بقلم: علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
نيسان 2016
لطالما التصقت تسمية اليمن بمفردة السعيد التي يتغنى بها أهل العرب، لكن بعدما شملته رياح التغيير وما يسمى بـ “الربيع العربي” وفق رؤية خليجية، بدأت ولم تنه باتفاق يسمح بانتقال السلطة من علي عبد الله صالح لنائبه عبد ربه منصور هادي مع إعطاء ضمانات للرئيس المُقال علي عبد الله صالح بعدم محاكمته.
مع بداية تولي هادي للسلطة وعلى عكس ما صوره البعض، أخذت المشاكل بالتنامي، وتكاد تكون شبيهة بالتي واجهت سلفه. فالحوثيون يشعرون بأنهم الفئة الأكثر تضررا من تصرفات صالح، بدليل الحروب الستة التي شنها ضدهم، لذلك كان أملهم بهذا التغيير هو الحصول على حقوقهم وإنصافهم وإزالة التهميش عنهم. في المقابل زادت مطالب الجنوبيين بالانفصال والعودة إلى اليمن الجنوبي المستقل. أما تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم “داعش” فقد استغلا الأوضاع الهشة ليبحثا عن أماكن نفوذ في بيئة شبه خصبة ولا سيما في الجنوب. أما الطرف الرابع فهم حزب الإصلاح (جناح الأخوان المسلمين) فقد أخذوا بالتوسع في محافظات عدة ومن أبرزها محافظة عمران، الأمر الذي أثار حفيظة الحوثيين وعدّوه استفزازا مباشرا وحجر عثرة في طريق توسعهم، لذلك استغلوا فوضى الاستقرار السياسي فسلكوا طريقين، الأول سياسي والآخر عسكري. أما السياسي فيتمثل بدعوتهم لحكومة شراكة وحكومة حوار وطني التي طالما تعثرت, والعسكري فيكمن في توسع نفوذهم ومكاسبهم على أرض الميدان في مواجهة حزب الإصلاح السَّلَفي لسيطروا بعدها على كامل محافظة صعدة ثم أعقبتها محافظة عمران مع وقوف الجيش على الحياد حتى وصولهم تخوم صنعاء وفرضهم الإقامة الجبرية على الرئيس هادي ليتمكن بعدها الأخير من الفرار لعدن الجنوبية ويعلنها عاصمة مؤقتة لليمن ليأتي الرد سريعا من زعيم حركة أنصار الله (وهي التسمية السياسية للحوثيون عبد الملك الحوثي) بإعلانه بدء الزحف لتحرير عدن من الإرهابيين على حدّ تعبيره، إثر تفجيرات هزت صنعاء مستهدفة عدة مساجد للحوثيين.
هنا دق ناقوس الخطر بالنسبة لحلفاء هادي – السعوديون وبعض دول الخليج – الأكثر رعاية له، ليلجأ إليهم مطالبا بإعادة الشرعية ضد من وصفهم بالانقلابيين. وفي 26 مارس/آذار 2015 قررت السعودية بداية تحالف عربي إسلامي بقيادتها ليضم أكثر من 30 دولة بدعوى إعادة الشرعية لليمن ومحاربة النفوذ الإيراني الداعم للحوثيين على حد قولهم، وأطلقوا على حملتهم “عاصفة الحزم” التي استخدموا فيها ما يقارب الـ 150 طائرة، وحشدوا آلاف الجنود فضلا عن آلاف المعدات العسكرية الأخرى من الدول المنظمة للتحالف. كما ورافق الحملة حشد إعلامي مكثف أكد بأن مدة المعركة قد لا تتجاوز الـ 10 أيام، وأن هدفهم الأساس هو استعادة الشرعية ومنع تمدد الحوثيين المدعومين من إيران، ومهمتهم إيقاف التمدد الإيراني في اليمن سيما وأن السعودية تشعر بخطر كبير بسبب امتداد الحدود اليمنية السعودية لمئات الكيلو مترات ومناطق حدودية متاخمة لسيطرة ومعاقل الحوثيين.
