م. م. عبير مرتضى السعدي
مركز الدراسات الاستراتيجية/قسم إدارة الأزمات
22 حزيران/يونيو 2016
لا تفصلنا إلا ساعات معدودة عن أكبر حدث تاريخي في مجال التعاون الدولي في القرن الحالي ألا وهو تصويت البريطانيين على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي أو ما يسمى بـ (Brexit) بعد مدة انضمام استمرت (43) عاما درّت فيه الكثير من الفوائد الاقتصادية على الطرفين (المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي). إذ أصبحت بريطانيا في عام 1973عضواً في الاتحاد الأوربي (EU) ، والذي يضم حاليا 28 دولة.
ويعد الاقتصاد البريطاني خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وثاني أقوى المراكز المالية في العالم، كما واحتل المرتبة العاشرة في الاتحاد الأوربي من حيث أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوربي لعام 2015. فضلا عن ثقلها السياسي العالمي، كونها من الدول المستقرة والآمنة اجتماعيا بفضل قوانينها التي تراعي حقوق كافة الجنسيات والقوميات المختلفة.
في ظل كل المميزات الاقتصادية التي يتمتع بها الاقتصاد البريطاني، تُثار عدة تساؤلات وشكوك عن أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، هل هو بسبب التكاليف الاقتصادية التي تتحملها بريطانيا في عضويتها مع الاتحاد الأوربي كما تدّعي؟، أم بسبب حصولها على السيادة والاستقلال كما ينادي حزب المحافظين فيها؟، وماهي العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة؟، وماهي المشاكل الاقتصادية التي ستواجه الطرفين؟.
يدفع أعضاء الاتحاد الأوربي رسوم العضوية كلّ بحسب قوة اقتصاده وتعافيه. ويتذمر البريطانيون من الرسوم الأوروبية التي تثقل كاهل خزينة بريطانيا، حيث يجب عليها دفع نحو 50 مليار يورو سنويا، في الوقت الذي تعتمد فيه على سياسة تقشفية بسبب العجز في موازنتها.
لذا يرى مؤيدو خروج بريطانيا (حزب المحافظين) أن المملكة المتحدة ستقوى اقتصاديا وسياسيا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي،
مهوّنين من أهمية الانضمام؛ للحفاظ على سيادة البلد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. لذا فإن أهم أسباب الخروج من الاتحاد الأوربي تتمثل بـ :
- تدفع بريطانيا سنويا 14.5 مليار يورو كعضوية في الاتحاد الأوربي، وتضاف إليها تكلفة اللوائح التي تبلغ قيمتها 33.3 مليار يورو، وهي تكلفه عالية؛ لذا فإن الخروج سيتيح لها إنفاق الموارد لصالح مواطنيها.
- 2. إن تجارة الشركات في بريطانيا تبلغ 5% مع الاتحاد الأوربي، ويجب أن تلتزم بجميع توجيهات الاتحاد الأوربي؛ لذا فإن خروج بريطانيا سيؤمّن حرية توقيع اتفاقيات تجارية خاصة مع بقية العالم.
- 3. ترى بريطانيا أن تشريعات وقوانين الاتحاد الأوربي تقوض السيادة الوطنية؛ كونه لا يتمتع بالديمقراطية في اتخاذ القرارات، وتضع قيودا قانونية تسيطر فيها على السلطة القضائية، وخاصة فيما يخص حقوق الإنسان.
- 4. تواجه المملكة المتحدة ضغوطا كبيرة على الخدمات العامة والإسكان والوظائف التي تبلغ كلفتها 3.67 مليار جنية إسترليني سنويا؛ لذا فإن خروجها سيؤدي إلى سيطرتها على تدفق المهاجرين من أوربا الذين تبلغ أعدادهم أكثر من 286 ألف أوربي إلى سوق العمل البريطاني.
- 5. التخوف من إنشاء قوة عسكرية أوروبية، والتي من شأنها أن تقوض حلف الشمال الأطلسي الذي تقوده بريطانيا مع الولايات المتحدة، خاصة بعد الدعوة إلى إنشاء جيش مشترك للاتحاد الأوروبي للتصدي إلى روسيا وغيرها من التهديدات.
- 6. عدم رضوخ بريطانيا لإلغاء عملتها “الجنيه الإسترليني” وهو أن طالب الاتحاد الأوروبي وباستمرار لأن تكون “اليورو” هي العملة الرسمية لجميع بلدان الاتحاد.
