بيل ألسن
فورين بوليسي
26/10/2015
ترجمة : هبة عباس
مراجعة وعرض: م.م ميثاق مناحي العيساوي
في ١٦ سبتمبر، قدمت شركة “رايبيرن هاوس أوفيس بليدنغ” في “الكابيتال هيل” والتي تعد السفير الفعلي لحكومة إقليم كردستان الدليل السياحي الجديد لكردستان لعدد من نواب الكونغرس ورجال أعمال أمريكيين من أصل كردي وعدد من الصحفيين بهدف تشجيع السفر إلى المنطقة والاستثمار فيها.
وكان من بين المتحدثين “مارشا بلاكبيرن” السياسية الأمريكية والعضو في الحزب الجمهوري، و“جيرد بوليس“ عضو الكونغرس الأمريكي من ولاية كولورادو، والجنرال “جيمس جونز” مستشار الأمن القومي السابق، و“دوغلاس لايتون” الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الأمريكي الكردستاني.
وقدمت بيان يوسف عبد الرحمن ممثلة حكومة إقليم كردستان في الولايات المتحدة للحضور عرضا بشأن الأوضاع الصعبة التي عصفت بالعراق، والمتمثلة بالتهديد الذي يشكله تنظيم “داعش“ وشجاعة البيشمركة في التصدي لهم وكثرة النازحين الذين قارب عددهم المليونين.
بعيدا عن السياحة، كان هدف عملية اللوبي التي جمعت العدد نفسه من النواب في الكونغرس ورجال الأعمال هو دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتغيير قراره وإرسال الأسلحة بشكل مباشر إلى قوات البيشمركة وليس إلى الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد.
وتشير الملفات التي تم تقديمها من خلال قانون تسجيل الوكلاء الأجانب إلى أن الأكراد والحكومات الأجنبية على استعداد لفتح خزائنها المالية، واستخدام مراكز البحث واللوبيات التي تتخذ من “كي ستريت” (شارع رئيس في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة) مركزا لعدد من المفكرين وجماعات الضغط“ اللوبيات“ مقرات بواشنطن لدعم قضايا عينة والتأثير على أهداف السياسة الخارجية. وقد أنفقت المملكة العربية السعودية حوالي ٤,٣٦مليون دولار على جماعات الضغط حتى نهاية شهر آب من هذا العام، أي ما يزيد على ٢,١ مليون في المدة نفسها من العام الماضي. كما حاولت تعزيز وتوثيق علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وبلغ إنفاق قطر حوالي ١,٣٥ مليون دولار، أي أكثر بحوالي من ٤٢٧ دولار في المدة نفسها من العام الماضي بالتركيز على التواصل مع المنظمات غير الحكومية ومؤسسات الفكر والرأي.
وفي واشنطن، حيث يلعب “كي ستريت” دورا هاما في كل شيء من التنمية الاقتصادية إلى تأمين صفقات الأسلحة، تشن كردستان حملة من أجل ممارسة الضغط لتزويد الأكراد بالسلاح.
ويقول “لي دراتمان” من مؤسسة “نيو أمريكا“, أنه في ظل عدم الاستقرار وغياب اليقين في الشرق الأوسط، تعلم الحكومات الأجنبية أن أي شيء يعرفه سفراؤها يتم تصفيته، وما يسمعه الذين يعرفون واشنطن من شبكاتهم يختلف عما يسمعه السفراء.
أنفقت حكومة إقليم كردستان حوالي ٢٩١ ألف دولار على ثلاث شركات حسب الملفات التي تم الكشف عنها عام ٢٠١٥، ووقعت عقداً مع شركة رابعة بحوالي ٢٠٠ ألف دولار حتى نهاية العام الحالي.
ويأتي المال على رأس قائمة حسن النية التي بنتها المجموعة من خلال إقامة علاقات وثيقة مع العديد من المشرعين بما فيهم أولئك الذين يحضرون المناسبات التي تقام في سفارة كردستان الواقعة في شارع من شوارع واشنطن.
