الأمير تركي الفيصل من المملكة العربية السعودية، واللواء (احتياط) يعقوب عميدرورمن إسرائيل
نشر وترجمة: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
5 أيار/ مايو 2016
تلخيص وتحليل: م.م. ميثاق مناحي العيساوي
استضاف معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 5أيار/ مايو كل من الأمير “تركي الفيصل” من المملكة العربية السعودية, واللواء “يعقوب عميدرور” من إسرائيل وكان الحوار عبارة عن حلقة نقاشية دارها الرئيس التنفيذي السابق لمعهد واشنطن “روبرت ساتلوف”, تطرق من خلالها إلى الحديث عن أمن الشرق الأوسط (عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ودور إيران في المنطقة ومستقبل الاتفاق النووي وتداعياته, وعن تنظيم “داعش” ودوره في العراق وسوريا, والانتخابات الأمريكية وتداعياتها على المنطقة, والعلاقات بين واشنطن والرياض من جهة وبين إسرائيل وواشنطن من جهة أخرى, فضلاً عن العلاقة بين بين المملكة وإسرائيل). وعن الفتور في العلاقة بين الرياض وواشنطن ودور الرئيس أوباما في هذه العلاقة, قال تركي الفيصل: لقد اختلف السيد أوباما ورؤساء آخرون مع المملكة حول قضايا عدة، منها بالطبع القضية الإسرائيلية الفلسطينية. ولكن هذا لميتداخل مع رأي المملكة أو يؤثر عليه، وهو الرأي القائل بأن علاقتنا مع الولايات المتحدة علاقة استراتيجية وستظل كذلك.في هذا الإطار، سأطلعكم على رقم يبين أن وجهة النظر هذه ليست وجهة نظر الحكومة فقط، بل الشعب أيضا: فهناك أكثر من 60 ألف طالب سعودي منتشرين في جامعاتكم كافة في الولايات المتحدة. وهذا لا يعكس فقط حقيقة أن شبابنا يرغبون فياكتساب المهارات والخبرات في أمريكا ولكن آباء وأمهات هؤلاء الشباب يشعرون أيضا بالراحة لأن أبناءهم سيكتسبونالمهارات والخبرات في الولايات المتحدة. وعن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يتشارك الأمير تركي واللواء يعقوب الرأي في دور واشنطن بالمنطقة, إذ يرون بأنه لا يوجد بديل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط, وأن جميع أولئكالذين يعتقدون بأن آخرين سيقومون بهذه المهمة التي قام بها الأمريكيون في الماضي يرتكبون خطأً كبيرا على ما أعتقد. فهذاالأمر لن يحدث، وما من بديل للولايات المتحدة من وجهة نظرنا. العلاقات لا تقوم من خلال البيت الأبيض ولكن من خلالالشعب الأمريكي. وفي نهاية المطاف، يؤدي ذلك إلى العلاقات مع البيت الأبيض وليس العكس. لذا علينا أن نعمل بجد أكثر وأننتمتع مستقبلا بنفس العلاقات التي تمتعنا بها في الماضي. فالرؤساء يأتون ويذهبون، ولكن لا بد من أن تربطنا علاقات قويةبالشعب الأمريكي، ومن القيام بكل ما هو مطلوب للإبقاء على هذه العلاقات في المستقبل.
ساتلوف: هل ما زلتما تعتقدان أن الولايات المتحدة ملتزمة اليوم في ضمان الأمن الإقليمي كما كانتقبل ربع قرن، وهل ما زلتما تعتقدان أن الولايات المتحدة ملتزمة كما كانت قبل ربع قرن بإرسال القوة اللازمة لتأمينمصالحها؟.
الأمير تركي الفيصل: لا أظن ذلك, بل أعتقد أن الوضع العام قد تغير, ولهذا السبب لا بد من إعادة تقييم وإعادةتقويم العلاقة إن صح التعبير. لا أعتقد أن تقشف الرئيس أوباما عن التزام الولايات المتحدة بنفس درجة التزامها قبل خمسةوعشرين عاما في تحرير الكويت هو مجرد وجهة نظر شخصية. بل أعتقد أن الولايات المتحدة تغيرت، تماما كما تغيرنا نحنفي المنطقة. لذلك علينا أن نعمل مع المعرفة إلى أين نحن ذاهبون. وأعتقد أن كلينا ندرك بأن لدينا مصالح مشتركة تربطناببعضنا البعض، سواء كان ذلك عبر الالتزام بمكافحة الإرهاب، أم الانخراط في تحسين السلام في المنطقة، أم في مساعٍ أخرىمشابهة تعود بالفائدة على بلدينا. ولكن أعتقد أن الشعب الأمريكي ربما يشعر أيضا – بسبب تلك الأحداث التي ذكرتها منذ تحريرالكويت – بأنه دائما ما تم توقع الكثير منه، ولا ينبغي أن يكون في موقف يضطر به إلى الاضطلاع بمسؤوليات معينة كانيتولاها من قبل. كما أعتقد أنه في هذا السياق ما يهم جدا لكلا الشعبين والبلدين، وبطبيعة الحال على الحكومتين تنفيذه، هوالاجتماع وتحديد نقاط التوافق، والنقاط التي يمكننا المضي قدما فيها، والاتفاق على أن نختلف حول القضايا التي نجد منالصعب التوصل فيها إلى توافق. وهذا لا يعني الطلاق، بل على العكس: أعتقد أنه يعني علاقة ناضجة جدا بين البالغين إن صحالقول، حيث يمكننا – كما قلت سابقا – تعزيز ما يمكن أن يقربنا من بعضنا البعض والتوافق في الحفاظ على السلام.
