علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
آذار/مارس 2016
أولا: الأهمية وأسباب البناء
إذا ما رجعنا إلى التاريخ، فإنه يُطلعنا على إرث وحضارة مدينة بغداد وكيف كانت منارا للعلم والعلماء ومقصدا لعشاق المعرفة. ولهذه المدينة تسميات عدة منها: “مدينة السلام، والمدينة المدورة، وبغداد” وغيرها.
بغداد التي تعرضت لغزوات عدة وتناوب عليها الأعداء سرعان ما تنفض غبارها وتعاود السطوع من جديد ويتغنى بها الشعراء. أحيطت هذه المدينة بسور من أجل حمايتها، ولها أبواب مطلة على جهات عدة منها: باب خراسان، وكان يسمى باب الدولة؛ لإقبالالدولة العباسيةمنخراسان. وباب الشام، ثم بابالكوفة، ثم بابالبصرة. وكانت شديدة التحصن، ومع ذلك لم يمنع من إسقاطها واحتلالها مرات عدة ولا سيما على يد المغول بقيادة هولاكو عام 656 للهجرة.
أما في وقتنا الحاضر فقد تعرضت وتتعرض العاصمة بغداد لهجماتوعمليات إرهابية عدة، وكان آخرها محاولة تنظيم “داعش” الهجوم عليها والسيطرة على أطرافها، في مناطق تعرف بـ “حزام بغداد”. حينها أدركت الجهات المختصة بهشاشة الوضع الأمني في تلك مناطق، فضلا عن وجود بعض الحواضن والأرضية الخصبة لتمركز الإرهاب فيها، مما يمثل تهديدا مباشرا للعاصمة. لذلك شرعت قيادة عمليات بغداد والأجهزة الأمنية والحشد الشعبي الساند لها بعمليات استعادة مناطق الأطراف عبر سياسة قضم الأرض والتي تعد ناجحة في المناطق الجغرافية الوعرة والمتشابكة. وبعد إكمال المرحلة الأولى من السيطرة والتطهير شرعت قيادة العمليات ببناء سور أمني حول العاصمة.
وبخصوص الأسباب وراء إنشاء “سور بغداد”، وحسب قيادة عمليات بغداد، فإنها تتعلق بصعوبة السيطرة على مناطق حزام العاصمة الشمالية والغربية والجنوبية، كما أكدوا أنه جاء لأسباب عسكرية وأمنية وليس سياسية أو طائفية.
وحسب مصادر من قيادة عمليات بغداد، فإنهم سيباشرون بنقل جميع الكتل الكونكريتية الموجودة في مناطق العاصمة ليتم وضعها على السور، من قبل خمس كتائب هندسية لقيادات الفرق: 1 و6 و9 و11 و17، وتكون مرحلته الأولى بطول 100 كيلو متر، كل كتيبة من هذه الكتائب ستقوم بتنفيذ 20 كيلو متر منه.
وبينوا أن “السور يتضمن حفر خندق بعرض 3 متر وعمق مترين، وإجراء تسوية للطرق المحيطة بالخندق وفرشه بالسبيس وحدله”، موضحين أن “هذه العملية تعقبها نصب كتل كونكريتية بعد رفعها من جميع مناطق وأحياء بغداد، ونصب أبراج لمسافات معينة، فضلا عن نصب كاميرات لمراقبة المساحة بين الأبراج، وكذلك إجراء دوريات عسكرية متواصلة محاذية لهذا السور”.
وحسب قيادة العمليات أيضا، فإن فكرة إنشاء السور جاءت لصعوبة ووعورة وتداخل الأراضي فيما يطلق عليها بمناطق حزام بغداد، والصعوبة التي تواجهها قيادة العمليات في السيطرة على تلك المناطق، كما إن من ضمن أسباب إنشاء السور الأمني حسب مصادر العمليات هو “لمنع تسلل السيارات المفخخة وكذلك الانتحاريين الذين لا يمتلكون الوثائق العراقية عبر شبكة واسعة من الطرق البديلة”.
ووضحت الجهات المختصة ببناء السور أنه جاء لحماية العاصمة، وهو من مهام وحدات الجيش، ولاسيما أن هناك مقترحات لتسليم أمن العاصمة للشرطة والأمن المحليين وإسناد الأطراف إلى وحدات من الجيش لبناء السور الأمني ومسك الأرض.