ويتخذ الأكراد من هذه المصادر وسيلة لإقناع البيت الأبيض في التخلي عن قرار إرسال الأسلحة إلى بغداد فقط, إذ تتولى بدورها توزيعه على الأكراد وبقية الميليشيات. واختلف الأكراد مع الحكومات العراقية المتعاقبة بشأن تقسيم الثروة النفطية والحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم.
منذ احتلال “داعش” لبعض المناطق في العراق عام ٢٠١٤، كان على رأس جدول أعمال اللوبي الكردي الحصول على الأسلحة بشكل سريع من الولايات المتحدة، كما نفذت الولايات المتحدة عددا من الغارات الجوية في العام الماضي لإنقاذ القوات الكردية المحاصرة في محاولة لمنع المسلحين من التحرك إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان.
وعلى الرغم من تقديم الأكراد طلبا للحصول على الأسلحة، ومن ضمنها عربات وذخيرة وبنادق، إلا أنهم يرغبون في التعاون بشكل مباشر مع البنتاغون والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن واشنطن رفضت ذلك وأصرت على مرور الأسلحة الأمريكية المخصصة للعراق عبر الحكومة المركزية في بغداد، وأكد مسؤول بارز في البنتاغون أنه “ما تزال سياسة الولايات المتحدة لنقل الأسلحة قائمة ويجب أن تتم بالتنسيق مع الحكومة المركزية“.
والسياسة نفسها تنطبق على القوات الكردية التي تمكنت من استعادة عدة مناطق من سيطرة تنظيم “داعش“، كما منعت التنظيم من التوغل والسيطرة على المزيد من الأراضي التابعة للقوات الكردية.
ولجعل صانعي السياسة على دراية تامة بالتقدم في أرض المعركة، كان لحكومة إقليم كردستان شبكة متطورة من جماعات الضغط مؤلفة من أعضاء سابقين في الكونغرس وأعضاء ومسؤولين حكوميين ومخططين استراتيجيين، ويقع مكتب التنسيق التابع لحكومة إقليم كردستان والذي يعد بمثابة سفارة لكردستان في مبنى تاريخي قرب “داوبونت سيركل” والذي تم شراؤه بحوالي ٣,١ مليون دولار في عام ٢٠٠٧ تقام فيه مناسبات يتم فيها استقبال المشرعين والنواب ومسؤولين في الحكومة وعدد من الصحفيين.
يعد مكتب التنسيق منظمة غير ربحية، وكانت حصته من ميزانية ٢٠١٣ حوالي ١,٦ مليون دولار، وهو مسجل كوكالة أجنبية تابعة لحكومة إقليم كردستان وضيفته الضغط على أعضاء الحكومة والبرلمان. فضلا على ذلك تعاقدت حكومة الإقليم مع أربع شركات هي “بي جي أر غفرمنت أفيرز” و“غيرنيرغ تارويغ” و“مؤسسة العلاقات كيوأورفيس” و“دينتوز“.
وقال “كاروان زيباري” مدير الشؤون السياسية والدبلوماسية في مكتب التنسيق: “إن الحكومة الأمريكية ضخمة، ولدى الكثير من الدول بعثات تعتمد على القطاع الخاص في واشنطن للمساعدة على تخطي تعقيدات الحكومة“.
يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن البيروقراطية الواسعة والمعقدة تتطلب أشخاصا أكفاء، فعندما ترك أحد اللوبيات والذي يدعى “ديفيد تافوري“ مكان عمله، تعاقد الأكراد مع مشغليه الجدد، وقد عمل تافوري كمنسق لشؤون العراق في وزارة الخارجية الأمريكية حتى شهر تشرين الأول عام ٢٠٠٧، ومحامٍ دولي، وشغل منصب مستشار أوباما في شؤون السياسات الخارجية عام ٢٠٠٨.
وركز في عمله مع الأكراد على تطوير الشؤون الاقتصادية، وساعد في إعلان غرفة تجارة أمريكية لدعم الاستثمار في العراق ومجلس التجارة الأمريكي الكردستاني الذي يقوم أعضاؤه بعمليات تجارية في كردستان، كما تبنى قضية تسليح الأكراد، بما في ذلك المقال الذي نشره عام ٢٠١٤ في جريدة “وول ستريت جورنال”، كما قدمته الصحيفة كمستشار قانوني تابع للإقليم.