اللواء عميدرور: لا أعلم إن كنت تعرف، ولكن اليوم هو ذكرى محرقة اليهود في دولة إسرائيل، والأسبوع القادم عيد الاستقلالالثامن والستين لدولة إسرائيل. بناءً على خبرتنا في المحرقة، ومن اليوم الأول من استقلالنا، اتخذ مؤسسو إسرائيل قرارا قويايقضي بعدم سعي إسرائيل إلى (الحصول على مساعدة) قوات أجنبية تدافع عنها. سندافع عن إسرائيل بأنفسنا. قمنا بذلك فيالماضي، ونحن عازمون على القيام بذلك في المستقبل. نحن لا نطلب من أي جندي أمريكي التضحية بحياته من أجل إسرائيل.إذا كانت لديك مصالحك الخاصة في الشرق الأوسط, وكنت ترغب في إرسال قوات إلى مناطق متعددة، فلا بأس بذلك. منوجهة نظرنا، ستدافع إسرائيل عن نفسها بنفسها. وأنا أعتقد أن هذا أحد الأركان الأساسية في علاقاتنا. فنحن سعداء جدا للحصول على المال من الولايات المتحدة لشراء منظومات الأسلحة في أمريكا, ونحن سعداء جدا لشراء منظومات الأسلحة منالدرجة الأولى في أمريكا، ولتبادل المعلومات, وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أمريكا. ولا نريد أن يضحي أي جنديأمريكي بنفسه وحياته من أجل الدفاع عن دولة إسرائيل. نحن عازمون على مواصلة هذه السياسة في المستقبل. لذا، فإن القرارواضح من وجهة نظرنا: إن اسرائيل تدافع عن نفسها بنفسها. سيكلفنا الأمر الكثير، لا أدري إن كنت تعلم أنه يتم تخصيصحوالي 6 بالمائة من “الناتج المحلي الإجمالي” لدينا للأمن والاستخبارات وكل ما يتعلق بهما. وهي نسبة عالية، لكننامستعدون حتى لزيادتها إن لزم الأمر في المستقبل، وذلك نظرا إلى القرار بأن إسرائيل ستحقق قدراتها، مع الكثير من المساعدةالأمريكية بلا شك. ولكن فيما يتعلق بهذه القضية الحاسمة القائمة على التضحية بالجنود، نحن لا نطلب من أي شخص منالجانب الأمريكي أن يضحي من أجل دولة إسرائيل. حتى مع كل التغييرات التي نراها والمتعلقة بالشرق الأوسط، لن يتغير هذاالقرار الذي هو حجر الزاوية في فلسفتنا واستراتيجيتنا الكبرى.
ساتلوف: حسنا، بما أننا كنا حتى الآن نتحدث بالتتابع، دعونا نرى ما إذا كنا نستطيع التحدث معا، واسمحا لي أن أسألكما عنمسألة شكلت تاريخيا مصدر قلق كبير للطرفين على حد سواء، وهي إيران. نحن جميعا نواجه واقع الاتفاق النووي الإيراني،ونرى دور إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لذا اسمحا لي أن أسأل السؤال الآتي: من وجهتي نظركما، ما هوالتهديد الأكبر الذي تطرحه إيران، وماذا تريدان من الولايات المتحدة أن تفعل اتجاه مجموعة التحديات التي ذكرتها؟.
اللواء عميدرور: إن مصدر القلق الرئيس فيما يتعلق بإيران من وجهة النظر الإسرائيلية، هو أنها ستصبح يوما ما دولة تمتلكسلاحا نوويا. فإما أن تخرق الاتفاق، أو يمكن لها – من حيث المبدأ – عند نهاية الاتفاق، أي بعد عشر سنوات أو خمس عشرةسنة، أن تمتلك السلاح النووي. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يشكل الأمر تهديدا لوجودنا، ونحن لن نسمح بحدوث ذلك. فكماقلت سابقا، مع الأمريكيين أو من دونهم، إسرائيل مستعدة للدفاع عن نفسها بنفسها.
كما تبرز العديد من القضايا الأخرى التي يشارك فيها الإيرانيون إلى حد كبير، ومنها الإرهاب على سبيل المثال: إذ يواصلون بناء قدرات “حزب الله”الذي يمتلك اليوم أكثر من مائة ألف صاروخ وقذيفة. وهذه الأسلحة تصبح أكثر وأكثر دقة، الأمر، الذي يهدد وسط إسرائيل وأهداف حساسة جدا في الداخل الإسرائيلي. نحن نتعاون مع الأمريكيين على بناء أنظمة مضادةللصواريخ، من نظام “آرو” الدفاعي المضاد للصواريخ الباليستية، مرورا بمنظومة دفاع “مقلاع داوود” وصولا إلى نظام “القبة الحديدية”, لكن في النهاية، فإن عدد الصواريخ والقذائف هذا يعني أن أي حرب مع “حزب الله “ستكون حربا مدمرةمن وجهة نظرنا، وهامة جدا لشعب إسرائيل. ولكن لا شك في أنها ستكون أيضا مدمرة لشعب لبنان؛ لأنه وبغية تدمير كل هذهالصواريخ والقذائف في لبنان لا بد من وقوع العديد من القتلى اللبنانيين، ليس لأننا نريد ذلك؛ بل لأن الصواريخ والقذائف مخزنة الآن وسط المناطق المدنية, وهذا الوضع سيكون مدمرا. ولكن لا شرعية لصانعي القرار في إسرائيل تجعلهم يستسلمونأو لا يحاولون تدمير هذه الصواريخ قبل إطلاقها على إسرائيل. من جهتهم، ينشط الإيرانيون جدا في هذا المجال. أما المجالالثاني الذي ينشطون فيه فهو سوريا. فقد حاول الإيرانيون بناء منصة إطلاق أخرى في مرتفعات الجولان ضد إسرائيل، ولننسمح لهم ببنائها مهما كلف الأمر. لذلك، يستمرون في الوقت نفسه ببناء شبكة دولية من الإرهاب – كما يقول اللواء – في جميع أنحاء العالم منأفريقيا إلى آسيا، ومن آسيا إلى أوروبا. من جديد، هذه الحرب ثابتة، ولا بد من الإشارة إلى أننا في سياق هذه الحرب نتعاونبشكل وثيق جدا مع الأمريكيين ولكن بشكل سري. من الواضح أننا نعمل معا لمنع الإيرانيين من بناء شبكة دولية للإرهاب؛ لذلك ينشط الإيرانيون جدا في هذه المجالات الثلاث كلها، وها هم يختبرون كل شهرين نوعا جديدا من الصواريخ بعيدة المدى.ولا هدف من هذه الصواريخ إن لم تكن ذات رأس حربي نووي. وعليه، ندرك ما يمكن توقعه من خلال ما يحدث الآن فيإيران. ونحن نعد أنفسنا، وعلى استعداد لدفع الثمن لأننا نريد أن نكون أكثر استعدادا عندما يصلون إلى هذه الحالة بعدانتهاء مدة الاتفاق أو عند انتهاك شروطه. وهذه الحالة, حالة جيدة جدا. ففي إطارها قد يساعد التعاون مع دول في الشرقالأوسط – التي لها نفس المصالح – كلا الطرفين، لا بل كلنا، على التعامل مع الإيرانيين. وحتى الآن، نحن نتعامل مع الإيرانيينبناءً على القدرات الإسرائيلية، ونحن مصممون جدا على أن نكون في وضع يسمح لنا بالتعامل مع هذا التهديد في المستقبل، فيحال أصبح واقعا.
