الكاتب: جيفري فرانكل[1]
ترجمة ونشر: بروجيكت سنديكيت
عرض وتحليل: د. فراس حسين علي الصفار
رئيس قسم ادارة الازمات – مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
شهد العالم خلال الايام القليلة الماضية احداثا غير متوقعة سواء في الجانب السياسي او الاقتصادي ولعل من ابرز تلك الاحداث كان التصويت لصالح (بريكست) اي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بفارق ضئيل جداً ليعكس حالة من التشاؤم وعدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تنتاب العالم، اذ لم يكن احد يتوقع ان بريطانيا سوف تصوت لصالح الخروج وان استطلاعات الرأي التي سبقت التصويت كانت تؤشر ان بريطانيا مستمرة مع الاتحاد الاوروبي لتحقيق هدف التكامل الاقتصادي الشامل، لكن جاءت نتائج بريكست لتقلب جميع التوقعات راساً على عقب وتعد هذه النتيجة مخيبة للآمال على المستوى العالمي فضلاً عن المستوى الاوروبي فقد كانت ردود افعال الاتحاد الاوروبي غير سعيدة وحادة اتجاه النتائج، كما ان نتائج الاستفتاء عدت صدمة للقادة السياسيين في بريطانيا الذين يؤيدون البقاء في الاتحاد الاوروبي وعلى اثر ذلك اعلن ديفيد كاميرون استقالته من رئاسة الوزراء ولوح السياسيون في اسكتلندا عن نيتهم عقد استفتاء للانفصال من بريطانيا والانضمام الى الاتحاد الاوروبي .
ان الاسباب الكامنة وراء حدوث الامور الغير متوقعة هو الاستهانة بمعالجة الخلل البسيط الذي يحدث على المستوى السياسي او الاقتصادي الذي سرعان ما يتفاقم ليظهر فجأة معلناً حالة اختلال كبير في دولة ما او في العالم، ومن ثم لا يمكن السيطرة عليه بسهولة كونه مهمل ولم يتم التخطيط لمعالجته، ويمكن تمثيله بالألم البسيط الذي يحدث للإنسان ولا يحاول تحديد سببه ويستمر بالحياة اليومية بشكل اعتيادي ولا يقوم بإجراء الفحوصات لاكتشاف المرض، وبعد مدة من الزمن يظهر فجأة انه مصاب بالسكري او الضغط او حتى السرطان وقد يكون الانسان وصل الى نقطة اللا عودة نتيجة الاستهانة بشيء بسيط ، وهو ما حدث في بريكست ولعدم تكرار هذه الحالة في الولايات المتحدة الامريكية يجب الحذر من حدوث امور غير متوقعة فالمرشح الرئاسي الامريكي ترامب بدأ الترشيح ولم يتوقع احد لا في الولايات المتحدة ولا خارجها انه سيجتاز المراحل الاولى للتنافس الا انه اصبح الان مرشح الحزب الجمهوري الوحيد، ويعد ترامب من الشخصيات الاكثر جدلاً الذين تم ترشيحهم للرئاسة الامريكية نتيجة مواقفه الغريبة في الجانب السياسي والاقتصادي منها موقفه تجاه الجالية المسلمة ومواقفه ضد معاهدات حرية التبادل التجاري وغيرها مما اعتاد العالم على اعتبارها من اساسيات العالم الحر، وفي هذا الاتجاه ترد مقالة الكاتب لتجد اوجه التشابه والاختلاف بين بريكست وترامب ومحاولة ايجاد حلول لمشاكل العالم الاقتصادي والسياسي حتى وان كانت بسيطة لمنع حدوث امور غير متوقعة او متطرفة تعمل على هدم كل ما تم القيام به خلال العقود السابقة ويبدأ الكاتب مقاله قائلاً:يوجد حدثان سياسيان يحظيان بالاهتمام العالمي هذه الإيام- تصويت المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي وحملة دونالد ترامب الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية – علما أن هناك الكثير من الأشياء المشتركة بينهما فأكثر من نصف الناخبين البريطانيين بقليل اختاروا “بريكست ” أي الخروج من الاتحاد الأوروبي وهي نتيجة ألقت بضلال ثقيلة على النظام السياسي في بريطانيا والآفاق الاقتصادية فيها وربما فهم التشابه بين الحملتين سيساعد الناخبين الأمريكيين على تجنب إتباع مسار مماثل في نوفمبر.
