ريتشارد هاس: رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية، شغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية حتى حزيران 2003، حيث كان المستشار الأول لوزير الخارجية كولن باول في مجال واسع من اهتمامات السياسة الخارجية.
مجلس العلاقات الخارجية (Council on Foreign Relations)
١٦/١١/٢٠١٥
ترجمة : هبة عباس
مراجعة وعرض: م.م مؤيد جبار حسن
مواجهة التنظيم الإرهابي الأبرز عالميا “داعش” يتطلب استراتيجية شاملة للمحاور السياسية والاقتصادية والعسكرية. وما هجمات باريس إلا ناقوس خطر قرع في قلب العالم الغربي، يُوجب اتخاذ إجراءات استثنائية تشترك فيها جميع دول العالم دون استثناء.
يرى الكاتب أن الهجمات التي شنها أفراد مرتبطون بتنظيم “داعش” والتي أعقبت تفجيرات بيروت وإسقاط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء، تدل على أن التهديد الإرهابي دخل مرحلة جديدة أشد خطورة، والسبب وراء تصاعد عمليات هذا التنظيم الآن ربما لتعويض خسائره الأخيرة في العراق، ولكن الأمر المؤكد هو أن الاستجابة باتت أمرا مستحقا الآن.
ولغرض مواجهة التحدي الذي يفرضه تنظيم “داعش” يدعو ريتشارد هاس إلى استجابات عدة، فأي سياسة منفردة لن تكون كافية، لذلك هناك حاجة إلى جهود في مجالات عدة منها:
الجهد العسكري، إذ يعد تكثيف الهجمات الجوية ضد الأهداف العسكرية لتنظيم “داعش” ومنشآت النفط والغاز وقادة التنظيم أمرا بالغ الأهمية، لكن هذا لن يكون كافيا لإنجاز المهمة الرامية إلى القضاء على التنظيم، إذ إن هناك حاجة إلى تواجد قوات برية لاسترجاع الأراضي والسيطرة عليها.
ولسوء الحظ ليس هناك وقت كافٍ لبناء قوة من الشركاء على الأرض، وكان الفشل مصير المحاولات السابقة، كما أن الدول العربية غير قادرة أو غير راغبة في تشكيل قوة كهذه، ولم ينفذ الجيش العراقي المهمة المكلف بها بشكل جيد، كما زادت الفصائل المدعومة من إيران الأمر سوءا.
لذا يعتقد الكاتب أن الخيار الأفضل هو العمل بشكل وثيق مع القوات الكردية ومجموعة معينة من العشائر السنية في العراق وسوريا، وهذا يعني الحصول على قدر أكبر من المعلومات الاستخبارية والأسلحة والرغبة في إرسال أكثر من ٣٥٠٠ جندي أمريكي وربما ١0000 لغرض التدريب وتقديم المشورة والمساعدة في توجيه الرد العسكري.
كما يجب أن يكون هذا الجهد جماعيا وربما غير رسمي “تحالف الراغبين”، ويشمل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ودولاً عربية وحتى فرنسا في ظل الظروف المناسبة، ويجري تحت رعاية منظمة حلف الشمال الأطلسي أو الأمم المتحدة.
كما أن للنتائج أهمية تفوق الشكل، إذ من المهم التعامل بحذر مع إعلانات الحرب الرمزية، وإلا سيظهر التنظيم وكأنه يحصل على مكاسب عدة في كل يوم لا يخسر فيه.
والرد الدبلوماسي لا يقل أهمية عن أي رد آخر، إذ يمثل الرئيس السوري “بشار الأسد” أداة تجنيد يمكن أن يستغلها التنظيم المتطرف ولابد من رحيله، لكن يجب أن يكون باستطاعة الحكومة القادمة الحفاظ على النظام، وإلا سيستغل تنظيم “داعش” فراغ السلطة كما حدث في ليبيا.
فضلا على ذلك، لا يمكن للتغيير السياسي أن يتحقق إلا من خلال دعم روسيا وإيران، ويعد تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها ممثل الأقلية العلوية من بين الخيارات الجديرة بالاكتشاف على المدى القريب، وهو التنازل الذي ربما يكون ثمناً لإبعاد الأسد عن السلطة. فمن حيث المبدأ وبمرور الوقت سوف يصبح تشكيل حكومة وطنية أكثر تمثيلا، على الرغم من أن الحديث عن إجراء انتخابات في غضون ١٨ شهراً يعد أمرا خياليا تحت أي سيناريو.
لكن من المستحيل التوصل إلى تسوية بهذا الشأن، ولهذا يتطلب الأمر زيادة الجهود العسكرية لتشكيل جيوب أكبر وأكثر أمانا وقدرة على حماية المدنيين ونقل المعركة إلى مناطق التنظيم المتطرف.
وتشمل عناصر أخرى لا غنى عنها في أي استراتيجية فعالة زيادة مساعدة تركيا أو الضغط عليها من أجل بذلها المزيد من الجهود لإيقاف تدفق المجندين إلى تنظيم “داعش”. كما تحتاج تركيا والأردن ولبنان إلى المزيد من المساعدات المالية لكي تتمكن من تحمل الجزء الأكبر من عبء اللاجئين. ويمكن أن يقوم القادة العرب والمسلمون بدورهم من خلال تفنيد رؤية التنظيم وتجريد سلوكه من الشرعية.
وهناك أيضا – بحسب ريتشارد هاس – البعد المحلي للسياسة، فلابد من تكييف الأمن الوطني وإنفاذ القانون – تكثيف تدابير الحماية على الحدود وفي الداخل – مع التهديد المتزايد الخطورة. ويعد التعامل مع الإرهابيين المنفردين – أفراد أو مجموعات صغيرة تنفذ هجمات مسلحة ضد أهداف ضعيفة في المجتمعات المفتوحة – صعبا للغاية، ويستلزم التحلي بقدر كبير من المرونة الاجتماعية وإعادة التوازن بين الخصوصية الفردية والأمن الاجتماعي للتعامل مع التهديد المفروض وحقيقة الهجمات.
كما يتطلب توفر جرعة من الواقعية، إذ لا يعد الصراع مع تنظيم “داعش” حربا تقليدية، ولا يمكن القضاء عليه أو تدميره في أي وقت قريب، سواء بوصفه شبكة وفكرا أم منظمة ودولة تسيطر في الواقع على الأرض والموارد.
في الحقيقة، كان الإرهاب وسيبقى آفة من آفات هذا العصر، لكن هناك إمكانية لتقليص تهديد “داعش” للشرق الأوسط والعالم من خلال تضافر الجهود، والدرس الرئيس المستفاد من هجمات باريس هو أننا يجب أن نكون على استعداد للعمل في الوقت المناسب والمكان المناسب على حد سواء.
http://www.cfr.org/terrorist-organizations-and-networks/after-paris/p37255