حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في مركز الدراسات القانونية والدستورية/جامعة كربلاء
الناشر: مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
شباط –فبراير 2016
لقد مرت الحركة الكردية في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 إلى ألان بعدة مراحل تاريخية مهمة، فقد اندلعت حرب ومواجهة أول مرة عام 1936 ضد القوات النظامية العراقية، ثم استمرت بوتيرة متصاعدة، أدت إلى اندلاع مواجهة مسلحة شاملة في منطقة كردستان العراق ( وتظم ثلاث محافظات هي السليمانية واربيل ودهوك)، واستمرت إلى عام 1970، عندما انتهت الحرب بين الطرفين بعد سحب إيران دعمها للمسلحين الأكراد، وتم عقد اتفاق الحكم الذاتي عام 1973، إلا إن المرحلة الفاصلة والمهمة هي انقسام الحركة الكردية عام 1967، بعد إن انسحب جلال طالباني من جماعة (ملا مصطفى البارزاني) وشكل الاتحاد الوطني الكردستاني، ثم زاد الانشقاق بعد وفاة (ملا مصطفى) واستلام ابنه ( مسعود) قيادة الحركة الكردية وتفرده في اتخاذ القرارات وتقريب أفراد عائلته في المناصب العليا في الحركة، وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991، وفرض حظر الطيران العراقي فوق شمال العراق، أصبحت منطقة كردستان العراق مقسمة بين تيارين رئيسيين وهما الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة (جلال طالباني) ومقره السليمانية، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة (مسعود بارزاني) ومقره أربيل ودهوك، وأصبح هناك إدارتين في شمال العراق، حيث تمتلك السليمانية إدارة خاصة فيها من تشكيلات البيشمركة والشرطة والموظفين وجمع الواردات وصرفها وغيرهم، ومثلها موجود في أربيل، وقد حدثت عدة مواجهات عسكرية بين الطرفين كان أبرزها حرب عام 1996، عندما قاد الاتحاد الوطني الكردستاني هجوما على أربيل بمساعدة الحرس الثوري الإيراني الداعم الأساس له، واستطاعت قوات الاتحاد الوطني دخول أربيل واحتلالها، ولجأ مسعود مع قواته إلى محافظة نينوى، بعدها حصل على الدعم من القوات العراقية التي استطاعت إخراج قوات الاتحاد الوطني من أربيل، وإعادة الحزب الديمقراطي إليها، واستمر هذا الحال بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ورغم تأكيد الدستور العراقي لعام 2005 على تشكيل الأقاليم ومنها إقليم كردستان، إلا إن حالة الانقسام استمرت بين الطرفين، خاصة بعد إن توسعت سيطرة الاتحاد الوطني الديمقراطي إلى مناطق جديدة إذ أصبحت محافظة كركوك وقضاء خانقين تحت نفوذ الاتحاد الوطني من خلال حصول الاتحاد الوطني على أغلبية أعضاء مجلس محافظة كركوك والاقضية والنواحي فيها، ولكن بعد عدة لقاءات ووساطات إقليمية ومحلية تم توحيد الإدارتين عام 2006، وتشكيل حكومة واحدة برئاسة مسعود بارزاني وتقاسم المناصب العليا بين الطرفين.
لقد استمرت حالة التجاذب بين الطرفين، ولكن لم تصل إلى حالة الصدام، وبقي التباعد بين الطرفين، ففي الوقت الذي كان الاتحاد الوطني على علاقة جيدة مع السلطة المركزية في بغداد، وعلى علاقة وطيدة بإيران، استمر الحزب الديمقراطي في إثارة المشاكل مع بغداد، واتجاهه إلى توطيد علاقته مع تركيا، من خلال توسيع التجارة ومد خط لنقل النفط من الإقليم إلى ميناء جيهان التركي، كذلك مد نفوذ الأكراد إلى مناطق خارج الإقليم في الموصل وصلاح الدين، كان أوسعها هو عام 2014، عندما سقطت محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين بيد داعش إذ قام رئيس الإقليم بدفع قوات البيشمركة إلى مناطق في هذه المحافظات وضمها إلى الإقليم، كذلك قام بالسيطرة على نفط كركوك وضمه إلى خط الإقليم، وتصديره عبر تركيا.
