– الجزء الأول –
البرفسور جيمس تريسي: محلل سياسي يعيش في جنوب فلوريدا / الولايات المتحدة الأمريكية، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ولاية ايوا، وقد ظهرت أعماله على وسائل الإعلام والسياسة والثقافة في طائفة واسعة من المجلات الأكاديمية
الأبحاث العالمية
15 ديسمبر 2015
ترجمة وتحليل: م. م. مؤيد جبار حسن
تم نشر هذه المقالة لأول مرة في شهر آب 2015، في مفارقة مريرة قامت وسائل الإعلام بالتغطية على الدعم الاستخباراتي الأمريكي السري لتنظيمي القاعدة و”داعش”، وهذا يدل على أن المخابرات تشرف على وسائل الإعلام الرئيسة.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت وكالة الاستخبارات المركزية تمتلك قوة رئيسة في الولايات المتحدة وعلى وسائل الإعلام الأجنبية، عبر ممارسة نفوذ كبير على ما ترى وتسمع وتقرأ عامة الناس. وكلاء إعلام المخابرات المركزية والصحفيون على حد سواء يدّعون أن لديهم علاقات مشتركة ضعيفة، إلا أن التاريخ نادرا ما اعترف بوجود تعاون وثيق، كما أن مؤرخي وسائل الإعلام يترددون في دراسة ذلك.
عندما تمارس مهنة الصحافة على محمل الجد، والتي تنطوي على جمع المعلومات المتعلقة بالأفراد، والأحداث، والقضايا، فإن الفكرة الرئيسة منها تتمحور حول إبلاغ الناس بالمعلومات حول العالم، ومن ثم تعزيز “الديمقراطية”. وهذا هو بالضبط السبب في استغلال وكالات الأنباء والصحفيين من قبل وكالات الاستخبارات.
النظر في الأعمال السرية، من تزوير الانتخابات في عام 2000 و 2004، وأحداث 11 أيلول 2001، وغزو أفغانستان والعراق، وزعزعة استقرار سوريا، وإنشاء “داعش”، هذه من بين أهم الأحداث في تاريخ العالم الحديث، ويبدو أن جزءا كبيرا من الرأي العام الأمريكي يجهل ذلك بالكامل. في عصرٍ حيث تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كل مكان، يتوهم الكثيرون بأن الشعب مطلع على ذلك، لذا يجب على المرء أن يسأل لماذا استمرت هذه الحالة.
علاوة على ذلك، لماذا فشل صحفيون أمريكيون بارزون بشكل روتيني في الاستفسار عن الأحداث العميقة التي تشكل تاريخ أميركا المأساوي على مدى نصف القرن الماضي، مثل الاغتيالات السياسية في عام 1960، أو الدور المركزي الذي لعبته المخابرات الأمريكية في التهريب الدولي للمخدرات؟
وأشار معلقون شعبيون وأكاديميون إلى أسباب مختلفة لفشل الصحافة العالمية السائدة في هذه المجالات، بما في ذلك: استخدام علم الاجتماع في غرفة الأخبار، ضغط الإعلان، ملكية الاحتكار، الاعتماد الكبير على مصادر رسمية، وسعي صحفيي وكالات الأنباء البسيط للتقدم الوظيفي، وهناك أيضا – بلا شك – تأثير مناورات العلاقات العامة. ويوحي هذا الصمت بمؤامرة واسعة عبر مشاركة وكالات استخبارات مماثلة “في وسائل الإعلام على تشكيل الفكر والرأي في وسائل يتم تخيلها من قبل العامة”.
تُقدم الحقائق التاريخية والمعاصرة الآتية لمحة عن كيفية تملك هذه الكيانات قوة التأثير على تحديد الذاكرة الشعبية والمؤسسات المحترمة التي تكتب التاريخ:
1- عملية الطائر المحاكي لوكالة الاستخبارات المركزية تعد حجر الزاوية المعترف بها منذ مدة طويلة من قبل الباحثين للإشارة إلى اهتمام الوكالة الواضح في العلاقة مع كبريات وسائل الإعلام الأمريكية. نمت عملية الطائر المحاكي من سلف وكالة المخابرات المركزية المسمى مكتب الخدمات الاستراتيجية (1942-1947)، الذي أقام خلال الحرب العالمية الثانية شبكة من الصحفيين وخبراء الحرب النفسية التي عملت في المقام الأول في الساحة الأوربية.
2- أجريت العديد من العلاقات المفبركة تحت رعاية مكتب الخدمات الاستراتيجية السابق خلال مدة ما بعد الحرب من خلال منظمة تشغيل وزارة الخارجية المسمى مكتب تنسيق السياسات.
3- أصبح مكتب تنسيق السياسات الوحدة الأسرع نموا داخل وكالة المخابرات المركزية، فارتفع عدد موظفيه من 302 في عام 1949 إلى 2812 في عام 1952، جنبا إلى جنب مع 3142 من الموظفين المتعاقدين في الخارج. في نفس المدة، ارتفعت الميزانية من 4.7 مليون دولار إلى 82 مليون دولار.