صاحب السمو الأمير تركي الفيصل: إذا عقدت إسرائيل السلام مع العالم العربي، أعتقد أنه يمكننا مواجهة أي تحدٍ. ومبادرةالسلام العربية، التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية في عام 2002، تشكل – من وجهة نظري – أفضل معادلة لإحلال السلامبين إسرائيل والعالم العربي. لذلك، لا أستطيع أن أفهم لماذا لا تسعى حكومة نتنياهو إلى الموافقة على هذا العرض الذي طرحفي عام 2002 والعمل ليس فقط مع الولايات المتحدة ولكن مع العالم العربي على إحلال السلام. فكما قال اللواء، من خلالالتعاون بين الدول العربية وإسرائيل على مواجهة التهديدات مهما كان مصدرها، سواء من إيران أم من أي دولة أخرى،سنكون محصنين أفضل بكثير في إطار وضع يسوده السلام بين الدول العربية وإسرائيل. وأنا لا أرى أي صعوبة كبيرة فيتحقيق ذلك. ومن الواضح أن العديد من الحاضرين لم يقرؤوا فقط عن المناقشات والمفاوضات الجارية منذ عام 1967 لتنفيذ حلالدولتين، بل شاركوا فيها أيضا. ما من متطلبات ولا شروط لتحديد ماهية السلام، لا من الوحي الإلهي ولا من عبقرية أنشتاين.فهو عبارة عن دولتين، ومقايضة متبادلة للأراضي، وإعلان سلام على كلا الجانبين من شأنه أن يدفع بالدول العربية إلىالاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها، مقابل قبول إسرائيل دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفيالسياق ذاته، يمكن إنشاء تعاون متبادل ليس فقط حول قضايا إيران، وأنا دائما ما أقول لمستمعي اليهود إنه يمكن أن نجمع ما بينالمال اليهودي والأدمغة العربية بغية سلوك درب طويل معا. لذا، إن استطعنا الوصول إلى هذا الوضع، تخيل مايمكننا تحقيقه على مستوى العلوم والتكنولوجيا والشؤون الإنسانية، وعلى مستوى كافة المجالات التي تحتاج إلى إعادة النظرفيها. ففي كل عام، يظهر مرض جديد. وفي كل عام، لا بد لنا من معالجة قضية الفقر. وأنا أعتقد أن هناك الكثير مما يمكن حله،لا بل أيضا إطلاقه من خلال جهد مشترك بمجرد التوقيع على معاهدة السلام بين إسرائيل والدول العربية.
اللواء عميدرور: أولا ، أنا أوافق على فكرة الأدمغة والمال، وأوافق على أننا إذا تعاونا سيصبح العالم بلا شك أفضل بكثير.ولكن أعتقد أن الخطأ الأكبر هو إعطاء مفتاح هذا الشرق الأوسط الجديد إلى (رئيس السلطة الفلسطينية) “أبو مازن محمودعباس” وشعبه. وأعتقد أنه بعد سنوات عديدة أمضى في خلالها بعض الحاضرين هنا أعواما ولم ينجحوا، وليس رئيس الوزراء هو الوحيد، مع كل احترامنا لرئيس الوزراء الحالي، الذي فشل، بل كل رؤساء الوزراء الذين سبقوه. فليس “بنيامين نتنياهو”فقط الذي لم ينجح، بل “إيهود أولمرت” قبله، ومع كل الاحترام “إسحاق رابين” و”شمعون بيريز” أيضا. وأنا أتذكر نفسي أثناء عملي، عندما تفاوضت مع الفلسطينيين، وفي اليوم نفسه سمح هؤلاء الفلسطينيون أنفسهم لفلسطينيين آخرين بشن هجمات إرهابية في إسرائيل. لذا فإن الأمر لا يتعلق برئيس الوزراء، بل لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فبدلا من إعطاء أبي مازن وشعبه مفتاح التغيير في الشرق الأوسط، أعتقد أن علينا أن نفكر ضمن نطاق أوسع. وبالتالي، ما ينبغي القيام به هو بدء التغيير في الشرق الأوسط، وجمع الإسرائيليين والفلسطينيين للتفاوض تحت هذه المظلة. ففي حال وجود مظلة للتعاون بين الدول العربية ودولة إسرائيل، وإحضار الفلسطينيين للتفاوض تحتها، قد نتوصل إلى اتفاق. أما إذا انتظرنا إلى حين توصل الفلسطينيين إلى اتفاق مع إسرائيل، وبعد ذلك عملنا على بناء التعاون في منطقة الشرق الأوسط، لن نتوصل إلى اتفاق ولن نحدث تغييرا في الشرق الأوسط. وعن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يقول عميدرور: أنا لا أطلب من السعوديين أو الدول العربية الأخرى أن تنسى القضية الفلسطينية أو تهملها, بل على العكس: أعتقد أن طريقة حلها في نهاية المطاف تكمن في التعاون مع إسرائيل بدلا من أن تملي على إسرائيل ما يجب فعله. فإذا تعاونت مع إسرائيل، وفي ظل مظلة في الشرق الأوسط يتعاون بموجبها الإسرائيليون مع الدول العربية على حل العديد من المشاكل، مثل إيجاد بديل للنفط في المملكة العربية السعودية كما ذكرت، إذ يمكننا أن نساهم في العديد من المجالات. وإذا توصلنا إلى اتفاق مماثل، لا بل أقل من اتفاق، إلى تفاهم على أن نعمل مع بعضنا، سيكون من الأسهل حث الفلسطينيين والإسرائيليين على التفاوض.
