علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/قسم إدارة الأزمات
تشهد العملية السياسية في العراق ركوداً في مفاصل العمل الحكومي على المستويين التشريعي والتنفيذي، وتتنامى يوماً بعد يوم دون حلّ يلوح في الأفق. فعلى المستوى التشريعي، ما يزال مجلس النواب يشهد تجاذبات ما بين الكتل السياسية الرئيسة وبين فريقي النواب المعتصمين من جهة وما يطلق عليهم بالنواب المحافظين من جهة أخرى. فبالنسبة للمعتصمين، فقد قدموا طعناً للمحكمة الاتحادية للفصل بصحة عقد جلسة إقالة رئيس مجلس النواب، وطعناً آخر بجلسة إقالة الوزراء والتصويت على غيرهم، والتي عقدت برئاسة الجبوري. فبالنسبة للنواب غير المعتصمين فهم أيضاً مشتتون، وكل كتلة لديها مطالب للعودة إلى البرلمان، فالكتلة الكردية تطالب باعتذار وضمان بضرورة عدم تكرار تجربة اقتحام الخضراء ومجلس النواب، فضلا عن مطالب سياسية اخرى. أما التحالف الوطني، فهو منقسم على نفسه أصلاً وتشتت كتله. فالأحرار مصرّون على عدم حضور أية جلسة برلمانية تخلو من التصويت على إكمال الكابينة الحكومية المستقلة. والمجلس الأعلى له رؤية بما جرى وقد وجه نقداً لدخول المتظاهرين إلى الخضراء، وفي الوقت نفسه انتقد موقف النواب المعتصمين، ويرى أن الإصلاح لا يتم بهذه الطريقة. ودولة القانون أغلبهم منظمون للنواب المعتصمين. أما بقية أطراف التحالف فلا يوجد لديهم موقف محدد إلا أنهم يتأملون جلسة موحدة جامعة للبرلمان. وبالنسبة لتحالف القوى السنية، فهو الآخر يدعو لجلسة موحدة ويحمل مسؤولية الأزمة إلى السيد العبادي بوصفه صاحب مبادرة الإصلاح دون أن تكون لديه رؤية واضحة، وفي الوقت نفسه هو من أعلن تمسكه بالجبوري لرئاسة البرلمان.
أما السلطة التنفيذية، فحالها ليس بأفضل، ولا سيما بعد تقديم بعض الوزراء استقالاتهم والبعض الآخر أقيلوا بجلسة البرلمان، مما تسبب بخلخلة نصاب مجلس الوزراء لجلستين على التوالي، مع صعوبة حضور الوزراء الجدد إلى الجلسة دون ترديد القسم الدستوري أمام مجلس النواب غير المنعقد أصلاً، لذلك لجأ السيد العبادي إلى إسناد الوزارات الشاغرة لوزراء آخرين لإدارتها بالوكالة حتى يتمكن من إكمال النصاب وعقد جلسة مجلس الوزراء.
يقابل الركود السياسي تصاعد في وتيرة المشهد الأمني، وكان آخرها ما شهدته العاصمة بغداد يوم الأربعاء، بعدما استُهدفت بثلاثة تفجيرات دامية راح ضحيتها قرابة الثلاث مائة ما بين شهيد وجريح، في مناطق الكاظمية وحي الجامعة ومدينة الصدر، وكان أعنفها في سوق عريبة الشعبي وسط مدينة الصدر، كما ويذكر أن هذه المدينة كانت قد تعرضت لعشرات التفجيرات الدامية التي أودت بحياة مئات الأبرياء، فيما أعقب التفجيرات ردود فعل دولية ومحلية تدين وتستنكر الهجمات.
