ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
شباط-فبراير 2016
يبدو أن تنامي الدور الإقليمي للجمهورية الإيرانية في المنطقة, ونجاحها الدولي ولاسيما بعد الاتفاق النووي مع دول (5+1), قد وضع المملكة العربية السعودية في موضع المواجهة؛ لأن صانع القرار السعودي والخليجي عادةً ما يعد هذا التنامي تهديدا للأمن القومي الخليجي. فالتطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط جعلت من صانع القرار السعودي يفكر ملياً في كيفية تطوير قدراته السياسية والعسكرية وربما حتى النووية؛ لمواجهة التحديات السياسية والأمنية إقليمياً. وقد بدأت السعودية بتلك المواجهة بعدما أعلنت الحرب على أنصار الله “الحوثيين” من خلال عاصفة الحزم في العام الماضي, ومشاركتها الجوية بالتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”, ومن ثم الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي “المكون من (35) دولة إسلامية وعربية”, وإعدامها للشيخ النمر, وأخيراً استعدادها للتدخل بقوات برية في سوريا؛ لمحاربة تنظيم “داعش”, فضلاً عن إدارتها للملف السوري بدعمها للمعارضة المتشددة, وتدخلها العسكري بالوكالة. كل ذلك، هو صناعة حدث قد ينقل الدولة السعودية من مستجيب للأحداث الدولية والإقليمية إلى صانع حدث وفاعل مؤثر في البيئة الإقليمية وربما الدولية أيضاً. لكن هل هذه التحركات تتناسب مع القدرات العسكرية والاقتصادية للمملكة, ومع حجمها السياسي الإقليمي والدولي؟، أم هي مجرد مناورات سياسية إقليمية؟.
كل الأحداث والمستجدات السياسية والأمنية سواء المتعلقة بالداخل السعودي أم بالمحيط الإقليمي “السابقة الذكر”, هي مستجدات وأحداث لايمكن الاعتماد عليها كوحدات لقياس القدرات السعودية, ولاسيما العسكرية منها. فالتدخل السعودي العسكري في اليمن لم يكن ناجحاً ولم يأتِ بثماره العسكرية لحد الآن, مقارنة بالخسائر المادية والبشرية التي كلفت المملكة, والاستنزاف في ترسانتها العسكرية, وربما كما يعده البعض “التدخل في اليمن” بأنه مستنقع قد يغرق المملكة إذا لم تتداركه بحل سياسي. وأيضاً تدخلها الجوي ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، لم يبرهن على قوتها العسكرية, فهو انضمام شكلي. وكذلك الحال بالنسبة للتحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه المملكة مؤخراً، فهو تحالف مبهم غير مدروس وغير واضح المعالم. إلا أن الحديث الدائر عن التدخل البري السعودي في سوريا ومحاربة تنظيم “داعش”، قد يكون هو الاختبار الحقيقي للقدرات العسكرية للمملكة العربية السعودية, على الرغم من كثرة المخاطر والتحديات التي تترتب على هذا القرار. وقد يكون خيارا خاطئا، وسيزيد من المخاطر العسكرية على المملكة، ويثقل كاهلها المثقل أصلاً، من خلال حربها في اليمن, فضلاً عن وضعها السياسي والاقتصادي الداخلي “الهش”, والعجز الاقتصادي الذي تعانيه المملكة جراء الانخفاض في أسعار النفط العالمية.