4- العديد من ضباط وكالة المخابرات المركزية، حتى مدير وكالة المخابرات المركزية (في وقتها كان ريتشارد هيلمز)، في نهاية المطاف، تم تجنيدهم في السلك الصحفي من قبل مشرف بلده في مكتب برلين.
5- استغل ويزنر أموال خطة مارشال لدفع ثمن فرقته في وقت مبكر، والمال المخصص لفرعه يشار إليه باسم “الحلوى”. ويقول عميل المخابرات جيلبرت غرين: “لا يمكننا أن ننفقه كله”، وأضاف: “أتذكر مرة وفي لقاء مع ويزنر، قلت: يا إلهي، كيف يمكن أن ننفق ذلك؟ لم تكن هناك حدود، ولا أحد يفسر ذلك. كان ذلك مدهش”.
6- عندما تم دمج مكتب تنسيق السياسات مع مكتب العمليات الخاصة في عام 1948 من أجل إنشاء وكالة المخابرات المركزية، تم استيعاب أصول وسائل الإعلام التابع للمكتب السابق.
7- حافظ ويزنر على سرية “دعاية جرد الأصول”، وبدت أكثر من 800 هيئة إخبارية ومعلوماتية مستعدة للاستجابة لرغبات رئيس المخابرات. وشملت الشبكة “صحفيين، كتاب أعمدة، ناشري كتب، محررين، ومنظمات بأكملها مثل راديو أوروبا الحرة، والمراسلين عبر وكالات الأنباء”.
8- وبعد سنوات قليلة من عملية ويزنر كانت الوكالة تملك أعضاء محترمين في صحيفة نيويورك تايمز، نيوزويك، سي بي أس، وسائل الاتصال الأخرى، فضلا عن المراسلين، من 400 إلى600 في كل شيء، وفقا لمحلل في وكالة المخابرات المركزية.
9- كان ينظر للعمليات النفسية في تشكيل الصحافة كضرورة للتأثير على الرأي العام، فضلا عن وجهات نظر النخبة. فرئيس الولايات المتحدة، ووزير الخارجية، وأعضاء الكونغرس، وحتى مدير وكالة الاستخبارات المركزية نفسه سوف يقرأون، ويؤمنون، ويعجبون بما يكتبه بعض الصحفيين، في حين لا يكلفوا أنفسهم بقراءة تقرير وكالة المخابرات المركزية حول الموضوعنفسه.
10- وبحلول منتصف عام 1950، سعت الوكالة للحد من الانتقادات التي وجهت ضد أنشطتها السرية وتجاوزها على رقابة الكونغرس أو التدخل القضائي من الأوساط الأكاديمية وأعضاء السلك التبشيرية وهيئات تحرير المجلات المؤثرة وناشري الكتب وأية جهات أخرى تهيمن على المواقف العامة.
11- تتدخل وكالة الاستخبارات المركزية في كثير من الأحيان في صنع القرار التحريري. على سبيل المثال، عندما شرعت الوكالة إلى شن حملة الإطاحة بنظام آربينز في غواتيمالا في عام 1954، ألين وجون فوستر دالاس، وزير الدولة في عهد الرئيس ايزنهاور ومدير وكالة المخابرات المركزية ، دعوا ناشري صحيفة نيويورك تايمز إلى إعادة تعيين مراسلها سيدني غروسون من غواتيمالا إلى مكسيكو سيتي، من منطلق تغطية بعض تداعيات الثورة من المكسيك المجاورة.
12- منذ أوائل عام 1950 كانت وكالة الاستخبارات المركزية قد مولت سرا العديد من الصحف الأجنبية والدوريات والصحف الناطقة بالإنجليزية واللغات الأجنبية التي تقدم تغطية ممتازة لعملاء المخابرات، مثلا صحيفة روما الأمريكية اليومية، التي كانت مملوكة بنسبة 40% من قبل وكالة المخابرات المركزية حتى 1970.
13- وطدت المخابرات علاقات رسمية متبادلة مع مسؤولي وسائل الإعلام، على النقيض من علاقاتها مع الصحفيين والمراسلين بأجر، “الذين كانوا أكثر عرضة لتوجيهات الوكالة”، “فهناك عدد قليل من المسؤولين التنفيذيين كآرثر سولزبرجر من صحيفة نيويورك تايمز، قاموا بتوقيع اتفاقات سرية. وقال مصدر أن العلاقات بين مسؤولي الوكالة والمدراء التنفيذيين لوسائل الإعلام عادة علاقة اجتماعية.
14- كانت علاقة الوكالة مع صحيفة التايم لها قيمة أكبر من باقي الصحف، وفقا لمسؤولين في الوكالة، وتم تقديم حوالي عشرة موظفين سريين للوكالة داخل صحيفة التايمز بموجب ترتيبات وافق عليها في وقت متأخر ناشر الصحيفة “آرثر سولزبرجر”، لتقديم المساعدة إلى وكالة المخابرات المركزية كلما أمكن .
15- عملت قناة (CBS) بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية، بالسماح للوكالة في الاستفادة من موارد الشبكة وأفرادها. كما أن شكلا من أشكال المساعدة، قيام عدد من الأشخاص الأثرياء بمساعدة وكالة المخابرات المركزية لغاية مصالحهم الخاصة.
