علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
نيسان/أبريل 2016
قبل أن نخوض في مضامير وخبايا البيان الاخير لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر, لا بد هنا ان نذكر – ولو بشكل مبسط – ابرز ما شهدته البلاد من تطورات متسارعة عصفت بالعملية السياسية بشكل عام, والسلطة التشريعية بشكل خاص والمتمثلة بمجلس النواب العراقي.
ابتدأت الحكاية بعد توقيع السيد سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وقادة الكتل السياسية باستثناء كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري والقائمة الوطنية التي يتزعمها السيد اياد علاوي, وقعوا على وثيقة سميث بـ (وثيقة الشرف), والتي من ابرز بنودها: أن يتم تقديم حكومة تكنوقراط شريطة أن تقوم هذه الكتل بتقديم اسماء الوزراء حسب نسبة تمثيلهم وحصصهم في الحكومة وإلا فإنهم لا يصوتوا على غير ذلك. وفعلا قدمت هذه الكتل مرشحيها وسميت بحكومة الظرف الثاني بعدما قدمها السيد العبادي بظرف ثانٍ امام البرلمان رامياً الكرة في ملعبهم, وهذه هي الشرارة التي أججت الازمة الاخيرة؛ وذلك لثلاثة اسباب:
1- تقديم تشكيلة ثانية مع عدم حسم التشكيلة الاولى، واتصفت بأنها غير مستقلة.
2- اختزلت رؤية الاصلاحات بشخصيات رؤساء الكتل السياسية بعيداً عن نواب هذه الكتل.
3- لعل من اهم اسباب الازمة توقيع السيد سليم الجبوري على وثيقة الشرف بصفته رئيس البرلمان وليس بصفته الحزبية, الامر الذي عده النواب مصادرة لحقوقهم عبر التوقيع بالنيابة عنهم دون مشاورتهم.
وفضلا عن الاسباب اعلاه، فإن السيد سليم الجبوري قد رفع الجلسة لمرتين دون سند قانوني على حد تعبير بعض النواب, الأمر الذي اضطر قسم من أعضاء مجلس النواب إلى أن يعقدوا جلسة دون الجبوري، مستندين الى فقرات قانونية يسمح بها النظام الداخلي للمجلس, ونصبوا رئيسا مؤقتا سمي برئيس السن وهو السيد عدنان الجنابي، الذي دعا إلى التصويت على اقالة هيئة رئاسة المجلس، عبر جلسة علنية أثيرت حولها الشكوك وانقسم على اثرها البرلمان على قسمين: الاول سمي بالإصلاحيين او النواب المعتصمين، الذين اعلنوا عن اعتصام مفتوح داخل المجلس لحين انتخاب هيئة رئاسية جديدة. اما الثاني، فأطلق عليهم اسم المحافظين، إذ ارادوا اعادة الاوضاع الى نصابها والطعن بجلسة اقالة هيئة الرئاسة وطالبوا بعقد جلسة برلمانية موحدة. ومن ابرز النواب المعتصمين هم اعضاء كتلة الاحرار (الجناح السياسي للتيار الصدري), وهم من اكثر الداعمين والساعين ورائه. لكن هنا حدثت مفاجأة، وذلك بعد ان صدر بيان لزعيم التيار الصدري متضمناً عدة نقاط من ابرزها – والتي اصبحت محل جدال – دعوته الى انسحاب النواب المعتصمين وإنهاء اعتصامهم والدعوة الى ابقاء التظاهرات على حالها كما انه دعا لإمكانية تدخل الامم المتحدة لتصحيح مسار العملية السياسية. بعد هذه الخطوات توالت ردود الافعال، فمنهم من اعترض على مضمون البيان ومنهم من ايده ومنهم من تناوله من زاوية حيادية, لذلك لا بد هنا ان نطرح وجهات النظر آنفة الذكر، وهي :
المعترضون
هناك من اعترض على خطوة الصدر الاخيرة وطرح مبررات لاعتراضه، وهي :
1- ما هو موقف اعضاء البرلمان التابعين للتيار الصدري خصوصاً اذا ما علمنا انهم من اكثر الفاعلين فيه، وانسحابهم يجعلهم في موقف حرج ومتناقض.
2- جميع خطوات السيد الصدر يدعو فيها إلى إلغاء المحاصصة فكيف يدعو إلى انسحاب النواب المعتصمين، وبهذا قد اجهض مشروع المعتصمين الساعين وراء إجراء التغيير الشامل وسحب الثقة من الرئاسات الثلاث.
3- ايضاً من ضمن اعتراضهم ان موقف السيد الاخير انما هو اعطاء فرصة جديدة للسيد العبادي، وهذه ثالث فرصة تعطى اليه دون تحقيق حكومة التكنوقراط ومشروعه الاصلاحي.
4- المطالبة بتدخل اممي والدعوة لانتخابات مبكرة من اصعب الامور.
المؤيدون
مثلما أن هناك معارضين، هناك في المقابل مؤيدون لموقف الصدر الاخير، وقد قدموا ايضاً مجموعة مبررات يستندون عليها في تأييدهم وهي :
1- جاء موقف الصدر الاخير لمنع بعض الاشخاص الذين تدور حولهم الشبهات من ركوب موجة التغيير، وبهذا يجيّرون اعتصام النواب لمصالحهم الشخصية.