الاقتراح السعودي الأخير الذي وضعته السعودية كخيار رئيس لمواجهة تنظيم “داعش” في سوريا كهدف معلن!, وبموافقة أمريكية وغربية, ودعم من قبل حلف الناتو, يأتي نتيجة للتطورات السياسية والعسكرية في شمال سوريا, وتصاعد العمليات العسكرية الروسية ضد معاقل المتطرفين في سوريا، وتمكنها من تحرير بعض المناطق بمساندتها للجيش السوري والقوات الكردية, مما زاد من المخاوف “السعودية – التركية” في تقطيع أوصال المعارضة وحلفائها في شمال سوريا وقطع خط الإمداد التركي. كذلك يعد هذا الاقتراح السعودي (نشر قوات برية) “محاولة لتنشيط الدور الأميركي، ودفعه إلى لعب دور يشابه ما قامت به أميركا اتجاه الأكراد (أكراد سوريا)، والهدف هنا هو دعم الجيش السوري الحر”. وقد يكون التدخل السعودي في سوريا عبر البوابة التركية, وهذا ما بدأ بالفعل من خلال نقل بعض المعدات العسكرية والطائرات السعودية إلى قاعدة انجرليك التركية. وقد تحاول تركيا أن تدفع بالسعودية للمواجهة العسكرية في سوريا والنأي بنفسها من التدخل العسكري؛ لأنها تعلم وتدرك مخاطر التدخل البري وتداعياته الداخلية والإقليمية. وكذلك تريدتركيا من السعودية أن تكون هي القوة البرية المواجهة للجيش السوري والقوات الكردية, فضلاً عن التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية.
تدخل السعودية في سوريا ينذر بتداعيات إقليمية خطيرة, وربما ينذر بحرب عالمية؛ بسبب تعدد الأطراف الإقليمية والدولية التي تدير الأزمة السورية, وهذا ما عبر عنه رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيدف، حين حذر من نشوب حرب عالمية في حال تدخل قوات عربية في سوريا, فضلاً عن التواجد الكبير للفصائل الشيعية الساندة للنظام والفصائل السنية المعارضة, والجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تحمل آيديولوجية إسلامية راديكالية ومتطرفة “التي تسيطر على بعض الأراضي والبلدات في سوريا”. وهذا قد يضع القوات السعودية بمواجهة الطيران الروسي والسوري، ونيران القوات السورية والفصائل الشيعية, فضلاً عن المواجهة المحتملة مع التنظيمات الإرهابية “داعش” و “جبهة النصرة”, مما ينبأ بمواجهة بين أقطاب النظام الدولي “روسيا وأميركا”؛ لكون الولايات المتحدة هي الضامن مع حلف الناتو للتدخل السعودي في سورية, وأن المشاركة من الجانب السعودي مشروطة بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا التدخل. وقد تتمدد تداعيات هذا التدخل على الصعيد السياسي بين دول المنطقة, أو قد يؤدي هذا التدخل إلى التصعيد بين الأطراف التي تديرها تلك الدول خارج حدود الدولة السورية, مما ينذر بمواجهات سياسية طائفية, قد تجر المنطقة إلى حرب. ولربما يكون هذا الطرح السعودي الأمريكي (التدخل البري في سوريا) لزيادة الضغط على موسكو وطهران في إنجاح محادثات جنيف (3), المزمع استئنافها في 25 من هذا الشهر؛ ولهذا تضع الأطراف الدولية المعارضة للنظام السوري التدخل البري في سوريا كاستراتيجية بديلة في حال فشل مفاوضات جنيف (3). لكن هناك عدة أسئلة تبقى مطروحة لصانع القرار السعودي: هل إن صانع القرار مدرك جيداً لهذا التدخل وتداعياته على المستوى الداخلي والإقليمي, ولاسيما وأن السعودية لم تخرج بعد من مستنقع اليمن؟. وهل إن السعودية قادرة على إدارة الملف السياسي والعسكري في سوريا في آنٍ واحد إلى جانب حربها في اليمن؟. وهل إن الجيش السعودي يمتلك تلك القدرات العسكرية والقتالية التي تمكّنه من مواجهة الجيوش والفصائل والجماعات الإرهابية المتمرسة على حرب الشوارع والمناورة العسكرية وسرعة المباغتة؟. كل تلك الأسئلة يجب أن تكون حاضرة في ذهن صانع القرار السعودي, ولاسيما أن المملكة تعاني من أزمة داخلية على الصعيد السياسي, وكذلك الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد السعودي جراء الانخفاض في أسعار النفط؛ لأن التدخل البري في سوريا سيفتح على السعودية جبهة أخرى, فضلاً عن جبهتها في اليمن.