بن سولينبرجر: كاتب ومحرر مقيم في واشنطن
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
31 آذار/مارس 2016
عرض وتحليل : م. م. علي مراد العبادي
في خطته الرامية لضمان ولاء الأكراد، اتبع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منهجاً ذا أشكال متعددة تراوحت ما بين منح هؤلاء الأكراد حقوقهم المدنية وبين مد غصن الزيتون للمتمردين من عناصر “حزب العمال الكردستاني”، وكذلك السماح لأول حزب موال للأكراد بالحصول على مقاعد في البرلمان في دولة تسير فيها التنظيمات السياسية خارج مسار الإدارة الحاكمة، حيث تتم إزاحة تلك التنظيمات من السلطة بسرعة متناهية. إلا أن أيا من تلك السياسات لم تؤد إلى سلام آمن. فعلى الرغم من زيادة التمثيل السياسي الحالي وإقرار وقف إطلاق النار بين الحكومة و”حزب العمال الكردستاني”، فقد انفجر الجنوب الشرقي الكردي – الصيف الماضي – في صراع حاد أدى إلى مقتل نحو ثلاثمائة جندي تركي وخمسة آلاف مقاتل من “حزب العمال الكردستاني” منذ اندلاع أعمال العنف في تموز/يوليو 2015. وفى الوقت نفسه، انتشر الإرهاب وأصبح يمثل مشكلة قومية كبيره خاصة بعدما قامت عناصر انتحارية تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” و”حزب العمال الكردستاني” بتفجيرات في أنقرة واسطنبول خلال الشهرين الماضيين.
تناول الكاتب موضوعا كثيراً ما أثير حوله الجدل، وهو الصراع التركي الكردي. وهنا أخذ الكاتب جانبا مهما في طرحه، وهو أن الرئيس أردوغان وإن كان قد ادعى تسوية الخلافات ما بين الحكومة وحزب العمال الكردستناني إلا أن هذا الاتفاق لم يدم طويلا، ويقول الكاتب: عقد أردوغان العزم على تسوية النزاع مستخدماً القوة العسكرية دون أن يأتي ذلك بنتيجة تذكر. وقد غفل أردوغان عن طريقة مثلى، بإمكانها أن تهزم “حزب العمال الكردستاني”، تكمن في تحفيز ودفع النمو الاقتصادي في جنوب شرق البلاد. ومن ثم، يجب على أردوغان أن يعمل على وضع تواجد أمنى في ذلك الإقليم، لكن ينبغي على تلك القوات أن تكون ذات وجهة دفاعية وأن تقوم بدورها كقوات أمنية وليست عسكرية. فللأسف تعمل القوات الموجودة حالياً هناك على تدمير الإقليم وليس بنائه. وبدلاً من ذلك، يمكن لتلك القوات أن تعمل على تأمين مشروعات البنية التحتية، كما يمكنها العمل على منع عناصر “حزب العمال الكردستاني” من مهاجمة سدود مثل اليسو وسيلفان، والتي كانت مخططا لها أن توفر وظائف لما يقرب من 300,000 شخص. وعوضاً عن ذلك، قامت تلك القوات بهدم المتاجر وإزالة مناطق تجارية بأكملها وشن هجمات كبرى لتطهير المدن من مقاتلي “حزب العمال الكردستاني”.
أيضا يتطرق الكاتب إلى بعض الأسباب التي زادت من حدة الصراع ولا سيما في الآونة الأخيرة حتى وإن حصلوا على بعض التمثيل وإن كان نسبيا بقوله: ورغم أن الأكراد فازوا في تركيا بالعديد من الحقوق المدنية والسياسية التي طال انتظارها منذ أن بدأ “حزب العمال الكردستاني” كفاحه المسلح ضد الدولة في عام 1984، إلا أن هناك فجوة اقتصادية كبيرة بين الجنوب الشرقي الكردي وبقية تركيا، الشيء الذي أدى إلى تحريك استقطاب سياسي قوي سعياً إلى التوصل لحلول سياسية فعالة. فالفقر ما يزال منتشراً بين المجتمعات الكردية في الجنوب الشرقي، إذ أضحى غير قابل للانهزام، بل إنه أصبح قوة دافعة ومحركة للتيارات التي تقف خلف حالة عدم الاستقرار التي تشهدها كل من تركيا وسوريا والعراق. وقد أدت العقود الثلاثة الأخيرة من القتال المتقطع إلى زعزعة البنية التحتية، وقهقرة الاستثمار في جنوب شرق تركيا – التي هي معقل “حزب العمال الكردستاني” – وإضعاف الاقتصاد المحلي حتى أصبح فيحالة يرثى لها. ونتيجة لموجات العنف الأخيرة، أعلنت بعض المتاجر في “ديار بكر” – التي تعد مركزاً تجارياً إقليمياً رئيسياً – عن خسائر في الإيرادات وصلت إلى 80 %, وأصبحت الفنادق تناضل من أجل ملء الغرف. ووفقاً لبيانات “معهد الإحصاء التركي”، فإن حوالي ثلث السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في تركيا يقيمون حالياً في المحافظات الجنوبية الشرقية.
