الكاتبة: إيما سكاي
الناشر: بولتيكو ماكَازين
ترجمة وعرض: م.م حسين باسم
بتاريخ: 1 آيار 2016
إن إقتحام العراقيين العاديين لقصور ساستهم الفاسدين، لم تكن سوى مسألة وقت. إن أكبر تهديد للعراق لا يأتي من الدولة الإسلامية وإنما من السياسات العرجاء، والفساد الكارثي، وسوء الإدارة. في الواقع هناك علاقة تكافلية بين الإرهابيين والسياسيين الفاسدين: تتغذى من بعضها البعض، وتبرر وجود بعضهم البعض.
. .
إستهلت الكاتبة مقالها المُثير معتبرة في حين أن الولايات المتحدة كانت تركز اهتمامها على الدولة الإسلامية وتحرير الموصل، كان اهتمام العراقيين العاديين ينصب على التفكيك السياسي في بلدهم. بلغ ذلك ذروته يوم السبت عندما اخترق مئات المحتجين “المنطقة الخضراء” التي ثبتها الأمريكان في قلب بغداد للمرة الأولى، واقتحموا البرلمان العراقي بينما وقفت قوات الأمن العراقية تتفرج. كما وأطاح المتظاهرون -من أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر- بالجدران الكونكريتية، وجلسوا في المقاعد الفارغة للبرلمانيين الذين فرّوا وهتفوا مطالبين بإستبدال الحكومة. وكذلك، فقد أعلنت حالة الطوارئ.
وينبغي أن يكون هذا الحادث بمثابة جرس إنذار إلى واشنطن، التي لم تعد قادرة على تجاهل تفكك نظام ما بعد صدام حسين الذيصممته قبل 13 عاما. الحقيقة المحزنة هي أن العراق أصبح غير قابل للحكم، فهو الآن دولة ميليشيات أكثر من دولة مؤسسات. طالما أن الحالة الراهنة ما زالت مستمرة، فحتى الدولة الإسلامية الضعيفة، والتي تواصل فقدان الأراضي والدعم، سوف يستمر وجودها في العراق، عبر الإعتماد على مخاوف السنة من فساد وعدم كفاءة الحكومة.
وبالتالي، إن أكبر تهديد للعراق لا يأتي من الدولة الإسلامية وإنما من السياسات العرجاء، والفساد الكارثي، وسوء الإدارة. في الواقع هناك علاقة تكافلية بين الإرهابيين والسياسيين الفاسدين: تتغذى من بعضها البعض، وتبرر وجود بعضهم البعض. لقد أوجد نظام ما بعد 2003 لتكون فيها الوزارات كما لو أنها إقطاعيات للأحزاب السياسية والطبقة السياسية السارقة التي تعيش في راحة داخل المنطقة الخضراء، بعيدا عن السكان الذين طالت معاناتهم، وهم يفتقرون إلى الخدمات الأساسية. وقد أستخدمت الكاتبة مصطلح “kleptocracy” في توصيف الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وأشارت الى معرفتها بعدم وجود ترجمة دقيقة لهذا المصطلح الى اللغة العربية. ولكنها أردفت القول “إستنادا الى المتظاهرين وهم يهتفون “كلكم حرامية” فهم يعرفون تماما ما أعنيه”.
لقد أنشأت المنطقة الخضراء المُسيّـجة في العام 2003 لحماية الأمريكان المحتلين أصلا، وكان من المفترض بالمنطقة أن تكون مؤقتة. غير أن النخب العراقية سيطرت عليها بعد رحيل الأمريكان، وأهدروا المال العام على القصور والمولدات والسيارات وتفاصيل أمنهم وعقاراتهم في الخارج وعطائاتهم إلى المقربين. وعلى هذا المنوال، باتت المنطقة الخضراء ترمز إلى كل ما هو خطأ في شرعية وقدرة الحكومة العراقية. لقد كانت النخبة السياسية آمنة خلف الجدران الكونكريتية والأسلاك الشائكة -على الأقل حتى السبت- وعاشت في عزلة رائعة، غير خاضعة للمساءلة تماما من الشعب العراقي، مُسخرين ثروة البلاد النفطية لتمويل أنماط حياتهم الفاخرة. وداخل مباني المنطقة الخضراء المكيفة جيدا، مارس السياسيون مختلف انواع المشاحنات حول كيفية تقسيم ميزانية البلاد فيما بينهم.
