الكاتب: جيمس تابسفيلد
صحيفة الديلي ميل اللندنية
24 حزيران 2016
ترجمة وتحليل: مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية/قسم الدراسات الدولية
كيف يمكن للعالم أن يتغير بعد تصويت بريطانيا التاريخي على الخروج من الاتحاد الأوربي. ديفيد كاميرون أعلن استقالته من منصب رئيس الوزراء بعد الاستفتاء، وقال إنه سيكون عليه تحديد خطة لمعركة الحكومة لفك نفسها من الاتحاد الأوروبي. وبحسب المادة 50 من معاهدة لشبونة والتي تحدد السبيل القانوني للخروج من الاتحاد، تحدد هذه المادة مدة سنتين للتفاوض بشأن ترتيبات تجارية جديدة. ويقول بعض أنصار الخروج بإمكانية المحاولة بطرق أخرى لعقد صفقة لتقليل المدة. من غير المرجح لكاميرون أن يبقى رئيسا للوزراء لأكثر من بضعة أسابيع بعد خسارته النواب المؤيدين للاتحاد الأوربي الذين قد يحاولون عرقلة ذلك على الرغم من التصويت.
لقد صوتت بريطانيا بشكل واضح لصالح الخروج من الاتحاد الأوربي، ولكن هذا مجرد بداية لعملية طويلة جدا قبل الانفكاك رسميا من شبكة من المؤسسات في بروكسل.[1]
نتيجة تاريخية للشروع في الطريق إلى عصر التجارة العالمية المزدهرة، التي تحررت من أغلال بيروقراطية بروكسل غير المنتخبة. وإذا ما بقينا ننصت إلى معسكر البقاء مع الاتحاد، فسوف تكون نهاية الحضارة الغربية، وستنزلق القارة إلى الحرب وسيعاني الناس من الجوع. وعند التساؤل عن أي جانب من الاتفاقية الأوروبية سوف يهوي، الشيء الوحيد المؤكد أن الأمور من الآن فصاعدا ستكون حيوية جدا. فماذا ستكون عليه الـ 100 يوم القادمة من خروج بريطانيا؟.
24/حزيران
أعلن ديفيد كاميرون خلال بيان عاطفي الاستقالة كرئيس للوزراء خارج 10 داوننغ ستريت في صباح هذا اليوم. ووعد رئيس الوزراء بتنفيذ رغبات الشعب البريطاني، ولكن خطابه خلا من التفاصيل. وكان التركيز الرئيس في كلمته على الاستقرار والوحدة في محاولة لتجنب المزيد من الاضطراب المالي والسياسي. ومن المرجح أن لجنة الطوارئ الحكومية انعقدت بالفعل ذلك الصباح لمواجهة صدمة التصويت على الخروج قبل افتتاح الأسواق المالية في الثامنة صباحا. وفي الوقت نفسه، كان المستشار جورج أوزبورن[2] متوجها لحضور المناقشات الطارئة بين وزارة الخزانة وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي. وسوف يقومون بتفعيل كل خطط الطوارئ لدعم الجنيه الاسترليني واليورو، وسيتم ضخ السيولة للبنوك لضمان استمرارية عمل النظام. خارج داوننغ ستريت، صباح هذا اليوم، قال كاميرون إنه لن يكون من المناسب له أن يكون “ربان السفينة” فيما تفاوض المملكة المتحدة على خروجها من الاتحاد الأوروبي، لكنه سيبقى في منصبه رئيسا للوزراء لمدة ثلاثة أشهر لتهدئة الأسواق. وسوف يسمح أيضا لحزب المحافظين انتخاب زعيم جديد – من شبه المؤكد أن سيكون الداعم للخروج بوريس جونسون [3]– الذي سيقود بريطانيا خلال مرحلة التفاوض لانسحابها رسميا من الاتحاد الأوروبي.
في بيان له اليوم، سعى كاميرون لطمأنة المهاجرين للاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة والمغتربين الذين يعيشون في القارة، بأن ظروفهم لن تتغير، على الأقل في المدى القصير. وأضاف في محاولة لدرء المخاوف من ضرب الاقتصاد التجاري البريطاني، إن السلع والخدمات ستبقى تباع وتشترى بين المملكة المتحدة والشركات الأوروبية والمستهلكين.