ويستطرد فرانكل قائلاَ: إن أحد أوجه الشبه هو إنه تم الاستخفاف بكلتا الحملتين وخاصة من قبل الخبراء والشخصيات العامة وكما تم استبعاد احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في البداية فإن قلة من النخب السياسية من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء أخذوا مسعى ترامب للفوز بالترشيح الجمهوري على محمل الجد.
إن من أوجه الشبه الأخرى هي إن كلتا الحملتين استندت إلى حد كبير على وعود سخيفة وغير قابلة للتصديق ففي بريطانيا طمأن القائمون على حملة “الخروج” الناخبين بإن بريطانيا يمكن أن تحافظ على حرية الوصول للسوق الموحدة بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه الحد من دخول العمال الأوروبيين لبريطانيا كما أعلنوا أيضا أن 350 مليون جنيه إسترليني (465 مليون دولار أمريكي) التي من المفترض أنه يتم إرسالها إلى الاتحاد الأوروبي كل أسبوع سيعاد تخصيصها لمؤسسة الصحة الوطنية التي تعاني من نقص الأموال.
لقد بدأ قادة حملة “الخروج” بالتراجع عن أقوالهم بعد ساعات فقط من ظهور نتيجة الاستفتاء مما أغضب العديد من الناخبين وخاصة أولئك الذين دعموا حملة الخروج بسبب رغبتهم بالحد من الهجرة. إن وعود ترامب غير القابلة للتصديق بما في ذلك الوعود ببناء جدار بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وإعادة الوظائف التصنيعية من خارج البلاد تبدو ذات مصداقية للعديد من الناخبين.
ويبين الكاتب: إن أوجه الشبه تلك تشير إلى نتيجة مفادها وهي أن العديد من الناخبين الذين ينتمون للطبقة العاملة والطبقة المتوسطة والذين يشعرون أنه تم تهميشهم بسبب العولمة هم أكثر غضبا مما كان يعتقد قادة السلطة ولم يعد من الممكن تجاهلهم وعوضا عن ذلك يتوجب على هؤلاء القادة إيجاد وسيلة للتعامل مع مخاوفهم.
إن هناك رابحين وخاسرين من جراء العولمة ولكن أحد الاقتراحات الأساسية في الاقتصاد يشير إلى أنه عندما يتاجر الأفراد بحرية فإن حجم الكعكة الاقتصادية سيزيد بشكل كاف لدرجة أنه باستطاعة الرابحين نظريا تعويض الخاسرين مما يترك الجميع في وضع أفضل.
إن المتشككين في العولمة محقون بانه عمليا فإن التعويض عادة ما يبقى افتراضيا ولكن الاقتراح بانه يتوجب علينا محاولة التراجع عن العولمة قد يتسبب بالمشاكل لسبب بسيط وهو أنه لا يمكن التراجع عن العولمة وأية محاولة لإعادة المارد إلى الزجاجة قد لا تشعل حروبا تجارية فحسب مع عواقب خطيرة على النمو الاقتصادي، ولكنها ستفشل كذلك في تخفيض التجارة لمستويات قبل خمسين سنة ولا يوجد قائد وطني بإمكانه إعادة التوظيف في بعض الصناعات مثل صناعة الفولاذ إلى ما كانت عليه سنة 1966.