وفي تناقض صارخ، أبتلى العراقيون العاديون لفترة طويلة على مواجة السيارات المفخخة، ورداءة المياه وإنقطاعات الكهرباء من دون إظهار حكومتهم الاكتراث أو القُدرة على تحسين حالتهم. لسنوات عديدة، كان العراقيون يتجمعون بالآلاف احتجاجا على فساد الطبقة السياسية وعدم وجود الخدمات العامة. وقد تم تصنيف العراق بالمستوى 161 من أصل 168 في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية. وقد أدى الهبوط الحاد في أسعار النفط إلى إجراء استقطاعات من رواتب العاملين في القطاع العام في البلاد التي تعتمد ميزانيتها بنسبة 95 في المئة على إيرادات النفط، وفي ذات الوقت يعتمد حوالي 7 ملايين شخص على الرواتب الحكومية. إن هذه الأعباء المتزايدة على المجتمع دفعت بالشبان الغاضبين الى الخروج الى الشوارع، مطالبين بوضع حد لسوء الإدارة منذ 13 عاما و نهب المليارات من الدولارات من قبل الطبقة السياسية الجديدة.
في الأسابيع الأخيرة، وجه الصدر -الذي كان يشكل عامل زعزعة للاستقرار منذ الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي- دعوة للشعب من أجل الاحتجاج وهدد بالتصويت على حجب الثقة في البرلمان اذا لم تلب مطالبه المنادية بالإصلاح. كما وقد حمل خطابا مناهضا للطائفية، وطالب “بضرورة تنحي أولئك الذين أخذوا العراق إلى الهاوية”. وفي استجابة للمطالب العامة، حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يستبدل الحكومة الحالية بإخرى تتشكل من التكنوقراط، وتركز على تقديم الخدمات العامة بدلا من استخدام الوزارات كإقطاعيات للمحسوبية. وبالرغم من إقراره بتأثير نظام المحاصصة المفسد، إلّا أن هناك الكثير من المصالح الراسخة بما يُثبت صعوبة إستبداله. كما أن الأحزاب السياسية نجحت حتى الآن في منع هذه الإصلاحات من أن تكون قيد التنفيذ لأنها ستخسر الحصول على العقود والأموال السهلة.
في الأسبوعين الماضيين، بدلا من الموافقة على قائمة تكنوقراط العبادي المقترحة، فقد ألقى أعضاء البرلمان زجاجات المياه والشتائم على بعضهم البعض، مع لقطات فيديو وزعت على نطاق واسع على ال WhatsApp.
وفي يوم السبت، اتهم الصدر السياسيين بعرقلة الإصلاحات وحذر من ضرورة إستبدال المسؤولين الفاسدين ونظام المحاصصة وإلّا سيعمل على سحب الثقة عن الحكومة الحالية. وعلى الرغم من انه لم يدع مباشرة لإتخاذ أي خطوة، إلّا أن أنصاره قاموا بإختراق المنطقة الخضراء بعد فشل البرلمان في تحقيق النصاب القانوني للتصويت على الحكومة الجديدة من التكنوقراط. وبينما يجري الصراع على السلطة بشكل مكثف داخل الطائفة الشيعية، فإنه سيكون أكثر صعوبة مما كان عليه في الماضي لتهدئة مخاوف السنة. وهكذا، فإن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، يسعى الى إسقاط العبادي على وجه الخصوص، مقدما نفسه على انه الزعيم الشيعي الوحيد الذي يستطيع معالجة الوضع الأمني وإدارة إحتجاجات الصدريين.