ساتلوف: لقد فهمنا ذلك. أود أن أطرح سؤالا إضافيا حول هذا الموضوع ومن ثم الانتقال إلى سؤال حول سوريا وتنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) وغيرهما. ولكن قبل أن نختتم هذا الموضوع، أود أن أطرح السؤال الآتي: صاحب السمو، تلعب دولتكم دورا خاصا في قيادة العالم الإسلامي، وخدمة الحرمين الشريفين. وقد قلتَ في خطاب ألقيتَه العام الماضي كممثل عن المملكة التي تقود العالم الإسلامي، إن المملكة تلعب دورا خاصا في الدفاع عن المسلمين المضطهدين في كل مكان. من وجهة نظركم، هل من المعقول بالنسبة لإسرائيل – في إطار اتفاقية سلام – أن تطلب من العالم أن يحترم وضعها الفريد بصفتها الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، والدور الخاص الذي قد يترتب عليها لعبه لمصلحة الشعب اليهودي في كل مكان؟ وبالنسبة لك، حضرة اللواء.
الأمير تركي الفيصل: لا شك أن المملكة العربية السعودية مسؤولة ومستعدة لتنفيذ كل ما في وسعها ليس من أجل مساعدة المسلمين فحسب، بل يمكنني القول، من أجل مساعدة البشر كلهم حول العالم في مختلف مشاكل الظلم والاضطهاد التي يواجهونها والقضايا المماثلة الأخرى. فقد عملنا على إنهاء الاستعمار منذ الحرب العالمية الثانية وتابعنا عملنا من أجل فلسطين، كما اعتنينا بالقضايا الإنسانية من خلال المنظمات الإنسانية في الأمم المتحدة ومباشرة من خلال البرامج المتنوعة في اليونسكو وغيرها. نعم، تشعر السعودية أنها قادرة على المساهمة. لسنا ببلدٍ مثالي. وهذا أمرٌ ندركه كسعوديين، ونشعر أننا ما زلنا نعمل على ذلك. لكننا نتطلع إلى تحقيق أسمى ما نؤمن به على أمل أن نساهم عبر هذا التطلع في تحقيق رفاه الإنسانية. مهما أرادت إسرائيل أن تدعو نفسها، الإسرائيليون هم الذين يقررون, أظن أنه ليس من شأني أو من شأن الآخرين في المنطقة أن يقرروا عن إسرائيل. فالدول دول ويمكن الاعتراف بها وفقا للطريقة التي تريد أن يعترَف بها. لكن ليس من شأننا أن نقبل او أن نرفض. ولو قبلت إسرائيل حل الدولتين بحسب مبادرة السلام العربية التي بدأت عام 2002 ، لتمّ التطرق إلى هذه المسائل في المفاوضات بين الإسرائيل والعالم العربي. أذكر ما اقترحه في ذلك الوقت صديقي الأمريكي الذي أنا على يقين من أنكم تعرفونه – جيمس الذي عرض الفكرة – بأنه في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين حول مسائل متعلقة بالفلسطينيين، يمكن أن يتم اتباع مسار موازٍ مرتبط بالمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، يجمع العالم العربي في مفاوضات مع إسرائيل حول قضايا تشمل على نطاق أوسع العالم العربي وإسرائيل. وعندما يتم إحراز تقدم في القضية الفلسطينية، سيحرز تقدم أيضا على صعيد المسائل الإقليمية العربية. ولسوء الحظ – كما سبق وذكرت – لم يتحقق ذلك. غير أن المفاوضات حول هذه المسائل هي الأهم. وهكذا لا يمكن الإقرار بها إلا من خلال المفاوضات. اجلسوا على طاولة المفاوضات، تحادثوا مع الطرف الآخر، عندئذٍ قد تتوصلون إلى تسويات، وسيلقى كل طرف نصيبه من التسويات الصعبة. كلنا نعلم هذا.
اللواء عميدرور: أود أن أبدأ بقصة لا علاقة لها بالقدس. منذ بضعة أشهر، أخذت صديقا لي لزيارة مكان بالقرب من نهر الأردن يدعى “قصر اليهود”. (هذه هي المنطقة التي عمد فيها يوحنا المعمدان يسوع المسيح بحسب التقليد المسيحي), وكانت لحظة رائعة. ففي الجهة المقابلة من النهر، وقف جنود من الجيش الأردني – قد يكونون مسلمين – ومن جهة إسرائيل، تواجدت قوات “جيش الدفاع الإسرائيلي” التي ربما تتألف بمعظمها من اليهود. وفي الوسط بين المجموعتين هناك، وقف الفيليبينيون من جهتنا، وأشخاص جاءوا من فرنسا من الجهة الأخرى، بإمكانك أن تسمعهم يتكلمون. فكما تعلم نهر الأردن هو جدول صغير عرضه ثمانية أمتار. ففكرت في نفسي: هل هذا هو الشرق الأوسط اليوم؟ من جهة يقف المسلمون، ومن الجهة الأخرى اليهود، وفي الوسط الكاثوليك الذين يتعمدون. لا يمكنك أن تجد هذا في أي مكان آخر في الشرق الأوسط – مع احترامي للآخرين جميعهم – وهذا لأننا مستعدون لضمان الحرية الدينية حينما يريد ذلك، مع بعض القيود طبعا فيما يتعلق بالأمن. فضلاً عن ذلك، يمكن أن تجد المسلمين والمسيحيين والبهائيين وغيرهم في إسرائيل. ليس هناك مكان في الشرق الأوسط، من جبل طارق إلى طهران، يمكن أن يحدث هذا. لذلك، لا أرى مشكلة إذا كان على السعوديين في نهاية المطاف أن يقوموا بالعمل الواجب في الحرم الشريف من أجل التوصل إلى اتفاق. لكن يجب أن نتذكر في النهاية، أنه مكان مهم جدا للفلسطينيين والمسلمين، غير أنه المكان الأقدس لليهود. لا نملك بديلا عن “جبل الهيكل”، ولا يمكننا أن نملك بديلا. لهذا السبب يغدو من أصعب المعضلات إيجاد حلٍ لهذه المشكلة التي تبرز في مكان هو الأقدس لنا ومقدس بالنسبة إلى غيرنا. لكن إذا شمل الحل السعوديين في النهاية، لا أرى مشكلة في ذلك.