إلا إن المشكلة الرئيسية في الإقليم هي بروز كتلة جديدة وهي حركة التغيير التي حصلت على دعم من الأكراد، وحصلت على مقاعد في مجلس النواب، واغلب مقاعد محافظة السليمانية، وبهذا دخلت على المعادلة السياسية في الإقليم كطرف منافس قوي، ثم بعد ذلك دعوتها إلى تغيير نظام الحكم في الإقليم من الرئاسي إلى البرلماني، ومعارضتها إعطاء دورة ثالثة لـ( مسعود بارزاني) لرئاسة الإقليم، مما أثار حفيظة الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه ( بارزاني)، فقام بطرد أعضاء الحركة من حكومة الإقليم، وهي حركة استباقية ضد الحركة وعدم تكرار نجاحها في السليمانية وإمكانية تمددها إلى أربيل، في نفس الوقت فان الاتحاد الوطني الكردستاني هو الأخر يريد إن يكون له دور رئيسي في شؤون الإقليم وعدم تهميشه من قبل الحزب الديمقراطي، وكذلك المحافظة على سيطرته على معقله الرئيس في السليمانية ومناطق نفوذه في كركوك، وعدم السماح لأي جهة منافسته فيها، لهذا جاءت اللحظة المناسبة وهي قيام الاتحاد الوطني بإنهاء التحالف الاستراتيجي مع الحزب الديمقراطي، والمطالبة بتغييرات مهمة في نظام الحكم في الإقليم.
إن إنهاء العلاقة الاستراتيجية تعني ضمنا العودة إلى نظام الإدارتين الذي كان متبعا قبل عام 2006، ولكن تطور الأحداث في الإقليم لا يمكن التكهن بنتائجها، خاصة وان المنطقة تتعرض إلى هجمة إرهابية قوية، وتجاذب إقليمي ودولي على المنطقة، كذلك الموقف المتشدد من قبل مسعود بارزاني وعدم التراجع من اجل إرضاء الإطراف الأخرى، وبعد هذه التطورات فان الإقليم مقبل على عدد من السيناريوهات والاحتمالات، ومنها:
السيناريو الأول: هو إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني استقلال الإقليم عن العراق، إذ هناك مؤشرات عديدة وتصريحات صدرت من رئيس الإقليم ورئيس وزراءه حول الإسراع بإجراء الاستفتاء وإعلان الاستقلال عن العراق، وان إعلان الاستقلال من طرف (مسعود بارزاني) واستمرار حالة الانقسام الكردي قد تقود إلى اندلاع المواجهة المسلحة بين الطرفين، إذ مر الحزبان الرئيسيان في الإقليم بهذه التجربة من قبل، فقد حصلت عدة مواجهات مسلحة بين الطرفين أشدها كان عام 1996، الذي تم ذكره سابقا، وهناك عدة مواقف تعزز هذا الاحتمال منها:
1- هناك رغبة عارمة لدى رئيس الإقليم على إجراء الاستفتاء والاستقلال عن العراق وإعلان الدولة الكردية، بعد ظهور العديد من المتغيرات داخليا وخارجيا ومنها: قرب انتهاء تنظيم داعش في العراق وسوريا، خاصة وان الجيش العراقي والحشد الشعبي قد حققا انتصارا باهرا في محافظات والانبار وصلاح الدين وديالى ولم تبقى سوى نينوى، لهذا فان اقتراب ساحة الحسم في نينوى واقتراب الحشد الشعبي من الإقليم، سوف يعجل من إعلان الاستقلال، وذلك لخوف الأكراد من اقتراب الحشد الشعبي، خاصة وانه حدثت مواجهات سابقة بين الطرفين.