ونقلت مجلة الـ”فورين بوليسي” قوله بعد عودته من رحلة لإقليم كردستان: “إن تنظيم “داعش” لن يذهب من العراق في وقت قريب, لكن حكومة إقليم كردستان فعلت ما بوسعها من أجل تأمين وحماية حدودها البالغة ألف كيلومتر مع داعش“.
وخلال زيارته للخطوط الأمامية للقتال، شكك في كفاية المساعدات الأمريكية المقدمة لقوات البيشمركة في عدة تغريدات، كما نشر صورا للجنود توضح افتقارهم للعربات والمعدات العسكرية، وأضاف أن بإمكانهم الحصول على مساعدات إضافية من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ودعا “بيت هوكسترا“ الرئيس السابق للجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، واللوبي التابع لكردستان منذ تشرين الثاني وحتى شهر نيسان عام ٢٠١٤ إلى تسليح الأكراد.
ودفعت جماعات الضغط “دينتور” إلى توقيع عقد مع حكومة إقليم كردستان قيمته ٢٠ إلف دولار في الشهر، وتم الكشف عن حوالي ٦٥ ألف دولار مقدار الصفقة التي تم الكشف عنها مؤخرا والتي تم إبرامها مع وزارة العدل لمدة ستة أشهر.
وأجرى “هوكسترا” – نيابة عن الأكراد – عشرات الاتصالات مع مكاتب زملائه السابقين الذين طلب منهم دعم الأكراد وقال: “كانت الرسالة واضحة,إذ تكبد الأكراد خسائر كثيرة فيما كان تنظيم “داعش” يستخدم أسلحة ومعدات أمريكية تمت سرقتها من الحكومة العراقية“.
بينما أكدت الولايات المتحدة على تقديمها الدعم الكافي للأكراد، وأشار مسؤول في البنتاغون إلى تزويد الأكراد بحوالي ٤٠ عربة مضادة للألغام و ٥٦ مليون طلقة للرشاشات، فيما قيم قادة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ما يلزم تقديمه من أسلحة وأجهزة لمختلف القوى، سواء كان الجيش العراقي أم البيشمركة أم أفراد العشائر السنية، ومن ثم تقديم هذا الدعم عن طريق الحكومة العراقية.
وفي بعض الأحيان يتم تزويد الأكراد بالأسلحة بعد موافقة الحكومة المركزية، على سبيل المثال تم تزويد أربيل مباشرة حوالي ٢٥ عجلة مضادة للألغام في شهر كانون الثاني من هذا العام بناء على طلب من الحكومة المركزية.
بينما أكدت حكومة إقليم كردستان حاجتها إلى المزيد من الأسلحة، وصرح زيباري لصحيفة الـ”فورين بوليسي”: “ماتزال داعش متفوقة في المعدات العسكرية التي استولت عليها من قوات الأمن العراقية والنظام السوري، وتعد أكثر تطورا وأكثر فاعلية من الأسلحة التي تمتلكها قوات البيشمركة”.
وقال “هوكسترا“: “إنه أمر محبط للغاية، لدينا إدارة تدعم بغداد بدلاً من تدريب وتسليح الأكراد والسنة، على الرغم من تقديم قوات البيشمركة ما بوسعها وأبلت بلاءً حسنا”. إلا أن اللوبي الكردي “تافوري” ركز اهتمامه على جذب الشركات إذ قال: “ماتزال منطقة إقليم كردستان مكانا مهما يهيئ فرصا لأمريكا الشمالية والشركات الأوروبية؛ لأن منطقة كردستان بحاجة ماسة إلى تشجيع الاستثمار فيها“.
وأضاف زيباري: “إن الجزء الكبير من اهتمامنا يتركزعلى تدمير “داعش” من خلال طرده من المناطق التابعة لنا التي استحوذ عليها عام ٢٠١٤، ومع ذلك ماتزال كردستان تنعم بالأمان والاستقرار وأبوبها مفتوحة أمام الأعمال التجارية“.
وعرج قائلاً: “في غضون الأسبوعين الماضيين أطلقنا الدليل السياحي لكردستان؛ وذلك لجذب الشركات والسياح”.
