بقلم: م. م. مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم الدراسات الدولية
26ايار-مايو2016
عند إجراء مقارنة سريعة بين أقوى المرشحين لنيل الرئاسة الأمريكية (ونقصد هنا هيلاري كلينتون عن الديمقراطيين، ودونالد ترامب عن الجمهوريين) حول موضوعات عدة تخص الشرق الأوسط، نلاحظ الآتي:
1- مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي:
تقدّم كلينتون استراتيجية من ثلاثة أجزاء للتعامل مع تلك الجماعة. يتضمن الجزء الأول هزيمة التنظيم في العراق وسوريا من خلال زيادة العمليات الاستخباراتية، وزيادة ضربات قوات التحالف الجوية، وشن حملة برية تدعمها قوات أمريكية خاصة يقودها العراقيون السنة والأكراد وتضمّ شركاء أوروبيين ودول عربية مجاورة. ويركّز الجزء الثاني على قطع تمويل “الدولة الإسلامية” وشبكاتها، عبر تحديث العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الأمم المتحدة، ودفع السعوديين والقطريين إلى منع رعاياهما من المساعدة بالتمويل، وإشراك المجموعات المحلية والمجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم للمساعدة في مكافحة التطرف، فضلا عن مكافحة التجنيد عبر الإنترنت بشكل نشط. أما الجزء الثالث، فيركّز على الأنظمة الدفاعية في الولايات المتحدة، مما يحدّ من قدرة “الدولة الإسلامية” على اختراق الحدود الأمريكية أو التجنيد من داخلها.
في حين نلاحظ أن دونالد ترامب تقدّم بخطة معقدة يصعب اتباعها غالباً فيما يتعلق بمواجهة التنظيم. في البداية، كان متردداً بشأن التدخل في الصراع، بحجة أنه لم تكن لديه مشكلة في ترك روسيا تحارب “داعش”. وقال إنه لا حاجة إلى التدخل الأمريكي وإنّ الولايات المتحدة تستطيع ببساطة “الاهتمام بالبقايا” بعد أن تهزم روسيا التنظيم. وفي إطار أي جهد أمريكي، يؤيد ترامب استخدام عدد محدود من القوات البرية الأمريكية، كما ويؤيد قصف حقول النفط العراقية لقطع إيرادات التنظيم، ولكنه يريد أيضاً أن تزوّد العراق الولايات المتحدة بـ 1.5 تريليون دولار أمريكي من عائدات النفط لسداد تكاليف الحرب. يدعم ترامب قتل أسر مقاتلي “الدولة الإسلامية” في محاولة لوضع حدّ للتجنيد، ويقول إنّه ينبغي القضاء على “الدولة الإسلامية” قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع الأسد.
2- سوريا واللاجئون:
بالتزامن مع جهود مكافحة تنظيم “داعش”، تدعم كلينتون فكرة العمل مع مجموعات محلية لإزالة الأسد من الحكم والتخطيط للانتقال إلى حكومة معتدلة. وتريد كلينتون أن يعيد الكونغرس النظر في تفويض استخدام القوة العسكرية ضدّ الإرهاب للعام 2001. وتؤيد فرض منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا قرب الحدود التركية، وإنشاء مناطق آمنة للاجئين تمكّنهم من البقاء في سوريا، في مأمن من التنظيم الإرهابي ونظام الأسد. وستقوم هيلاي بإشراك العالم العربي للمساعدة في دعم هذه المناطق الآمنة. فضلا عن ذلك، تدعم كلينتون استقبال الولايات المتحدة لعشرات الآلاف من اللاجئين ودفعها للحلفاء الأوروبيين والعرب لاستقبال المزيد من اللاجئين.