16- تعاونت الشركة الوطنية للناشر (جين البابا الابن) لمدة وجيزة مع الوكالة على الساحة الإيطالية في عام 1950، وحافظت على علاقات وثيقة مع الوكالة بعد ذلك. شركة البابا امتنعت عن نشر العشرات من القصص عن “عمليات الخطف والقتل التي ترتكبها وكالة المخابرات المركزية، وعناوين الأخبار”؛ من أجل “جمع الفواتير، وسندات الديون”.
17- ومن القصص الساخنة التي رفضت شركة (البابا ) الوطنية نشرها في أواخر عام 1970 تركز على مقتطفات من يوميات عشيقة الرئيس كينيدي “ماري بينشوت ماير”، التي اغتيلت في 12 أكتوبر 1964، وكان الصحفيون الذين كتبوا القصة قادرين على وضع جيمس جيسوس انغلتون، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية لعمليات مكافحة التجسس في المشهد.
18- انغلتون، الذي أشرف على فرع مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات الأمريكية لمدة 25 عاما، “يدير كادرا صحفيا مستقلا من العملاء الذين أدوا مهامّاً حساسة وخطرة في كثير من الأحيان”. ولا يعرف الكثير عن هذه المجموعة لسبب بسيط هو أن انغلتون أبقى موضوعهم في الملفات السرية .
19- أجرت وكالة الاستخبارات المركزية “برنامج التدريب الرسمي” خلال عام 1950 لغرض وحيد هو تدريب عملائها على مهارات الصحفيين. وعُـلم ضباط المخابرات كيف يتصرفون مثل الصحفيين. وأوضح مسؤول رفيع في الوكالة: “ثم تم زرعهم في وكالات الأنباء الكبرى بمساعدة من الإدارة”.
20- من المعروف أن كتاب الأعمدة في الصحف وصحفيي البث المرئي يحتفظون بعلاقات وثيقة مع الوكالة، ويشار إليهم في وكالة باسم (الأصول المعروفة)، وهم الذين يمكن الاعتماد عليهم في أداء مجموعة متنوعة من المهام السرية، فهم يضعون تقبلا لوجهة نظر الوكالة حول مختلف المواضيع.
21- كان فرانك ويزنر، ألين دالاس، والناشر في الواشنطن بوست فيليب غراهام زملاء مقربين، ولذا تصاعد نفوذ الواشنطن بوست إلى أكثر أجهزة الأخبار نفوذا في الولايات المتحدة بسبب علاقاتها مع وكالة المخابرات المركزية. المدراء في الصحيفة كان لديهم علاقات فردية مع الاستخبارات، وفي الواقع كان هذا السبب وراء نمو الواشنطن بوست بأسرع مما كانت بعد الحرب.
22- في أعقاب الحرب العالمية الأولى أناطت إدارة “وودرو ويلسون” للصحفي والكاتب والتر ليبمان مهمة تجنيد العملاء، وهي المنظمة الأولى من نوعها كمنظمة استخبارات مدنية فائقة السرية تتشارك المعلومات وتعدّها لإدارة ويلسون عن مفاوضات السلام، وكذلك تحديد الموارد الطبيعية الخارجية والمضاربين في وول ستريت وشركات النفط.
23- أبرز صحيفتين يوميتين في الولايات المتحدة الـ(تايم) والـ(نيوزويك)، حافظتا على علاقات وثيقة مع وكالة المخابرات المركزية. ملفات الوكالة تحتوي على اتفاقات مع المراسلين الأجانب السابقين والمراسلين لكل المجلات الإخبارية الأسبوعية.
24- في سيرته الذاتية، يقتبس ضابط المخابرات السابق هوارد هانت جملة من كتاب وبيرنشتاين (وسائل الإعلام ووكالة المخابرات المركزية ): “لا أعرف شيئا يتناقض مع هذا التقرير”. اقترح هانت أن التحقيق الصحفي عن ووترغيت لم يذهب بعيدا بما فيه الكفاية. وحدد بيرنشتاين كذلك بعضا من المدراء التنفيذيين ووسائل الإعلام في البلاد لها علاقات وثيقة مع الوكالة.
25- عندما تفجرت أول فضيحة كبيرة لوكالة الاستخبارات المركزية في عام 1964 مع نشر كتاب (الحكومة الخفية) من قبل الصحفيين ديفيد ويس وتوماس ب. روس، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية منع نزول الطبعة الكاملة من الكتاب بيد الجمهور، ولكن في النهاية الحكم أتى ضدها، فكتب (ويس) و(روس) في الديباجة: في البداية يجب تشكيل حكومة ظل تشكل حياة 000،000،190 أمريكي. وعلى القرارات الرئيسة التي تنطوي على السلم والحرب أن تحدث وفقا للرأي العام. المواطن المطلع قد يشك في أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تعمل في أغلب الأحيان علنا في اتجاه واحد وسرا من خلال حكومة غير مرئية.
http://www.globalresearch.ca/the-cia-and-the-media-50-facts-the-world-needs-to-know/5471956