بقلم: علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
نيسان 2016
هل يمكن أن نرى في أحد الأيام ومن على شاشات التلفاز العربية خبرا عاجلا مفاده أن إسرائيل تقدمت بطلب رسمي للحصول على عضوية دائمة في جامعة الدول العربية، وربما يعقبه طلب من أمين عام الجامعة بعقد اجتماع غير اعتيادي لبحث الأمر، ويطلب من الحاضرين التصويت ورفع الأيدي، ويكون من المحتمل أن تحصل موافقة الأغلبية وتصبح إسرائيل عضوا في جامعة الدولة العربية، أو ربما تحل محل فلسطين، أو يخصص لها مقعد إلى جانب مقعد فلسطين وتتباحث في شأن القضية الفلسطينية وإمكانية حلها؟.
يذكر بعض المتابعين والمختصين في الصراع العربي الإسرائيلي أن في أدبيات العرب ومقالاتهم ومناهجهم الدراسية حينما يكون الحديث عن إسرائيل فإنها توضع بين قوسين وتكتب الـ (الكيان الصهيوني). بعدها عملت إسرائيل بكل ما أتيح لها من قوة ناعمة وغيرها من أجل إزالة هذين القوسين، وفعلا تم لها ما أرادت، بل وتحقق أكثر من ذلك، فعلى لسان العرب وفي أغلب وسائل إعلامهم تطلق لفظة “دولة إسرائيل”. ومن جانب آخر “على المستوى الشعبي”، كان سابقا لا يمضي أسبوعا إلا وترى التظاهرات والأشعار والأناشيد التي تمجد فلسطين وتنكل بإسرائيل بوصفها كيانا محتلا ومُغتصِبا، أما الآن فالشعوب العربية، أسوة بحكامها انجرت وبسبب سياسات تطييف المنطقة، فأصبحت قضية العرب مذهبية بحيث وصل الأمر إلى أن أي حديث يدور بين اثنين إلا وتكون قضية السنة والشيعة وإيران الصفوية والسعودية الوهابية حاضرة بينهما. البعض عد هذا الأمر جزءا من سياسة إسرائيلية ناجحة، ولا سيما بعد فتح سفارات وتمثيل دبلوماسيلها في عدة بلدان عربية. يقال إن إسرائيل كانت تخشى على وجودها من ثلاث دول عربية هي: العراق ومصر وسوريا، وها نحن ننظر إلى ما جرى في العراق من تطورات تسودها المشاكل الداخلية وصراع النفوذ والمواجهة مع تنظيمات إرهابية متعددة، ومصر الجار الأقرب لإسرائيل التي أغرقت بمشاكل داخلية الهدف من ورائها حرب استنزاف طويلة بواسطة المواجهة مع الأخوان المسلمين سياسيا, ومواجهة تنظيم “داعش” والقاعدة وما يسمى أنصار الشريعة عسكريا, كما تتصاعد يوم بعد يوم حدة الخلاف مع حركة حماس الفلسطينية، ويتجلى الخلاف بإغلاق معبر رفح البري بين الجانب المصري والفلسطيني وما يتسبب به من انعكاسات سلبية على الجانب الفلسطيني. وبالانتقال إلى سوريا، فإنها تعد منبع الأزمات ودوامة الصراع الداخلي، ناهيك عن التنافس الدولي بين اقطابعدة من أبرزها الولايات المتحدة وروسيا وحلفاؤهم، وكيفية تحريك أداوت الداخل. وحسب بعض الإحصاءات، فإن هناك أكثر من 50 فصيل معارضة مسلحة، بالمقابل هناك الجيش السوري وحلفاؤه، كما هناك التنظيمات الإرهابية الدولية، وهي كل من “داعش” والنصرة، ولا ننسَ تشعبات القضية الكردية السورية وجناحها المسلح الذي يعرف بـ “وحدات حماية الشعب الكردي”. فالاستنزاف هنا قد شمل الجميع، وأولهم الجيش السوري، وأصبحت إسرائيل جزءا من صراع داخلي تمسك عصاه من أحد الطرفين.
إذاً، المكسب الثاني لإسرائيل تم تحقيقه، وهو هدم الجيوش العربية القوية وإثارة الفتن الداخلية ودفع الخطر بعيدا عنها وزج المنطقة بحروب طائفيه. أما المكسب الثالث الذي تحقق، وهو اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وهذا الأمر صدر من دول الخليج ابتداءا ثم وزراء داخلية العرب ليتم بعدها إقراره في جامعة الدول العربية مع اعتراض وتحفظ العراق ولبنان والجزائر، والغريب في الأمر هو أن من ضمن من المصوتين على ذلك هي فلسطين “الأرض المحتلة من قبل إسرائيل”، وأن حزب الله – باعتراف الجميع – يعد جناح مقاومة ضد إسرائيل قبل كل شيء، وخاض حروبا عدة معها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وتبرير العرب للقرار هو أن حزب الله مشترك أساسي في الحرب السورية إلى جانب النظام. أما الحزب، فإنه يعد تلك المشاركة جزءا لا يتجزأ من حربه ضد إسرائيل، بدليل أنه يقاتل تنظيم “داعش” الذي يسعى لنقل المعركة إلى الداخل اللبناني وربما مواجهة الحزب في عقر داره وكشف جبهتيه، لذلك فهو يهدف من وراء قتاله هذا للمحافظة على جبهته الداخلية إلى جانب استباق العدو ومواجهته في عقر داره, وأيضا الحفاظ على النظام السوري الداعم له وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
وبالعودة إلى الموضوع الرئيس، فإن كل الأحداث والتطورات تدل على تقارب عربي إسرائيلي يظهر جليا من خلال ممارسات بعض الحكام العرب ولا سيما دول الخليج. ومن جانب آخر، فإن إسرائيل تتلاعب بأغلب خيوط الأزمة في المنطقة وتجرها بما يخدم مصالحها سواء أكان ذلك على المستوى الرسمي أم على المستوى الشعبي، وما تأجيج النزعة الطائفية إلا مثالا حياً يخدم إسرائيل وفق سياسة “فرّق تسد”، وهذه السياسة استغلتها إسرائيل وفق إرادتها. والسؤال هنا: في حالة اندلاع حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل، مع أي طرف سيقف العرب ولا سيما بعد تصنيف حزب الله في خانة الإرهاب؟. وكذلك هناك سؤال آخر: مع التقارب العربي الإسرائيلي، هل هناك إمكانية لانضمام إسرائيل إلى جامعة الدول العربية بدعوى تحالف عربي إسرائيلي بالضد من التوسع الإيراني الذي يشكل خطرا على الاثنين حسب ما يعتقده العرب؟. في نهاية هذين السؤالين الذين لا يمكن لأحد الإجابة عنها سوى ما تخبؤه الأيام، ولكن هناك التفاتة من الضروري الإشارة إليها، وهي أنه لابد من وجود مسالة ما تختفي خلفها الخلافات العربية الإسلامية وعلى المستوين الشعبي والرسمي، وبهذا لا توجد أفضل من القضية الفلسطينية بأبعادها: أولا القومي بوصفها أرضا عربية محتلة، ثانيا الإسلامي كونها دولة مسلمة أسيرة بأيد إسرائيلية، فضلا عن البعد المذهبي إذا ما وضعنا في الحسبان أن فلسطين دولة سنية تواجه احتلالا يهوديا إسرائيليا.