ديسمبر 2015
أعلن صباح يوم الثلاثاء 15/كانون الأول/ ديسمبر 2015 ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، والمكون من ٣٤ دولة إسلامية وعربية، إذ اتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً له، وقد ضم التحالف كل من: الأردن، الإمارات، باكستان، البحرين، بنغلاديش، بنين، تركيا، تشاد، توغو، تونس، جيبوتي، السنغال، السودان، سيراليون، الصومال، الغابون، غينيا، فلسطين، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، قطر، كوت دي فوار، الكويت، لبنان، ليبيا، المالديف، مالي، ماليزيا، مصر، المغرب، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، اليمن، فضلاً عن السعودية. ولم يشارك كل من العراق وسورية وإيران وسلطنة عمان والجزائر، وهذا ربما يضع علامات استفهام كثيره على التحالف؛ لعدم مشاركة هذه الدول. وعلى مايبدو أن هذا التحالف جاء تمثيلاً لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية في تشكيل قوات عربية سنية لمحاربة تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”)، على الرغم من أن هذا التحالف تحالف عربي إسلامي، وربما قد تتحفظ الولايات المتحدة عليه بعض الشيء، إلا أنها دعمته كخطوة أولى؛ لأنه – في النهاية – لا يمكنه الخروج عن المظلة الأمريكية؛ لأن الهدف الأمريكي من هذا التحالف قد يكون استراتيجياً، والمتمثل بإنزال بعض من تلك القوات في سوريا؛ نزولاً للرغبة الأمريكية وحلفائها الغرب بعدم خوضهم حربا ضد تنظيم “داعش” في سوريا براً؛ خوفاً من استغلال التنظيم لهذه الحرب وتصويرها بأنها معركة “دابق” التاريخية، والتي يصورها التنظيم على أنها معركة بين الخير والشر “بين المسلمين والمسيح”، حتى لا يستثمرها تنظيم “داعش” في تجنيد وجذب المتطرفين، وجذب المسلمين بشكل عام؛ لأن هذه المعركة تعني الكثير عند المسلمين، ولاسيما إذا ما صورها التنظيم المتطرف على أنها نهاية التاريخ.
ويعد هذا التحالف تحالفا لغرفة عمليات مشتركة، إذ يعتقد أن عدد قواته لا تتجاوز ٢٠ ألف مقاتل وبموازنة تتراوح بين ٥-٦ مليار دولار سنويا في حال بدأ العمليات العسكرية، وقد يكونالهدف المعلن من هذا التحالف مقاتلة تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) و”جبهة النصرة”، أما الهدف الخفي وغير المعلن فهو إفشال التحالف الروسي الإيراني في المنطقة، وفي الوقت نفسه هو تحالف لمنافسة تطلعات إيران الإقليمية، ودورها المتنامي، ولاسيما في ظل تجنيدها لكثير من الفصائل الشيعية.
أيضاً هناك مآخذ كثيرة على هذا التحالف الإسلامي، منها كيف يمكن للسعودية أن تعلن عن تشكيل هكذا تحالف لمحاربة تنظيم “داعش” وهي المتهم الأول، والدولة المتربعة على عرش الدول المصدرة للإرهاب والحاضنة الفكرية للتطرف. والأجدر بها أن تكافح التطرف والإرهاب الداخلي قبل أن تعلن عن التحالف العسكري الإسلامي. ويرى البعض أن هذا التحالف هو ردة فعل سعودية اتجاه فشلها في عاصفة الحزم؛ لأنه يمثل الحل الوحيد للخروج من مأزق فشل عاصفة الحزم، وهي محاولة لتغطية ذلك الفشل بتحالف عربي إسلامي غير مدروس، فاقد للاستراتيجية والرؤية المشتركة. وقد وصف الكاتب المصري “محمد حسين هيكل” هذا التحالف بأنه تكتل طائفي، بلا تنسيق، وبلا رؤية، وبلا آليات، وبأهداف مشتته؛ ولهذا فإن التحالف يفتقد للتنسيق المسبق والاستراتيجية الواضحة، وقد جاءت عملية تشكيله على عجالة. ولربما يكون هناك بعض الإشكالات في هذا التحالف، من ناحية مسألة التمويل والقيادة، ولاسيما أن دول مثل تركيا وقطر والكويت والإمارات متحفظة عن مسألة الانخراط في معارك برية ضد تنظيم “داعش”، فضلاً عن الدول العربية والإسلامية الأخرى، هل هي مستعدة أن تزج قواتها بمعارك برية؟ أم سيقتصر دورها على الدعم المالي والمنافسة على القيادة. ولربما أيضاً تكون مسألة إشكالية القيادة العسكرية لهذا التحالف حاضرة بين أعضاء التحالف؛ لأن دولا مثل تركيا وقطر والإمارات ومصر، هل تقبل بدور قيادي ثانوي خلف الدور السعودي؟، ولاسيما أن تركيا تبحث عن زعامة للدول العربية والإسلامية، وعن دور إقليمي أكبر في ظل المزاحمة الإيرانية. كذلك هناك إشكالية أخرى على هذا التحالف فيما يتعلق بولي العهد السعودي والمعروف عنه بالطائفية، وكيف يمكن أن يقود هذا التحالف، وهل هو محل ثقة؟، فهو كثيرا ما وصفته الصحف الأمريكية والمحللون السياسيون والاستراتيجيون بأنه شخص طائفي ومتهور ومتسرع، وهذا بالتأكيد سيضع السعودية في موضع الاتهام. ثم ماهي الإضافة العسكرية والمالية التي يمكن لدول مثل “جزر القمر، ليبيا، المالديف، الصومال، فلسطين، اليمن، تشاد، بنين، وغيرها من الدول الفقيرة عسكريا ومالياً، أن تضيفه لهذا التحالف؟. وعليه، يمكن أن يكون هذا التحالف تحالف شكلي لا أكثر.
ولهذا، ربما يعد هذا التحالف في مضمونه مناورة سعودية رداً على التحالف الإيراني الروسي، وتنفيذاً لرغبة الولايات المتحدة، ورغبة السعودية في الاضطلاع بدور قيادي، يمكّنها من قيادة الدول العربية والإسلامية السنية ويجعل منها قوة إقليمية تستطيع مقارعة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا بالتأكيد سيفقد هذا التحالف فاعليته ويضعف من دوره في مكافحة الإرهاب والتطرف؛ لأن أغلب تلك الدول هي غير جادة في خوض هذا المعترك الخطير، والذي سيعود بتداعيات خطيرة على أمنها القومي، والدليل على ذلك أن أغلب تلك الدول ولاسيما الدول الإقليمية في المنطقة كانت متحفظة على مقترح الولايات المتحدة الأمريكية بإنزال قوات عربية لمواجهة تنظيم “داعش”، مما سيُنذر بفشل هذا التحالف في مواجهة “داعش”؛ لأن أسس التحالف قائمة على أساس تكتلات طائفية وأهداف معينة. وربما فشل التحالف حتى على مستوى الاندماج بين دول التحالف نفسها، وقد يترتب على ذلك انسحاب بعض الدول في قادم الأيام، وبذلك سيكتب فشلا جديدا للسعودية بعد فشلها في عاصفة الحزم.
أما على صعيد تداعيات التحالف، فبالتأكيد سيكون لهذا التحالف تداعيات على المنطقة؛ لأنه سيزيد من حالة الانقسام السياسي والطائفي في المنطقة، إذا ما تشكلت قوات عربية وإسلامية لمحاربة تنظيم “داعش” والتدخل عسكريا في سوريا، مما يعني الصدام بين تلك القوات المتشكلة وبين الفصائل الشيعية هناك، وقد يوظف ذلك بأنه صراع سني شيعي في المنطقة. أيضاً من تداعيات هذا التحالف على الصعيد المحلي “العراقي”، فإنه يزيد من حالة الصراع وعدم التوافق بين القوى السياسية العراقية، ولاسيما بعد تأييد القوى السياسية السنية ومطالبتها بضم العراق لهذا التحالف، ورفض بعض قوى التحالف الشيعي له. وقد يكون خيار الحكومة العراقية وصانع القرار بعدم الانضمام لهذا التحالف فرصة جيدة وقرارا صائبا، كما هو الحال بعدم انضمامه للتحالف الروسي الإيراني، والبقاء تحت الدعم الأمريكي وقيادة التحالف الدولي، لكي ينأى بنفسه عن تداعيات هذين التحالفين، وما يترتب عليهما من نتائج سلبية ستنعكس بالتأكيد على الوضع الداخلي والمواجهة العسكرية ضد تنظيم “داعش”.