في وسط كل هذا فإن ما يقدر بنحو 5000 من القوات الأمريكية عادت مرة أخرى الى العراق من دون اتفاقية أمنية أقرها البرلمان. إن الخطر يتمثل فيما لو استمر فشل البرلمان في الاتفاق على حكومة جديدة، فعندها يمكن أن يوجه غضب المتظاهرين العراقيين تجاه الولايات المتحدة، محملين إياها مسؤولية إنشاء النظام السياسي بعد العام 2003، وهكذا يمكن أن تجد القوات الأمريكية نفسها مُنحرفة عن مهمتها الأساسية في مواجهة الدولة الإسلامية. ومن المفارقات، أن إدارة أوباما أصرّت على موافقة البرلمان في العام 2011 كأساس قانوني لبقاء القوات الامريكية في العراق. وعندما لم يتحقق، تم سحب جميع القوات الأمريكية من العراق وفقا للاتفاقية الأمنية عام 2008. ومع عودتهم، في ظل الظروف الصحيحة، فإن القوات العراقية بدعم الولايات المتحدة يمكنهما تحطيم الدولة الإسلامية. لكن واشنطن يجب أن لا تخدع نفسها: فإذا لم يتم معالجة الأسباب الجذرية التي خلقت الظروف الملائمة لنشوء الدولة الإسلامية، فإن بعض أبناء “داعش” قد ينشأون في المستقبل وتستمر الدورة. الدرس الرئيسي من زيادة القوات في العراق في الأعوام 2007-2009 عندما كنت أشغل المستشار السياسي للجنرال “راي اوديرنو” كان أنه إذا لم تقترن النجاحات السياسة مع النجاحات التكتيكية، فسوف لن تكون مستدامة، ومن ثم تنهار الأوضاع.
وهذا هو ما يحدث الآن. الناس الذين يعيشون في الموصل يكرهون احتلال المدينة من قبل الدولة الإسلامية، ولكنهم أيضا يعبّرون عن مخاوفهم من الميليشيات الشيعية والبيشمركة الكردية. وهكذا، لا يبدو امتلاك أي خطة لما يجب القيام به عند هزيمة الدولة الإسلامية. كما وليس هناك اتفاق بشأن من سيحكم الأراضي المحررة، ولا كيف؟ ومن الواضح بأنه سوف تكون هناك هجمات للسنة على السنة، كيما يتم أخذ الثأر من المتهمين بالتواطؤ أو المتعاونين مع الدولة الإسلامية.
ومع تراجع تهديد الدولة الإسلامية، فمن المرجح أن نشهد تصاعد حدة القتال الشيعي-الشيعي، وكذلك قتال العرب ضد الكرد.
وتختتم الكاتبة مقالها مشيرة الى وفود تقارير تؤكد على ان المتظاهرين بدأوا بمغادرة المنطقة الخضراء يوم الأحد. وهكذا فهي ترى من المرجح أن يبقى العبادي سياسيا وذلك حتى الآن. غير أن الكاتبة ترى بإن الحقيقة المحزنة هي أن إصلاحاته من غير المرجح أن تنفذ والنخب الفاسدة سوف تفعل كل ما بوسعها للبقاء في السلطة. وحتى تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء -سني وشيعي وكُردي- تلك الخطة التي تحدث عنها نائب الرئيس جو بايدن، سوف لن تتمكن من حل المشاكل الكامنة خلف ضعف حكم السياسيين الفاسدين. الخلاصة، بطريقة أو بأخرى، يجب على سياسة المنطقة الخضراء المدمرة أن تنتهي.
http://www.politico.com/magazine/story/2016/05/how-americas-green-zone-helped-destroy-iraq-213863