إن تشتت المواقف الدولية والإقليمية، وانشغال أطرافها بصراعات المصالح والنفوذ، واختلاف منطلقاتها في محاربة الإرهاب وتحديد جهاته، من شأنه إطالة عمر “داعش” والتنظيمات الإرهابية، ومنع هزيمتها في الوقت المناسب. أيها القارئ الكريم، في هذا العدد من إصدار (العراق في مراكز الأبحاث العالمية)، ستطلع على ثلاثة مقالات مهمة: المقال الأول (زواج غير سعيد: العلاقات المدنية – العسكرية في عراق ما بعد صدام)، للكاتبة الفرنسية (فلورنس غاوب)، نشره (مركز كارنيغي للشرق الأوسط)، سعت الباحثة من خلاله إلى بيان العلاقة المختلة بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية في عراق ما بعد عام 2003، والتي قادت إلى الانهيار المريع لأربعة فرق عسكرية مدججة أمام مئات من تنظيم “داعش” في النصف الثاني من عام 2014، في الوقت الذي تعاني المؤسسة العسكرية من فقدان الثقة والفساد وعدم القدرة على بناء علاقة جيدة مع السلطة التنفيذية، فضلا على سيادة منطق المحاصصة الطائفية والقومية الذي يتعارض مع هدف بناء جيش قوي فعال. وكل ذلك ترافق مع ظروف تشكيل الجيش العراقي الجديد في ظل تمرد متصاعد في الداخل، واحتلال أمريكي مرفوض شعبيا، ونظام تدريب مختلف، وسرعة اقتضتها الحاجة الملحة بعد حل الجيش السابق. وتؤكد الكاتبة في سياق مقالها على أن سياسات حكومة السيد المالكي أضعفت كثيرا دور المؤسسة العسكرية، وجعلتها غير فاعلة عندما حل وقت القتال ضد تنظيم “داعش”.
المقال الثاني (كيف أعلن تنظيم “داعش” الحرب على العالم)، للكاتب (وليام مكانتس)، نشره (معهد بروكينغز) الأمريكي، والكاتب يريد أن يشير إلى حجم الخطر الإرهابي الذي يشكله تنظيم “داعش” على العالم من خلال ميزانيته المالية الكبيرة، وعملياته الدموية المدمرة، التي تطال أكثر من دولة. كما يطرح تصوراته عن سبل مواجهة التنظيم، فينتقد سياستي الاحتواء والتدمير له؛ لما لهما من مخاطر، ويرى أن سياسة التحالف الدولي القائمة على الاحتواء والتقدم التدريجي من الأطراف إلى المركز في غرب العراق وشرق سوريا سياسة جيدة وتحقق نتائج، ويرى أنه حتى عندما يتم تدمير التنظيم فإن من المتوقع أن تستمر بعض عملياته ضد أعدائه، لكنه لن يقوى على السيطرة على أراضٍ جديدة.
المقال الثالث (كيف يمكن وضع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في موقف الهزيمة؟)، للكاتب (روبرت سكيلز)، نشرته (مجلة الناشيونال ريفيو)، بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2015، وحاول كاتبه بيان تأثير حمى هزيمة “داعش” على حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثم تطرق إلى متطلبات قيادة حملة دولية للقضاء على التنظيم في سوريا، والتي جعل من شروطها اشتراك قوات عسكرية لدولة سنية أو أكثر، وجرى التركيز على دور تركيا والأردن والعربية السعودية، ولا ينكر الكاتب في نهاية مقاله صعوبة هذه الحملة وحاجتها إلى وقت طويل لإنجازها؛ لأنه يرى أنه “لا يمكن للحملة هزيمة “داعش”، بل سيتحول إلى مجرد تنظيم لا يعرف قرارا، كل همه الصراع من أجل البقاء، لا أن يشكل إرهابا للغرب..”.