مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
10 شباط / فبراير 2016
نظم مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء، حلقة نقاشية في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء: 10/2/2016، بعنوان: “جولات التراخيص النفطية في ميزان المصلحة الوطنية”، وبحضور أكاديمي وسياسي مميز.
افتتح الجلسة الدكتور خالد عليوي العرداوي “مدير المركز” بكلمة ترحيبية بالحضور، جاء فيها: يشرفنا حضوركم لمناقشة ملف شائك ومعقد وهو ملف عقود جولات التراخيص النفطية. فلا يخفى على الجميع ما لهذا الموضوع من أهمية كبيرة على مستقبل الاقتصاد العراقي. كما أن هناك الكثير من الجدل يدور في وسائل الإعلام بين من يمتدح هذه العقود وبين من يذمها، وبين من يشكك بوطنية الحكومة التي أبرمت هذه العقود وبين من يقول إنها حكومة وطنية كانت تستهدف مصلحة العراق. ونحن في مركز الدراسات الاستراتيجية – وكما تعرفون أن مراكز الأبحاث مؤسسات موضوعية محايدة، تعمل من أجل طرح الأفكار بشكل موضوعي يحقق المصلحة العامة ويقدم الرأي الواضح الشفاف للباحثين وأصحاب القرار – يسرنا اليوم أن نعقد هذه الحلقة النقاشية التي سيكون فيها بيننا ثلاثة باحثين مع أوراقهم البحثية.
قدم د. محمد ناجي محمد “تدريسي ومعاون عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة كربلاء” ورقته البحثية التي تحمل عنوان (قضية واقع النفط في العراق…الجولات وأسباب عقدها)، جاء فيها: إن العراق بلد ريعي أحادي الجانب يعتمد على النفط، ويمتلك احتياطي هائل يقارب الـ 142 مليار برميل نفط مؤكد، ومحافظة ميسان مثلا، لديها احتياطي أكثر من 30 مليار برميل، وإنتاجها يقارب 100-110 ألف برميل. وخلال جولات التراخيص التي شملت هذه المحافظة، من المفترض أن يرتفع إنتاجها إلى مليون برميل عام 2017. أما محافظة البصرة، فلديها حقل الرميلة الجنوبي، فضلا على احتمال امتلاكها أكبر حقل تم اكتشافه في العالم، وهو متروك حاليا. إن الغاية من جولة التراخيص زيادة كمية الإنتاج، في حين إن الحكومة لا تستطيع أن تزيد الإنتاج إلى 4 مليون ب/ي، فكيف ستصل إلى 12 مليون ب/ي.
وتتمثل الجوانب السلبية في جولات التراخيص، في أنه كان لدينا فائض في الميزانية، لكن مع جولات التراخيص ومع زيادة الإنتاج نحن نتبع لمنظمة أوبك ومحددي الحصص، فكيف لا تنخفض الأسعار مع زيادة العرض؟!
علاوة على ذلك، كانت هناك زيادة في التكاليف دون الاهتمام بكيفية استثمارها، والتي ستتحملها الحكومة مع التكاليف الإنتاجية، مثل التكاليف الاستثمارية وغيرها.
بشكل عام، كان يجب على الحكومة في جولات التراخيص استغلال الحقول الصغيرة وليست الحقول الكبيرة وبشكل تدريجي.
هنا سأل الدكتور خالد العرداوي الدكتور محمد: أخبرني صراحة وباختصار هل كنا بحاجة إلى جولة التراخيص؟
فأجاب: لا لم نكن بحاجة لها. بعدها قدم د. فراس حسين علي “رئيس قسم إدارة الأزمات في المركز” ورقته البحثية التي حملت عنوان: (جولات التراخيص: مضامينها السلبية والإيجابية)، جاء فيها:
عانى القطاع النفطي في العراق بشقيه الاستخراجي والتحويلي من تهالك البنى التحتية منذ زمن ليس بالقليل نتيجة الحروب والحصار التي مرت على العراق، إذ لم يشهد هذا القطاع أي حالة تطوير للصناعة النفطية وتحديداً منذ عام 1980. وبعد العام 2003 كانت الأنظار تتجه إلى هذا القطاع للقيام بدور بارز كقطاع قائد للقطاعات الاقتصادية في العراق، إلا أن المبالغ الكبيرة التي تحتاجها عملية التطوير للبنى التحتية وتخلف التكنلوجيا المستخدمة أدت إلى عدم القيام بالدور المطلوب، ومن ثم الانتقال لعقود جولات التراخيص لإعادة هيكلة هذا القطاع لتطويره وتقليل الانخفاض السنوي في الإنتاج النفطي، إذ لم يزدد الإنتاج في أوائل عام 2011 بعد عن مستوى الإنتاج أثناء حرب عام 2003، وهو 2.4 مليون برميل في اليوم، ويتم تصدير 1.9 مليون برميل منها. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من قبل الشركات الوطنية، إلا أن التراجع بدأ. ومن ثم كانت هناك حاجة إلى تغيير الواقع النفطي، ولاسيما بعد ازدياد الاعتماد على الإيرادات النفطية كإحدى أهم مصادر الدخل.