2- هناك تهديد لعموم منظومة الدولة لو بقى اعتصام النواب على ما هو عليه لسببين، الاول: إن كلا الطرفين من النواب لا يمكنه ان يحقق النصاب المطلوب لعقد جلسة التصويت على القرارات المهمة، وعليه نحن امام تعطيل لدور ركيزة الدولة التشريعية. ثانياً: ربما نشهد تكون برلمانين وحكومتين وكل جهة تقول أن الشرعية معي، وبهذا ربما نشهد نسخا للتجربة الليبية، وسيدخل البلد في فوضى عارمة.
3- موقف السيد الصدر لم يكن بالضد من المعتصمين، وذلك بدليلين الاول: في بداية بيانه وجه الشكر للنواب المعتصمين. ثانيا: لو كان السيد الصدر بالضد من الاصلاحات والمحاصصة لما ابقى على اعتصام الجماهير في ساحة التحرير وخارج الوزارات.
4- جاءت دعوة الصدر لتدخل منظمة الامم المتحدة انما الغرض من ورائها الضغط على الكتل ومنع السفارات من التدخل. اما الانتخابات المبكرة فلا بأس بها ولا سيما اذا ما تعقدت الامور بمجملها.
المحايدون
البعض علق على خطوة السيد الصدر من زاوية محايدة، اذ مزج ما بين المعترضين والمؤيدين، وذلك عبر طرحه رؤية محايدة عبر عنها بما بما يأتي:
1- لأكثر من عام ونصف تخرج التظاهرات في عموم محافظات العراق ولا سيما بغداد منها, وكان من الاولى على البرلمانيين الإصغاء لمطالبهم.
2- بخصوص موقف البرلمانيين المنسحبين من اعضاء كتلة الاحرار, فقد اصبحوا بين كمّاشتين ولا سيما اذا ما عرفنا ان موقف الصدر جاء سريعاً دون توجيه مسبق، فهم اما ان يبقوا على موقفهم في الاعتصام وبالتالي يخالفوا امر السيد الصدر وبهذا يفقدوا قواعدهم الشعبية, او انهم يطيعوا امره ويأخذوه من زاوية ان حماسة الاجواء البرلمانية ابعدتهم عن رؤية الامور من عمقها، وبالتالي يكونالهدف من قرار الصدر انما هو لسحب البساط من تحت ممن ركبوا الموجة وصادروا ثورة الشعب.
3- حتى وان بقي ممثلوا التيار الى جانب النواب المعتصمين، فما هي النهاية؟. على العكس سنكون امام مشكلة اكبر تتمثل في تعطيل البرلمان وصعوبة تحقيق النصاب, ولا سيما اذا ما عرفنا حتى اللحظة انهم لم يتوصلوا لاختيار رئيس برلمان جديد وهي مرحلة سهلة، فكيف سيتم اقالة واختيار رئيسي الوزراء والجمهورية. ربما ندخل في فراغ دستوري تشوبه حالة من عدم الاستقرار و”داعش” على الأبواب, وخطوة الصدر تمثل خطوة باتجاه العودة نحو برلمان موحد.
4- كانت جميع الاضواء مسلطة باتجاه التصويت على حكومة التكنوقراط المستقلة ولا سيما بعد رفض النواب للقائمة الثانية باعتبارها متحزبة، ووجهت الانظار للعودة إلى التشكيلة الحكومية الأولى. وبحركة البرلمان الاخيرة مع اهميتها وجديتها، وأنها حركة جديدة، وخروج غير مألوف عن سيطرة رؤساء الكتل، إلا انها شتتت جهود تشكيل حكومة التكنوقراط، وغيرت مسار الانظار بعد ان كانت تدور حول حكومة السيد العبادي ومدى جديتها في تقديم حزمة الاصلاحات والتي من ابرزها تشكيلة وزارية جديدة يعقبها تغيير شامل للهيئات المستقلة والدرجات الخاصة.
5- على الرغم من تعدد المهل التي حددها السيد الصدر, الا انه كان يهدف من ورائها الى اعطاء الفرص الى السيد العبادي بتقديم كابينته الجديدة, وهذا يدل على مدى صعوبة اقالة العبادي بحسب ما يطلبه البعض؛ لان سحب الثقة منه في هذا الوقت ليس بالأمر السهل ويتبعه توافقات ومصالح دول.
6- الكثير من تدخلاته ولا سيما الاخيرة هي رسالة لكافة الاقطاب السياسية وبخاصة الشيعية منها، بان تدخلاته انما هي في الوقت المناسب، وذلك لمنع انزلاق البلاد غلى الهاوية، وهذا ما لمسناه من سرعة الرد من قبل السيد عمار الحكيم وهادي العامري بتوجيههم الشكر لموقف الصدر.
ونتيجة لما ورد اعلاه، فقد تباينت الآراء حول عقد جلسة موحدة للبرلمان بعد مدة جمود كاد ان ينقسم على اثرها البرلمان. وعلى الرغم من بعض المواقف الرافضة لعودة الجبوري، الا ان الحديث عاد من جديد للتصويت على حكومة التكنوقراط، والتي كادت ان يجري الالتفاف عليها عبر إشغال البرلمان بموضوعة اقالة رئاسة البرلمان وما شابه, وبالتالي بعد بيان الصدر وانسحاب نواب الاحرار الذين اشترطوا لعودتهم ان تعقد جلسة شاملة وان يجري التصويت فيها على الكابينة الجديدة, فإن هذه الخطوة تعد خطوة اولى لعودة البرلمان إلى وضعه الطبيعي، لمناقشة الامور تحت قبته من جديد، سواء اقالة الجبوري ام سحب الثقة ام التصويت على الاصلاحات، عبر آليات دستورية معروفة، شريطة تحقق النصاب البرلماني.