28-29 حزيران
من المقرر عقد قمة في بروكسل، وسوف يكون هناك موضوع واحد على طاولة قادة الاتحاد الأوروبي (التصويت البريطاني على الخروج)، ويمكن أن تستمر الاجتماعات لبضعة أيام إذا ما كانوا قلقين أكثر. وتوقع السيد كاميرون أن يخطر الاتحاد رسميا بنية بريطانيا في المغادرة، حسب ما جاء في المادة (50) من معاهدة لشبونة، العملية القانونية للانسحاب من كتلة 28 دولة، والتي تستمر على مدار الساعة على مدة سنتين يتم خلالها التفاوض على مجموعة جديدة من الترتيبات في مجالات مثل التجارة والعدل والتأشيرات المتبادلة. المملكة المتحدة يمكن أن تغادر الاتحاد في وقت أقصر من ذلك إذا ما تمت الأمور بسهولة. ولكن إذا لم يكن هناك اتفاق قبل نهاية الوقت المحدد، ستخرج بريطانيا دون أي أحكام خاصة، وهذا يعني أن التعريفات التجارية ستكون أعلى من ذلك بكثير. ومع ذلك، بإمكان رئيس الوزراء التوقف عند من يريدون الاحتجاج على المادة (50)، باعتبارها تضع المفاوضين في وضع غير موات. وبدلا من ذلك، يمكن أنه سيحاول دفع الاتحاد الاوربي للتوصل إلى اتفاق دون فرض مهلة زمنية، ولكن ذلك قد يعتمد على ما إذا كانت الدول الأخرى مستعدة للأمر. وحذر رئيس المفوضية الأوروبية “جان كلود يونكر” بالقول: أن “الهاربين” لن يعاملوا بلطف. لكن القادة سوف يضطرون إلى التنقل في العملية برمتها؛ لأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي هي خطوة غير مسبوقة. استقلال غرينلاند فقط حصل في الاتحاد الأوروبي من قبل، وكان ذلك قبل 30 عاما عندما كانت جزيرة يبلغ عدد سكانها 56.000 فقط. ويمكن القول أن الجزائر تركت أيضا، عندما توقفت عن كونها جزءا من فرنسا في 1960.
6 تموز
وكما أن صدمة التصويت على خروج بريطانيا بدأت تخف، يقوم الجهاز الحكومي على مستوى هذه المهمة بالتفاوض على اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي واستبدال اتفاقيات التجارة الثنائية الأخرى. وعلى الرغم من التقلبات في الأسواق، فإن من شبه المؤكد أن الجمهور سيتفاجأ من التغييرات الصغيرة في حياتهم اليومية. الأهم من ذلك تقريبا، هو تهديد جورج أوزبورن بأن مرحلة ما بعد الخروج ستحدث “العقاب” للميزانية، ويعود ذلك جزئيا إلى أن جبهة المحافظين المنتصرين المتشككين في أوروبا، طالبوا بنقل السيد أوزبورن من رقم 11 [4]، ولكن أيضا بسبب أن الضربة الاقتصادية الحقيقية لن يكون لها أثر فوري في 6 تموز، وسوف يكون كاميرون قادرا على قيادة استجابة الحكومة لنشر تقرير تحقيقي حول العراق الذي طال انتظاره. وبعد مدة وجيزة، من المقرر أن يحضر قمة حلف شمال الأطلسي.
21 تموز
البرلمان نتيجة للأوضاع الراهنة سيلغي عطلته الصيفية، وستكون هناك راحة بسيطة للوزراء في خضم المفاوضات المستمرة. وكانت مؤسسة الخدمة المدنية قد وضعت خططا للطوارئ لاحتمالية انسحاب الدولة من الاتحاد. ومن المقرر أن كل قسم سيتأثر بالتغييرات الكبيرة. لكن السيد كاميرون، إذا كان ما يزال في منصبه، فإنه سيكون هامشيا إلى حد كبير في هذه العملية بعد أن ارتبط بشكل وثيق مع حملة البقاء، ومن غير المتصور أنه سيعتبر كمفاوض ذي مصداقية. ومن المتوقع أيضا، تعيين وزير داعم للخروج مثل مايكل غوف[5] للإشراف على العمل. التصويت بالمغادرة أخبر بأن على الحكومة دعوة شخصيات من أحزاب أخرى، والدعوة إلى الأعمال التجارية، والقانون والمجتمع المدني للانضمام إلى فريق التفاوض؛ “للحصول على صفقة جيدة تصب في المصلحة الوطنية”. الآن من المرجح أن قيادة المحافظين ستحاول السعي إلى إنجاز الأمر. قوانين الحزب تشير إلى تسمية رئيس الوزراء اثنين من المرشحين، يتم طرحهما للانتخابات من قبل كل الأعضاء. في حين سيسعى كاميرون إلى البقاء في منصب رئاسة الوزراء للإشراف على المراحل الأولى من مغادرة الاتحاد الأوروبي، ومن شبه المؤكد أنه سيبقى لتصريف الأعمال، في حين سيختار المحافظون زعيما جديدا. ومما لا شك فيه أن بطل الخروج “بوريس جونسون” سيخرج منتصرا.