ويوضح فرانكل انه: لحسن الحظ هناك خيار أفضل. إذ بإمكاننا أن نتعامل مع العولمة كأمر مفروغ منه ونتبنى إجراءات للمساعدة في تعويض أولئك الذين يمكن أن يخسروا بطبيعة الحال.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن الإجراءات التي قد تساعد في تحقيق ذلك تتضمن برنامج مساعدة التعديل التجاري وهو برنامج يستهدف على وجه التحديد مساعدة أولئك الذين فقدوا وظائفهم بسبب التجارة. إن من البرامج الأكثر أهمية (والتي قد تساعد أولئك الذين تخلفوا عن ركب التجارة والتقنية أو أي شيء آخر) برامج تتضمن توسيع الائتمان على ضريبة الدخل المكتسب والتأمين الصحي.
إن الديمقراطيين بما في ذلك الرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية المفترضة لخلافته يؤيدون بشكل عام تلك السياسات ولكن الجمهوريون يعارضونها ويبدو من المرجح أن ترامب سيرفض مثل تلك الجهود كذلك على الرغم من ادعاءه بانه منقذ الطبقة العاملة.
إن صعود نجم ترامب يعكس المدى الذي وصل إليه الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الثماني الماضية وبينما تمت الإطاحة بالمعتدلين السياسيين فإن الجمود السياسي أصبح أكثر سوءا حيث تمت إعاقة المبادرات الرئاسية بشكل روتيني من قبل الجمهوريين في الكونجرس وحتى عندما كانت تلك الاقتراحات تتوافق مع الأفكار الجمهورية وهذا لا يبشر بالخير للخاسرين من العولمة فهم بحاجة لقادة – من كلا الحزبين في الكونجرس وفي الفرع التنفيذي – يعملون معا لحماية مصالحهم.
وحتى وقت قريب يبدو أن النظام الانتخابي البريطاني كان يمثل نهجا متوازنا بشكل يدعو للإعجاب فلقد كان الحزبان الرئيسيان بشكل عام ينشطان تحت قيادة مؤهلة ومتماسكة ويمثلان مواقف في السياسات تعتبر محددة نسبيا – يمين الوسط بالنسبة للمحافظين ويسار الوسط بالنسبة للعمال-وفي ظل تلك البيئة فإنه يمكن للناخبين الاختيار بناءا على القضايا المطروحة وبموجب النظام البرلماني فإنه يمكن لرؤساء الوزارات المنتصرون العمل من أجل تنفيذ السياسات التي بنوا حملتهم الانتخابية على أساسها.
لكن حتى قادة بريطانيا “المؤهلون والإكفاء” أحيانا يتخذون قرارات كارثية وتفتقر للحكمة فمن قرار مارغريت تاتشر بفرض ضريبة الرأس إلى دعم توني بلير لغزو العراق بقيادة أمريكا وقرار ديفيد كاميرون لعقد استفتاء بريكست علما أن مثل تلك القرارات قد قوضت النظام البريطاني.
ويختم الكاتب مقاله بالقول: إن الذي بقي الآن بعد كاميرون هو الفوضى فبريطانيا بدون قائد والمجموعة الجديدة من السياسيين يفتقرون للوضوح والتماسك وعندما تجرى الانتخابات القادمة فإن من الممكن أن يطلب من الناخبين الاختيار بين أحزاب لا تتوافق بأية طريقة واضحة مع قرارات السياسة ذات العلاقة التي يجب أن تتخذها بريطانيا وخاصة فيما إذا كانت بريطانيا ستسعى للتفاوض على ارتباط وثيق نسبيا مع الاتحاد الأوروبي أو الانفصال الكامل.
