علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
شباط –فبراير/2016
تعد الانتخابات حقا من الحقوق التي تُعطى للمواطن من أجل أن تترك له حرية الاختيار (أي الاختيار من بين عدة متغيرات متاحة لديه). وهنا يُحكم عقله وتوجّهه في سبيل التوصل إلى الاختيار الصحيح. والتساؤل هنا: على ماذا يستند الناخب؟، وما هي الدوافع وراء تفضيل شخص على آخر؟.
هناك جوانب عدة وراء ذلك، منها الجانب الشخصي، والعاطفي، والسلوكي، والوطني (أي من باب المصلحة الوطنية والصالح العام). كذلك هناك ثمة دوافع، منها السياسي، والمادي، والعقائدي. وأيضا يوجد ناخبون يتبعون في خيارهم البرامج والأهداف والأفكار، ويختارون ما يناسب ذلك. وبالانتقال إلى تجربة العراق بعد التغيير السياسي في عام 2003, وما نتج عنها من تغيرات سياسية, واجتماعية, وأمنية, واقتصادية, وظهور عدد ليس بالقليل من أحزاب وقوى وتيارات سياسية, وانتخابات متعاقبة، الأمر الذي عده البعض بالشيء الجديد على الشعب العراقي، ولاسيما بعد تجربة حكم الحزب الواحد لمدة خمسة وثلاثين عاما تقريبا, ليدخل المواطن العرقي في أجواء الانتخابات ابتداءا من تجربة انتخابات الجمعية الوطنية مرورا بالتصويت على الدستور وما أعقبها من انتخابات تشكيل أول برلمان دائم حتى الانتخابات الأخيرة 2014 والدورة البرلمانية الثالثة، خضع الناخب العراقي إلى مؤثرات عدة، ولاسيما الدينية والاقتصادية والأمنية، والترغيب والترهيب في بعض الأحيان، وتهيئة ذهنية الناخب للتصويت باتجاه معين، خاصة في خضم الفوضى السياسية والأمنية التي شوشت ذهن المتلقي وولدت لديه صعوبة في الوصول إلى الاختيار الصحيح نظراً لتلك الأسباب. ولا يفوتنا أن نذكر أن هناك أسبابا خارجة عن إرادته، منها التجربة الجديدة للانتخابات في العراق, وغياب قانون الأحزاب طيلة السنوات السابقة قبل أن يقره مؤخراً مجلس النواب العراقي في 2015 وهو جوهر العمل السياسي، إذ ينظم عمل وآلية الأحزاب. والأوضاع الأمنية المتردية, وعامل التأثير الخارجي، والصراع على السلطة, وهيمنة أحزاب بعينها على جل المشهد السياسي أيضا. ومن أهم الأمور التي أفقدت الناخب ثقته في الانتخابات والعملية السياسية ككل, هو تردي الواقع الخدمي وإخفاق الطبقة السياسية الحاكمة من سد الاحتياجات الأساسية للمواطن. ويظهر مما تقدم، ونتيجة لتراكم الأحداث، أن شعورا تولد لدى الناخب العراقي تمثل بعجز من انتخبهم من تلبية احتياجاته وتحقيق طموحاته من استقرار سياسي وأمني, وشعور الناخب بعدم جدوى تصويته في ظل تقاسم السلطة وتوزيع الأدوار الناتج عن المحاصصة بين تلك الأحزاب والقوى السياسية. بمعنى، أن هناك أشخاصا لم يحصدوا الأصوات التي تؤهلهم للفوز, ونتيجة المحاصصة وتلك الصفقات يتربعون في مناصب عدة. هذه الأسباب وغيرها جعلت المواطن يعيش حالة من التقلبات تدفعه إلى مرشح دون آخر، ثم بعد فوات الأوان يرى أن اختياره غير صائب, مما استدعى عددا من الباحثين إلى استدراك الأمر والخطر ومحاولتهم توجيه الناخب إلى أن يحسن الاختيار؛ لأنه عايش المرحلة بكل تفاصيلها، وتراكمت لديه المعلومات، وعليه أن يميز من يسعى لخدمته فعلاً ومن يسعى وراء مصالحه الشخصية, وإلا فإن فقدان الثقة في الانتخابات برمتها ليس حلا، وهذا الحال يعطي المبرر والفرصة لعودة نفس الأشخاص للعملية السياسية. كما إن على منظمات المجتمع المدني ومفوضية الانتخابات والحكومة بشكل عام أن تبدأ بخطوات إصلاحية تعيد من خلالها الثقة للناخب العراقي كي يكون مواطناً فاعلاً يساهم في التقدم بخطوات إيجابية، ومن ثم التقدم في العملية الانتخابية والسياسية. ومن هذه الخطوات أو المقترحات ما يأتي:
1- المضي قدما بالسير نحو تفعيل وتطبيق قانون الأحزاب السياسية الذي أقره مجلس النواب العراقي في أواخر 2015, والذي سيسهم كثيرا في وضع الضوابط والآليات التي تنظم عمل الأحزاب والقوى السياسية، مما سيولد تنافسا منظما بين الأحزاب .
2- إدخال بعض التعديلات فيما يخص قانون الانتخابات، ولاسيما الفقرات المتعلقة بعمر المرشحين, والمؤهلات العلمية, والسيرة والسلوك, والمهنية, والبرنامج الانتخابي.
3- المصداقية في طرح البرامج الانتخابية، بحيث تكون أقرب إلى الواقع، وقابلة للتنفيذ، ومسائلة من يسهب في وعوده ويتخلى عنها.
4- صياغة ضوابط من شأنها أن تحد من استغلال المال العام في الدعاية الانتخابية، ومراقبة من يستعمل المال السياسي في دعايته.
5- توعية الناخب بضرورة المشاركة في حقه الانتخابي، وإعطاء صوته لمن يراه مناسبا، فضلا عن ملامسة المواطن عبر عقد الورش والمؤتمرات والندوات، بهدف زيادة ثقته.
6- تبسيط الإجراءات التي ترافق عملية التصويت قدر المستطاع لتحفيز الناخب وتقديم المساعدة إليه.
7- صياغة قانون انتخابات يتلاءم مع الظرف الحالي للعراق، والاعتماد على القوائم المفتوحة.
كسب ثقة الناخب بالعملية السياسية من الأمور المهمة جدا وليس من السهل الاستهانة بها؛ لأنها ركيزة العملية السياسية وديمومة الانتقال الديمقراطي في عراق ما بعد التغيير، لذلك علينا التقدم نحو ترسيخ الديمقراطية وإعادة تفاعل المواطن مع محيطه السياسي والاصطفاف خلف الحكومة في برامجها الإصلاحية وأن يضع نفسه في موضع المدافع والمراقب والعامل والملتزم بالقانون العادل, وبهذا نصل إلى مرحلة تثبيت الديمقراطية وإيجاد خطوط التواصل بين الشعب والحكومة.