وقد استعرض د. فراس شروط التعاقد بين الحكومة العراقية والشركات لكل جولة من جولات التراخيص مشفوعة بمخططات وجداول ورسوم توضيحية أخرى. وأضاف: إن التساؤل الذي يُثار هنا: لماذا كانت عقود الخدمة التي اعتمدتها وزارة النفط لها مدة طويلة؟. والسبب في ذلك – بحسب رأي الخبير النفطي حمزة الجواهري – هو أن مدة التطوير للحقل قد تطول لتصل إلى عشرة سنوات لبلوغ إنتاج الذروة، وتبقى هناك مشاريع تطويرية أخرى ضرورية مكملة للتطوير الأساسي، كأن تنشئ الشركة منظومة لضخ الغاز، أو منظومة لضخ غاز ثاني أوكسيد الكربون، أو لضخ البوليمرات، كنوع من الإنتاج المعزز لرفع نسبة الاستخلاصRF لبعض المكامن النفطية التي تم تطويرها؛ لأنه لا يمكن الوصول إلى قناعة بهذا النوع من التطوير إلا بعد دراسة مبنية على أساس تحليل المعطيات التي تراكمت لسنوات، من خلال المراقبة المكمنية والإنتاج والتحاليل والدراسات الجيولوجية والبترولوجية، ونتائج دراسات أخرى متعددة تجتمع نتائجها كلها في دراسة التمثيل المكمني الرقمي، وهو محاكي رقمي عملاق يستفيد من كل هذه المعطيات العلمية ليضع تصورا لعدة سيناريوهات افتراضية مختلفة لإنتاج المكمن، وذلك للوصول إلى أفضل أسلوب لإنتاج المكمن، ومن ثم الوصول إلى أعلى معامل استخلاص للمكمن، وبعدها يترجم هذا الأمر على أرض الواقع من خلال مشاريع إعادة التطوير المتعددة التي لا تنتهي إلا بإنتاج آخر قطرة من النفط الموجود في المكمن النفطي. بمعنى آخر، حتى التطوير الذي يعتمد على هذه الدراسة، يجب أن يخضع لإدارة مكمنية محكمة لمراقبة أداء المكمن بعد كل هذه الجهود.
ثم قام الأستاذ الدكتور عبد العباس فضيخ “استاذ قسم الجغرافية السياسية في جامعة كربلاء”، بتقديم ورقته البحثية التي عنوانها: (جولات التراخيص ومستقبل الطاقة في العراق)، ومما جاء فيها:إن هناك عناصر مهمة لإعادة ترتيب الأوراق ومنها النفط. فأمريكا مستقبلا ستكون على خلاف مع الصين، والأخيرة ستتخطى واشنطن اقتصاديا. أما إذا سيطرت الولايات المتحدة على منابع النفط، فإنها ستخنق الصين مستقبلا. لذا يجب ترتيب أوراقنا كدول أمام هذه التحديات.أهمية النفط حاليا بدأت بالتراجع، وهناك إشكالية بالنسبة للدول المنتجة له، فلا أسواق له مستقبلا، وعليه يجب استغلال العائدات لبناء تنمية شاملة وفق إدارة حكيمة.المشكلة الأخرى لدينا تتعلق بالسعودية، التي تقوم بالخفاء بإنتاج 11مليون ب/ي، وغطت مناطق واسعة من العالم بالنفط الرخيص، لضرب اقتصاديات دول معينة.المسألة الأخرى، نحن أمام إعلام جارف، منه ما يخص الفساد وغيره، لذا يجب أن تكون هناك وقفة مهمة لإعلام متفنن وليس متهالك.الإشكالية في عقود جولات التراخيص، جعلها مقابل سيادة الدولة العراقية، حتى أن الخبراء يشككون بها. فالعقود في ظاهرها جيدة وفيها ضمانات حتى للبيئة ولسكان المنطقة وغيرها، لكن ما مشكلتها؟. هذه التساؤلات المستقبلية يجب على الإعلام وعلى وزارة النفط الإجابة عليها، فهل هذه العقود فعلا أضرّت بالسيادة؟.
