بقلم: مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
كانون الأول 2015
في تسجيل صوتي مدته (24) دقيقة لزعيم تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) الإرهابي، بعد غياب قدر بسبعة أشهر عن الظهور في وسائل الإعلام، ركز أبو بكر البغدادي على جملة أمور يمكن إيجازها بما يأتي:
- “وأبشروا واطمئنوا فإن دولتكم لا زالت بخير”، طمأنة أفراد تنظيمه والمناصرين له.
- ·“فإنما علينا القتال والصبر، وعلى الله النصر”، حضّ أتباعه على القتال والصبر ووعدهم بالنصر.
- ·“وإن أصابنا القتل وكثرت الجراح وعصفت بنا النوائب وعظمت المصائب فلا عجب أيضا، وهو وعد الله لنا، بل إن الابتلاء قدر محتوم”، وفي ذلك اعتراف ضمني بأن التنظيم يواجه أياما صعبة وانكسارات متوالية.
- ·“وإن كل مسلم معني بهذه الحرب، معني بامتثال أمر الله له، بتأدية فريضة الجهاد في سبيل الله”، وهنا دعوة للالتحاق بجماعته، ممّا يدلّل على نقص العنصر البشري للتنظيم.
- ·“يعلمون ما ينتظرهم في دابق والغوطة من الهزيمة والهلاك والدمار، يعلمون أنها الحرب الأخيرة”،الاستخدام المكثّف للموروث الإسلامي، وتلويح بحرب عالمية هائلة ليس بعدها من حرب.
- ·“حتى أعلنوا مؤخرا عن التحالف السلولي المسمى زورا بالإسلامي، وقد أعلن أن هدفه محاربة الخلافة”،الطعن بالتحالف الإسلامي الذي أنشأته السعودية لمحاربة الإرهاب والمتكون من (34) دولة.
- ·“لن تهنؤوا في فلسطين أبدا يا يهود، ولن تكون داركم وأرضكم”، درج الكثير من القادة العرب والمسلمين على استخدام واستغلال مأساة فلسطين كأداة للكسب السياسي من خلال استدرار عطف الشعوب العربية والإسلامية، وآخر وأشهر من استخدم شماعة القدس، هو الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
- ·“أيها المسلمون، عليكم أن تدركوا أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها قبل عشر سنين”، وفي ذلك إشارة إلى التنظيمات التي كانت بقيادة رؤوس الإرهاب الأوائل أمثال أبي مصعب الزرقاوي وغيره.
- ·” أيها المسلمون، إن خوض هذه الحرب واجب على كل مسلم، ولا يعذر فيها أحد، وإنا نستنفركم جميعا في كل مكان”،التأكيد مرة أخرى على حاجة التنظيم إلى دماء جديدة بعد الاستنزاف الكبير الذي لحق به وهو يقاتل في جبهاتعدة.
- ·“ونخص أبناء بلاد الحرمين، فانفروا خفافا وثقالا، شيبا وشبابا، قوموا يا أحفاد المهاجرين والأنصار، قوموا على آل سلول الطغاة المرتدين”، إذ تعد بلاد الحرمين قبلة الجهاديين في كل مكان، ولن يكتسب أي خليفة شرعيته الإسلامية دون أن تكون تلك البلاد المقدسة تحت يده، وهذا لم ولن يغب عن بال الخليفة المفترض “البغدادي”.
- ·“ويا جنود الدولة الإسلامية اصبروا إنكم على الحق، اصبروا إن الله معكم“، فالعديد من التقارير تتحدث عن فرار الكثير من الملتحقين بالتنظيم الإرهابي؛ خوفا على أنفسهم من بطشه أو من الموت في المعارك التي يخوضها.
- ·“وإن وصيتي لكم إخراج أسرى المسلمين في كل مكان، وخصوصا طلبة العلم في غياهب سجون الطواغيت”، قد يشير البغدادي هنا إلى السعودية ومصر والأردن، تلك الدول التي يواجه فيها طلبة العلم من السلفيين المتشددين أحكام الحبس، لكن يبدو أن تحقيق وصيته صعب، فتلك الدول ليست كالعراق، حيث من سجن واحد (أبو غريب) هرب أكثر من 500 إرهابي.
- ·“إن كل من يشارك في الحرب على الدولة الإسلامية، ليدفعن الثمن غاليا بإذن الله، وليندمن، فتربصي أمريكا، تربصي أوروبا، تربصي روسيا، تربصوا أيها الروافض، تربصوا أيها المرتدون، تربصوا يا يهود”، يبدو تهديد خليفة “داعش” واسعَ النطاق، ويكاد يشمل الكرة الأرضية كلها، فهل هو قادر على تنفيذه أم أنه مجرد زوبعة في فنجان؟
يتضح لنا أن الخطاب يحمل كمّاً من المرارة والألم والغضب والتوعّد، بعيدا عن الزهو والغرور الذي طبع خطابات سابقة للبغدادي، فهل هو ألم فقدان الأنبار، أم وجع بداية الانهيار لتنظيمه الإرهابي؟، الذي بدأت علائمه واضحة في دخول جيش أر دوغان إلى شمال العراق، قريبا من عاصمة الخلافة العراقية (الموصل) في حركة استباقية لما قد يحدث! وهل أتت حملات القصف الروسي المكثف (أكثر من 5 آلاف ضربة جوية) أًكلها اليوم، وهي تقطع وريد النفط الداعشي المهرب إلى تركيا، وتحرمه من عائداته الدسمة؟ والأهم من ذلك كله هو مستقبل التنظيم في ضوء الانكسار الأخير، فما هي فرص البقاء، ولا نقل فرص التمدد؟ الإجابة على هذا التساؤل تتركز حول طبيعة الاتفاقات الدولية الخفية، فإن حصل نوع من التوافق بين الإرادات المتصارعة على نقطة جوهرية تتوحد فيها المصالح والرغبات، سوف نرى -دون شك -تغيرا جذريا في خريطة المشهد الحالي، كأن تتوالى هزائم التنظيم ويندثر كليا، كما تنبّأ بذلك “جوليان أسانج” مؤسس موقع ويكيليكس الشهير، خلال “ستة أشهر”، وسيتحول إلى عصابة صغيرة تعمل في الخفاء.[1] لكن من المؤكد أن العالم ومنطقة الشرق الأوسط لن تكون كما كانت قبل سطوع نجم خلافة “داعش”. التغييرات ستطال الجميع الأنظمة والشعوب.
[1]https://www.youtube.com/watch?v=QNlUNOERU1g