الحرب مع قوى التطرف والإرهاب في العالم ليست حربا مادية فقط، بل هي أيضا حرب فكرية شرسة توظف التاريخ والدين والجغرافيا وأساطيرها المؤسسة للتمهيد لمستقبل مروع تكون السيادة فيه لإنسانية البشر أو لبربرية متوحشة تعيد الناس إلى عصور مظلمة سحيقة، والنجاح المادي في الحرب مع الإرهاب لن ينتهي بإعلان النصر النهائي عليها بدون هزيمتها في ساحة الفكر؛ لسلبها شرعية وجودها.
عزيزي القارئ، في هذا العد من إصدار (العراق في مراكز الأبحاث العالمية) ستقرأ ثلاثة مقالات مهمة: المقال الأول (الاستراتيجية العالمية لمحاربة تنظيمي القاعدة و”داعش”)، للكتّاب (ماري هابيك وجيمس جي كارافانو وتوماس دونلي وبروس هوفمان وسيث جونز وفريدريك كاغان وكيمبرلي كاغان وتوماس مانكن وكاثرين زيمرمان)، نشره (معهد المشروع الأمريكي)، ويبين كتابه أن تنظيمي القاعدة و”داعش” الإرهابيين هما اليوم أقوى من أي وقت مضى، في وقت تكون فيه الولايات المتحدة أضعف عزما وقدرة على مواجهتهما، مما يتطلب استراتيجية جديدة تعتمد على شركاء كفوئين وشل قدرات التنظيمات الإرهابية لتكون عاجزة عن التأثير، وهذا يعني أن هناك حربا طويلة مع الإرهاب يجب الاستعداد لها وتحملها؛ لأن عدم خوضها أشد خطورة من خوضها. في الاستراتيجية الجديدة المقترحة يدعو الكتاب إلى النظر إلى العدو الإرهابي كنظام عالمي مترابط يجب هزيمته بحملات عالمية عدة حسب مناطق تواجده، كما يجب أن يترافق العمل العسكري مع جهد سياسي واقتصادي واجتماعي يهدف إلى ضمان الاستقرار في المناطق التي تشهد تواجدا للحركات المتطرفة. وعندما تكلم الكتاب عن واقع التنظيمات الإرهابية، حذروا بشكل ملح مما أسموه هجوما إرهابيا متعدد الأوجه تشنه الحركات المتطرفة في مناطق عدة من العالم في وقت واحد، وهو سيناريو يقتضي الانتباه له ودراسته بعناية. وبعد حديث عن مرتكزات الاستراتيجية الجديدة ومخاطر الإرهاب، ينتهي المقال بالقول: منع حدوث نتائج كارثية لمصلحة قوى الإرهاب كامتلاك أسلحة الدمار الشامل “يتطلب القيام بجهود طويلة وجدية، لكن أكثرها فائدة سيكون مكلفا ويشكل خطرا على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها من أجل إيقاف ودحر هذا العدو”.
المقال الثاني (المخابرات المركزية والإعلام: 50 حقيقة يحتاج العالم أن يعرفها)، في جزئه الأول، للكاتب (جيمس تريسي)، نشره (مركز البحوث العالمية)، وحاول كاتبه بيان حجم الدور الخطير الذي تلعبه المخابرات المركزية من خلال هيمنتها على وسائل الإعلام في الكثير من الأحداث المهمة داخل الولايات المتحدة وخارجها، ومنها وجود “داعش” والتنظيمات الإرهابية وتجارة المخدرات. والمقال في جزئه الأول ينطوي على معلومات شيقة عن هيمنة وتغلغل وكالة المخابرات المركزية في وسائل الإعلام داخل أمريكا وخارجها، ومقدار تحكمها بالمعلومة المرئية والمقروءة.
المقال الثالث (ردة الفعل على أحداث باريس: الإجابة على أسئلة ملحة في سياق الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”)، للكتّاب (جيمس جيفري وماثيو ليفيت وفابريس بالونش وآنا بورشفساكيا)، نشره (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، ويتطرق إلى أربعة ملفات مهمة حول الإرهاب هي: الدور التركي في محاربة الإرهاب، وآيدولوجية نهاية العالم لدى “داعش”، وملف اللاجئين السوريين وموقف أوروبا من قضيتهم، وتأثير روسيا في جهود محاربة الإرهاب.