وسرعان ما ظهرت تداعيات هذه الهجمات على المستويين الشعبي والرسمي. فقد اتهم رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية وزير الداخلية بالتقصير في حماية المناطق السكنية، ويرى أن الوزير قد وجه جهدا كبيرا من استخبارات الداخلية لملاحقة ومتابعة من اقتحموا الخضراء، فضلا عن نقله لجزء كبير من القوات الأمنية لحماية مداخل ومخارج المنطقة الحكومية المحصّنة، كما أن الوزارة تدار بصورة غير مهنية. وقد ردت الوزارة بنفي التهم، وحملت مسؤولية أمن بغداد لقيادة العمليات المرتبطة برئاسة الوزراء. وعلى المستوى الشعبي، خرجت تظاهرات منددة بالهجمات ومستغربة من تكرارها وسط عجز الجهات الأمنية عن توفير الحماية لهم.
أما بعض المختصين بالشؤون الأمنية، فقد عللوا الإخفاقات الأمنية لجملة من الأسباب منها:
أولاً: التأخر في إطلاق عملية تحرير الفلوجة ومحيطها وما تسببه من إرباك وإشغال للقوات الأمنية. ثانياً: الحواضن والقواعد والخلايا النائمة في مناطق حزام بغداد، والتي ما تزال تعد التهديد الأكبر على أمن بغداد. ثالثاً: الخطط التقليدية المتمثلة بكثرة نصب السيطرات وأجهزة كشف المتفجرات التي لا فائدة منها أثبتت عدم كفاءتها، مع ذلك ما تزال تستخدم وبكثرة. رابعاً: ضعف الجهد الاستخباري بتتبع تنقلات واتصالات وأماكن تواجد المهاجمين. خامساً: كثرة المتصدّين للملف الأمني مع غياب التنسيق جعل من هذا الأمر أن يكون سلبياً، وتسبب في خروق كثيرة، فهناك قيادة عمليات بغداد تأتمر بأمرة رئيس الوزراء بصورة مباشرة دون المرور بوزيري الداخلية والدفاع، فضلا عن تعدد الجهات الأمنية على مستوى العراق عامة وبغداد خاصة، من مثل المخابرات والاستخبارات والأمن الوطني، علاوة على الشرطة المحلية، والشرطة الاتحادية، والحشد الشعبي، دون تحقيق أمن للعاصمة يبعث على الارتياح.
ويحاول البعض الربط ما بين تدهور الوضع السياسي والوضع الأمني، بمعنى أن أغلب التفجيرات ولا سيما الأخيرة وقعت في خضمّ الاختلاف السياسي والتشتت البرلماني وما رافقه من شبه توقف للعمل التشريعي وركود بالجانب التنفيذي، وهذا الرأي لا يخلو من الصحة؛ بسبب التأثير المباشر لهذه الخلافات على الميدان ولا سيما ما يتعلق بتغيير القيادات الأمنية على أساس المحاصصة أو بدوافع شخصية، كما أن تداعيات أزمة دخول الخضراء قد أدت لاستدعاء عدد ليس بالقليل لحماية أسوار المنطقة الحكومية، ناهيك عن الجهد الاستخباري.
لذلك ينبغي إحاطة تأثير التأزم السياسي دون نقل أثره إلى الواقع الأمني لارتباطه المباشر بحياة المواطن البسيط والأمن العام، ولا بد من إعادة النظر بالخطط الأمنية التي أثبتت عدم جدّيتها مع علمنا بتطور أساليب العدو ومعرفته بجميع الخطط الحكومية، كما وينبغي مراجعة أداء القيادات الأمنية وإجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة أسباب الخروقات الأمنية ومحاسبة المقصرين، و تكثيف الجهد الاستخباري والعمليات الاستباقية ولا سيما في المناطق الرخوة أمنيا، والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة و توظيفها أمنيا بشكل صحيح، وإبعاد القادة غير المهنيين والاستعانة بمن أثبت مؤهّلاته وخبراته الأمنية. هذه الأمور وغيرها تدعو صانع القرار إلى أن يبحث بجدية أسباب تكرار التفجيرات بنفس الطريقة ونفس المناطق للتوقف عندها والوصول إلى حلول جذرية لها.