م. م. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الأزمات/مركز الدراسات الاستراتيجية
أيار / 2016
توقع تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( ربيع 2016 ) أن يتعافى الاقتصاد العراقي من أزمته بمعدل نمو 7.2 % خلال العام الجاري، وأن يحوم حول 5 % في السنوات القليلة القادمة. وإن سبب التوقع المتفائل هو الزيادة المتوقعة في إنتاج النفط، وازدياد الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتصلة بالنفط، والإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها الحكومة وتنفيذها برامج صندوق النقد الدولي، فضلا عن تحرير المحافظات العراقية من سيطرة تنظيم “داعش” التي تعود بالآثار الاقتصادية الإيجابية من ناحية تقليل الإنفاق العسكري.
ومن المعلوم أن الاقتصاد العراقي قد تأثر بشكل كبير بالأزمتين المتزامنتين اللتين بدأتا بالظهور منذ النصف الثاني من عام 2014، وتتمثلان بصدمة أسعار النفط، وسيطرة تنظيم “داعش” على عدد من المدن العراقية، مع ما رافقه من عدم الاستقرار السياسي، مسببة بذلك اختلالات هيكلية وتراجع وتيرة الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص، وتقييد الإنفاق الحكومي، ولاسيما على المشروعات الاستثمارية، والتدهور الحاد لأوضاع المالية العامة وميزان المعاملات الخارجية وتفاقُم أوضاع الفقر.
وأشار التقرير المذكور في بياناته التفصيلية عن الوضع الاقتصادي في العراق إلى أن العجز المالي في الموازنة العامة قد تجاوز 14.5 % في 2015، ويرجع السبب في ذلك إلى هبوط العائدات النفطية وزيادة الإنفاق الحكومي للأمن والدفاع. بينما وصل العجز في ميزان الحساب الجاري عام 2015 إلى 6.6 % من إجمالي الناتج المحلي، ويرجع ذلك إلى انخفاض إيرادات التصدير بنسبة 47.3 % عام 2015. فضلاً عن المشكلة الأهم التي تواجه الاقتصاد العراقي، وهي ارتفاع معدل الفقر إلى 22.5 % في 2014، بينما بلغ41.2% في المحافظات التي يسيطر عليها “داعش”، لذا نجد من تحليل السابق أن الاقتصاد العراقي يعاني على مدار ثلاثة أعوام من العجز المزدوج على الرغم من تطبَّيق الحكومة إجراءات لضبط المالية العامة في منتصف عام 2015 بهدف تحسين مستويات تحصيل الإيرادات، ولاسيما من صناعة النفط، وتقليل الإنفاق على القطاعات غير النفطية، وتمويلها عجز الموازنة من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية.
إما فيما يخص التوقعات المستقبلية لأسعار النفط، فقد توقع التقرير أن يبلغ سعر بيع النفط العراقي 30 دولارا، منخفضا كثيرا عن سعر البيع في عام 2015 وعن السعر المستهدف في ميزانية 2016 والبالغ 45 دولارا للبرميل. لذا، فإن المالية العامة وميزان المعاملات الخارجية سيظلان معرضين للضغوط على الرغم من الانخفاض الطفيف في الإنفاق العسكري وإجراءات ضبط أوضاع المالية العامةـ إذ من المتوقع أن يتدهور وضع المالية العامة بسبب انخفاض إيرادات بيع النفط، ليرتفع عجز الموازنة من 5.6% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 إلى 20 % من الإجمالي في عام 2016 بالأسعار الحالية، ومن المتوقع أن يزداد عجز ميزان الحساب الجاري من 6.6 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015 إلى 15.3 % من الإجمالي في عام 2016.
إن هذه النظرة المتفائلة للتقرير ممكنة الحدوث، إذا لم تكن بشكل كامل فبشكل جزئي رغم المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها العراق في حالة ارتفاع أسعار النفط عن المستويات المتوقعة، إذ سيؤدي إلى تحسين موازين المالية العامة والمعاملات الخارجية، إذا ما رافق ذلك تحسن وضع الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات النمو و استقرار المعروض العالمي من النفط، والتخلص من تنظيم “داعش” في العراق، وهذا ما أكد عليه صندوق النقد الدولي في تقريره لمستجدات آفاق الاقتصاد العالمي (كانون الثاني 2016).