ومن ضمن ما طرحه الكاتب بخصوص الأسباب والمسببات لتنامي قوة حزب العمال الكردستاني، هو الكيفية التي يتمكن بها من تجنيده لهكذا عدد من المقاتلين من الرجال والنساء بقوله: وإذا ما أردنا دراسة الوضع ميدانياً، فإنه يسهل علينا تحديد الأشخاص الذين يقوم “حزب العمال الكردستاني” بتجنيدهم للقتال، فهم يتواجدون أينما انعدم المال أو قل. وقد خَلصَتْ دراسة أجراها “مركز أبحاث الجريمة عبر الوطنية والإرهاب الدولي” – بغرض الكشف عن الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانضمام إلى هذا الحزب الكردي – إلى نتائج مهمة، حيث أظهرت أن أربعة من أصل خمسة مقاتلين من “حزب العمال الكردستاني” كانوا عاطلين عن العمل قبل انضمامهم إليه، وأن جميع المدن الثلاث التي تعاني من أعلى معدل للبطالة في عام 2015، تقع في الجنوب الشرقي الذي يضم السكان الأكراد. فالعدد الهائل من الشباب الأكراد الذين يحتاجون إلى مصدر دخل في ظل محدودية فرص العمل أصبح المصدر الأساس الذي يعتمد عليه الحزب المذكور في تجنيد الأفراد مقابل المال.
وفيما يتعلق بأهم المعالجات التي اتخذها أردوغان في سبيل معالجة تردي الواقع الاقتصادي في مناطق ومعاقل الأكراد الأتراك، فهي بقت دون مستوى الطموح وشهدت فتورا على الرغم من أن هناك محاولات عدة للنهوض بواقع التنمية في أكثر المناطق نفوذا للكرد وهي ديار بكر، لذلك تطرق الكاتب إلى تلك المحاولات وأسباب فشلها قائلا: قد أعلن أردوغان – عندما كان يعلق على أثر اختتام المفاوضات لوقف إطلاق النار مع “حزب العمال الكردستاني” – أنه “إذا تمكن من حل تلك المشكلة, فبإمكان الاستثمار أن يحقق ازدهاراً”. ومع ذلك, ففي نيسان/أبريل 2015 قال مقاول بناء لرويترز: “لقد قضَتْ عليّ البنوك ومؤسسات الإقراض. لا يوجد اقتصاد, ولا مصانع. الآن أنا فقط أقتل الوقت هنا مثل أي شخص آخر”. وتعاني المنطقة من شح في فرص العمل, إذ يتأرجح معدل البطالة ما بين 15 %, وفقاً للتقارير الحكومية, وبين 40 %, وفقاً لرجال الأعمال المحليين في الإقليم في منتصف عام 2015. ورغم ما كان يأمله أردوغان من إنجاز طفرة مالية في المنطقة لتشجيع الأكراد على وقف إطلاق النار, إلا أن أمله قد خاب. ويعود ذلك جزئياً إلى سوء إدارته للاستثمار في جنوب شرق البلاد, إذ أسفر تعهد “حزب العدالة والتنمية” بإعادة تمويل مشروع جنوب شرق الأناضول – سلسلة من السدود والمشاريع الزراعية إلى جانب محطة لتوليد الكهرباء لدعم التنمية في المنطقة – عن مزيد من التشكيك في مصداقية نتائجه. فقد صرح بيرك بيزال رئيس “جمعية الصناعيين ورجال الأعمال” في ديار بكر لتلفزيون بلومبرغ، في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، بأن “نحو 80 % من مشروع جنوب شرق الأناضول قد اكتمل، من حيث إمدادات الطاقة, وأنه قد تم الانتهاء من (بناء) 12 % فقط من قنوات الري، وأن ما نحتاجه حالياً هو تحسين طرق الزراعة في المناطق القاحلة, وتحسين معيشة الناس هناك”. فمشروع جنوب شرق الأناضول الذي يضمن توفير المكاسب لأنقرة وغرب تركيا، يجب أن يوفر السكن للمجتمعات هناك أيضاً، ويجب أن تكون له الأولوية في أجندة أردوغان.