ساتلوف: شكرا. إن هذا الحديث عن السلام قد يعطي الانطباع بأن المنطقة لا تمر في أخطر التجارب التي تحوم فوق البلدان المجاورة كلها. وقبل أن أعود إلى ثلاثة من زملائي في الجمهور ليطرحوا أسئلتهم، لا بد أن أسألكما عن سوريا والعراق وتنظيم “الدولة الإسلامية”, فما هي المسألة الأهم التي يجب حلها: أهي قيادة بشار الأسد المروعة التي ارتكبت هذه الفظائع بحق الشعب السوري، أو مسألة تنظيم “الدولة الإسلامية” الرهيب الذي ارتكب الفظائع ومحى الحدود وغذى أزمة اللاجئين حول العالم. فكيف يمكننا أن نصنف الأولويات؟ ماذا يأتي أولا برأيكما؟ هل علينا أن نتخذ هذا القرار؟ تفضل سمو الأمير.
الأمير تركي الفيصل: حسنا، بادئ ذي بدء، لن أطلق عليها اسم “الدولة الإسلامية”, فأنا أسميها “فاحش”, وتصف هذه الكلمة في اللغة العربية ما هو فاجر، كما تتلاءم مع القافية في كلمة “داعش”. فـ “داعش” ليست كلمة محقّرة بالمناسبة. لذا أرجو ممن يعتبر منكم أنه يحقرها عندما يدعوها “داعش”, أن يسميها “فاحش”. ثانيا، ألوم كل واحدٍ منا بسبب ما يجري في سوريا اليوم؛ لأننا لا نقوم بما يجب. فما زال بشار الأسد في منصبه، ونحن نعلم ما هو عليه. إنه جزار ومستبد، يقتل شعبه ويدمره ويجعله يلجأ إلى بلدان أخرى وهكذا دواليك.
قلت لأصدقائي الأوروبيين، عندما بدأوا يشتكون من مئات آلاف اللاجئين المتجهين إلى أوروبا، أن يأخذوا لاجئا واحدا، ولن يغادر هؤلاء اللاجئون كلهم سوريا. فليأخذوا بشار الأسد. لسوء الحظ لم يفعلوا. وأظن أن المجتمع الدولي مسؤول عن ذلك. لم نقم نحن والأمريكيون والأوروبيون ومن هم في هذه الجهة من المعادلة بما يكفي لمساعدة الشعب السوري في الد فاع عن نفسه. فهو لم يرد دبابات وطائرات وصواريخ وغيرها. كلا لم يكن بحاجة إلا إلى أسلحة دفاعية لضرب الطائرات كي لا تقصفه، وضرب الدبابات حتى لا تجتاح قراه وتدمر منازله، وردع المروحيات عن إسقاط البراميل المتفجرة وهكذا دواليك. لكن في خلال النزاع، لم يكن أحد منا مستعدا أو قادرا على تأمين الوسائل الضرورية للشعب السوري حتى يدافع عن نفسه.
يبرز دائما من يتساءل كيف نتأكد أن هذه الأسلحة الدفاعية لن تقع بين أيدي الأشخاص الخطأ. حسنا ، أعتبر أن ذلك ينفَّذ بطرق معينة. فيمكن تحقيق ضمانة من خلال اختيار أشخاص لتدريبهم وجعلهم مسؤولين عن هذه الأسلحة. من الممكن حتى إرسال أشخاص للتأكد من أن هذه الأسلحة ستبقى مع الأشخاص المناسبين.
إن تنظيم “الدولة الإسلامية” هو عارض، ليس هو المشكلة الأساسية. المشكلة الأساسية في دمشق وفي بغداد, المشكلة الأساسية في صنعاء وفي العاصمة الليبية طرابلس, وليست في تنظيم “داعش”, فـتنظيم “الدولة الإسلامية” موجود في سوريا والعراق واليمن وطرابلس (ليبيا)؛ لأن هذه الدول فشلت. لا يجب السعي إلى بناء ركائز السياسة والاقتصاد فحسب, لكن في حالة سوريا, يجب تزويد “الجيش السوري الحر” بالأسلحة الدفاعية لمنع السفاحين التابعين لبشار الأسد من قتل الناس؛ وفي حالة بغداد, يجب تحقيق الشمولية في حكومة تعترف بأهل السنة كما بأهل الشيعة والأكراد كجزء من البنية الوطنية؛ وفي حالة طرابلس (ليبيا), يجب جمع أجزائها، الجزء الشرقي والجنوبي إلى آخره. هكذا تتم مواجهة “داعش”؛ لأن تنظيم “الدولة الإسلامية” يشبه مرض السرطان الذي ينتشر في الأجسام الضعيفة والعاجزة في الدفاع عن نفسها. لكن إذا تتم تأمين الوسائل اللازمة لتعزيز هذه الأجسام من الداخل, فستقاوم السرطان.
اللواء عميدرور: هناك ملاحظة واحدة تربط بين هذه الأسئلة: أرى الكثير من المبالغة فيما يخص وضع الفلسطينيين السيء. لا أقصد أنه من السهل العيش تحت نير الاحتلال، ولا أقلل من هذا الشأن. لكن إذا قارن الفلسطيني العادي وضعه بوضع إخوانه في الشرق الأوسط بأكمله، نعم بأكمله، فسيرى أنه ليس الأسوأ, وفي حالات كثيرة إن وضعه آمن أكثر من عرب كثيرين في دول مستقلة. أنا لا أصغر حجم المشكلة بيننا وبين الفلسطينيين. فهذه تبقى مشكلة وعلينا حلها. وكما قال رئيس الحكومة: يتمثل الحل في إنشاء دولتين، الأولى دولة يهودية, “الدولة القومية” للشعب اليهودي إذا لم تريدوا تسميتها الدولة اليهودية، والأخرى الدولة الفلسطينية. لكن لا تبالغوا، ولا تضعوها في الوضع الخطأ المتعلق بالحالة في الشرق الأوسط مع احترامي لمشاكل الفلسطينيين. فإذا ألقيتَ نظرة على الشرق الأوسط، سترى عددا أكبر من المشاكل التي يواجهها عددٌ أكبر من العرب. فالعرب الذين قتلوا على أيدي العرب أنفسهم أكثر من الفلسطينيين الذين قتلتهم اليهود. لذلك، أعطوا الأمور حجمها الحقيقي أولا.