إن كاميرون سيكون قادرا على الرد على تقرير العراق الذي طال انتظاره يوم 6 تموز، وحضور قمة حلف شمال الأطلسي بعد ذلك بوقت قصير، لكنه من المرجح أن يصبح غير ذي صلة بعمل الحكومة الرئيس، بتركيز أجهزتها على مهمة تنظيم الوضع الجديد في المملكة المتحدة. المستشار جورج أوزبورن، الذي من شأنه المساهمة في هزيمة مخزية لكاميرون، واجه تهميشا جنبا إلى جنب مع شخصيات أخرى بارزة مؤيدة للاتحاد الأوروبي مثل وزير الدفاع مايكل فالون. زعيم حزب العمال “جيرمي كوربين” يناضل من أجل التمسك بمنصبه بعد انتقادات لحملته الانتخابية الفاترة. أما بالنسبة للأموال في البلاد، من المتوقع أن ينخفض الاسترليني في المدى القريب على الأقل، وسيضر ذلك بالأسواق والمستوردين، ولكنه سيفيد المصدرين. ومن المرجح أن ينخفض مؤشر فوتسي[6] مع جفاف الاستثمارات، إلى أن يصبح المشهد واضحا مع التوصل إلى الترتيبات التجارية والحدود الجديدة.
منتصف آب
التشققات يمكن أن تبدأ بسرعة لتظهر في بقية دول الاتحاد الأوروبي. كما ستتساءل البلدان الأخرى إن كان بإمكانهم إقامة دورة اقتصادية أخرى خارج الاتحاد.وشكك رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي “دونالد تاسك” حول ما إذا كان نادي بروكسل – وبصراحة “الحضارة الغربية ” – سيمكنه البقاء على قيد الحياة بعد خروج لندن.واعترفت كبار الشخصيات، مثل وزير المالية الألماني “فولفغانغ شوبل” أيضا، بأن التجمع سوف يضعف بشكل ملحوظ.والاضطراب السياسي ربما سيكون التهديد الأكبر لبريطانيا. وكانت قيادة المحافظين قد أخذت زمنا مماثلا في عام 2005، وانتهى بإعلان تولي كاميرون. ونظرا إلى الحاجة إلى شخص ما يكون مسؤولا عن المحادثات، فمن المرجح أن تكون هناك رغبة قوية في التحرك بأسرع وقت ممكن. إن السيد جونسون سيكون في وضع يسمح له بالفوز بولاية قوية، كسياسي فعل الكثير لتقديم تصويت الخروج.
شهر أيلول
البرلمان سيعود للانعقاد على الرغم من أنه يعقد في أوائل الخريف لإرضاء أولئك الذين يشكون بأن النواب لا يعملون بما فيه الكفاية. وهذا العام سيكون المجلس مشغولا للغاية، وتمت الدعوة للتصويت في الدورة الحالية للبرلمان إلى “وضع حد للمحكمة الأوربية لمراقبة العدل على الأمن الوطني وعلى السماح للحكومة بترحيل المجرمين من الاتحاد الأوروبي”. وقد تعهد دعاة الخروج أيضا بإلغاء نسبة الـ 5% من الضريبة على القيمة المضافة على فواتير الطاقة المنزلية من خلال تعديل قانون ضريبة القيمة المضافة عام 1994. وتشمل الإجراءات البرلمانية الأخرى التي وعد بها، إنهاء الحق التلقائي لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي لدخول المملكة المتحدة، وأخيرا، إلغاء قانون الاتحاد الأوروبي 1972 (إلغاء) بيل، وهي التشريعات التي تكفل سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي إلى القواعد المحلية.
ومع ذلك، فإنه ليس من الواضح مدى سرعة دعاة الخروج وقدرتهم على قطع العلاقات مع بروكسل. فنحو ثلاثة أرباع النواب مع دعم عضوية الاتحاد الأوروبي، وبعضهم سعى بالفعل إلى استغلال هذا الرقم للحد من تأثير التصويت. يمكن أن تكون هناك جهود لتحدي الجمهور، أو البقاء في سوق واحد بدلا من الانسحاب من الكتلة تماما. وقال ايان دنكان سميث[7] إن النواب الذين يتجاهلون نتائج الاستفتاء، سيؤدون بفعلهم هذا إلى “أزمة دستورية”، ويحتمل أن تكون انتخابات عامة مبكرة.
