ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/قسم الدراسات الدولية– جامعة كربلاء
نيسان/أبريل 2017
وجهت الولايات المتحدة الأمريكية صباح يوم الجمعة 7 نيسان ضربة جوية لقاعدة الشعيرات السورية بـ 59 صاروخاً توماهوك من قواعدها البحرية المتواجدة في البحر المتوسط. اذ امر الرئيس دونالد ترامب بضرب القاعدة بعد التشاور مع إدارته، وأخبار بعض العواصم الدولية المهمة مثل لندن وباريس وبكين، فضلاً عن أخبار موسكو بالضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات قبل تنفيذها. وتأتي هذه التطورات العسكرية من الجانب الأمريكي رداً على هجوم “خان شيخون” الكيمياوي الذي يتهم بتنفيذه النظام السوري ضد المدنيين. وعلى أثر تلك الضربة الصاروخية الأمريكية، جمدت روسيا العمل بمذكرة الاتفاق مع واشنطن لتفادي حوادث الطيران فوق الأراضي السورية. إذ وصفت الخارجية الروسية الضربة الأمريكية بأنها تشبه إلى حدا كبير الحرب على العراق التي قامت بها اميركا عام 2003 دون قرار مسبق من مجلس الأمن.
لكن ومع كل التداعيات التي احدثتها الضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات السورية وردود الفعل الدولية والإقليمية، كيف يمكن لنا أن نفهم حقيقة الضربة الصاروخية ومقاصدها؟ وهل هدف واشنطن هو تقويض نشاط النظام السوري ضد المدنيين أم أن لواشنطن رسائل أخرى؟.
الضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات لاقت استحسانا وتأييدا دوليا، لاسيما من قبل دول الاتحاد الأوروبي واستراليا، فضلاً عن تركيا ودول الخليج، فيما تحفظت بعض الدول عن الإعلان عن موقفها من الضربة الصاروخية. أما حلفاء موسكو مثل إيران والصين فقد رفضتا هذه الضربة ووصفتها بالاعتداء على القانون الدولي. فيما اكدت وسائل الإعلام الأمريكية بأن الرئيس ترامب اتخذ موقفه من الضربة العسكرية بناءً على المشاهد التلفزيونية وهو يشاهد الأطفال التي تموت بغاز الأعصاب في “خان شيخون”. ووفقاً لبعض المصادر الإعلامية الأمريكية فأن تلك المشاهد المؤلمة قد حركت مشاعر الرئيس الأمريكي!.
لكن التاريخ والحضور السياسي في النظام الدولي يقول بأن المواقف الدولية بعيدة عن هذا الشيء، والدول في المسرح الدولي لا تتخذ مواقف عسكرية بناءً على مشاهد انسانية مؤلمة، لاسيما المواقف العسكرية. ولهذا ربما يكون الدافع وراء الضربة الصاروخية الأمريكية مآرب ودواعِ أخرى بعيدة عن المواقف الانسانية التي تحدث في سوريا أو العراق أو في أي مكانٍ أخر، وقد يكون هدفها توصيل رسالة غير مباشرة إلى الصين وكوريا الشمالية؛ وذلك من أجل لجم الأخيرة عن استفزازاتها المستمرة لجيرانها “حلفاء أمريكا التقليديين”، وهنا الأمر متعلق بكوريا الجنوبية واليابان. لاسيما وأن كوريا الشمالية قد اطلقت صاروخاً باليستياً باتجاه اليابان خلال المدة القصيرة، مما أثار غضب الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك الحال بالنسبة للصين فقد تكون الضربة الأمريكية رسالة مبطنة من قبل الإدارة الأمريكية على مشاريع الصين التوسيعية في بحر الصين ونشاطها التجاري، فضلاً عن الرسالة المباشرة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الرئيس السوري بشار الأسد في حال اقدامه على استخدام المواد السامة بعد مجزرة خان شيخون. وبهذا فأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أراد ايصال الرسالة إلى بيونغيانغ وطهران وبكين مفادها بأن “الإدارة الأمريكية الحالية مختلفة عن الإدارة السابقة” وأن سياسة الصبر الاستراتيجي قد ولت مع الإدارة السابقة، وهي رسالة يريد ترامب من خلالها أن يعيد هيبة الولايات المتحدة الأمريكية التي فقدت بريقها في عهد اوباما، لاسيما في الشرق الأوسط.
وبالتأكيد فأن هذه الدول قد فهمت الرسالة الأمريكية، إلا أن مواقفها الحاسمة لا يمكن أن تفصح عنها بضربة عسكرية كتلك التي وجهتها الولايات المتحدة إلى قاعدة الشعيرات، وقد تكتفي بالشجب والاستنكار. لكن ومع الأخذ بنظر الاعتبار الرسائل الأمريكية الموجهة إلى تلك الدول، إلا أن أمكانية واشنطن في توجيه ضربة صاروخية إلى طهران أو بيونغيانغ أمرا مستبعدا في الوقت الحالي حتى وأن تمادت هذه الدول في تجاربها الصاروخية على القانون الدولي واستفزت واشنطن وحلفاءها التقليديين.