د.سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
كانون الثاني-يناير 2017
لا يختلف العراق عن غيره من دول العالم في كونه شعب فيه شيء من التعددية القومية والدينية والمذهبية، ولكنه يختلف عنها في كون الانظمة السياسية التي تعاقبت على حكمه لم تستطع ان تجمع هذه التعددية تحت خيمة هوية وطنية واحدة.
واذا تركنا السنوات التي سبقت عام 2003، على اعتبار انها قد اشبعت بحثا ودراسة، وتجاوزنا حتى فترة ما بعد 2003، وركزنا حديثنا على مرحلة ما بعد تحرير العراق من داعش، فأننا سنجد بان للعراقيين فرصة سانحة لأعادة ترميم هويتهم الوطنية التي اصابها الوهن .
وهذه الفرصة السانحة لترميم جسد الهوية الوطنية العراقية انما تتمثل في تقارب العراقيين واندماجهم بشكل عفوي في سوح المعارك وتحت خيم النزوح، دماء شباب الجنوب سالت في محافظات الوسط والشمال، وعندما ضاقت الدنيا باهل الرمادي ونينوى وتكريت لم تستقبلهم السعودية ولا قطر، بل استقبلتهم كربلاء المقدسة والنجف الاشرف والبصرة وميسان.
الناس البسطاء في المحافظات اعلاه الذين كانت تنطلي عليهم المواد الاعلامية القادمة من خلف الحدود والتي تثير في انفسهم الخوف من المؤسسة الامنية العراقية، اخيرا ادركوا حقيقة ان الجيش سور للوطن، وان الجماعات المتطرفة مهما ادعت انسانيتها لايمكنها ان تخفي طائفيتها ووحشيتها التي باتت معروفة للجميع.
ابناء المحافظات الجنوبية هم ايضا كان الكثير منهم لا يميز بين السنة العراقيين والفكر التكفيري المتطرف الذي سرق صوتهم واخذ يتصرف نيابة عنهم، ولكنهم اليوم عندما اقتربوا اكثر من الاهالي وشاركوهم همومهم واستمعوا الى معاناتهم عرفوا ان السنة العراقيين هم على الضد من الارهاب بل انهم ضحايا له، الا من اختار ان يكون في معكسر المعارضة السلبية لعراق ما بعد 2003.
الاكراد لم يكونوا بمعزل عن التغيرات التي حدثت بشأن الهوية الوطنية العراقية، فالأزمة الاقتصادية قد اعطتهم درسا بان الخير كله يأتي من بغداد ومن ميزانيتها الاتحادية وان المجتمع الدولي قد يتخلى عنهم ولكن بغداد تبقى تنظر اليهم بعين البلد الواحد .
ان هذه المشاهد ربما تمثل الفرصة الاخيرة لبناء الهوية الوطنية العراقية، على اعتبار ان المشاريع المعدة لتقسيم العراق قد بدأ العد التنازلي لتطبيقها.
وهنا ينبغي على النخبة السياسية الحاكمة في العراق ان تكون بقدر المسؤولية، وان تستغل المعطيات اعلاه لإعادة ترميم الهوية الوطنية من خلال الكف عن الخلافات السياسية واعداد خطة متكاملة للتعامل مع مرحلة ما بعد طوي ملف داعش.