في حين أوصى ترامب باستخدام “قوة هائلة” ضد الأسد، وأعرب في الوقت عينه عن قلقه إزاء ما سيأتي بعد سقوطه. وقد أعرب عن تشكيكه بموضوع تدريب المعتدلين السوريين وما إذا كان يمكن الوثوق بهم. كما ويعارض فرض مناطق حظر جوي في سوريا، ولكن يدعم إقامة مناطق آمنة. وفيما يخص اللاجئين، قال ترامب إنه سيمنعهم من دخول الولايات المتحدة وإنه سيمنع جميع المسلمين من الدخول إلى البلاد حتى يقوم نظام الهجرة بتحسين إجراءات الفرز.
3- إيران/الاتفاق النووي:
تقدّم كلينتون استراتيجية خماسية للتعامل مع إيران. أولاً: تعميق التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل من خلال دعم الدفاع، وتحديداً في مجال الكشف عن الأنفاق والدفاع الصاروخي. ثانياً: التأكيد على أنّ منطقة الخليج تشكّل مصلحة أمريكية حيوية من خلال وجود عسكري قوي والحفاظ على مضيق هرمز مفتوحاً وزيادة التعاون الأمني مع دول مجلس التعاون الخليجي. ثالثاً: مكافحة وكلاء إيران في الدول الأخرى وإشراك دول مثل تركيا وقطر في تضييق الخناق على الدعم المقدّم لهؤلاء الوكلاء. رابعاً: التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران. وخامساً: العمل مع دول عربية لوضع استراتيجية إقليمية شاملة. تؤيد كلينتون الاتفاق النووي مع إيران وتصفه بمقاربة “غير موثوق بها، ولكن تحققت”. وقالت إنها سوف تلجأ إلى عقوبات إضافية أو إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر لفرض الاتفاق.
أما ترامب، فإنه يعارض الاتفاق النووي مع إيران ويقول إنه قادر على التفاوض على صفقة أفضل. بدا تارةً أنه مستعدّ للتراجع عن الاتفاق، واقترح تارةً أخرى أنّ التراجع عنه استراتيجية سيئة. ويقول ترامب إنه سيوقف البرنامج النووي الإيراني “بأي وسيلة ضرورية”، كما ويؤيد زيادة العقوبات الاقتصادية لأكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق على ما يفترض.
4- إسرائيل:
تدعم كلينتون التحالف القوي والمتين مع إسرائيل، فضلاً عن حلّ الدولتين. وقالت إنها ستدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض في خلال الشهر الأول من رئاستها لتعيد الالتزام بالتحالف بين البلدين ولإظهار تضامنها مع إيران. كما قالت إنها ستلتزم بأمن إسرائيل من خلال توفير الدعم الدفاعي المذكور.
وأعرب ترامب عن دعمه الكبير لإسرائيل كشريك عسكري واقتصادي، ويؤيد التحالف الوثيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم يكن واضحاً بشأن رأيه بإنشاء دولة فلسطينية، وهو يؤيد أيضاً الهجوم الإسرائيلي الأحادي على إيران.
5- دول الخليج العربي:
تريد كلينتون أن تعيد التأكيد على أنّ منطقة الخليج شريك مهم من الناحية الأمنية والتجارية والدفاعية. وقالت إنّ السعودية أساسية من أجل التغلب على “الدولة الإسلامية” وتحييد إيران وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وتريد كلينتون أن تدفع الدول العربية، مثل السعودية وقطر وغيرها إلى بذل المزيد من الجهود لدعم المعركة ضد “الدولة الإسلامية”، سواء من خلال الدعم المالي أم العسكري. كلينتون ملتزمة بحماية دول مجلس التعاون الخليجي من التوغل الإيراني، وقالت إنها ستدفع دول الخليج نحو اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ مواطنيها الذين يقدمون الدعم المالي للمنظمات الإرهابية.
أما ترامب فهو يطالب بأن تتحمل دول الخليج كلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة يمكن أن تساهم ببعض المساعدة في هذا الإطار. ويقول أيضاً إنّ على السعودية التعويض مالياً للولايات المتحدة كلما ساعدتها هذه الأخيرة في حماية مصالحها.
خلاصة: نلاحظ تلاقي المرشحين الديمقراطي هيلاري والجمهوري ترامب في عدد من القضايا، وتنافرهما في قضايا أخرى.
