د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء
نيسان-ابريل 2017
انشغل الباحثون والمراقبون على اختلاف توجهاتهم ومناهلهم الفكرية والبيئات التي ينطلقون منها، طيلة الايام الماضية بتحليل وتعليل الضربة الامريكية على سوريا، وادلى كل مراقب وكل باحث بدلوه في الموضوع، وانشغلوا مرة اخرى ببحث ومناقشة حدث جديد مهم ايضا تعلق بالتفجيرات الاخيرة التي شهدتها مصر.
وإذا أردنا ان نبحث عن خيوط تربط المسألتين، اي الصواريخ الامريكية التي ضربت سوريا والتفجيرات التي حدثت في مصر، فأننا سنجد بأن الرئيس الامريكي ترامب بضربه لسوريا انما اراد ان يعلن للعالم عن بداية حكمه، وان يمسح من الاذهان فترة اوباما التي كانت تدار فيها الامور من قبل امريكا بتردد وعلى استحياء.
هذا الاعلان الامريكي عن الرغبة باستخدام القوة في التعامل مع المشاكل والازمات الدولية، لم يهز عرش الرئيس السوري ودولته شبه المنهارة فحسب، بل لقد اهتزت له اغلب الانظمة في الشرق الاوسط، وبات جميع الحكام يتحركون بهمس وحذر خوفا من ان تدار مدافع البارجات الامريكية نحو عروشهم.
الجماعات الاسلامية المنتشرة في المنطقة، لم تعد تمارس نشاطاتها بحماس وعشوائية مثلما كانت تفعل من قبل، بل صارت تفكر مليا قبل ان تقدم على اي عمل، لذلك فقد وجدت بأن الاندفاع الامريكي يعتبر الفرصة السانحة بالنسبة لها، لضرب خصومها، من خلال جذب انظار الولايات المتحدة ورئيسها ترامب الى بعض الانظمة السياسية في المنطقة، لعله يفعل معها مثلما فعل مع النظام السياسي في سوريا، وعلى هذا الاساس حدثت عدة تفجيرات في مصر، والتي تمثلت بضرب الكنائس ذات المدلولات الدينية بالنسبة للغرب عموما وللولايات المتحدة على وجه الخصوص .
ولكن، هل ستنجح الجماعات المسلحة في تحريك الولايات المتحدة ضد النظام المصري، ورئيسه السيسي على وجه الخصوص؟
من خلال قراءة تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وعلاقاتها مع مصر، فأن الغرب كانت تربطه علاقات جيدة مع هذه الدولة العربية، منذ ان وقع الرئيس المصري (محمد انور السادات) اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي فأن هذه العلاقات من غير المتوقع ان تتأثر بمثل هذه التفجيرات، ما دامت مصر تحترم علاقاتها المتبادلة مع اسرائيل، وما دامت تكف بنفسها عن الازمات الدولية وتقف بما يشبه الحياد من المحاور الدولية الجديدة التي تقودها روسيا والولايات المتحدة.
ولكن إذا كانت مصر تقف على الحياد من المحاور الدولية، فهل تترك الدول المتحالفة مصر وشأنها، ام ان هناك من يحاول زجها في الازمة، او على الاقل نقل الازمة الى اراضيها؟
نجح المصريون في تحقيق استقرار معقول عقب ازاحة رئيسهم الاسبق (مبارك) عن الحكم، وفوتوا الفرصة على البعض من المتربصين الذين ارادوا ان تكون هذه البلاد مشتعلة مثل سوريا وليبيا واليمن، ولكن يبدوا ان الامور لم تحسم بعد، فلا زالت المخابرات الدولية تفعل فعلها في هذه الدولة المهمة في الشرق الاوسط، وما تشهده من تفجيرات بين الآونة والأخرى لهو خير دليل على ذلك.
إذا قبلنا بالتحليل اعلاه، اي ان هناك أطراف تريد ان تجعل من مصر سوريا ثانية، فمن هذه الاطراف؟ ولماذا تختار مصر بالذات؟
من المعروف ان الفكر القومي العربي كان يعتبر مصر عاصمته الاساسية حتى لو حاولت دمشق ان تزاحم القاهرة فيه، ومن المعروف ايضا ان اقدام الاتحاد السوفيتي واشتراكيته جعلت من مصر مهبطها الاول في العالم العربي، وعندما ضعفت مصر انهار الفكر القومي وضربت مصالح الاتحاد السوفيتي في المنطقة، وبقيت مصر بمأمن عن الصراعات الدولية والاحلاف طيلة الفترة التي كان فيها (مبارك) ممسكا بالحكم، ولكن في الفترة الماضية او في العام الماضي خصوصا، بدأت مصر تحاول استعادة دورها المحوري في المنطقة، فتحسنت علاقاتها مع العراق اقتصاديا، وبدأت الانظار تتوجه صوبها عساها ان تحدث نوع من التقارب السعودي – الايراني.
يبدوا ان هذا الدور الذي تريده مصر لنفسها بات لا يرضي البعض من الاطراف الاقليمية والدولية التي تريد ان تبقى المنطقة تحتدم بالصراع المذهبي، حتى تكون الرؤية الغربية لمرحلة ما بعد انتهاء اتفاقية سايكس بيكو قد اكتملت واستوت طبختها، ولعل الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل يأتيان في مقدمة هذه الدول التي لا تريد ان تفكر مصر بطموحات خارج حدودها.
دول الخليج العربي ايضا لها مصلحة في ان تبقى مصر حبيسة نفسها، فالزعامة السعودية-القطرية للسنة العرب، تصبح في خطر إذا ما رفعت مصر رأسها من جديد، لذلك فهي لا تتوانى عن دعم الجماعات الاسلامية فيها.
اذن، هناك ترابط ما بين الصواريخ الامريكية على سوريا، وما بين التفجيرات التي شهدتها مصر، هذا الترابط يتعلق في رغبة الجماعات المسلحة بلفت انظار الولايات المتحدة الى النظام المصري، لعل رئيسها الجديد يفعل معه مثلما فعل مع النظام في سوريا. ورغبة الولايات المتحدة واسرائيل وبعض دول الخليج العربي بمنع مصر من ان تكون عاملا في استقرار المنطقة، قبل ان تكتمل الرؤية الامريكية بشأنها.