د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
نيسان-ابريل 2017
تسارعت الاحداث في العراق، وباتت تفوق امكانيات اي صنع قرار في العالم، حتى لو كانت العقلانية والرشد بوصلته فيها، وكلما تمكن هذا الرجل الذي شاءت الاقدار له ان يعتلي صهوة السلطة في ظروف عصيبة، من ان يسد ثغرة من الثغرات، فتحت عليه جبهة اخرى، وازمة جديدة في بلاد لم تعرف الاستقرار منذ عام 2003.
العبادي في هذه الايام في موقف لا يحسد عليه، فالبعض من شركاء الوطن يزمون حقائبهم ليرحلوا ويأخذوا جزء من تراب البلاد معهم، وهي القوى السياسية الكردية، والبعض الاخر وهم الفئة الاضعف، فئة الوطنيون الذي يجعلون وحدة العراق اقدس الاقداس، يطالبونه بتحمل المسئولية كاملة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على وحدة البلاد او على الاقل الاطالة في عمرها، واخرون تسيل دمائهم، يضحون بشبابهم في سبيل حماية البلاد واستقرارها وامنها، وقد خلفوا ورائهم جيلا من الارامل والايتام والثكالى، وهم ابناء القوات المسلحة الذين يتساءلون عن فائدة ما فعلوه، اذا كانت ارض العراق رخيصة لهذا الحد.
وبالرغم من سواد الصورة اعلاه، وبالرغم من كثرة الضغوط، الا ان القادة الحقيقيين يحملون بلادهم فوق ظهورهم ويعبرون بها الى بر الامان ويضعونها على طريق التقدم والازدهار.
العبادي بصفته رئيس اعلى سلطة سياسية في البلاد، وصانع القرار الذي سيتحمل مسئولية ما تؤل اليه الامور، أصبح مطالبا بالبحث عن خيارات متعددة للخروج من هذه الازمة، المتمثلة برغبة القوى السياسية الكردية الانفصال عن العراق، ومن تلك الخيارات المتاحة، الاتي:
اولا -خيارات على الصعيد الداخلي:
1 – تكوين رأي عام في صفوف النخبة التي يقودها، وفي عموم الشعب العراقي رافضا للمساومة او مناقشة موضوعة التقسيم، واعتبار تداولها او استبساطها خيانة عظمى.
2 – تذكير الاطراف التي تبحث عن الانفصال، بأن الدماء التي سالت في سبيل حفظ العراق وطرد الارهاب منه، على استعداد ان تسيل مرة اخرى لحفظ وحدته.
3 – الوقوف على باب المرجعية الدينية، وطلب مساعدتها باسم الشعب العراقي، والتدخل لإضفاء قدسية على وحدة العراق، على الاخص وان تقسيم البلاد إذا ما تم سيكون في الزمن الذي يتولى فيه ادارة البلاد اشخاص يدعون انهم يطبقون نهج ال البيت (ع) في ادارة البلاد، وبالتالي سيجلب هذا الحدث السمعة السيئة للشيعة العراقيين على مدى الدهر.
ثانيا -خيارات على الصعيد الخارجي:
1 – استخدام الورقة الاقليمية لحفظ وحدة العراق، بمعنى تشكيل وفود تسافر بشكل مستعجل الى انقرة وطهران وحتى الرياض وعمان، للإسراع بإجهاض مشروع الانفصال وايقافه، وتذكير الدول المجاورة من ان تقسيم العراق سيكون الشرارة الاولى لتقسيم بلدانهم، مثلما انتقلت عدوى الاطاحة بالأنظمة من العراق الى بقية الدول العربية.
2 – اقناع الولايات المتحدة الامريكية بان العراق حليف قوي لها، وان الدولة الكردية إذا ما رأت النور فأنها ستكون دولة إسلامية جديدة حتى لو تغطت بالشعارات العلمانية، وستكون مأوى للإرهاب خاصة اذا وضفت فيها الاموال الخارجية وسيرتها بشكل يعادي الغرب ومصالحه.
3 – حث الولايات المتحدة على انجاح نموذج الدولة العراقية القوية في المنطقة، وفي حالة التقسيم فلن تثق اي دولة اخرى في المنطقة بعد اليوم بالسياسة الامريكية، وقد تنشأ محاور وتحالفات تعمل على ضرب المصالح الامريكية في المنطقة والذهاب باتجاه التحالف مع اقطاب دولية جديدة.
4 – تطمين الولايات المتحدة الامريكية من ان العراق حليف قوي وموثوق به، وعلى استعداد للتعاون المتبادل مع الولايات المتحدة على المدى الطويل.
ثالثا -خيارات اخرى:
اما إذا فشل العبادي في انجاح أحد الخيارات اعلاه، فسيكون امامه خيارات اخرى، ومن ابسطها، الاستقالة الفورية والاعتراف بعدم القدرة على حفظ وحدة البلاد، والاعتذار للشعب العراقي.
اذن، هذه الازمة هي اختبار ومحنة حقيقية للعبادي، فهل ينجح في اجتيازها مثلما نجح في عبور ازمة الارهاب وأنقذ البلاد منها، ام ان الظروف اقوى منه هذه المرة وقد تطيح بمستقبله وتحمله وزر تقسيم بلاد اختارته الاقدار ان يحكمها؟
الايام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عن مثل هذه التساؤلات.