علي مراد العبادي
مركز الدراسات الاستراتيجية/قسم إدارة الأزمات
أيار/مايو 2016
في الوقت الذي ما تزال فيه تداعيات دخول المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء تلقي بظلالها وتأخذ جدلا واسعا ما بين الأطراف الحكومية، والذي تخلله تبادل التهم ما بين أقطاب العملية السياسية، نجد أن أعضاء البرلمان يتهمون رئيس الوزراء بالسماح للمتظاهرين في الدخول إلى أروقة مجلس النواب والاعتداء على بعض النواب، فيما رد السيد العبادي بنفي هذه الادعاءات، وعزا ذلك إلى إخفاق مجلس النواب بحسم حزمة الإصلاحات والانشغال بخلافات داخلية ما بين نوابه وحرف مسار البرلمان عن تأدية واجبه الرقابي والتشريعي وتعطيل المؤسسة التشريعية بالكامل. وفي ظل تصاعد حدة الخلاف وتبادل التهم، ما تزال اللجان المختصة تقوم بإحصاء وتقييم الأضرار التي ألحقت بالمجلس جراء دخول المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء ومقر مجلس النواب والتي عدها المسؤولون إهانة لهيبة الدولة مما دفع السيد العبادي إلى الشروع بتغيير القيادات الأمنية المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء وزيادة التحصين. وفي غضون تشديد الإجراءات الحكومية، وإعطاء ضمانات للنواب الكرد بحمايتهم وتطييب خواطرهم بشتى الوسائل وتقديم التنازلات لهم لإقناعهم بالعودة إلى البرلمان، ومحاولات حسم الجدال بشأن صحة عقد جلستي مجلس النواب عبر الطعن لدى المحكمة الاتحادية لحسمها في الأيام المقبلة, تفاجأ الجميع بتجدّد التظاهرات واقتحام المنطقة الحكومية مجددا بوتيرة أعلى والدخول إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في رسالة هي الثانية من نوعها بعد اقتحامهم للمجلس التشريعي مسبقاً. ويبدو أن التغييرات الأمنية الأخيرة لم تثن هؤلاء المتظاهرون. فعلى الرغم من الصدام الذي حصل ما بين القوة المسؤولة عن حماية الخضراء والمتظاهرين وسقوط عدد ليس بالقليل من الضحايا والمصابين جرّاء استخدام العيارات النارية والغازات المسيلة للدموع مع تبادل الطرفين اللوم عن المسبب، اتهم المتظاهرون بعض الجهات الأمنية وعناصر خارج المؤسسة الأمنية الرسمية باستخدام العيارات النارية بصورة مباشرة، فيما ردت الأجهزة الأمنية باتهام المتظاهرين بمحاولة الدخول وتخريب المؤوسسات الحكومية، فضلًا عن البيان الذي ألقاه السيد العبادي منتصف الليل مبينا فيه وجود مندسّين وبعثيين في صفوف المتظاهرين، وأنهم يحاولون عرقلة التقدم الأمني وإيقاف العمليات العسكرية، الأمر الذي نفاه المتظاهرون بشدة، معتبرين التصريحات الحكومية استفزازية، فإلقاء التهم ومحاولة تجريدهم من هدفهم الإصلاحي بتهمة البعث ذريعة لصدهم عن مطالبهم، وبخصوص العمليات العسكرية، فلا توجد علاقة ما بين الحالتين، فالجميع يطالبون باستكمالها وحسمها، وجزء كبير من مطالبهم تهدف إلى إصلاح المنظومة الأمنية وإبعادها عن المحاصصة والفساد، كما طالب المتظاهرون بحماية مناطقهم وإيقاف الهجمات الإرهابية ضدهم بعد تكرارها وبنفس الطريقة، ولا سيما في الأسبوعين الأخيرين، والتي كان أعنفها بمدينة الصدر والشعب والكاظمية، والتي خلفت وراءها مئات الشهداء والجرحى.
