عبير مرتضى حميد السعدي
مركز الدراسات الإستراتيجية/جامعة كربلاء
كانون الثاني 2016
يواجه الاقتصاد العراقي أزمة كساد قد تستمر لسنوات نتيجة للسياسات التنموية التي اعتمدتها الدولة والتي لم تفلح في تنويع اقتصادها بل استمرت في اعتمادها على إيرادات النفط والتي بلغت حوالي 90% من ميزانية الدولة، إذ نجد إن قطاع الزراعة لم يساهم في ناتج المحلي الإجمالي ألا ب(4%) بينما قطاع الصناعة التحويلية (2%) والخدمات ساهمت (16%) والسياحة(1%) عام 2013 بينما نجد إن قطاع التعدين المتمثل بالصناعة الاستخراجية للنفط قد بلغت (50%) لذا يشكل هذا القطاع الثقل الأعظم من الناتج المحلي الإجمالي(1).
فقد أشار أوجستكوامي مدير الاقتصاد الكلي والمالية العامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي “إن النمو الاقتصادي في العراق سيقترب من الصفر لعام 2016وان معدل دخل الفرد العراقي سيتقلص بمستويات اعلي من السنوات السابقة”بسبب انخفاض أسعار النفط والأوضاع الأمنية الغير مستقرة في المنطقة (2).
وفي نص مسودة الموازنة لعام 2016 ، فإن إجمالي نفقاتها سيكون أكثر من 105ترليون دينار وهو منخفض بنحو 14 تريليون عن العام الماضي إذ بلغ 119 تريليون دينار، أما العجز الموازنة فقدر 24 تريليون دينار.وقد احتسبت الإيرادات الناجمة عن تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر قدره 45 دولار للبرميل الواحد ومعدل تصدير 3.600 ملايين برميل يوميا بضمنها 250 إلف برميل يوميا من كميات النفط الخام المنتج في إقليم كردستان و300 ألف برميل من كميات النفط الخام المنتج عن طريق كركوك.أما مبيعات النفط لعام 2016فقد قدرت حسب مانصت به مسودة الموازنة 69 مليار دولار وتعادل نسبة 84% من إيرادات الموازنة الاتحادية .
وفي ظل التوقعات الدولية فأن العراق بإمكانه تأمين ربع الموازنة المالية الحالية وذلك بسبب صعوبة وصول العراق بسقف أنتاجي يبلغ 3.600 مليون برميل كون الأوضاع الطبيعية في منطقة حوض الخليج غير مستقرة في فصول السنة (العواصف الترابية التي تؤدي إلى تأخر عملية النقل لنفط) يضاف إليه العامل السياسي الذي شهد هو أيضا حالة عدم استقرار في منطقة(3).لذا فإن الأسباب التي أدت إلى عجز في الموازنة عديدة أهمها:-
- النفقات الكبيرة لوزارة الدفاع لشراء الأسلحة والذخيرة وصرف رواتب الجنود لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والذي استحوذ بشكل كبير على ميزانية الدولة، إذ بلغت موازنة عام 2015 ما يقدر(100 مليار دولار) منها 23 مليار دولار خصصت للأمن والدفاع.
- اعتماد العراق على النفط كمصدر وحيد لتمويل الموازنة وانكماش اغلب القطاعات الاقتصادية الأخرى.
- الفساد المالي والإداري المستشري في اغلب أجهزة الدولة ،إذ ذكرت منظمة الشفافية العالمية في عام 2015 إن العراق خسر خلال سنوات حكم المالكي ما يقارب 100مليار دولار وان نصيب الفساد منها قد بلغ 100 مليار دولار.
- الهبوط الكبير في احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي العراقي، إذ انخفض من 88مليار دولار عام 2013 إلى59 مليار دولار عام 2015ويعود إلى عدة أسباب أهمها:-
أ)كونه يعتمد على إيرادات النفط بنسبة 95% في مده بالعملات الأجنبية.
ب)ساهم قانون الاستثمار بإعفاء الأجانب من الرسوم والضرائب العقارية إلى استمرار تناقص الاحتياطي النقدي وإفقاد البلاد من مصدر للدخل النقدي أخر.
ج)استيراد التجهيزات العسكرية من أسلحة وذخائر وسيارات مصفحة
- هروب اغلب الاستثمارات الأجنبية بسبب زيادة المخاطر الأمنية وعدم استقرار الأوضاع الأمنية
- إلغاء عقود الاستثمار الأجنبي ل37 شركة أجنبية في العراق وقعتها الدولة العراقية عامي 2013و2014 تتضمن المشايع السياحية والصناعية والزراعية والنفط والغاز وبناء المجمعات السكنية وشبكة لتحليه المياه في البصرة وتصل تكلفة تلك الاستثمارات إلى 2.8 مليار دولار.