ثانيا، لا أظن أن المشكلة مشكلة الأسد. فإذا غادر الأسد صباح يوم غد، لن تحل المشكلة. وهو لا يتحمل وحده مسؤولية التوتر بين فريقي العلويين والسنة اللذين يشكلان على التوالي 12 في المائة و 85 في المائة من الشعب السوري. فالمسألة أكبر من ذلك. وأولئك الذين يعتقدون أن الأسد سيغادر غدا صباحا إلى طهران أو موسكو أو واشنطن يقلصون حجم المشكلة. فاليوم، العداوة بين السنة والشيعة هي ما يطبع شكل الشرق الأوسط بأكمله. ليس الإنسان، ولا العائلة، بل الطائفة برمتها. ولماذا يصطف كل العلويين خلف الأسد؟ لأنهم يفهمون ما أقوله. يفهمون أنه في اللحظة التي ينتصر فيها الطرف الآخر سيلقون حتفهم. لا، لن تكون نهاية الأسد، أو لن تكون نهاية الأسد فحسب، بل نهاية العلويين. لذا الأمر أكثر تعقيدا من خلع الأسد من منصبه. فيجب إيجاد حل للنزاع بين الأكراد والسنة الأكراد هم أيضا سنة, والعلويين والشيعة في العراق وفي سوريا. إنها المشكلة نفسها، وليست مسألة شخصية. فيا له من خطأ فادح أن يتم التركيز على الشخص. هو يرمز إلى مواقف طائفته ومصالحها ويمثلها. وحقيقة أنه سفاح وكيفية معاملته للناس تذكر كيف أوصتنا المبادرة العربية بإعادة مرتفعات الجولان إلى هذا الشخص نفسه. لذا ترى أنه لا يمكنك أن تلعب في الساحتين. لا يمكنك. نحن نتواجد في الشرق الأوسط حيث باستطاعتك أن تلعب بطريقة مزدوجة، لكن أظن أنه لا يصح اعتبار الأسد مسألة شخصية. فهي أكثر شمولية من ذلك.
قرار إسرائيل واضح. لا نتدخل في هذه الحرب بين الشيعة والسنة والعلويين وغيرهم في سوريا لكن عندما تطال الحرب حدودنا، نحن عازمون على الدفاع عن أنفسنا. ومن الناحية الإنسانية، نحن نُدخل أياً كان إلى إسرائيل. فلا يهم من أين جاء إذا بلغ حدودنا مصابا أو يعاني من مشاكل خطيرة، وقد لجأ آلاف السوريين إلى مستشفياتنا في إسرائيل. ونحن نحاول أن نشفيهم ليعودوا إلى موطنهم. إذاً، نحن منفتحون جدا من الناحية الإنسانية، لكن سياسيا قررنا ألا نقحم أنفسنا في الحرب التي تستعر في العالم العربي.
الأمير تركي الفيصل: فيما يتعلق بفلسطين وما يقوله الجنرال عن عدم المبالغة، أذكر أنني كنت في الولايات المتحدة في منتصف الستينات، عندما جرت أحداث الحقوق المدنية. وكان الناس ليس من الجنوب فحسب بل حتى من شمال أمريكا في ذلك الوقت يتساءلون لماذا يتظاهر هؤلاء الناس السود، وإلى غير ذلك. وكانت تجري الأمور على هذا النحو- يا للمبالغة -، إنهم ينعمون بحياة لا بأس بها. فباستطاعتهم إيجاد العمل، وأمور مماثلة. لذا أظن أن هذا الوضع صالح للمقارنة مع ما يراه الجنرال رفاهاً ينعم به الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. وأعتبر أن هذه الرؤية مغلوطة، لأنه مهما يكن، لا شيء يحل محل شعوري بأني فعلا من أنا عليه. أنا سعودي، ولي أمة وشعب وعَلَم وتاريخ، إلى آخره. فلماذا نحرم الفلسطينيين من هذه كلها؟ إنه أمر يجب أن يقبله الإسرائيليون. فقد مروا بهذه المرحلة عندما أرادوا إنشاء دولة إسرائيل. أرادوا أن يملكوا دولة لهم. أرادوا دولة إسرائيلية مع العلَم والأبطال والتاريخ وغيرها. وهم يحرمون الفلسطينيين منها.
أما بالنسبة إلى بشار الأسد، أنا أعارض ما قاله الجنرال. فالمسألة ليست مسألة العلويين بمواجهة السنة. يكفي الاستماع إلى الإعلان الذي أدلى به مؤخرا زعماء قبائل أو عشائر علوية، والذي يفصلون فيه أنفسهم عن الأسد. وإذا نظرتَ إلى تركيبة المعارضة التي تقف ضد بشار الأسد، سترى أنها تتألف من عناصر المجتمع السوري كلها، وتشمل العلويين. وداخل سجون بشار الأسد، نسبةٌ من العلويين تساوي ربما نسبة السنة والمسيحيين ومكونات المجتمع السوري الأخرى. فنعم، إذا تخلصت من بشار الأسد وحده، قد لا يتغير الوضع. لكن في هذه الحالة، لا يعتبر النزاع نزاعا سنيا شيعيا. إنه فشل تركيبة الدولة الذي قاد – ليس إلى الدمار فحسب، بل أيضا إلى ظهور مجموعات كـ “فاحش” و”جبهة النصرة” وإلى غير ذلك.
