عبير مرتضى حميد السعدي
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
نيسان 2016
في ظل الأحداث السياسية والاقتصادية السريعة التي يمر بها العالم من تباطؤ الاقتصاد الصيني بوصفه المستهلك الرئيس للنفط، واستمرار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وعودة العراق لإنتاج النفط، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، أدت بمجملها إلى زيادة المعروض النفطي ومحدودية الطلب العالمي.
إن انخفاض أسعار النفط أثر بشكل كبير على موازنات الدول المنتجة للنفط، وخاصة أعضاء أوبك، حسب مدى اعتماد اقتصادها على النفط؛ كون أغلب موازناتها تعتمد على ريع النفط. لذا سعت بعض الدول المنتجة للنفط (المملكة العربية السعودية، فنزويلا، روسيا، قطر) إلى الاتفاق على تجميد إنتاجه لاستعادة التوازن في السوق، محاولة بذلك رفع أسعاره، مع اقتراح لتخفيضه إلى ما يقارب الـ 5% من الإنتاج؛ لتجنب الفوائض النفطية التي تعد خسائر كبيرة للدول المنتجة، والتي تقدر بـ (1.8) مليون برميل يوميا. إلا أن هذا الاتفاق يقابله اعتراض من إيران التي تستعد لزيادة صادراتها من النفط الخام إلى ما يقارب الـ (500) ألف برميل يوميا، والذي يزيد من الفائض بالمعروض. إن نجاح الاتفاق بين منتجي النفط من داخل أوبك وخارجها أدى إلى وصول أسعار النفط إلى مستوى بلغ أكثر من 40 دولارا، والذي ساهم – وإن كان لمدة قصيرة – في توفير مبالغ مالية جيدة للبلدان النفطية المعتمدة على إيرادات النفط بشكل كبير.
تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستمرار في انخفاض أسعار النفط ولمدة طويلة، قد يؤدي إلى ظهور حقبة جديدة من الهيمنة لمنظمة البلدان المصدرة للنفط؛ لأن البلدان خارج منظمة أوبك ستصبح مرة أخرى معتمدة على نفط بلدان هذه المنظمة (أوبك). إذ أوضح مدير أسواق الطاقة الدولية وقسم الأمن في وكالة الطاقة الدولية “كيسوكي ساداموري” أن استمرار أسعار النفط عند مستويات متدنية سيؤول إلى الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، بمعنى الرجوع إلى سيناريو عام 1970؛ كون أن إنتاج أوبك شكل أكثر من 50٪ من الإنتاج العالمي في ذلك الوقت، مما يجعل الدول خارج المنظمة تعتمد اعتمادا كبيرا على دول المنظمة، ما تسبب بعواقب وخيمة للولايات المتحدة في عام 1973، عندما فرضت الدول العربية حظرا نفطيا ردا على القرار الأمريكي لدعم الجيش الإسرائيلي ومشاركته في حرب أكتوبر والذي سمي أيضا (يوم الغفران). وقد أدى ذلك إلى قفزة حادة في أسعار النفط خارج منطقة الشرق الأوسط، وتخلخل الاقتصاد الأميركي الذي كان يعتمد بشكل كبير على نفط أوبك.
وتتخوف وكالة الطاقة الدولية من أن إنتاج أوبك سيشكل أكثر من 50٪ من الإنتاج العالمي في عام 2030. وفي حالة استمرار الركود في أسعار النفط، فإنها (أي وكالة الطاقة) ستسمح لمنظمة أوبك باتباع استراتيجية خاصة للاسـتيلاء على حصص أكبر فى الأسواق النفطية، إذ بإمكان بلدان الشرق الأوسط تحمل انخفاض أسعار النفط؛ لأن تكاليف الإنتاج لديهم المنخفضة مقارنة بمنتجي النفط الآخرين، مثل الولايات المتحدة، حيث إن استخراج نفط الصخر الزيتي هو من بين أغلى أنواع النفط في العالم.
وتشير بعض التقديرات إلى أن دولا مثل السعودية والكويت والعراق وإيران يمكنها التعامل مع الأسعار التي تتراوح بين 30-50 دولارا للبرميل لمدة طويلة مقارنة بالآخرين، مما يجعلها أكثر مرونة اتجاه التغيرات التي تحدث.
وقد أوضح في تقرير وكالة الطاقة الدولية (توقعات الطاقة العالمية لعام 2015)، أن انخفاض سعر النفط هو جزء من سيناريو شبيه بحالة عام 1970، وإن أسعار النفط ستبقى قريبة من الـ 50 دولارا للبرميل حتى نهاية العقد، لينتعش بعد ذلك إلى 85 دولارا للبرميل بحلول عام 2040، متزامنا مع مرحلة انخفاض النمو في الاقتصاد العالمي، والتحول الدائم في استراتيجية أوبك لتأمين حصة أكبر من سوق النفط، ومرونة المعروض من خارج أوبك، ولا سيما من الولايات المتحدة.