كذلك إن استعجال (بارزاني) لإعلان الاستقلال هو الخوف من أن تؤدي زيادة التوترات في الإقليم إلى سحب البساط من تحت قدميه، خاصة وان حدوث انشقاقات داخل حزبه واردة جدا، وذلك لانفراده بالسلطة، وخوف اغلب قادة الأكراد من خسارة الانجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية، كذلك تراجع الدعم الأمريكي (لبارزاني) وحزبه خاصة بعد التوافق الروسي الأمريكي حول سوريا، وإعلان الاتفاق النووي الإيراني، ورفع العقوبات عنها، خاصة وان إيران تدعم غريمه (طالباني) لهذا فان سعيه للانفصال هو الخوف على مستقبله السياسي.
2- تشدد (بارزاني) في مواقفه مع الكتل الأخرى وعم إبداء إي مرونة اتجاه المطالب المطروحة، حول تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني، وان يكون تولي الرئاسة لدورتين فقط، وهي مطالب الشارع الكردي قبل إن تكون مطالب الكتل السياسية، خاصة وان هذه الكتل تحاول إن تعزز التجربة الديمقراطية الحديثة في الإقليم بشكل خاص والعراق بشكل عام، بل إن رئيس الإقليم بدا بالتصعيد من خلال اتهام الأطراف المطالبة بالخيانة، كذلك قيامه بطرد نواب ووزراء حركة التغيير من الحكومة، وتعيين أبناءه وأقاربه في قيادة قوات البيشمركة والأمن في الإقليم، من اجل السيطرة على القوة واستخدامها ضد خصومه عند الضرورة، ومن الطرف الأخر فقد دعت حركة التغيير إلى الثورة ضد عائلة (بارزاني) من اجل تغيير الأوضاع في كردستان العراق، كذلك تشكيل قوات عسكرية خاصة بالحركة، وهو ما يعني ضمنا إن المواجهة قد تكون قائمة في إي وقت.
3- رغم توحيد الإدارة بين الحزبيين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، إلا إن المتابع للأوضاع فيه يرى إن كلا الطرفين لا زال يحتفظ بقوات عسكرية خاصة به، فهناك قوات بيشمركة، وامن (اسايش) للاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، وقوات بيشمركة واسايش تحت سيطرة (بارزاني) في أربيل ودهوك، كذلك إن كل حزب يسيطر على الإدارة المدنية في منطقته، كذلك إن كل طرف بدا يحشد قواته ضد الطرف الأخر.
4- الأطراف الإقليمية التي لها مصالح خاصة في الإقليم هي الأخرى تحاول إن تدفع كل طرف ضد الطرف الأخر، فمن المعروف إن هناك علاقة قوية بين الاتحاد الوطني وإيران، وهي علاقات استراتيجية، وقد ساعدت إيران الاتحاد الوطني غي مواجهات عام 1996 ضد الحزب الديمقراطي، كما إن الأخير هو الأخر له علاقات قوية ومهمة مع تركيا، فقد أصبح أربيل الشريك التجاري الأساس مع تركيا، وما زاد من هذه العلاقة هو مد أنابيب النفط عبر تركيا إلى العالم، لهذا فان المنافسة الإقليمية على موارد الإقليم الاقتصادية ( النفط والغاز)، والتجارية مرور البضائع، والاستثمار من خلال الشركات العاملة في الإقليم، قد تدفع هذه الدول إلى دعم كل طرف للطرف الأخر وخوض حرب بالوكالة في الإقليم، خاصة وان هذه الحروب هي السائدة في المنطقة ألان.
السيناريو الثاني: العودة إلى نظام الإدارتين، وإعلان إقليم السليمانية، فرغم مرور أكثر من عشرة سنوات على التحالف الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، فان مظاهر التقسيم لا زالت ظاهرة، وهناك عدة أمور قد تدفع الاتحاد الوطني إلى إعلان إدارة خاصة به في محافظة السليمانية، وهناك عدد من المواقف تعزز هذا الاحتمال منها:
1- رغبة الاتحاد الوطني بإنهاء علاقته مع الحزب الديمقراطي سلميا، من خلال استغلال بعض المواقف المستجدة في الإقليم، دون الدخول في مواجهة معه، إذ إن الدستور العراقي قد اقر في مادته (15) بإمكانية محافظة أو أكثر تشكيل إقليم خاص به، ومما شجع دعاة إقليم السليمانية واغلبهم من قياديي حزب الاتحاد الوطني وحركة التغيير الذين تجاوزوا مشاكلهم الحزبية القديمة، على المضي قدما في مشروعهم، أنهم نجحوا في تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة وزاد سعيهم إلى تحويل قضاء خانقين إلى محافظة وإلحاقه بالسليمانية ، إضافة إلى استمرار سيطرتهم على مدينة كركوك، وهذا يعني بحساب بسيطة للنفوس والمساحة، إن إقليم السليمانية سيتألف من أربع محافظات (السليمانية وحلبجة وخانقين وكركوك) تشكل مساحتها ضعف مساحة محافظتي أربيل ودهوك وبعدد من السكان يفوق تعداد نفوس المحافظتين اللتين ستبقيان بحوزة “بارزاني”.