ساتلوف: أفضل جزء في هذه الليلة أن ما ننجح في تحقيقه هو تحديد جدول أعمال المفاوضات السعودية الإسرائيلية التي ستمتد في المستقبل على مدة مطولة. أود الآن أن أنتقل إلى ثلاثة صحافيين ليطرحوا باقتضاب الأسئلة على المشاركين، ثم سأخلص إلى خاتمة لنتمكن من إنهاء هذا اللقاء الرائع. فلنبدأ مع بيتر بايكر من صحيفة “نيويورك تايمز” في الصف الأمامي.
بيتر بايكر: شكرا جزيلا روبرت على هذه الفرصة الثمينة. أتساءل إذا كان بإمكاني إكمال الحديث حول سوريا. حضرة الجنرال، من وجهة نظر إسرائيل، ما هو أفضل ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في سوريا في هذه المرحلة؟ وما هي أفضل نهاية واقعية في هذه المرحلة؟ وفيما تشاهد هذه المفاوضات التي تجري مع الروس ووزير الخارجية كيري وهلم جرّا، ما هي الرسالة التي توجهها إلى الأمريكيين حول أولوياتكم في الدولة المجاورة؟ ولسموك، أتساءل إن كان بإمكانك أن تعلق على مسألة إيران هذه عندما كان رئيس الحكومة نتنياهو العام الماضي هنا وتوجه بالحديث إلى الكونغرس معتبرا أنه إذا تم إنجاز الاتفاق مع إيران، سيؤدي ذلك إلى “توديع الحد من التسلح”، هذا ما قاله، وسيبدأ سباقٌ لصنع الأسلحة النووية في المنطقة. أتساءل, إذا كنت ترى ما يدل على أن ما قاله بدء يحدث؟ وهل للسعوديين مصلحة بأي شكل من الأشكال في تحقيق قدرة نووية، وإذا لم تكن لهم أي مصلحة، ما الذي قد يسبب بذلك، مع الأخذ بالاعتبار الوضع الحالي لاتفاق إيران؟. شكرا.
اللواء عميدرور: من وجهة نظرنا، أفضل نهاية هي بناء بلد سوري ديمقراطي. نحن نؤمن فعلا أنه إذا كثرت البلدان الديمقراطية والحرة في الشرق الأوسط، سيتراجع احتمال التورط بحروب أخرى. لكن واقعيا، نعلم أن هذا لن يحدث. وبالنسبة إلينا، ما يهم هو أمن إسرائيل. فلن نسمح ببناء قواعد إيرانية في مرتفعات الجولان. وسنستمر بإيقاف نقل أنظمة الأسلحة التي تغير قواعد اللعبة إلى متناول “حزب الله”, مهما كان الاتفاق حول مستقبل سوريا. ولن نعطي الملاحظات إلى الأمريكيين أو الروس أو نوجه إليهم النصائح حول كيفية حل هذه المشكلة، التي أؤمن أنها أكثر من أن تكون مشكلة الأسد. صحيح أن في المجتمع السني من يؤيد الأسد، لكنك لا تجد علويين في صفوف المعارضة؛ لأنهم يفهمون العواقب، ولأن إسرائيل غير مستعدة للتدخل ودفع الثمن لحل المشكلة. (لا ننوي الاشتراك في الحروب العربية الداخلية). مطالبنا محدودة جدا: الكف عن تعريض إسرائيل للمزيد من المخاطر في أي حل سيطبَّق في سوريا.
ساتلوف: سمو الأمير تركي، تأثير الاتفاق النووي الإيراني في الانتشار النووي بما فيه احتمال أن يتبع بلدك هذا الخيار.
الأمير تركي الفيصل: عندما زار الملك سلمان الرئيس أوباما هنا، وعندما زار الرئيس أوباما الملك سلمان في الرياض، أعرب كلاهما عن قبول واقع أن الاتفاق الحالي بين مجموعة دول الخمسة زائد واحد وإيران, سيردع إيران عن حيازة الأسلحة طوال مدة الاتفاق. شخصيا لم أرَ إذا كانت هذه المدة عشرة أعوام أو خمسة عشر عاما. وأنا أسمع آراء مختلفة وأقرأ عنها غالبا في الصحف. إذاً، ما سيحدث بعد ذلك غير أكيد. لهذا كنت أؤكد دائما أننا على وجه الخصوص، في “مجلس التعاون الخليجي”, يجب أن نفكر في الاحتمالات كلها، بما فيها حيازة الأسلحة النووية، لمواجهة كل ما قد يتأتى عن إيران. وفي الوقت نفسه، فيما كنت أقول هذا، كنت أقول دائما أيضا إن أفضل طريقة لمنع الشرق الأوسط من سلوك درب السباق نحو الأسلحة النووية, هي إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وقد رأينا أن مؤتمرات استعراض “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” من عام 2010 إلى 2015 تحدثت عن منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. لكن لم يتحدث أحد عن شيء عملي لهذه الغاية. كما ذكرت أنه إذا كان التفكير في منطقة مماثلة جاداً، يجب أن يضمنها الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي على الشكل الآتي: الضمانة الأولى: هي توفير المساعدة التقنية والمالية للبلدان التي ترغب في تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في المنطقة. والضمانة الأخرى: هي معاقبة كل بلد في المنطقة قد يرغب في تطوير الأسلحة النووية أو يبدو أنه يطورها ويجب أن تشمل هذه العقوبات عقوبات عسكرية يفرضها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن.
والآن، عندما أقدم هذا الاقتراح أذكر أنني اقترحته على السفير البريطاني عندما فكرت به للمرة الأولى منذ بضع سنوات، فاستدار نحوي وقال إنه حل راقٍ جدا لكنه لن يطبَّق. حسنا، ربما هو على صواب، لكن أظن أنه لابد من محاولة تنفيذه واختباره. وضمن هذه الرؤية المتمثلة في إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن يكون إدراج صيغة للمفاوضات بين أعضاء المنطقة حول المسائل التي تربكهم، سواء أكان الخلاف العربي الإسرائيلي أم طموح إيران أم أي مسائل أخرى تنحصر في المنطقة، جزءا من عملية إنشاء المنطقة المذكورة وجعل الأعضاء الخمسة الدائمين يضمنون ذلك. هذه أمور قابلة للتحقيق، إذا أخذت على محمل الجد.