إن ما يعيب هذه العقود أنها عقود مخاطرة. فهي لا تتوافق مع العراق بوصفه مكمنا للنفط. أما بالنسبة للإنتاج، فهل أن البلد قادر على إنتاج 11 مليون ب/ي؟ أين سيتم تخزينها؟ كيف سيتم تصديرها؟ أين سيتم استهلاكها؟ أين أسواقها في ظل المنافسة العالمية؟. لذا يجب على الوزارة وضع خطة قريبة الأمد ومتوسطة وطويلة.
أما ما يتعلق بالجانب السياسي، فبماذا يفكر صانع القرار العراقي؟ هل أخذ بنظر الاعتبار انخفاض أسعار النفط؟. كثير من القنوات تقول إن عقود المشاركة ستكون مناصفة بين الحكومة والشركات بنسبة 75%، لكن هذه النسبة ليست من المبلغ العام. والتساؤل هنا: هل قرارات الشركات تأخذها بنفسها أم لديها مكافئ محلي؟. اليوم، نحن نخشى أن تكون لدينا مديونية يصعب علينا سدادها.
وأخيرا، يجب التركيز على موضوع الغاز الغير مستغل وطرق الاستفادة منه. وبعد انتهاء الباحثين من تقديم أوراقهم البحثية، فتح الدكتور خالد العرداوي “رئيس الجلسة” باب الحوار والنقاش، فكانت المداخلات كما يلي: الأستاذ رياض غريب “نائب في البرلمان العراقي”، قال: إن هناك نوعين من العقود: عقود الخدمة، وتعني إن مقابل الخدمات التي تقدمها الشركات نعطيها مبلغا عن كل برميل منتج، بعد صرفهم مبالغ في الاستثمار. وعقود الشراكة، وتعني المشاركة في الإنتاج، كما هو موجود في السعودية. وإن الهدف من الزوبعة الإعلامية حول جولات التراخيص، هي الشركات نفسها. فهم يدفعون الكثير من الأشخاص لتشويش الصورة، من أجل إلغاء عقود الخدمة والرجوع إلى عقود الشراكة، المربحة بالنسبة لها. كما أن السعودية ليس من مصلحتها أن ينافسها العراق ويضعف وضعها. وما حدث في البصرة تورطت به أيدٍ إقليمية لتقليل الإنتاج والتصدير العراقي. أما فيما يخص الغاز، فإننا سنكتفي به عام 2017، وقد أحيل إلى شركات أمريكية كمرحلة أولى. وفعلا العراق يستورد الغاز من إيران، ولكن سنكتفي من الغاز وبإمكاننا أن نصدر.د. محمد ناجي محمد: دعا إلى وجوب التركيز على دور الإعلام لنشر الحقائق عن جولات التراخيص لتوضيح الأمور للناس.الأستاذ رياض غريب: إن الفضائيات تمولها دول وشركات، ولدينا قناة العراقية فقط. كما إن وزير النفط السيد عادل عبد المهدي وغيره من مسؤولي الوزارة قد عقدوا جلسات لمناقشة وعرض جولات التراخيص.د. محمد ناجي محمد متسائلا: بخصوص الغاز المصاحب في البصرة وميسان المشتعل، هل هناك اتفاق بين الحكومة والشركات لاستثماره؟الأستاذ رياض غريب: نعم هناك شركات أمريكية سوف تستثمره. د. خالد العرداوي بخصوص الإعلام العراقي: إن الإعلام العراقي ضعيف، كذلك إعلام وزارة النفط، فكان الأجدر بالوزارة ولاسيما علاقاتها العامة أن تعمل على عقد ندوات وحلقات نقاشية داخل الجامعات لتوضيح الأمور وإزالة اللغط المثار حول جولات التراخيص.د. حيدر حسين آل طعمة “تدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد، وباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية” قال: يكاد يكون من أبرز المنجزات التي تفتخر بها الدولة العراقية بعد عام 2003 هو جولات التراخيص. المشكلة ليست في بنود جولات التراخيص، وإنما في إدارة جولات التراخيص، فهذه الإدارة هي التي تغلغل فيها الفساد ودبّ من خلالها إلى جولات التراخيص، وهو ما يجب الالتفات إليه ومعالجته من قبل صانع القرار العراقي.
