د. حسين احمد السرحان
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
كانون الثاني 2016
قبل شهور تم تحرير أجزاء كبيرة من محافظة صلاح الدين لاسيما مدنها الرئيسة ومنها مدينة تكريت مركز المحافظة وبمشاركة كبيرة ودور رئيس لفصائل الحشد الشعبي، فضلا عن ادوار قوات الشرطة الاتحادية وقوات جهاز مكافحة الارهاب وباقي التشكيلات البرية والجوية. وعملت تلك القوات على مسك الارض بعد طرد مقاتلي تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS.
ثم تقدمت فصائل الحشد الشعبي بأتجاه غرب العاصمة بغداد ومحافظة الانبار لاسيما مدينتي الكرمة والفلوجة يدفعها حماس وزخم الانتصارات التي حققتها في محافظتي ديالى وصلاح الدين. وتمكنت وبجهود كبيرة من محاصرة المدينتين واعلنت تحريرها مدينة الكرمة وكادت تقترب من تحرير الفلوجة المركز الاقدم والرئيس لتنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS الارهابي في البلاد، الا ان تلك الجهود العسكرية اصطدمت بالارادة الامريكية ورؤيتها حول تحرير محافظتي الانبار ونينوى. اذ تنظر الادارة الامريكية لتوسيع دور تشكيلات الحشد الشعبي على انه توسيع للدور والنفوذ الايراني في العراق بسبب دعم ايران لأغلب تلك التشكيلات، فضلا عن مقاتلة بعض تلك التشكيلات للقوات الامريكية قبل انسحابها من العراق نهاية كانون الاول 2011، وتصريحات بعض قادة الحشد الشعبي بمعارضة اي تدخل امريكي بري على الارض لمقاتلة التنظيم، كما يتعارض ذلك مع الهدف الامريكي في بناء توازن قوى داخل العراق عبر دعم تشكيل قوات سُنية لتقابل القوات الشيعية (الحشد الشعبي) والكردية (قوات حرس الاقليم او ما يعرف بقوات البيشمركة) والذي برز الى السطح مع عدم امكانية اقرار قانون الحرس الوطني الضامن لتشكيل القوات السُنية.
ولأجل ذلك – وبقرار وضغط امريكي – تم تحييد قوات الحشد الشعبي وابعاده عن الانبار وارجاعه الى محافظة صلاح الدين ليستكمل تحرير المناطق الشمالية واهمها مدينة بيجي، فضلا عن تصاعد الاصوات في واشنطن بضرورة مشاركة ابناء محافظتي الانبار ونينوى في تحريرهما. وتم تدريب اكثر من (3000) مقاتل بأسم الحشد الوطني في الانبار وهم من متطوعي عشائر المحافظة التي قاتلت تنظيم القاعدة سابقا وقاتلت تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS. ولكن يبدوا ان تلك الافواج لم تصل في تدريبها وتسليحها لمستوى تدريب وتسليح مقاتلي التنظيم.
ومن هنا بدأت معالم تصارع الادوار تتضح ولذلك تأخر تلاقي الارادة الامريكية مع الجهود الداخلية العراقية التي تتأثر كثيرا بهدف قيادات الحشد الشعبي الراغبة بأخذ دور رئيس في تحرير محافظة الانبار على غرار دورها في محافظتي ديالى وصلاح الدين وتعارض التدخل الامريكي بسبب عدم جدية الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS . الا ان هذا الدور الذي تريد ان تقوم به قوات الحشد الشعبي لاترغب به الولايات المتحدة. اذ ان كثيرا من الخبراء والمحللين الامريكان يرون بأن الحشد الشعبي المدعوم من إيران اخذ دور رئيس في تحرير محافظتي ديالى وصلاح الدين القريبتان من الحدود الايرانية ودفعوا الكثير من الاراء والتحليلات لصانعي القرار الامريكي بضرورة ان لايتسع دور الحشد الشعبي اكثر من ذلك.
لذا كان الدفع الامريكي بأتجاه ان لاتشترك فصائل الحشد الشعبي بتحرير الانبار وان تعود لدورها في استكمال تحرير ماتبقى من محافظة صلاح الدين. وفعلا توجهت تلك الفصائل لأستكمال جهودها في تحرير مناطق شمال صلاح الدين ومنها قضاء بيجي وجبال حمرين والصينية وغيرها. وعلى الجانب الآخر وُضعت الخطط العسكرية لتكون القوات الامنية العراقية صاحب الدور الوحيد في تحرير اقضية ومدن محافظة الانبار. وفعلا تولى الجيش العراقي وجهاز مكافحة الارهاب والشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع وبتغطية جوية من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ولأكثر من اربعة اشهر القتال في مركز المحافظة مدينة الرمادي ونجح في تحريرها. وتولت افواج الطوارئ ومقاتلي ابناء العشائر دور المساند لجهود الجيش العراقي.
لذلك ذهب الكثير الى القول بان تحرير مدينة الرمادي نهاية كانون الاول 2015 من سيطرة التنظيم الارهابي كان مختلف كثيرا عن ماجرى من تحرير المناطق في محافظتي ديالى وصلاح الدين. اذ كانت القوات الامنية هي الابرز دوراً، فضلا عن مَهمة مسك الارض والتي ستضطلع بها افواج متطوعي الانبار او ما سُمي بقوات الحشد الوطني.
التطور الابرز هنا تشكيل قوات سُنية اطلق عليها قوات (الحشد الوطني) وبقيادة الفريق رشيد فليح والتي نُظِمت بافواج اشرف على تدريبها مدربين امريكان وعراقيين. وهذه القوات اليوم امام اختبار حقيقي في ان تثبت جدارة على ارض الواقع من عدمه. ففي حال نجحت تكون البلاد امام متغيرات سياسية وامنية جديدة في قضية تحرير باقي اقضية ومدن محافظة الانبار ومحافظة نينوى والتي يتواجد فيها مدربين من التحالف الدولي لتدريب قوات من ابناء المحافظة لتتولى تحريرها.
وهنا بدأ يتحقق الهدف الامريكي في خلق توازن قوى داخلي بين المكونات الشيعية والكردية والسُنية. وهذا يشكل عامل مشجع للولايات المتحدة في ان تبدأ بالدعم السريع لتلك القوات لتمتين قوتها وترسيخ عامل توازن القوى المحلي خدمة لأهدافها في اطار تحقيق التقسيم الناعم المبني على وجود سلطة اتحادية ضعيفة مع وجود اقاليم قوية لاسيما في الجانب العسكري.
وهنا تبرز أشكالية أمنية امام السلطات الاتحادية تتمثل ببروز أدوار أمنية عرقية وطائفية يكون همها الاول الحفاظ على “الامن المناطقي” وهذا يشكل تجسيد فعلي لمضمون مشروع قانون الحرس الوطني الذي يُطالب به الامريكان والكتل السياسية السُنية بعد تضمينه فيما سمي بـ”ورقة الاتفاق السياسي” الذي تشكلت على أثره حكومة السيد حيدر العبادي.
ومايزيد التعقيد هو ان هدف هذه التشكيلات في حفظ الامن المناطقي قد يتطلب ان تطور من قوتها وقدرتها وبذلك قد تفوق قوة وقدرة القوات الامنية الاتحادية بدعوى ان هذه التشكيلات تقاتل الجماعات الارهابية التي ستبرز الى السطح بعد تحرير المدن من سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS. وعليه من الضروري ان يضع صانع القرار العراقي هذه الفرضيات امامه وهو يستعد لمرحلة ما بعد داعش.