2- على الرغم من إن حزب الاتحاد الوطني الذي تعرض إلى سلسلة صراعات سياسية في قمته العليا خلال السنتين المنصرمتين وغياب زعيمه التاريخي جلال طالباني بسبب مرضه، إلا انه بدأ ينتعش شيئا فشيئا مستغلا مشروع إقليم السليمانية لتنشيط دوره وتدعيم مركزه بعد إن أصابهما الوهن في الفترة القصيرة الماضية.
3- إن الاتحاد الوطني الكردستاني يحاول استغلال الظروف الجديدة في الإقليم وعلى حدوده من اجل إنهاء تحالفه الاستراتيجي مع الحزب الديمقراطي، وقد جاءت اللحظة المناسبة لهذا العمل، إذ إن وجود تنظيم داعش على حدود أربيل، والمشاكل الداخلية ضد رئيس الإقليم، وخلافاته مع حكومة بغداد، كل ذلك جعلت الفرصة مواتية لاتحاد الوطني ليسير بمشروع الإقليم الخاص به، خاصة وان غريمه الحزب الديمقراطي ليس لديه القوة الكافية لإعلان الحرب على خصومه، أو حتى التهديد بها، لوجود عوائق محلية ودولية تمنع ذلك.
4- غنى الإقليم الجديد بالموارد الطبيعية قياسا بأربيل، إن نظرة الاتحاد الوطني وحركة التغيير إلى الحزب الديمقراطي على انه قد استغل كل موارد الإقليم لصالحه دون إن يكون لهما إي دور في إدارة الموارد الاقتصادية وخاصة النفط والغاز، لهذا يسعى الاتحاد الوطني هو الأخر إن يكون له قرار مستقل في إدارة موارده خاصة وان الإقليم الجديد يضم اكبر حقول النفط وهي حقول (كركوك، ونفط خانة)، وبهذا فان تشكيل الإقليم سيكون أكثر ثراء واستقرارا من أربيل.
5- هناك أطراف إقليمية ومحلية تدفع في هذا الاتجاه، ومنها إيران التي تربطها بالاتحاد الوطني الكردستانيعلاقة جيدة، والسبب في ذلك يعود إلى أن المناطق التي يوجد فيها الاتحاد الوطني الكردستاني تحدها إيران وحدها، بينما للحزب الديمقراطي الكردستاني حدود مع كل من إيران وتركيا، وبالتالي، ليس أمام الاتحاد الوطني أي خيار بديل عن بناء علاقات جيدة مع إيران، وبهذا فان من الواضح إن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة تغيير بداءُ مشروعهم بتشكيل إقليم منفصل كان بدعم إيراني واضح ، إذ إن طهران تأخذ على ” مسعود بارزاني” انه وثق علاقاته مع تركيا، إذ أكدت بعض المصادر إن هدف مجيء “احمد داود اوغلو” وزير خارجية تركيا السابق ورئيس وزرائها حاليا إلى السليمانية، إلى المنتدى الذي عقدته الجامعة الأمريكية، هو من إن اجل “الاجتماع بقادة الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة تغيير بهدف التأثير عليهما وإبعادهما عن السياسة الإيرانية في إقليم كردستان، وان وزير الخارجية التركي “وعد حزب طالباني وحركة تغيير بالتعامل معهما على غرار تعامل تركيا مع حزب بارزاني، وطمأنهما بوقوف أنقرة على مسافة واحدة من الأحزاب الرئيسة الثلاثة في الإقليم”، كذلك موافقة بارزاني على إقامة قاعدة عسكرية أميركية للتعاون والتنسيق في أربيل، وإصراره على تنفيذ برنامج ‘رؤية للغد‘ الذي يتضمن استفتاء عاما للشعب في الإقليم بخصوص تقرير المصير وإعلان الدولة الكردية في كردستان الجنوبية، ويضيف إن هذه القضايا الثلاث تواجه بـ’لاءات إيرانية معروفة.