على الرغم من سيطرة التحالف على عدن وعدد من مناطق اليمن ودعمهم لما يسمى بـ المقاومة الشعبية، وبعد مرور عام كامل من الحرب على اليمن، لنرى ما تحقق من مكاسب وماهي الجدوى:
1- مازال الحوثيون يحتفظون بالعاصمة صنعاء وما يقارب 7 محافظات أخرى ومناطق مشتركة الصراع مع قوات هادي ومن خلفهم التحالف السعودي، أبرزها تعز التي لم تحسم معركتها لحد الآن.
2- بعد عام كامل لم يعد هادي للرئاسة وإنما قام ببعض الزيارات المتقطعة لمدينة عدن الجنوبية التي لم يتمكن من الاستقرار فيها.
3- تنامي سيطرة تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش” على بعض المناطق، أبرزها محافظة (المكلا) بالكامل وجزء من حضرموت، فضلا عن تنامي نفوذه في عدن عبر شنه لهجمات عدة ضد ما يطلق عليهم المقاومة الشعبية وبعض مقاتلي التحالف العربي.
4- منذ بدء الغارات والهجمات، هناك ما يقارب الـ 7 ألاف ضحية، فضلا عن أكثر من 20 ألف مصاب، ناهيك عن آلاف البنى التحتية التي أصابها الدمار، وكذلك مئات المصانع التي توقفت عن العمل إما بسبب الدمار الكلي أو الجزئي، وما يقارب الـ 3 مليون نازح، منهم مليونان نزحوا في الداخل، وما يقارب المليون نزحوا إلى الخارج.
5- استنزاف كبير للقوات المتحالفة بصفتها قوات نظامية من الصعوبة زجها في حرب شوارع، فضلا عن قلة الخبرة، إذ إن القوات السعودية لأول مرة تخوض هكذا تجربة بصورة مباشرة. أما الطرف الآخر (الحوثيون)، وعلى الرغم من فقدانهم الكثير من العدد و العدة والمواقع إلا أنهم خاضوا ست حروب سابقة، وبهذا يمتلكون خبرة كبيرة في قتال المدن وقتال الجبال والأراضي الوعرة.
6- انخفاض الأصوات الإعلامية الداعمة للتحالف، كما انسحبت عدة دول من الحرب وإن كانت بصورة غير معلنة، وإن التفويض الأممي غير المعلن بدأ ينفذ بسبب طول مدة المعركة دون حسم يذكر، أي لا الرئيس هادي رجع للرئاسة في صنعاء ولا الحوثيون انسحبوا أو تم القضاء عليهم, كما إن زيادة عدد القتلى المدنيين رافقه تعالي أصوات المنظمات الإنسانية المنددة باستهداف المدنيين.
7- تولد شبه قناعة تؤكد أن أفضل وسيلة لحل المشكلة هو اللجوء للحوار المباشر الذي يقوده المفوض الأممي ولد الشيخ للتوصل إلى هدنة شاملة، وما تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار على الحدود اليمنية السعودية بواسطة زعماء قبائل محليين إلا بادرة قناعة من كل الأطراف بضرورة الحوار، ولا سيما بعد تحديد موعد لحوار يمني شامل في الـ 18 من الشهر المقبل.
إذاً، في نهاية المطاف اقتنع الجميع بالحوار لكن بعدما استنزفت قدرات الجميع وتهالكت البنى التحتية وسقوط آلاف القتلى والجرحى. وعلى الرغم من ذلك، فإن جميع الأطراف لم تحقق ما حاربت لأجله، فلا السعودية أعادت الشرعية، ولا الحوثيون سيطروا على كامل اليمن أو أقاموا حكومة لهم. لذلك ربما الاتفاق القادم سيحقق نوعا من الهدنة، قد يكون هادي خارجه، ويرضي الأطراف المتنازعة بحكومة وحدة وطنية، ويؤدي إلى تسليم السلاح الثقيل وانسحاب الحوثيين إلى معاقلهم في صعدة. كما إن علي عبد الله صالح ربما سيكون جزءا من الحوار القادم أيضا، ولا سيما إذا ما عرفنا أنه ما يزال مدعوما من قوى محلية كبيرة، وبخاصة الحرس الجمهوري. وعلى الرغم من تعقيدات الأزمة وكثرة الأطراف المتنازعة فضلا عن العامل السعودي والإيراني، إلا أن بوادر الحل تلوح في الأفق.