ففي موضوعة مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط الذي يمثله تنظيم “داعش”، تبدو خطة هيلاري أقرب إلى الواقع، فيما يظهر أن ترامب متردد ويحاول أن ينأى بالولايات المتحدة عن المستنقع العراقي والسوري. لكنهما على اتفاق واسع النطاق بحاجة الولايات المتحدة للعب دور في هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. وهذا يعني أن الولايات المتحدة على الأرجح سيكون لها دور رئيس في العراق خلال السنوات القادمة، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات العامة في تشرين الثاني.
وفيما يخص القضية السورية في عامها الخامس، يرى كلا المرشحان وجوب إسقاط الأسد. ويختلفان في أسلوب التعامل مع اللاجئين السوريين، فكلنتون مستعدة لاستقبالهم في أمريكا، فيمايرفض ترامب ذلك.
وفي موضوع إيران والاتفاق النووي الأخير، نلاحظ اختلاف بين هيلاري التي تؤيد الاتفاق – وإن كان على مضض – وترامب الذي يرفضه رفضا قاطعا. المرشحة الديمقراطية تضع استراتيجية خاصة بها للتعامل مع طهران، وهذا ما يفتقر له الجمهوري.
وفي مسألة الشراكة والعلاقة القوية مع إسرائيل، فلا اختلاف بتاتا بين المرشحين، سوى موضوعة حل الدولتين، الذي أشارت له هيلاري وأغفله ترامب.
وتبدو دول الخليج في ميزان المصلحة الأمريكية شريكا لدى كلينتون، يجب أن يتحمل مسؤولياته جميعها، وزبونا لدى ترامب، عليه أن يدفع لتُقدم له الخدمات.
أخيراً، يمكن القول أن المنافسة حادة بين هيلاري وترامب. فكل منهما يمتلك أسباب قوة وبعض حالات الضعف. فمثلا هيلاري المرأة الوحيدة التي ترشحت لمنصب الرئاسة الأمريكية منذ قيام الدولة الأمريكية، ومع تنامي دعوات المساواة بين الجنسين والرغبة داخل الشعب بالتغيير هذه المرة وانتخاب امرأة بدل رجل. في حين يبدو ترامب بجمهوره الأبيض المتطرف وبرنامجه السياسي يدغدغ أفكار وأحلام الكثير من الأمريكيين الغاضبين.
ويجب أن لا ننسى دور الإعلام الأمريكي في خلق نمط تفكير جماهيري محدد صوب تقبل فكرة أو رفضها، ونلاحظ أن هناك جملة من الأفلام والمسلسلات أعطت الرئاسة الأمريكية لامرأة قوية الشخصية تنقذ الولايات المتحدة من كارثة عامة أو أمر جلل، ومن جهة أخرى هناك فعاليات إعلامية ذات جماهيرية كبيرة رشحت فوز ترامب رئيسا لأمريكا. ولا ننسى قبلهم فوز أول رئيس أمريكي أسود “بارك أوباما”، مهدت له السينما الهوليودية بسبعة أفلام عن زنوج فازوا بالبيت الأبيض. ويضع الصحفي ليو شين الثالث، أهمية كبيرة للفريق العامل مع كل مرشح، باعتباره ورقة نجاح. فترامب مثل بقية حملته الانتخابية، فريق السياسة الخارجية له غير تقليدي. وهيلاري كذلك لديها رصيد كبير؛ لأن السنوات التي أمضتها في مجلس الشيوخ ومنصب وزير الدولة أتاحت لها وقتها ببناء قائمة كبيرة من المستشارين الرسميين وغير الرسميين.
المصادر:
http://www.brookings.edu/ar/research/reports2/2016/02/22-us-presidential-election-middle-east-hudak
http://www.sasapost.com/women-in-us-politics/
https://www.quora.com/Are-there-movies-TV-shows-where-a-woman-is-the-US-president
http://www.farfesh.com/Display.asp?catID=119&mainCatID=117&sID=55745