بقلم: علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
آذار 2016
في خضم صراع النفوذ والمصالح ما بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية في عدد من الدول العربية، تتصدر هذه الأيام أزمة جديدة في لبنان، ولب الأزمة يتعلق بالتمدد الإيراني السعودي. إذ إن كل طرف له مصالح يرعاها هناك ويتبنى دعم أحزاب أو أشخاص لهم تأثير في الساحة اللبنانية التي هي بالأصل تشهد خلافات وتجاذبات مستمرة أغلبها نتيجة تراكمات الحرب الأهلية وحدّة الانقسامات ما بين الأقطاب الثلاثة (السنة والشيعة والمسيح) فضلا عن تأثيرات العامل الخارجي الواضح للعيان، وكذلك لا ننسى التدخل الإسرائيلي في الحدود الجنوبية وتراكم وتغلغل تعقيدات الأزمة السورية في الحدود الشمالية وانعكاساتها السياسية والأمنية والاجتماعية. هذه الخلافات تبرز بقوة وتخفت، وأحيانا أخرى تعتمد قوة ظهورها على العامل الخارجي ومواقف الدول الداعمة والراعية للأحزاب والقوى السياسية، ومن أبرز التعقيدات هو الفراغ الدستوري في لبنان مع بقاء منصب رئاسة الجمهورية شاغرا ما يقارب العام والنصف، وفي كل جلسة لانتخاب الرئيس يكون الفشل وعدم الاتفاق، والسبب الأبرز هو حالة عدم الاتفاق الخارجي على شخص معين، ولاسيما أن السعودية تدعم شخصا وإيران تدعم آخر، وبطبيعة الحال ينعكس هذا على حلفائهم في الداخل، وعليه فإن غياب التوافق يولد غياب رئيس للجمهورية. وبالانتقال إلى موقف السعودية الأخير القاضي بقطع المساعدات العسكرية عن لبنان، والبالغة ما يقارب الـ (4) مليار دولار، منها مليار دولار لقوى الأمن الداخلي، وثلاثة للجيش اللبناني، تشتمل على (مروحيات وأعتدة وبعض الصواريخ والدبابات) فرنسية المنشأ، وفق اتفاق سعودي فرنسي على خطة تسليح الجيش اللبناني، أي بتمويل سعودي وتجهيز فرنسي, والسبب في إيقاف تلك المساعدات ناتج عن موقف وزير الخارجية اللبناني، (بعد عدم إدانته لحادثة حرق السفارة السعودية في طهران واقتحام القنصلية في مشهد) كما جاء في بيان الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك بعد تحفظ وزير الخارجية اللبناني الذي يرى أن موقفه جاء وفق مبدأ النأي بالنفس والحياد, الأمر الذي استفز السعودية كثيرا، وعدّته موقفا لا يتناسب مع الدعم السعودي المقدم إلى لبنان، وأنه نابع من إرادة حزب الله الحليف الأقوى لإيران في لبنان والمنطقة برمتها، وقامت السعودية أيضا بتحريك حلفائها في لبنان ولا سيما سعد الحريري وسمير جعجع، عبر إثارة المواقف واتهام حزب الله بزج لبنان في الأزمة السورية أولا، وقطع المساعدات عن لبنان ثانيا.
والأدهى في الأمر، إن موقف السعودية اتخذ منحى تصاعديا عبر تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان وإغلاق عدد من المشاريع والمصارف، كما اتبعتها في ذلك دولة الإمارات العربية والبحرين والكويت، وكما هو معروف أن ما يقارب الـ (7%) من ميزانية لبنان هي من قطاع السياحة، والأزمة الأخيرة ستضعف السياحة كثيرا، فضلا على أن اللبنانيين متخوفون من خطوة السعودية القادمة في احتمالية طرد العمال اللبنانيين في المملكة ودول الخليج، وهؤلاء يشكلون ما نسبتهخمسة مليارات دولار من الإيرادات التي تصل إلى لبنان، أو ما يعادل (70%) من التحويلات المالية إلى لبنان، وحوالي (11%) من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. في المقابل، يرى بعض المختصين أن السعودية في محاولتها الأخيرة – وحسب ادعائها – تمارس الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل أن تعدل من سلوكها اتجاه المملكة، وأنها فعلت ذلك كعقاب على موقف وزير الخارجية الأخير، وكذلك ممارسة الضغط على حزب الله عبر تعبئة الرأي العام اللبناني ضده لإجباره على تغيير سلوكياته. وبخطوة خطيرة وبدعم سعودي، صوت مجلس التعاون الخليجي على اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، وما تبعها من إعلان مجلس وزراء الداخلية العرب، مع تحفظ العراق ولبنان وما رافقها من ردود فعل قوية، وبهذا فإن السعودية ترى في نفسها عبر هذا القرار أنها وجهت ضربة لأقوى حلفاء إيران في المنطقة، وكسبت جولة جديدة. ويرى هؤلاء المختصون أن هذه المسوغات غير مبررة، أولا لأنها أخلت الساحة لإيران لتملأ الفراغ سواء علمت أم لم تعلم، والدليل على ذلك سرعان ما جاء رد الحكومة الإيرانية بأنها مستعدة لمساعدة الجيش اللبناني بكل ما يحتاج. ثانيا هذه العقوبات أو قطع المساعدات إنما هي موجهة ضد الشعب اللبناني بوصفه الخاسر الأكبر، وأيضا تدل على تناقض موقف السعودية، فهي تدعي أنها تدعم بناء الدولة ككل، وركيزة الدولة هو الجيش القوي، إذاً كيف تبرر ذلك. ثالثا إن حزب الله أصبح قوة لها أبعاد إقليمية وليس مجرد حزب شيعي موالٍ لإيران يتخذ من جنوب لبنان مقرا له، بل قوة تلعب دورا على المستوى الإقليمي، واستطاع أن يبني قاعدة تحظى بتزايد شعبي حتى لدى بعض الأوساط السنية والمسيحية في داخل وخارج لبنان بوصفه مقاومة بوجه العدوان الإسرائيلي. أيضا من ضمن انعكاسات الموقف السعودي الأخير، ينشط الوضع الطائفي الملتهب أصلا في المنطقة، ولا سيما أن موقفها الأخير بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية سيدفع إلى مزيد من التخندق الطائفي في المنطقة ومن قبل كافة الأطراف، لذلك لابد من إيجاد خطوط تواصل تقلل من التأزم السعودي الإيراني وتحكم لغة العقل والغوص بالأمور المشتركة ما بين البلدين وتبني عملية سياسية لبنانية ناجحة بعيدا عن المؤثرات الخارجية والتخندقات الطائفية ورعاية مصلحة لبنان أولا وتبني المواقف على هذا المبدأ ثانيا.