ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم الدراسات الدولية
مايو/ 2016
(تعددت الاسباب والنتيجة واحدة)، هكذا يمكن وصف عملية الإصلاح السياسي في العراق، فمنذ ما يقارب السنة على خروج التظاهرات العراقية إلى شوارع المدن (في بغداد والمحافظات)، وتصاعد السخط الشعبي اتجاه السياسيات الحكومية، ليتطور بعدها ويمتد إلى ساحات الاعتصام ومحاصرة المنطقة الخضراء “المنطقة الحكومية” قبل أن يتم اقتحامها بعد تأجيل جلسة البرلمان يوم السبت 30/4 إلى يوم الثلاثاء المقبل، إلا أن صور الإصلاح السياسي ما تزال ضبابية؛ بسبب غياب التفاهمات بين القوى السياسية – التي أصبح البعض منها- مهدداً بخسران نفوذه وامتيازاته التي تمتع بها طوال السنوات الماضية؛ لذلك حاولت بعض القوى السياسية طرح مشاريع أو برامج إصلاحية برؤية ضيقة بما يتناسب مع مصالحها السياسية والاقتصادية، وبما يحافظ على المكاسب والمغانم التي حصلت عليها بعد العام 2003، وعدم الخروج عن إطار التوافقات السياسية بين الكتل والقوى السياسية العراقية المتمثلة بزعيم الكتلة أو رئيس الحزب.
والإصلاح الذي تعهد به رئيس الوزراء حيدر العبادي والزم به نفسه اتجاه شعبه بأن يمضي في الإصلاح حتى وأن كلفه حياته “على حد تعبيره”، اصطدم بإرادة الكتل السياسية العراقية، وبإرادة الشعب العراقي المنادي بالإصلاح الحقيقي، كذلك مثلت الإرادة الإقليمية والدولية حجر عثرة في طريق الإصلاح، وذلك على وفق المصالح السياسية والاقتصادية والاهداف المرسومة من قبل هذه الدولة أو تلك، وبما يتناسب مع أهدافها، ولكن – على الرغم – من هذا الاختلاف الدولي والإقليمي بشأن الإصلاح السياسي في العراق، إلا أن (الموقف الإقليمي والدولي) كان متوافقاً في الأزمة العراقية الاخيرة بخصوص إقالة رئيس مجلس النواب العراقي من قبل النواب المعتصمين، إذ كان هناك توافق رأي بين كل الدول الإقليمية والولايات المتحدة التي دعمت بقاء السيد سليم الجبوري بمنصبه على الرغم من تصاعد الأزمة – التي ما زالت مستمرة- بشأن شرعية الجلسة الاخيرة التي ترأسها الجبوري وقدم بها رئيس الوزراء خمسة وزراء تكنوقراط، والتي قدم النواب المعتصمون على أثرها طعناً للمحكمة الاتحادية بعدم شرعيتها، فماذا لو أصدرت المحكمة الاتحادية حكم الفصل بعدم شرعية الجلسة؟ وما هو مصير الوزراء الذين أقالوا، والوزراء الجدد الذين تم التصويت عليهم، ولاسيما أن المتظاهرين قد وصلوا إلى نقطة النهاية في تظاهراتهم؟. إذاً هناك سيناريوهات معقدة ربما تشهدها الايام القادمة في الازمة العراقية.
أما في حال كانت الجلسة سليمة من الناحية القانونية وبتت المحكمة الاتحادية بصواب شرعيتها فهل أن خطوة التصويت على الوزراء الخمسة “التكنوقراط” كافية؟ أو أن الطريق ما يزال طويلا لبلوغ الإصلاح الحقيقي؟.
وهناك اعتقاد كبير وسائد في الشارع العراقي سواء بين المختصين والمعنيين في الأمر أو بين عامة الناس، بأن عملية التصويت على الكابينة الوزارية “التكنوقراط” غير كافية ولم تحقق شيئاً ما لم تعزز بإصلاحات وإرادة حقيقية من قبل كل اطراف العملية السياسية والفرقاء السياسيين، وربما الشيء الأكيد والخطوة الكبيرة التي تضع الإصلاح في طريقه الصحيح هي “محاسبة المفسدين، وكشف الفساد ومن تسبب به منذ العام 2003، لأنه ليس من المعقول أن نبحث عن إصلاح سياسي واقتصادي بعمق الازمات العراقية، ومن تسبب بتلك الازمات ما يزال يشارك في العمل السياسي ويؤثر به (الازمة السياسية والاقتصادية والأمنية)، وعليه أن لم تكن هناك معالجة حقيقية لمسببات الازمة، وزج المفسدين في السجون، وإعادة النظر بعلاقة إقليم كردستان بالمركز، وإرادة حقيقة لدى المتصديين للعمل السياسي، ربما ستبقى العملية السياسية العراقية هشة ويبقى الإصلاح متأرجحاً بين الفوضى والازمات، وبين الإرادة الداخلية والخارجية، وستبقى علاقة الإقليم بالمركز مبهمة بين الانفصال والبقاء في حكومة بغداد، ما ستلقي بضلالها على استقرار العملية السياسية بشكل عام. كذلك لابد من رفد عملية الإصلاح ببرنامج حكومي واضح في هيكلة المؤسسات وتنشيطها بتغير الوكلاء والمدراء العاميين والمفتشين والهيئات المستقلة، أيضاً لا ننسى بأن محاسبة المفسدين وكشف ملفات الفساد يتطلب من السلطة القضائية تفعيل دورها الرقابي والابتعاد عن التسيس والمجاملات السياسية، فضلاً عن تفعيل دور النزاهة والرقابة المالية والمفتشية. كذلك يتطلب الإصلاح بضرورة إعادة النظر بقانون الاحزاب وقانون الانتخابات والمفوضية العليا، وإعادة النظر ببعض القوانين التي شرعت، وبعض القوانين التي لم تشرع وتلك القوانين التي تحتاج إلى تعديل أو تصحيح أو تفسير، وهذا يتطلب ربما تعديل الدستور وتفعيل لدور البرلمان بشكل صحيح بعيداً عن سياسة التوافقات وسلطة زعيم الكتلة أو رئيس الحزب.
وعليه، فبما أن طريق الإصلاح طويل ومعقد فلابد للقوى السياسية العراقية أن تدرك بأن الوضع السياسي الحالي لايمكن أن يستمر، وأن الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات لا يمكن اجهاضها، وأن التسويف والمراهنة على الوقت (قضية خاسرة)؛ لأن الجميع أصبح يدرك خطورة الوضع السياسي والاقتصادي والأمني، وأن استمرار التقاطعات بين الفرقاء السياسيين وغياب المشروع الوطني والتأرجح بين المشاريع الداخلية الضيقة والمشاريع الإقليمية سيزيد الوضع سوءاً، وربما سيقود الدولة العراقية إلى حافة الهاوية والانهيار المؤكد، ولربما ايضاً استمرار التقاطعات والاختلافات السياسية بين أطراف العملية السياسية بشأن الإصلاح والمراهنة على الإصلاح الجزئي أو الشكلي، ستكون لها ردود عكسية وسلبية من قبل الجماهير المعتصمة والغاضبة من عملية المماطلة في الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وهذا ربما يضع الجميع أمام خطورة سيناريو الفوضى الهدامة، وعليه سيكون الجميع أمام سيناريو غياب سلطة الدولة والقانون.