السيناريو الثالث: استجابة (مسعود بارزاني) لمطالب القوى الأخرى بإجراء إصلاحات في الإقليم، وأهمها تغيير نظام الحكم، وعدم ترشحه لدورة رئاسية ثالثة، وعدم احتكار المناصب العليا، وخاصة العسكرية، للمقربين منه، من حزبه وأقاربه، وهناك عدد من المواقف تؤيد ذلك الاحتمال، ومنها تطور الأوضاع الداخلية في الإقليم بسرعة من جميع النواحي، السياسية والاقتصادية والأمنية والأوضاع في المنطقة والعالم قد تجعل من تعنت البارزاني مستحيلا:
1- فسياسيا إن اغلب سكان الإقليم – وان كان بعضهم يخشى التصريح به- يرفضون التمديد لرئيس الإقليم لدورة رئاسية ثالثة، كذلك رغبتهم بان يكون الحكم في الإقليم ديمقراطيا حقيقيا، وليس بالاسم فقط، إذ إن القوات الأمنية في الإقليم تتعامل بقسوة مع كل من يحاول إن ينتقد أو يعارض سياسات الحزب الديمقراطي، ورئيسه (البارزاني)، كذلك هناك تذمر في الإقليم بشكل خاص والعراق بشكل عام من تصرفات (بارزاني) وتصريحاته التي كانت سبب رئيسي للخلاف بين الإقليم والمركز ومنها التهديد بإجراء استفتاء حول استقلال الإقليم عن العراق، والتي عارضها الكثير من القيادات الكردية، لأنها غير ملائمة من جهة لعدم توفر الظروف الإقليمية والدولية لهذه الخطورة من جهة، كذلك يسعى (بارزاني) من خلالها تحقيق مطالب شخصية خاصة به وبعائلته، لهذا قد يسعى الحزب الديمقراطي ومن اجل استعادة قواعده في الإقليم إن يغير من سياساته وان يتفاهم مع باقي الأحزاب والقوى السياسية في الإقليم، والتراجع عن تعنته السابق.
2- اقتصاديا، إن الوضع الاقتصادي في الإقليم في طريقه للتدهور، إذ إن بعض الموظفين في الإقليم لم يستلموا رواتب لعدة أشهر، رغم إن حجم التصدير من نفط الإقليم وكركوك وصل حسب بعض الإحصائيات إلى 900 ألف برميل يوميا، وهذه الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب انخفاض النفط ألقت ظلالها على الإقليم، وأصبح الشارع الكردي ألان يطالب برواتبه وتحسين معيشته، خاصة ولن الاتحاد الوطني الديمقراطي قد صرح بأنه سوف لن يوافق على تأخير رواتب موظفي السليمانية مرة أخرى، وعلى حكومة الإقليم تحمل النتائج، وبهذا قد تقود هذه الأزمة الاقتصادية الحزب الديمقراطي إلى القبول بالحلول المطروحة والتي توافقه عليها كل الأحزاب السياسية في الإقليم.