إن أخطر ما جرى مؤخرا – وبغض النظر عن المسبب – هو اللجوء إلى استخدام وسائل القمع واعتقال بعض المتظاهرين، وهذا مؤشر خطير لاحتمالية تصاعد وتيرة الاحتجاج، مع إدراكنا بسهولة انتشار واستخدام السلاح، إذ إن أغلب الأطراف لديها أجنحة مسلحة، وهذا ما يصعب ويعقد المشهد، مع الأخذ بنظر الاعتبار يقظة العدو الإرهابي واستغلاله لأبسط ثغرة أمنية للنفاذ منها، فضلا عن وجود المتصيدين في الماء العكر، الذين يقفون وراء بث الفتن والإشاعات عبر قنوات التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة منهم إلى دفع الأمور نحو مزيد من الفوضى، وافتقاد الحكمة في التصرف من كافة الأطراف. فالسؤال المطروح هنا هو: من يستطيع إيقاف تدهور الأوضاع وتقليل حدة الاحتجاج مع تأزم الأوضاع السياسية والأمنية والتحديات العسكرية وتداعيات الأزمة الاقتصادية، وجميعها مؤشرات خطيرة تدل على عمق الأزمة واحتمالية تصاعدها في الأيام القادمة ما لم توجد لها حلول جذرية؟.
الواضح أن تصاعد موجات الحر وانقطاع التيار الكهربائي وضعف الخدمات، كلها أسباب يغذي بعضها بعضا وتنذر بتظاهرات غاضبة عفوية ربما لا يتمكن أحد من إيقافها. لذلك لا بد من توفر الأرضية الخصبة للخروج من الأزمة ولو بشكل تدريجي وإيقاف موجة الاحتجاج عبر احتوائها بالوسائل السلمية. ويمكن طرح مجموعة نقاط من شأنها تحقيق هذا الهدف، من أهمها:
1- الابتعاد عن استخدام وسائل العنف في مواجهة المتظاهرين واللجوء إلى الأساليب المعروفة عالميا بعيداً عن المواجهة المباشرة؛ لأن العنف يولد عنفا مضادا.
2- اللجوء إلى الحوار المباشر مع المتظاهرين وبغض النظر عن توجههم وانتمائهم، فهم مواطنون عراقيون ولا يصح اتهامهم بالانتماء إلى البعث أو نعتهم بالمخربين أو المندسين حتى وإن كان بينهم بعض من ذلك، فالتعامل هنا مع الأغلبية المطالبة بالإصلاح.
3- تشكيل لجان تفاوضية مع من يمثل المتظاهرين، سواء كانوا في التيار الصدري أم التيار المدني أم بقية الفئات، ومعرفة مطالبهم وسبل احتوائها، والابتعاد عن سياسة الإهمال والصد عنهم، فلربما تصل الأمور إلى درجة يكون فيها الحوار أصعب مما هو عليه الآن.
4- أن تعمل الأطراف السياسية على حسم الجدال بشأن صحة عقد جلسة البرلمان، سواء جلسة إقالة رئاسة البرلمان أم جلسة التصويت على بعض الوزراء، والالتئام مجددا بجلسة موحدة لحسم ملف التشكيلة الحكومية والشروع بعملية الإصلاح الشامل.
5- استثمار القرض المقدم من البنك الدولي لإقامة المشاريع الحيوية، والتي من شانها أن توفر الخدمات الأساسية للمواطن ولا سيما الكهرباء, بعيدا عن الفساد أو إعطائها كهبات من أجل إرضاء أطراف سياسية معينة.
6- الأجدر بالمتظاهرين ومن يمثلهم تشكيل لجنة موحدة تتضمن أهم مطالبهم، فضلا عن توفير الضغط السياسي إلى جانب الضغط الشعبي والاتفاق مع الكتل الراغبة بالإصلاح واتباع الخطوات المعروفة دستوريا.