أ.م. د حيدر حسين آل طعمة
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
20 نيسان / ابريل 2016
عقدت القمة النفطية في الدوحة يوم الأحد الماضي بحضور 18 دولة نفطية من داخل وخارج “أوبك” لأجل التوصل لاتفاق محكم بشأن تثبيت الإنتاج النفطي والحدّ من تخمة المعروض النفطي العالمي ودفع مستويات الأسعار إلى عتبة 50 دولارا للبرميل. وبحسب مسودة الاتفاق، فإن متوسط الإنتاج اليومي من النفط الخام في الأشهر القادمة ينبغي أن لا يتجاوز المستويات المسجلة في كانون الثاني/ يناير الماضي. وتضيف المسودة أن تثبيت الإنتاج سيستمر حتى الأول من تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، وأن المنتجين سيلتقون مرة أخرى في روسيا نهاية العام لمراجعة التقدم الذي تم إحرازه في تحقيق الانتعاش المفترض في أسعار النفط.
نتائج عكسية
شهدت الأسابيع الماضية جهوداً مضنية من لدن فنزولا وعدد من البلدان النفطية من أجل تقريب وجهات النظر والاتفاق على سياسة إنتاج موحدة تجمع كافة فرقاء وشيوخ النفط، من داخل وخارج “أوبك”، تحت مظلة اتفاق نهائي يهدف إلى ضبط إيقاع الإنتاج ويحدّ من التخمة النفطية. بيد إن النتائج جاءت عكسية، فقد جددت المواقف المتصلبة للسعودية وإيران مخاوف أسواق النفط من حرب على الحصص السوقية بين كبار المنتجين قد تزيد من تدهور الأسعار، ولاسيما بعد أن هددت الرياض بزيادة كبيرة في الإنتاج في حالة عدم التوصل إلى اتفاق نهائي يضم كافة أعضاء “أوبك”. وقد أفصح الاجتماع النفطي الأخير عن طبيعة الموقف السعودي المتشدد اتجاه إيران، وهي المنتج الوحيد في “أوبك” الذي يرفض المشاركة في تجميد مستوى الإنتاج، آملا في استعادة الحصة السوقية المفقودة منذ فرض العقوبات الدولية قبل سنوات. فعلى الرغم من النقاشات المضنية طوال ساعات بخصوص طريقة صياغة البيان الختامي للبلدان المجتمعة، بما في ذلك سجالات بين السعودية وروسيا حول بنود مسودة الاتفاق، أعلنت الوفود المشاركة عن إخفاقها في التوصل إلى نتائج نهائية، وانهار اتفاق تثبيت الإنتاج بين كبار منتجي النفط في الدوحة، بعد أن طالبت السعودية مشاركة جميع أعضاء “أوبك” في اتفاق التجميد، بما في ذلك إيران التي غابت عن المحادثات.
كما أعلنت السعودية بأنها سوف ترفع الإنتاج بشكل سريع، وأنها لن توقف إنتاجها ما لم توافق إيران على تثبيت الإنتاج عند مستويات كانون الثاني/يناير الماضي. هذا التهديد عاد ليشدّ الأسواق النفطية ويوجّه موجات المضاربة باتجاه الهبوط. ومع إخفاق المفاوضات النفطية وفشل اجتماع الدوحة في الخروج برؤية موحدة، تتزايد التوقعات صوب احتمال أن يخسر برميل النفط المكاسب التي حققها خلال المدة الماضية. ولا يستبعد العديد من المراقبين أن تشهد الأسواق النفطية موجات انخفاض حادة تصل بالأسعار لمستويات دون الـ 30 دولارا للبرميل خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة، خصوصا إذا نفذت المملكة العربية السعودية تهديدها وأغرقت الأسواق بإمدادات إضافية لزيادة الضغط على روسيا وإيران اقتصاديا.
بوصلة الأسعار
لا يمكن إنكار التأثير النفسي لانفراط عقد الاتفاق الجديد على أسواق النفط الخام، إلا أن هذا الأثر سرعان ما سيتبدّد بفعل أساسيات السوق النفطية، وبخاصة بعد ما شهده قطاع النفط الكويتي من اضطرابات هددت بوقف الإنتاج النفطي في البلاد، مما كان له أثر إيجابي في تلطيف حدّة الهبوط الناجم عن إخفاق قمة الدوحة النفطية في التوصل لاتفاق نهائي. وينبغي التذكير بأن الشكوك حول التوصل إلى اتفاق نهائي محكم يجمع كافة الأطراف الفاعلة في الأسواق النفطية، خصوصا السعودية وروسيا وإيران، كانت تساور أسواق النفط العالمية منذ شهور. كما أن الأسواق تدرك جيدا بأن تجميد إنتاج النفط العالمي قرب مستويات تاريخية مرتفعة لن يغير كثيراً من موازين العرض والطلب في الوقت الراهن؛ نظرا لما تعانيه السوق النفطية أساسا من تخمة في المعروض. فالسوق متخمة بعرض يزيد عن الطلب بنحو مليوني برميل يوميا. وبما أن التجميد لن يقلل العرض بل سيبقيه على حاله، فيبقى الرهـان على زيادة الطلب لامتصاص الفائض والعـودة بالأسعار نحو الارتفاع.
ويتوقع أن تتجه أنظار الأسواق والمضاربين مجددا نحو معدلات النمو الاقتصادي العالمي ومدى تعافي الاقتصادات الصاعدة (الصين تحديداً). وسيكون لتراجع إنتاج النفط الصخري دور كبير في تعديل مسار الأسعار، خصوصا بعد إعلان عدد كبير من الشركات النفطية إيقاف برامج الاستثمار والتنقيب عن النفوط غير التقليدية بسبب التدهور المستمر للأسعار. كما تشهد العديد من الحقول المنتجة للنفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة وكندا تناقصا حادا في منصات الحفر قد يفضي في النهاية إلى إحداث توازن في الأسواق النفطية مطلع العام 2017 ويدفع الأسعار نحو التعافي.
سياسة العراق النفطية
رغم رغبة العراق المساهمة في ضبط الإمدادات النفطية العالمية وتحسين مستويات الأسعار لدعم الموازنة والاقتصاد، إلا أن الانخراط في اتفاق تثبيت الإنتاج عند مستويات كانون الثاني/يناير الماضي يعيق سياسات التطوير النفطي وزيادة الصادرات التي بشرت بها استراتيجية الطاقة عام 2012، ويبدد الآمال المعقودة على زيادة الإيرادات النفطية في تنمية الاقتصاد العراقي وتمويل حربه على الإرهاب. ويحتم الواقع الذي تعيشه أسواق الطاقة العالمية على وزارة النفط تكريس جهودها صوب توسيع القدرة الإنتاجية للبلد تحسباً لاتفاقات نفطية مستقبلية تلزم العراق بتجميد إنتاجه النفطي عند مستوياته القصوى. كما ينبغي الحفاظ على الحصة السوقية للعراق وتوخي الحذر من الانخراط بأي اتفاقات نفطية (جانبية) ترمي إلى تقليص المعروض النفطي من أجل تحقيق تعافي (مؤقت) في مستويات الأسعار، والعمل على ضبط تكاليف الإنتاج بالشكل الذي يضمن تنافسية العراق في اسواق الطاقة ويعزز من قدرة البلد على التكيّف مع موجات الهبوط السعري.