3- امنيا، إن الوضع الأمني في الإقليم ليس اقل خطورة من السياسي أو الاقتصادي، فقوات البيشمركة لم تستطيع الصمود أمام تنظيم داعش في هجومه على أربيل عام 2014، حتى كاد إن يدخل إلى مدينة أربيل نفسها، لولا تدخل القوات الأمريكية والدعم الإيراني للإقليم، كما إن خطر لم التنظيم لم يزول لحد ألان، كذلك التدخل الإقليمي ومنه التركي في شمال العراق في نينوى وبمساعدة الحزب الديمقراطي ورئيس الإقليم (بارزاني) الذي فرض معادلة جديدة في المنطقة، إذ اغلب القوى العراقي ومنها الكردية تتهم الرئيس (بارزاني) مباشرة بأنه هو من جلب القوات التركية إلى شمال العراق، التي دخلت عن طريق الإقليم، وان بعض هذه القوى وخاصة الفصائل المنضوية تحت أمرت الحشد الشعبي قد هددت علنا أنها سوف لن تتساهل مع هذه القوات والمتعاونين معها، وهي إشارة صريحة إلى قوات البيشمركة والرئيس (بارزاني)، خاصة وان هناك عدد من المصادمات والمناوشات قد حصلت بين قوات الحشد الشعبي والبيشمركة في جلولاء وطوز خورماتو، لهذا فان الوضع الأمني المتدهور على حدود الإقليم سيكون عائق أخر أمام تحقيق طموحات (بارزاني)، وسوف يجعله يتردد ويقبل بالتفاوض والاتفاق مع باقي الكتل السياسية الكردية من اجل الحفاظ على وجوده ومركزه في الإقليم.
4- الوضع الإقليمي والدولي في الوقت الحاضر ليس في صالح (بارزاني) وحزبه، فإقليميا إن إيران أصبحت دولة إقليمية مهمة في المنطقة، خاصة بعد الاتفاق حول برنامجها النووي ورفع العقوبات عنها، لهذا سوف لن تسمح بأي مغامرة جديدة قد يحاول رئيس الإقليم الإقدام عليها، كما اعتماد (بارزاني) على تركيا هو الأخر هو اعتماد مؤقت ومرحلي، لان اللاءات التركية لازالت قائمة، وهي معارضة إقامة دولة كردية في شمال العراق، ومعارضة تقديم إي دعم عسكري مباشر لأكراد العراق وخاصة السلاح الثقيل والذي قد يكون له اثر سلبي على امن المنطقة مهما تكون الظروف، كما إن تركيا رغم خلافها مع إيران حول بعض المواقف في المنطقة إلا إن سياستها هي عدم إغضاب إيران، أو إقصاءها لأنها تعرف جيدا حجم الخسائر التي قد تمنى بها من هكذا سياسة، لهذا نرى إن العلاقات الإيرانية التركية مستمرة وعلى اعلي المستويات رغم اختلاف وجهات نظرهم حول قضايا المنطقة، حتى إن اعتماد (بارزاني) على حليفه الرئيسي أمريكا هي سياسة غير فاعلة، فالذي يحرك أمريكا دائما هي المصالح، لهذا فان عقدها الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات عنها كان لضرورة ومصلحة مهمة لأمريكا، لهذا فان مصلحة أمريكا حاليا هي تهدئة المنطقة وعدم استمرار الفوضى فيها، لهذا فهي تسعى إلى حل قضايا المنطقة بالاتفاق مع روسيا والدول الإقليمية الأخرى، فهي اتفقت مع روسيا على الحل في سوريا، وتم عقد اتفاق لحل الأزمة الليبية والرئاسة في لبنان، وغيرها، لهذا فان الموقف الإقليمي والدولي هو الأخر سوق يكون ضاغط على (بارزاني) وحزبه للمصالحة في الإقليم.
وأخيرا، إن السيناريو المرشح من الثلاث السابقة هو إن الاتحاد الوطني سوف يسعى لإنهاء علاقته الاستراتيجية مع الحزب الديمقراطي، وتشكيل إدارة خاصة به في السليمانية تضم إليها لاحقا كركوك وبعض أجزاء من ديالى، لأدراك اغلب أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني إن لا مصلحة لهم في بقاءهم ضمن إقليم كردستان، كذلك خوف الاتحاد الوطني من إن يفقد نفوذه في الإقليم، وفي مقره السليمانية، خاصة بعد خسارته في الانتخابات الأخيرة وصعود حركة التغيير خاصة في السليمانية، لهذا يسعى إلى تشكيل إقليم خاص به؛ ليبعد كل المنافسين الآخرين له حتى حركة التغيير، إي الانفراد في الحكم، مستغلا الوضع السياسي المضطرب في الإقليم.