- الاستيرادات المفرطة والتي تقدر مبالغها ب65مليار دولار.
- الإيرادات الضريبية التي لا تساهم إلا ب( 3% )من الناتج المحلي الإجمالي.
لذا تهاوي أسعار النفط وأحجام الاستثمارات الأجنبية عن الاستثمار في العراق وارتفاع معدلات الإنفاق على الأمن والدفاع للسيطرة على داعش وانتشار الفساد المالي والإداري والتهرب الضريبي والجمركي أدى لتفاقم المشاكل المالية التي تواجه الموازنة الحالية.
لذا فأن اللجوء إلى بيع السندات الدولية أو ما تسمى السندات السيادية ليس بالأمر الصائب كون العائد الذي طالب المستثمرون به 11% وهو عائد مرتفع كون وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني صنفت العراق بتصنيف (B-) إي سندات ذات قيمة منخفضة ومخاطر عالية ،كما قيم البنك المركزي العراقي بأنه أسوء الأماكن في العالم خاصة في الإعمال التجارية لعام 2015 ،بالإضافة فأن العراق قد باع في وقت سابق (عام 2006) سندات بقيمة 2.7 مليار دولار وتستحق عام 2028(4).
إن لجوء الحكومة العراقية في تمويل الميزانية عن طريق الاقتراض الخارجي بأخذ قرض من البنك الدولي الذي بلغ 5,3 مليار دولار لتمويل عجز الميزانية وبشروط وسياسات يجب أتباعها بأشراف البنك الدولي ليس بالأمر الهين، لذا توجب عليها وضع الحلول المناسبة بالنظر إلى الموارد التي يمكن استغلالها واستثمارها في الداخل لتخفيف من حدة العجز المالي الذي قد يواجه العراق وذلك عبر:-
- الاستثمار في بدائل النفط وأهمها الغاز الطبيعي بدل من هدرها وحرقها في الهواء والتي قدرت ب(14.5) مليار دولار خلال فترة 2011-2014، إذ بالإمكان تصديره إلى الكويت وسد الطلب المحلي بدل من استيراده من إيران بمبالغ قدرت 5 مليارات دولار.
- استحصال أموال النظام السابق والمسؤولين المحجوزة لدى صندوق النقد الدولي والتي تبلغ 2 مليار دولار أوأكثر .
- بيع بعض أملاك الدولة من أراضي تعد زائدة ومهملة والتي قد تدر إيرادات تصل إلى 10 تريليون دينار .
- استثمار أملاك الدولة أو إيجارها وفق سقف زمني معين.
- استحصال الديون المترتبة على شركات الهاتف النقال بالعراق والتي تقدر بمليارو400مليون دولار كديون للحكومة بالإضافة إلى الرسوم التي قرر مجلس الوزراء جبايتها والتي تبلغ 20% على بطاقات التعبئة والتي من المفترض إن تذهب إلى خزينة الدولة العراقية.
- تفعيل الرسوم الكمر كية في المنافذ الحدودية والضرائب والتي قد تدر مبالغ تقدر بمليار دولار تقريبا .
- حظر استيراد بعض السلع التي تؤثر في الصناعة المحلية مثل الاسمنت ولو بشكل مؤقت،إذ بالإمكان الاستعانة بعوض عنه الاسمنت المحلي.
- تمويل الميزانية من الاقتراض الداخلي وذلك عن طريق بيع السندات على الجمهور،إذ تبلغ المدخرات العراقية 33 مليار دولار.
- أن قيام الدولة بتخفيض قيمة العملة والتي قد تحفز قطاع الزراعة، لأنها ستجعل السلع المستوردة أغلى من المنتج المحلي، وهذا يشجع الفلاحين على تحريك الاقتصاد الزراعي
- إن فرصة تنمية قطاع الصناعة وخاصة الحكومية تكاد إن تكون ضعيفة وتحتاج إلى مبالغ كبير لاستثمارها ولكن بالإمكان البدء بتحويل القطاع الحكومي من منفذ للمشاريع ومنافس للقطاع الخاص إلى مراقب للضوابط وميسر للإجراءات والقوانين وتشريع قانون الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والصغرى للمساعدة وخلق فرص عمل جديدة ولتقليل الفقر والعوز والمساهمة في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقليل من نسبة البطالة العالية التي تجاوزت 25%
1)د.كامل العضاض،إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي دور الدولة ومشاريع الخصخصة المطروحة ورقة مقدمة للحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقراطي العراقي/المملكة المتحدة تحت عنوان: العراق إلى أين؟ في الذكرى 12 لغزوه-الواقع، الحلول وآليات التنفيذ لندن 11-10 نيسان/أبريل 2015.