الأستاذ أمير مراد كاظم “مهندس في معهد العراق للطاقة ومدير عمليات”، تكلم عن إيجابيات وسلبيات جولات التراخيص. فمن السلبيات التي بيّنها هي إن الخبراء الذين تعتمد عليهم الشركات يتم دفع أتعابهم من خزينة الدولة العراقية ولم تقم الشركات بتطوير كوادر عراقية قادرة على إدارة ملف النفط فنيا في المستقبل. ومن الايجابيات، إن صناعتنا النفطية كانت متلكئة، وكان يجب إدخال الشركات المتقدمة لتطويرها، وتجربة جولة التراخيص فريدة من نوعها في العالم، ولا تشبه ما في الدول المحيطة. أما فيما يخص الغاز المصاحب، فإننا نحرق ما يقارب 7 مليون قدم مكعب في المنطقة الجنوبية يوميا، وما زال الغاز يحرق رغم نوايا التعاقد مع شركات لاستثماره. ورأى أن البحث في إمكانية تعديل شروط جولات التراخيص صعب جدا؛ بسبب الشروط الجزائية. وكوني مهندس نفط، أنصح بإعادة دراسة جولات التراخيص. فالعراق كان يضرب به المثل في رخص النفط المستخرج. وكان يجب إعطاء الحقول الصعبة إلى الاستثمار وترك الحقول السهلة إلى العراقيين وليس العكس، وهو ما حدث مع جولات التراخيص.
الأستاذ عباس فاضل عباس “مسؤول مكتب مجلس النواب في كربلاء المقدسة”، تحدث عن وجود إشكالية انعدام ثقافة التخصص والتدخل فيما لا نعلم، فضلا على ضعف الإعلام الوطني ووجود قنوات مضللة. وفي جو الفساد الذي نعيشه في العراق، أعتبر جولات التراخيص إنجازا وطنيا.
الأستاذ جاسم الشمري “مدير مركز الدراسات والبحوث في محافظة كربلاء المقدسة”، أكد على ضرورة وجود خبير قانوني في الجلسة، لتقديم ورقة قانونية يوضح فيها الالتزامات القانونية الواردة في جولات التراخيص.
د. حسين أحمد دخيل “رئيس قسم الدراسات الدولية في المركز” أشار إلى وجود لغط كبير في جولة التراخيص بسبب عدم شفافية وزارة النفط. ووجه سؤالين إلى د. فراس حسين: في خضم الوضع الاقتصادي الصعب والتكاليف التي ذكرتها، هل سدد العراق المتطلبات المادية للشركات؟ وهل يوجد على جولات التراخيص تأمين عقود، وما هي شروطها؟.
د. فراس حسين: نعم قام العراق بسداد معظم المتطلبات، والمتبقي شيء يسير. والشفافية مهمة، لكن من جانب آخر لو عرضت النتائج فستصبح عرضة للانتقادات.
التوصيات:
خرج المجتمعون في الحلقة النقاشية بتوصيات عدة موجهة إلى صانع القرار العراقي منها:
- مراجعة جولات التراخيص مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية للعراق.
- على الإعلام العراقي أن يلعب دورا أكثر جدية، وأن يوصل الحقائق إلى الشعب بشكل أمين ونزيه.
- على وزارة النفط تطوير كوادرها العلمية والاستفادة من الخبرات الأكاديمية، وتفعيل دور الجهات ذات العلاقة لديها لتوعية المجتمع بجولات التراخيص وفوائدها التي ستنعكس على المصلحة الوطنية العراقية في حال النجاح في تنفيذ بنودها.
- على صانع القرار العراقي إدراك ما يطبخ في المحيط الإقليمي والدولي؛ لتحديد انعكاساته على الشأن العراقي.
- تطوير صناعة تكرير البترول، وإطلاق جولة تراخيص لتطوير المصافي.
- على وزارة النفط ضبط إيقاع النفقات وهيكلتها بالشكل الذي ينسجم مع سوق النفط، وكذلك تشديد الرقابة.
- على وزارة النفط ألا تعتمد على حقول النفط الجاهزة بل على المكتشفة، وأن تعتمد على جميع مراحل إنتاج النفط، وأن يكون في كل محافظة مصفى.
- يجب مواكبة التطور العالمي، وعلى وزارة النفط أن تستغل فورات النفط لشراء حصص الشركات بالتدريج.
- اعتماد الخبرة العلمية لكي نكون فاعلين في المحيط الدولي، والتأكيد على الإدارة الناجحة.
- على وزارة النفط تدريب وتأهيل الكوادر العراقية.
- إن العراق زاخر بالعقول الوطنية، فإذا استطاع صانع القرار الانفتاح على الرأي الآخر وتشاور مع مواطنيه بشفافية تهدف إلى الحفاظ على المصلحة الوطنية، فإنه سيقهر كل التحديات.