أيضا هنا عاد الكاتب ليبين أن الأسباب الاقتصادية ليست وحدها تعالج تمرد حزب العمال, إذ لا بد أن يعقبها تحرك سياسي اجتماعي للوصول إلى تسوية للصراع، ويبرر الكاتب ذلك بقوله: باعتراف الجميع، فإن مضاعفة جهود التنمية الاقتصادية لا يمكنها شراء ولاء جميع أعضاء “حزب العمال الكردستاني” الحاليين والمحتملين. فعلى الرغم من أن العلاقة بين التنميةالاقتصادية والاستقرار السياسي هي علاقة تكاملية هامة للغاية، إلا أنها بقيت تعاني من عدم التوازن لمدة طويلة في تركيا، وسبب ذلك لأنه لا يمكن للتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي أن يتحققا دون الاهتمام بالجانب الاجتماعي. فالتخفيف من وطأة الحرمان التي يعاني منها الأكراد هو العنصر الرئيس المفقود في عملية السلام المتراجعة مع “حزب العمال الكردستاني”، وفى تحقيق الاستقرار في المنطقة. وأخيراً، يمكن القول أنه دون تلبية الاحتياجات الاقتصادية للأكراد الذين يعيشون في جنوب شرق البلاد، لن تكون المناورات العسكرية والسياسية كافية لمنع تركيا من الانزلاق في دوامة العنف.
تحليل:
أخذ الصراع ما بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني وتحديدا في الآونة الأخيرة منحى تصاعديا, ولا سيما بعد مرحلة هدوء شهدها إثر الاتفاق ما بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال المعتقل (عبد الله أوجلان), إلا أنه سرعان ما انهار بعد تصاعد العنف في سوريا وأحداث العراق وتنامي قوة وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا, المدعومة من واشنطن في حربها ضد تنظيم “داعش”، وتحقيقها لمكاسب ميدانية على طول الشريط الحدودي الفاصل ما بين سوريا وتركيا, فضلاً عن هجمات عدة شنها تنظيم “داعش” على تجمعات للأكراد داخل تركيا، والتي بموجبها وجه الأكراد أصابع الاتهام لحكومة أردوغان بدعم التنظيم في تلك الهجمات. وايضا حملات الاعتقال التي شنت مؤخرا في معاقل الأكراد، والغارات الجوية في شمال العراق التي استهدفت مواقعهم. هذه الأسباب وغيرها صعدت من وتيرة الهجمات ما بين الطرفين.
في الكلام أعلاه، التفت الكاتب إلى مسألة مهمة وهي أبعاد وأسباب تنامي الصراع، فضلا عن التجنيد المستمر لعناصر جديدة تنظم لحزب العمال الكردستاني. وكما طرح الكاتب، لا يمكن للعمليات العسكرية أن تحسم الصراع، وإنما تحتاج إلى معالجات سياسية عبر التمثيل العادل للكرد في الموؤسسات الحكومية والسماح لهم بالمشاركة السياسية غير المقيدة، وأيضا حلول اقتصادية تتمثل في النهوض بالتنمية الشاملة وتخفيف نسب البطالة في مناطق الأغلبية الكردية، كما تحتاج لمعالجات اجتماعية يعاملون على أساسها بمبدأ المواطنة. جميع هذه الحلول لو أريد لها النجاح وتوافرت لها النية الصادقة، فإنها ستسهم كثيرا في تخفيف حدة الصراع.
رابط المقال : http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-