وفي هذا السياق فإن الناخبين الأمريكيين يمكن أن يكونوا أفضل حالا من نظراءهم البريطانيين فعلى الرغم من أن ظهور ترامب يوحي بإن النظام السياسي الأمريكي قد تدهور بشكل ملحوظ أيضا فإن الديمقراطيين ما زالوا يفضلون سياسات مثل تأمين الأجور والتأمين الصحي الشامل ولا يزال الجمهوريون يعترضون عليها وعليه فإن الناخبين في أمريكا في نوفمبر سيختارون فيما يتعلق بأحد القضايا الرئيسية التي تشغل بالهم وهي كالآتي : هل سيتم التعامل مع واقع العولمة عن طريق مساعدة الذين تخلفوا عن الركب أو محاربة أعداء وهميين كما فعل البريطانيون الذين صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي.
الخلاصة: يؤشر الكاتب ان السبب الرئيسي لظهور هذه الاوضاع المتطرفة من السياسات التي يتبناها اشخاص متطرفون بإشارة الى ترامب هو المحرومين من العولمة باعتبارهم طبقة فعالة بالمجتمع لها دورها الاقتصادي والسياسي وانها قادرة على تغير الاوضاع السائدة في البلد فالطبقات الدنيا والوسطى من المجتمع قادرة على احداث ما لا يمكن توقعه فالفلاحين والتجار والحرفيين وغيرهم من كبار السن استطاعوا اخراج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، كما ان عزوف الشباب في بريطانيا عن المشاركة في الاستفتاء نتيجة عدم معرفة اهمية هذا التصويت ساعد على ظهور النتائج بهذا الشكل. ويمكن ان يعلب اقرانهم في الولايات المتحدة الدور نفسه إذا لم يتم اعطاء هذا الموضوع اهمية كبيرة، والعمل على حل المشاكل التي يعاني منها بعض طبقات المجتمع نتيجة السياسات المطبقة وتعويضهم عن الاضرار التي تلحق بهم نتيجة حرية تجارة السلع والخدمات وحرية انتقال العمال، ومن ثم عدم تكرار سيناريو بريطانيا في الولايات المتحدة. وان مجموعة الاجراءات التي يوردها الكاتب كتعويض عن مساوئ العولمة في الولايات المتحدة تعد أحد اهم عوائق حدوث مالا يمكن حسبانه، فالتأمين الصحي وسياسات الاجور لتحقيق العدالة وتعويض فاقدي وظائفهم نتيجة العولمة والائتمان الذي يمنح على الدخل ومساعدة الصناعات الصغيرة والمتوسطة ورفد بعضهم بالتقنيات الحديثة كلها امور تساعد المتضررين من العولمة.
ومن المعلوم انه في حالة عدم وجود بوادر لحل الامور السائدة يضطر المجتمع لخيارات قد تكون مجنونة وعواقبها وخيمة على الدولة والعالم، فظهور الدولة القومية والحمائية بعد سنوات مريرة من العمل من اجل حرية انتقال السلع والخدمات وانتقال العمالة وراس المال وما وصلت له الدول في ظل منظمة التجارة العالمية (WTO) يعد امراً صعباً جداً كونه يعيد العالم للزمن الذي سبق الحروب العالمية عندما اصبحت المصالح الاقتصادية والسياسية سببا في نشوئها، ومن ثم لا يمكن تصور الامور في حالة فوز ترامب وعمله على تطبيق سياسات حماية الاقتصاد الامريكي وتعامل مع المهاجرين بسياسات جديدة خاصة مع الجالية المسلمة.
ان في كلا الامرين خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وترشيح ترامب لرئاسة الولايات المتحدة يمثل علاجا اخيرا للدولتين في حالة عدم وجود حل اخر لهما وكما يقال (ان اخر العلاج الكي).
رابط المقال:
https://www.project-syndicate.org/commentary/brexit-us-election-parallels-by-jeffrey-frankel-2016-07
[1] أستاذ في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد، شغل سابقا منصب عضوا في مجلس الرئيس بيل كلينتون للمستشارين الاقتصاديين. يدير برنامج في التمويل الدولي والاقتصاد الكلي في المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية، حيث كان عضوا في لجنة تأريخ دورة الأعمال التجارية، والحكم الأميركي الرسمي من الركود والانتعاش.