ظهور الحركات المتطرفة، وتجنيدها الأتباع، من أبناء الوطن أو من الجهاديين الوافدين؛ لا يرتبط بدعايتها وجاذبيتها الآيديولوجية، بل يرتبط بوجود أرض خصبة تسود فيها أنظمة حكم سيئة، وتعاني من غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والثروة، وتخلف أنظمة التعليم والصحة والخدمات، وصراع أعمى على الحقيقة التاريخية .. ومع بقاء هذه الأوضاع على ما هي عليه، لن يكون الحديث عن نهاية وشيكة للإرهاب إلا لغوا فارغا لا يمكن الاعتماد عليه. في هذا العدد تعرض أربعة مقالات مهمة ترتبط بقضية الإرهاب التي تسود العالم: المقال الأول (المشكلة الكبرى لتنظيم “الدولة الإسلامية”)، للكاتب (دانيال بايمان)، نشرته (مجلة فورين أفيرز الأمريكية)، ويركز كاتبه على هجمات باريس الإرهابية الأخيرة، التي يجد فيها تحولا في استراتيجية تنظيم “داعش” الإرهابي من المحلية إلى العالمية، وفي الوقت الذي يعتقد أن هذه الاستراتيجية ستزيد من جاذبية التنظيم وقدرته على تسويق نفسه لكسب الأتباع، إلا أنها قد تجعله محط كراهية وخوف لدى الجميع، مما يزيد تعبئة العالم ضده للعمل بسرعة على إنهاء وجوده، فضلا على احتمال فقدانه لسيطرته على أتباعه وانغماسهم في أعمال أشد وحشية، مما يفقد التنظيم زخمه وجاذبيته على الفئات التي يحرص على تجنيدها في صفوفه.
المقال الثاني (هل كنا مخطئين بشأن تنظيم “الدولة الاسلامية”؟)، للكاتبة (جنيفر وليامز)، نشره (معهد بروكينغز) الأمريكي، والمقال يمثل نقدا ذاتيا من الكاتبة لتحليلاتها وزملائها في واشنطن والغرب من الخبراء بعد هجمات باريس الإرهابية، فقد كانوا يتوقعون أن تنظيم “داعش” الإرهابي يشكلا خطرا إقليميا يقتصر على العراق وسوريا، وهذا ما ثبت خطؤه بعد هجمات باريس، وبغض النظر عما إذا كان التنظيم قد غير استراتيجيته العسكرية أم لا، فإنه أصبح خطرا وشيكا على أوروبا والولايات المتحدة والعالم.
المقال الثالث (بروز تنظيم “الدولة الإسلامية”: البقاء والتوسع)، للكتّاب (جوبي واريك وويل ماكانتس وهارون ي. زيلين)، نشره (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، والمقال يستعرض تطور تنظيم “داعش” وتوسّعه، والفكرة المهمة التي يجب الانتباه لها في تحليل جوبي واريك هي أن كسب المكون السني يشكل المحور في أي استراتيجية لهزيمة التنظيم، ويتفق معه في هذه الفكرة زميله ويل ماكانتس، ويضيف: إن كسب أعداء أجانب أقوياء وحازمين هو الذي عجّل بنهاية أغلب الدول الإرهابية المتطرفة، وهذا المصير سينتظر أيضا تنظيم “داعش”، في حين يحذر السيد هارون زيلين من تخطيط التنظيم لعملية كبيرة في الغرب على غرار 11 سبتمبر، بهدف كسب الأتباع وإدامة زخم التأثير على الخصوم.
المقال الرابع (باريس و”داعش” والحرب الطويلة ضد التطرف)، للكاتب (أنتوني كوردسمان)، نشره (معهد دراسات الحرب الأمريكي)، ويتطرق كاتبه إلى هجمات باريس الإرهابية ويعالجها بطريقة تحليلية عميقة، فهو يرى أن هذه المأساة لن تكون الأخيرة، وستتبعها مآسٍ ربما أشد فتكا في المستقبل، فمحاربة “داعش” والتنظيمات الإرهابية الحالية قد يخفف خطرها، ولكن مع كل انتصار عليها ستولد الفرصة لظهور تنظيمات إرهابية جديدة؛ لأن هذه الحركات هي أعراض خارجية، أما الأسباب الحقيقية لتوليد العنف والتطرف فتكمن في وجود الدول القامعة والفاشلة والفاسدة، وفي المشاكل الاجتماعية المرتبطة بزيادة السكان والبطالة وعدم توفير الحاجات الأساسية، وغياب القوانين الرادعة والمطبقة بنزاهة .. ومع بقاء هذه الأسباب سيستمر العنف والتطرف ولمدة طويلة.