الباحث: م.م حسين باسم عبد الأمير
الناشر: مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
كانون الثاني 2016
بعد نشوب الأزمة الاقليمية الراهنة بين السعودية وإيران على خلفية قيام السلطات السعودية بإعدام الشيخ “نمر باقر النمر” وما أعقب ذلك من اعتداءات طالت السفارة والقنصلية السعودية في كل من طهران ومشهد، يبدو بأن الدبلوماسية العراقية الراهنة بدأت تلعب دورا تجاه هذا التوتر الإقليمي الناشب يمثل خطوة في الطريق الصحيح. فالبرغم من اشارة الدكتور الجعفري الى ضرورة عدم توجيه الأدانة إلى إيران الدولة والحكومة بعد الاعتداءات الاخيرة على البعثات الدبلوماسية السعودية –الواجب حمايتها وفقا للقواعد والاعراف الدولية- في كل من طهران ومشهد، مشيرا الى ضرورة إدانة العناصر التي ارتكبت هذه الاعتداءات، إلأ أن العراق قد تشاطر مع باقي الدول العربية في تأييد البيان الختامي الصادر عن وزراء الخارجية العرب عند اجتماعهم الطارئ في مبنى الجامعة العربية والذي انتهى الى دعم كامل لموقف السعودية الذي يدين الاعتداء على السفارة السعودية في طهران. وكان الموقف العراقي هذا من أجل –الحفاظ على الاجماع العربي– كما عبر عنه الدكتور الجعفري، وهو ما يمثل خطوة مُلفته في الدبلوماسية العراقية الراهنة، ويؤشر ذلك على وجود نوايا عراقية للعب دورا اكثر توازناً في المحيط والبيئة الاقليمية.
وفي هذا السياق نجد أن وزارة الخارجية العراقية بالرغم من تنديدها لعملية إعدام الشيخ النمر من جهة، إلّا أنها شجبت في الوقت ذاته الاعتداء على السفارة السعودية في إيران من جهة أخرى. إذ قالت بأن التعدي على السفارة أمر مُدان وغير مقبول ويتنافى مع مبادئ العلاقات الدولية وقواعد التمثيل الدبلوماسي التي تحتم على كل دولة حماية البعثات الدبلوماسية المتواجدة على اراضيها.
ومع تنامي حدة الأستقطابات الإقليمية والدولية خلال الفترات المتأخرة، فقد لوحظ بأن البيئة العراقية بإتت ملائمة للتدخلات والتأثيرات الخارجية في العديد من الشؤون الداخلية وهو ما انتهى بالوضع الداخلي العراقي ليتحول الى مسرحاً لتصارع الإرادات الدولية والإقليمية المختلفة وبشكل اثر على المصلحة الوطنية العراقية. لذلك، تبرز ضرورة ان تنطلق الدبلوماسية العراقية اليوم في مساعي تهدف الى تخفيض حدة التوتر الحاصل فيما بين السعودية وإيران –على الأقل في الداخل العراقي- إذ تُشير العديد من المعطيات الى أن العراق سوف يكون ساحة مشتركة لإهتمام الطرفين وميدان رئيسي للصراع في حال نشوب مواجهة عسكرية بين القوّتين معاً بسبب الإنقسامات المؤيِدة لكليهما ضمن قطاعات غير قليلة داخل الشعب العراقي. لذلك، فمن وحي المصلحة الوطنية يتحتم على الدبلوماسية العراقية ان تعتمد نهجاً هادفاً الى تخفيض حدة التوتر الأقليمي الراهن، وبذل المساعي لتفادي نشوب صدامات اهلية محتملة بين البلدين على الارض العراقية.
وفي هذا السياق يُعدّ موقف العراق عند انعقاد أجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية لبحث تطورات الازمة الناشبة بين -السعودية وإيران- لأفتا، حيث أيّدَ الدكتور ابراهيم الجعفري البيان الختامي الذي تم خلاله توجيه الإدانة لإيران على خلفية الاعتداء على مقرات البعثات الدبلوماسية، وذلك حفاظا على الإجماع العربي وعدم تعريضه للتصدّع –بالرغم من بعض الملاحظات التي تقدم بها-. كما ويُلفت الى تبني العراق سياسة خارجية جديدة تهتم بتخفيض الخلافات وإزالة التشنج الذي طالما استمر مع العديد من البلدان العربية على خلفية المواقف المتضادة حيال التطورات التي شهدتها السياسة العراقية، والسعي لتحقيق توازن والنأي بالنفس عن الانخراط في سياسة المحاور بُغية الإنعتاق من الاستقطاب الإقليمي والدولي، وتقوية علاقات العراق مع دول الجوار العربي، وإعتماد سياسة خارجية تقوم على اساس المصالح المشتركة، وتفعيل سياسة العراق الخارجية والالتزام بسياسة حسن الجوار وعدم التدخل بالشأن الداخلي. إن نجاح السياسة الخارجية العراقية في تحقيق هذه الاهداف سيُتيح لها أستئناف ملفات جديدة للتعاون تفتح الأبواب أمام العراق للوصول الى حالة الاستقرار السياسي.