أ.م. د حيدر حسين آل طعمة
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
شباط / فبراير 2016
تزداد محنة الاقتصاد العراقي مع استمرار التراجع الحاد في اسعار النفط وعجز الحكومة عن ايجاد منافذ تمويل جديدة تسهم في تمويل الموازنة والاقتصاد. يتزامن ذلك مع استمرار الصراع مع داعش وما خلفه من خسائر طالت معظم جوانب البنية التحتية في المناطق المحررة، فضلا على ضرورة تأمين التمويل المطلوب لاستمرار التقدم العسكري واستيعاب ملف النازحين واعادتهم الى مناطق سكناهم. هذه الملفات وغيرها تثير الشك حول قدرة الحكومة العراقية على احتواء الصدمات السياسية والامنية والاقتصادية المركبة والتكيف مع الهبوط المزمن للإيرادات النفطية، خصوصا في خضم مشهد اقليمي وعالمي معقد زاد من تحديات الحكومة في مواجهة الازمة.
مع ذلك، يشيد خبراء صندوق النقد الدولي بدور الحكومة في التعامل مع الوضع الاقتصادي الراهن للبلد، فعلى الرغم من الظروف العصيبة التي يمر بها العراق، فقد نجحت السلطات في تنفيذ العديد من التوصيات التي صدرت عن مشاورات الصندوق (المادة الرابعة لعام 2013). وتسعى الحكومة العراقية حاليا الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي بموجب “أداة التمويل السريع” لدعم جهودها في معالجة تأثير الصراع مع تنظيم “داعش” وانخفاض أسعار النفط على ميزان المدفوعات. وترى السلطات العراقية أن “أداة التمويل السريع” سوف تساعد أيضا على توفير موارد إضافية من خلال تيسير الاقتراض المزمع من أسواق المال وإتاحة التمويل من منظمات التمويل الدولية الأخرى. وتعكف السلطات العراقية حاليا على تنفيذ عدة تدابير واجراءات متعلقة بالسياسات الاقتصادية لمواجهة الأزمة، بما في ذلك إجراء تصحيح لأوضاع المالية العامة والتمويل على نطاق واسع لمعالجة انخفاض الإيرادات، مع الحفاظ في ذات الوقت على نظام ربط سعر الصرف بالدولار، والذي يوفر ركيزة أساسية للاقتصاد.
اصلاح المالية العامة.
ثمن صندوق النقد الدولي، في تقريره الصادر نهاية العام الماضي حول العراق، محاولة الحكومة العراقية، من خلال موازنة العام 2015، معالجة الضغوط على المالية العامة الناجمة عن انخفاض عائدات النفط والصراع مع تنظيم داعش. فقد استحدثت موازنة العام الماضي تدابير واسعة النطاق لتعزيز الإيرادات وخفض النفقات، الأمر الذي ترتب عليه خفض العجز بنسبة (13%من إجمالي الناتج المحلي).
1-على جانب الإيرادات، عمدت الحكومة الى زيادة معدلات الضريبة على الدخل ورفع الضرائب الجمركية وضرائب المبيعات على السيارات والتبغ والكحول والهواتف المحمولة واستخدام الإنترنت، ومحاولة جباية الديون الحكومية المتراكمة على المؤسسات والمواطنين منذ سنوات. مع ذلك، واجه التوجه الجديد جملة من التحديات لعل ابرزها ضعف التعاون والتنسيق بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم مما عطل عدد كبير من القوانين (الضرائب الجمركية تحديدا).
2-رغم جهود الحكومة ضبط أوضاع المالية العامة، الا ان العجز المالي الحكومي استمر بالزيادة، ويعود ذلك إلى حد كبير الى استمرار ضغوط الإنفاق الحادة لتلبية الاحتياجات الأمنية والإنسانية الكبيرة التي تشهدها البلاد. اضافة الى تسديد مستحقات العقود الاستثمارية وشركات النفط الدولية. وترى السلطات الحكومية أن هذه البنود من الإنفاق العام لا يمكن تخفيضها بسهولة في هذه المرحلة، نظرا لصعوبة البيئة السائدة والتحديات الامنية والاقتصادية والاجتماعية.
3-عززت السلطات الحكومية في العراق من جهودها الرامية إلى ايجاد مصادر تمويلية بديلة. فمع نفاذ احتياطيات المالية العامة الوقائية في صندوق تنمية العراق بنهاية العام 2014 ، أصبحت السلطات مضطرة للاقتراض من المصارف المملوكة للدولة، والتي تتلقى بدورها الدعم من البنك المركزي العراقي عن طريق الخصومات على السندات الحكومية، من اجل تمويل العجز المالي الحكومي.
4- انتهجت الحكومة العراقية استراتيجية حكيمة في إدارة الدين العام، وتدرس حاليا تطوير وتعميق سوق الدين المحلي باستحداث أدوات جديدة من شأنها تنويع مصادر تمويلها. بالإضافة إلى ذلك، سوف تعزز مراقبة الحكومة للدين المحلي الحفاظ عليه عند مستويات قابلة للاستمرار. وتعمل السلطات على إحراز تقدم ملموس في المفاوضات مع البلدان الدائنة غير الأعضاء في نادي باريس، وتتوقع إبرام اتفاقات جديدة مع بعض البلدان الدائنة خلال هذا العام بشروط متسقة مع اتفاق نادي باريس لعام2004.
5-أطلقت الحكومة العراقية مبادرة لإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة للمساعدة في التخفيف من العبء الواقع على كاهل القطاع العام. وقد أعدت بهذا الخصوص دراسة تتوخى إجراء تقييم منهجي للتكلفة والعائد بغية تقييم قدرة كل مؤسسة على البقاء وتيسير اتخاذ القرارات بشأن إغلاقها أو خصخصتها أو الحفاظ على ملكية الدولة لها بعد إجراء إعادة الهيكلة المناسبة.
6- تعمل السلطات على تعزيز إجراءات الإدارة المالية العامة لديها لدعم انضباط المالية العامة وكفاءة استخدام الموارد النفطية. اذ تواصل العمل على استحداث نظام متكامل لمعلومات الإدارة المالية بدعم من البنك الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يدرس مجلس شورى الدولة قانونا جديدا للإدارة المالية العامة من شأنه تمهيد الطريق لاستحداث حساب الخزانة الواحد. وسوف تستمر السلطات في الاعتماد على المساعدة الفنية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتعزيز جهودها في تلك المجالات.
تتمة خطوات الاصلاح وتحليل ومناقشة رؤية صندوق النقد الدولي ستطرح في الجزء الثاني من الدراسة.