ساتلوف: جويس كرم، مديرة مكتب صحيفة “الحياة” العربية هنا في واشنطن.
جويس كرم: أود أن أطرح سؤالا على سمو الأمير تركي فقط. أنا من لبنان، وأرغب في قضاء ما تبقى من عطلتي هناك من دون أن أتورط في مشاكل قانونية، لذا سأوجه سؤالي إلى الأمير تركي وحده. سمو الأمير، أنتَ هنا في وقت مثير للاهتمام. فمنذ ثماني وأربعين ساعة، أعلن “الحزب الجمهوري” أن دونالد ترامب هو مرشحه المفترض. ومن الملفت أن ترامب يعتقد أيضا أن العالم العربي هو مجموعة من “الانتفاعيين”. أشعر بالفضول لمعرفة ما تفهمه من ترشح ترامب وما هي رسالتك إلى الحكومة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بمسألة إعادة التوازن إلى العلاقات بين الولايات المتحدة و “مجلس التعاون الخليجي”؟. شكرا.
الأمير تركي الفيصل: طالما استمتعت كطالب في الستينات – كما أخبرتكم – ولاحقا كزائر يقصد غالبا الولايات المتحدة، بمشهد الانتخابات الأمريكية. حقا، إنها من الانتخابات الأكثر إمتاعا، فهي أحيانا رافعة للمعنويات وأحيانا أخرى العكس من ذلك, وأظن أن المشهد الأخير سبب المفاجأة الأكبر، على الأقل ليس لي فحسب بل أظن لكم أيضا. لذا لم أكوّن رأيا واضحا عن السيد ترامب. ومهما حاولت، لا أستطيع أن أصدق أن بلدا مثل الولايات المتحدة يمكن أن يتحمل رئيسا يقول ببساطة إنه لن يسمح لهؤلاء الأشخاص بدخول الولايات المتحدة أو يتفوه بالتصريحات الأخرى المنسوبة إليه. إذاً، يعود الأمر إليكم وليس إلي. لكن أذكر عندما كنت سفيرا هنا، دعتني مجموعة من أعضاءٍ جدد في الكونغرس عام 2006 ، للتعارف إذا جاز التعبير, وفي ذلك الوقت، أذكر أنني قلت لهم إن العالَم أصبح صغيرا جدا لدرجة أن أي قانون أو تصريح أو قرار في الكونغرس الأمريكي سوف يكون له تأثير مباشر علي كسعودي. وتابعت قائلا: إنه لهذا السبب أتمنى أن يكون لي الحق في التصويت في انتخاباتهم. وأضفت أنه في وقت الانتخابات في السعودية، باستطاعتهم التصويت أيضا. لذا نحن مرتبطون بعضنا ببعضٍ إلى هذا الحد، وآمل أن تقوموا – كمواطنين أمريكيين – باتخاذ القرار الصائب في تشرين الثاني/نوفمبر.
تحليل المركز:
يظهر الاثنان “الأمير تركي الفيصل واللواء عميدرور” قراءة واقعية براغماتية لواقع الشرق الأوسط والمنطقة العربية, ولم يظهرا عداءهما التاريخي، بل حكمتهما المصلحة الدولتية والأهداف المشتركة, سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وعملية السلام التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية في العام 2002, أم بالحفاظ على أمن الشرق الأوسط وتهديدات إيران المستمرة التي توحد الطرفيين (إسرائيل والمملكة العربية السعودية) من الهدف المشترك بينهما, على الرغم من اختلافهما حول تنظيم “داعش” ودوره في منطقة الشرق الاوسط, واختلافهما أيضاً حول دور الرئيس السوري بشار الأسد في تعقد الأزمة السورية وازدياد عدد اللاجئين, ودور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط, وأثر الانتخابات الأمريكية وسيناريو صعود “دونالد ترامب” لرئاسة البيت الأبيض. وقد أبدى الطرفان قراءتهما لواقع الشرق الأوسط ومستقبله طبقاً لمصلحة كل دولة, إلا أنهم ركزوا على الأهداف المشتركة التي توحد “مجلس التعاون الخليجي” مع إسرائيل, ولاسيما من قبل الجمهورية الإيرانية وحلفائها في المنطقة مثل “حزب الله” اللبناني. وفيما يخص تنظيم “داعش”، يرى الأمير تركي الفيصل بأن التنظيم هو عارض وليس المشكلة الأساس؛ لأن المشكلة الأساس – حسب تعبيره – في بغداد وصنعاء ودمشق وطرابلس “ليبيا”؛ بسبب فشل هذه الدول في بناء نفسها, وفشلها في إدارة الحكم -على حد قوله – متناسياً دور السعودية السلبي في إفشال هذه الدول، ودعمها للإرهاب في دمشق وبغداد, وإصرارها على ضرب مشروع المصالحة في اليمن وإشراك الحوثيين في الحكم وإدارة الدولة, ومساعدتها في الإطاحة بنظام معمر القذافي، وإيجاد “داعش” و”القاعدة” في اليمن وليبيا. بينما يفسر اللواء عميدرور ظاهرة “داعش” بالانقسام السني الشيعي التاريخي في العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام, وكذلك الحال في سوريا، فهو انقسام بين الشيعة والعلويين من جهة والسنة من جهة ثانية, فضلاً عن الأكراد, الأمر الذي رفضه الأمير تركي الفيصل. ولهذا، فإن كلام الرجلين يشخص واقع الشرق الأوسط وواقع الدول غير المستقرة داخلياً, والدور الإقليمي في هذه الدول. وعليه، أن يكون صانع القرار في هذه الدول سواء في بغداد أم في دمشق أم غيرهما أكثر حكمة وعقلانية وإدراك سياسي لما يجري في منطقة الشرق الأوسط، والدور الإقليمي والدولي في هذه المنطقة, لعله يكون سببا مباشرا في استقرار بعض هذه الدول والابتعاد عن التدخلات والمواقف المباشرة الإقليمية مع هذه الدولة أو تلك, والتعامل معها وفقاً لمصلحة دولهما فقط.