5 تشرين الأول
موسم مؤتمرات الأحزاب السياسية دائما محموم، ولكن هذا العام سيكون له أهمية أكبر. إن إعادة تنظيم السياسة التي بدأها الاستفتاء، ستكون ذات تأثير كبير في بريطانيا وأوروبا. بعد نهاية المائة يوم الأولى، سيكون من الممكن لرئيس وزراء المحافظين الجديد اعتلاء منصة برمنغهام لمخاطبة الناشطين. السيد جونسون – إذا كان قد خرج منتصرا – هل سيكون بإمكانه القول بأن المملكة المتحدة قد حققت بداية في حياتها الجديدة المستقلة من بروكسل.
تحليل
كانت صدمة الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوربي كبيرة، حتى بالنسبة للمصوتين بنعم. وضع مربك وحالة من الريبة والخوف تعتري الجميع في داخل الاتحاد وخارجه، وكأن هناك ندما بريطانيا على ما اقترفته أيديهم، حتى بين دعاة الخروج.
استفتاء الخروج أطاح أولا بكاميرون رئيس الوزراء، ثم أثر على الأسواق المالية، ولو بدرجة أقل، وهذا محليا. أما أخطر آثاره الخارجية، أنه أيقظ الخوف من تفكك الاتحاد الأوربي، المظلة التي كانت تجمع الأوربيين على سلبياتها وكثرة الثقوب فيها. لكنه بالتالي حكم الديمقراطية واجب الطاعة والخضوع، رغم المخاوف الداخلية بانشطار المملكة المتحدة، مع استطلاع الرأي الاسكتلندي الذي أيد بنسبة 52% الانفصال عن بريطانيا العظمى ردا على مغادرتها الاتحاد الاوربي، وتتبعها في ذلك إيرلندا الشمالية، فضلا عن مخاوف خارجية بتفكك وانهيار الاتحاد، وهذا ما حذرت منه ألمانيا. ويبدو أن قضية مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد، ستبقى تتفاعل خلال الأيام والأسابيع القادمة بصورة لا يمكن التنبؤ بمفاجآتها الصادمة.
[1] هي عاصمة الاتحاد الأوروبي بحكم الأمر الواقع وأكبر منطقة حضرية في بلجيكا. تتألف من 19 بلدية. تستضيف بروكسل مؤسسات الاتحاد الأوروبي الرئيسة ومقرات حلف شمال الأطلسي. وكانت المركز الرئيس للسياسة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.(وكبيديا-المترجم)
[2] جورج أوزبورن (من مواليد 1971) هو سياسي في حزب المحافظين البريطاني، كان وزير الخزانة البريطاني منذ عام 2010 وعضو مجلس النواب (البرلمان) منذ عام 2001.(وكيبيديا-المترجم)
[3] الكسندر دي بوريس جونسون(من مواليد ١٩٦٤ – نيويورك): وهو صحفي بريطاني وعمدة لندن السابق وينتمي إلى حزب المحافظين السياسي، وقد انتخب عمدة لمدينة لندن منذ عام 2008. وكان عضو البرلمان لهينلي ورئيسا لتحرير مجلة المشاهد. (وكيبيديا-المترجم)
[4] 11 داوننغ ستريت (المعروف باسم عدد 11): هو المقر الرسمي للورد الثاني في بريطانيا لوزارة الخزانة الذي يعرف رسميا باسم وزير الخزانة. تأسست الإقامة رسميا جنبا إلى جنب مع المقيم الرسمي لرئيس وزراء المملكة المتحدة في 10 داوننغ ستريت في 1682.
اليوم هو المقر الرسمي لجورج أوسبورن، الذي تم تعيينه كمستشار لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم 11 أيار عام 2010.(وكيبيديا-المترجم)
[5] مايكل أندرو غوف (من مواليد 1967): هو سياسي من المحافظين البريطانيين وعضو مجلس النواب (البرلمان).
[6] واحد من أكبر مؤشرات الأسهم البريطانية، حيث تضم أسهم أكبر مائة شركة بريطانية في بورصة لندن. أطلق المؤشر في 3 كانون الثاني 1984 . ( وكيبيديا-المترجم)
[7] جورج ايان دنكان سميث (ولد في 1954)، وهو سياسي من حزب المحافظين البريطاني. وزير الدولة لشؤون العمل والمعاشات 2010-2016، وكان في السابق زعيم حزب المحافظين وزعيم المعارضة في الفترة من 2001 إلى 2003.(وكيبيديا-المترجم)