- 7. تخوف بريطانيا من هيمنة دول منطقة اليورو على اتخاذ القرارات في الاتحاد الأوروبي، إذ أصبح الاتحاد النقدي الذي لا تشترك فيه بريطانيا (عدم قبول بريطانيا إلغاء عملتها الجنية الإسترليني باليورو باعتباره عملة رسمية في الاتحاد) محور اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت تعرض القرارات بعد اتفاق الأعضاء في منطقة اليورو على دول الاتحاد الأوروبي مجتمع فتصبح ملزمة التطبيق بالأغلبية.
- 8. يرى مؤيدو الخروج أنه بسبب عمليات الهجرة المتوافدة بين الطرفين، غابت العادات والتقاليد البريطانية السابقة، وسيطرت عليها عادات وتقاليد البلدان الأوربية؛ لذا فإن خروج بريطانيا يعني استعادة الحريات والعادات والتقاليد لها.
أما العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوربي، فمن المرجّح أن تتفاوض المملكة المتحدة على اتفاقيات تجارة حرة جديدة لتكون قادرة في الاستمرار بالتصدير إلى الاتحاد الأوربي، إذ إن نصف صادرات المملكة المتحدة تتجه للأسواق الأوربية والنصف الآخر لبقية العالم؛ لذا وضع الاقتصاديون ثلاثة سيناريوهات مختلفة في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد، هي:
السيناريو الأول: بإمكان بريطانيا أن تترك الاتحاد الأوربي ويبقى اقتصادها في حالة ازدهار، وذلك عبر تعديل أو إلغاء القوانين التي كانت تحكمها في الاتحاد، واستعادة السيطرة على حدودها، وتقليل الهجرة المتوافدة من الاتحاد الأوربي، والاستفادة من الكلف الاقتصادية التي كانت تدفع كعضوية للاتحاد الأوربي. أما في مجال التجارة، فبإمكان بريطانيا أن تتفاوض مع الاتحاد الأوربي عبر اتفاقيات دولية ثنائية، كما هو الحال النرويج، فضلا عن الاتفاقيات مع خارج الاتحاد الأوربي، مثل الولايات المتحدة، الصين، الهند، اليابان، وأستراليا.
السيناريو الثاني: وهو الذي يسمى بالسيناريو المحفوف بالمخاطر؛ كون أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي سيؤدي إلى ركود في اقتصادها. إذ ترى بريطانيا أن العضوية في الاتحاد الأوربي ليست هي السبب الرئيس لازدهارها اقتصاديا، على الرغم من وجود علاقات تجارة بين الطرفين؛ لذا بالإمكان الاتفاق بينها وبين الاتحاد الأوربي باتفاقيات تجارية متعددة كما هو حال سويسرا، فضلا عن العلاقات التجارية مع الدول الأخرى وخاصة القوى الاقتصادية الرئيسة.
السيناريو الثالث: يرى أن بريطانيا ستصاب بضرر كبير في اقتصادها على المدى الطويل؛ كون أن أكثر من 500 شركة أوربية تستثمر في المملكة المتحدة، وهذه الشركات ستترك البلاد بمجرد خروجها (أي بريطانيا)، مما يعني قلة ثقة المستثمرين بالاقتصاد البريطاني. لذا يتوجب على المملكة أن تبرم اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي كما هو حال تركيا.
وأشار عدد من الاقتصاديين والباحثين إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سيسبب آثارا عميقة على اقتصاد المملكة المتحدة وقارة أوربا، تتمثل بـ :
- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي يعني بداية الانقسامات في الاتحاد الأوربي، مما سيؤثر على مكانته السياسية والاقتصادية بين العالم.
- تراجع قيمه الجنية الإسترليني، إذ من المتوقع أن تنخفض قيمته إلى 20%، مما سيؤدي إلى خسائر متعددة، أولها خسائر في قيمة عوائد المستثمرين الأجانب، وبالتالي قلة ثقة المستثمرين بالاقتصاد البريطاني، مما سيضطرهم إلى ومغادرة البلاد.
- تراجع قيمة اليورو وأغلب العملات الأوربية التي رفضت الانضمام إلى نادي اليورو.
- حذر محافظ البنك المركزي البريطاني “مارك كارني” من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة بالنسبة لوضع المركز المالي في لندن، وكذلك لسوق العقارات البريطانية.
- تراجع معدلات النمو في الاقتصاد البريطاني إلى 1.5 % عام 2017.
- حذرت دراسة لوزارة الخزانة البريطانية من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيسبب ركودا لمدة عام، ويخفض نمو الاقتصاد بـ 3.6 % لهذا العام.
- حذرت مديرة صندوق النقد الدولي“كريستين لاغارد“ من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد العالمي. وأشارت أيضا إلى أن كافة الدراسات التي أجريت بهذا الشأن لم تظهر نقطة إيجابية واحدة.