وكشفت دراسة حديثة نشرتها شركة “ديلويت” للتدقيق والاستشارات، شملت أكثر من 500 شركة متداولة عاملة في قطاع النفط والغاز الطبيعي حول العالم، أن 175 شركة تقريبا تواجه خطر الإفلاس بنهاية العام الجاري؛ وذلك بسبب هبوط أسعار النفط إلى 30 دولارا، ونقص السيولة الناتج عن انهيار أسعار النفط، وأزمات الديون التي تحيط بهذه الشركات والتي تقدر بأكثر من 150 مليار دولار، والتي تثقل ميزانياتها المالية وتعرضها إلى خطر الإفلاس بنهاية عام 2016، وإن أغلب هذه الشركات تعمل في مجال إنتاج النفط الصخري ذي الكلفة العالية مقارنة بإنتاج النفط من الآبار التقليدية.
إن تكلفة استخراج النفط الصخري تتراوح ما بين 60 – 70 دولارا للبرميل، وهنالك بعض الحقول تنخفض فيها التكلفة حتى الـ 40 دولارا للبرميل. وفي المقابل، فإن تكلفة استخراج برميل النفط من الآبار التقليدية تصل في أعلى تقديراتها إلى 25 دولاراً، وعليه فإن هذه الصناعة (النفط الصخري) هي الحلقة الأضعف في هذه الأزمة.
وعلى الرغم من كل تلك التكهنات التي يمكن أن تُساعد في رجوع قوة أوبك إلى السوق النفطية، إلا أنه يمكن أن نقترح بعض النقاط التي يمكن إن تُسهم في استعادة منظمة أوبك سيطرتها على السوق النفطي من خلال الآتي:
1- يمكن لمنظمة أوبك إدخال عضو جديد يزيد من قوتها السوقية، وعلى سبيل المثال روسيا؛ كونها:
– أكبر منتج للنفط خارج أوبك، إذ احتلت المرتبة الأولى في إنتاج النفط في العالم عام 2014، والذي بلغ 10 مليون و840 ألف برميل يوميا. بينما جاءت المملكة العربية السعودية بالمرتبة الثانية، إذ بلغ إنتاجها 9 مليون و350 ألف برميل يوميا.
– إن دخولها إلى منظمة أوبك سيقوي من حصتها السوقية؛ لأنها تخطط إلى رفع إنتاجها من النفط عام 2020 بنسبة 33%، وذلك من خلال توسيع جغرافية عملها خاصة في شمال يامال في سيبيريا الشرقية، فضلا عن استعمالها التقنيات الحديثة في استخراجه والذي يمكن الاستعانة به في منظمة أوبك.
– بيّن بنك ميريل لينش الأمريكي في خارطة توضح أكبر الدول من ناحية الصادرات، وقد أظهرت أن المصدر الأساسللنفط في الوقت الحالي هو روسيا، إذ تصدر إلى أوربا، وتوجهت الآن للتصدير إلى الصين، لتصبح أكبر مورّد للصين، إذ تشير بيانات أن الصين وروسيا عقدتا اتفاق لتصدير الطاقة بقيمة أكثر من 500 مليار دولار في الـ 20 سنة المقبلة. وارتفعت واردات النفط الروسية للصين إلى 30 % على أساس سنوي حوالي 800 ألف برميل يوميا في الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، بينما انخفضت الواردات من المملكة العربية السعودية إلى 16.5% على أساس سنوي 900 ألف برميل يوميا.
2- إن الاتفاق على تجميد النفط سيؤدي إلى رفع الأسعار وزيادة الطلب والسيطرة على توازن السوق النفطية من جديد. إذ أشارت منظمة الطاقة العالمية في تقريرها الشهري عن العرض والطلب العالمي إلى أن التوازن الحقيقي بين العرض والطلب العالمي من المؤمل حدوثه في عام 2017، وإن العوامل الداعمة لذلك هي ارتفاع الأسعار نتيجة آلية تجميد النفط في منظمة أوبك وخارجها، والذي يهدف إلى استقرار الأسعار لدفع النفط للارتفاع إلى 50 دولارا للبرميل. يضاف إلى ذلك ضعف الدولار في الفترات الأخيرة، والتكلفة العالية على المستثمرين وخاصة المستثمرين في الولايات المتحدة بالنفط الصخري، مما يؤدي إلى خفض الإنتاج لعدم تغطيته التكاليف بسبب انخفاض الأسعار. لذا فقد بينت الوكالة أن الإنتاج المستهدف في الولايات المتحدة والبرازيل وكولومبيا بدأ في الانخفاض.
3- لعودة سيطرة أوبك وقوتها في السوق النفطية لابد من إرادة جماعية ومشاركة في صنع القرار لإرجاع السوق إلى وضعه الطبيعي، وتبرز المشاكل والتحديات السياسية والاقتصادية التي تمر بها مدى تعاطيها في بلورة تلك المشاكل لصالح المنظمة.