التداعيات الأمنية والسياسية وردود الأفعال
حالما شرعت القوات الأمنية بنقل الكتل الكونكريتية في مسعاها لإنشاء السور الأمني حول العاصمة، ظهرت ردود أفعال كثيرة ولا سيما من قبل الكتل السياسية السنية وعدّتها استهدافا طائفيا، ورأيهم في ذلك إن مناطق حزام بغداد هي مناطق سنية، إذ يمثل أبناء السنة غالبية سكانها، وإنشاء السور يعزل هذه المناطق عن مركز العاصمة، وهناك بعض الأراضي ربما يجزئها السور ويمنع التواصل بين سكانها، والأدهى من ذلك هناك من ذهب بعيدا وشبّه السور بجدار إسرائيل العازل، حتى لجنة الأمن والدفاع البرلمانية صرحت بأنها ليست على إطلاع كامل بالموضوع، لكن سرعان ما جاء الرد على لسان السيد رئيس الوزراء مصرحا بأن بغداد هي لكل العراقيين وأن السور الأمني هو لحماية المواطن البغدادي ليس أكثر.
بعض الخبراء الأمنيين انقسموا بين مؤيد ورافض لإنشاء السور. الجانب المؤيد تتطابق رؤيته مع الجهات الأمنية الرسمية بصعوبة السيطرة على مناطق حزام بغداد؛ نظرا لجغرافية الأرض من كثرة البساتين والأنهار والقصبات والبرك المائية والطرق النيسمية، والسور الأمني الجديد سيحد من تلك الخروق وتسلل الإرهابيين عبر حصر الدخول للعاصمة بمنافذ وأبواب مسيطر عليها من قبل الأجهزة الأمنية.
إذا ما انتقلنا للخبراء والمختصين المعارضين لإنشاء السور فهم أيضا لديهم ما يبرر رأيهم، والذي يذهب إلى أن الحصون والقلاع والأسوار والخنادق هي فكرة قديمة جدا ترجع للعصور الوسطى وكان الغرض من إنشائها لحماية المدن من غزوات الأعداء، أما اليوم، ونظرا للتطور الهائل في مجال التكنولوجيا، فإن الحاجة إلى بناء السور قد انتفت، وذلك عبر استعمال وسائل حديثة من رصد جوي بواسطة طائرات ذكية أو كاميرات وسواها من الوسائل المتطورة، فضلا عن أن إنشاء السور في هذا التوقيت يوحي بوجود تهديد محتمل لأمن العاصمة، مما يبعث برسائل خوف للمواطن البغدادي.
إذاً، كل طرف سواء المؤيد أم المعارض له وجهة نظر يصوغ لها عبر طرحه للأسباب والنتائج، فضلا عن رأي الحكومة والجهة التنفيذية المختصة، وإن الأمر قد بدأ تطبيقه على الأرض ولاسيما مراحله الأولى.
ودورنا هنا يكمن في إعطاء الرأي والمقترحات لنضعها أمام صانع القرار العراقي ومنها ما يأتي:
1- تفعيل العمل الاستخباراتي أكثر من الاعتماد على الخطط التقليدية؛ وذلك لأن العدو يمتلك الوسائل والأساليب التي تمكنه من اجتياز تلك الخطط.
2- الاستعانة بالتكنولوجيا عبر نشر الكاميرات الذكية والطائرات المسيرة لمراقبة التحركات المريبة فضلا عن المناطيد المرتفعة، ومراقبة المكالمات الصوتية في أماكن النزاع ووسائل التواصل التي تعد من أكثر وسائل التنظيمات الإرهابية كسباً لعناصره الجدد.
3- نشر وحدات الجيش خارج المدن وعلى الحدود، وإعطاء الدور الأمني للشرطة المحلية؛ لأن الحل ليس عسكرياً وإنما أمنياً واستخباراتياً.
4- إذا كان لابد من بناء السور الأمني حول العاصمة فليكون لمرحلة انتقالية، أي تتم إزالته حالما تتقهقر قوة “داعش”، وتعويضه بأجهزة حديثة للمراقبة.
5- كسب ثقة السكان المحليين وبخاصة في مناطق حزام بغداد فضلا عن إشراكهم بالجهد الأمني والاستخباراتي لمعرفتهم بالمنطقة والسكان والجغرافية المحيطة بهم.
6- محاولة عزل الخطط الأمنية عن التداخلات السياسية، والاستعانة بالخبرات الأمنية والمهنية لمعالجة مواطن الخلل، فضلا عن معرفة العدو وأماكن قوته ونقاط ضعفه وعدم الاستهانة به.